قال علي: فما سمعت شيئاً من رسول اللهً فنسيته.
وأخرجه ابن المغازلي في مناقبه(1) وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل من طرق عديدة عن مكحول رفعه، وأخرجه أيضاً عن مكحول عن بريدة من طريق، وعن بريدة من طريق بشر بن آدم أخي يحيى بن آدم بإسناده عن بريدة من طرق، ورواه الحاكم الحسكاني عن بشر من طرق عديدة.
وأخرج الطبري في تفسيره أيضاً(2) بسنده عن بريدة يقول: سمعت رسول اللهً يقول لعلي عليه السلام: ((يا علي، إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي))، قال: فنزلت: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12].
وأخرج أيضاً مثله عقيبه بسند آخر عن بريدة مرفوعاً، وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل.
قال السيد العلامة عبدالله بن الهادي في حاشية كرامة الأولياء: وقول أمير المؤمنين عليه السلام حين نزلت هذه الآية: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال رسول اللهً: ((سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي)): فما نسيت بعد ذلك، أخرجه الثعلبي، وأخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة. انتهى.
قلت: وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن ابن عباس، ومن طريق عن أنس.
وفي الدر المنثور للسيوطي(3) ما لفظه: وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول قال: لما نزلت {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال رسول اللهً: ((سألت ربي أن يجعلها أذن علي)).
قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت من رسول اللهً شيئاً فنسيته.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة قال: قال رسول اللهً لعلي: ((إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي، وحقّ لك أن تعي، فنزلت هذه الآية: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ})).
__________
(1) مناقب المغازلي ص265.
(2) تفسير الطبري ج28 ص36.
(3) الدر المنثور ج6 ص260.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال: قال رسول اللهً: ((يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي)) فأنزلت هذه الآية: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} ((فأنت أذن واعية لعلمي)). انتهى.
وأخرج الحاكم في المستدرك(1) عن علي عليه السلام: كنت إذا سألت رسول اللهً أعطاني وإذا سكت ابتدأني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قلت: وأقرّه الذهبي ولم يعترضه في تلخيصه، وأخرجه الإمام أبو طالب في أماليه في باب فضائل علي عليه السلام.
وأخرجه الترمذي في جامعه(2) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه قال: وفي الباب عن جابر وزيد بن أسلم وأبي هريرة وأم سلمة. انتهى.
وأخرج الحاكم في المستدرك(3) بسنده عن مجاهد قال: كان من نعم الله على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما صنع الله له وأراده به من الخير: أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب في عيال كثير، فقال رسول اللهً لعمه العباس -وكان من أيسر بني هاشم-: با أبا الفضل إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق إليه نخفف عنه من عياله-: آخذ من بنيه رجلاً وتأخذ أنت رجلاً فنكفلهما عنه.
فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب -إلى قوله-: فأخذ رسول اللهً علياً فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفراً فضمّه إليه، فلم يزل علي مع رسول اللهً حتى بعثه الله نبيًّا فاتّبعه وصدقه. انتهى المراد.
وقد مرّ في الفصل الأول اعتراف ابن حجر بهذا المعنى.
ولعلي عليه السلام كلام في هذا المعنى، في نهج البلاغة. بس بس
__________
(1) مستدرك الحاكم ج3 ص125.
(2) جامع الترمذي ج5 ص637 و ص640.
(3) مستدرك الحاكم ج3 ص572.
وتحقيق اتصال علي عليه السلام برسول اللهً وملازمته يؤخذ من حديث المنزلة لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}[الفرقان:35] ويؤكد ذلك حديث الكساء، وحديث المؤاخاة، وحديث: ((أما أنت يا علي فأنت مني وأنا منك)) وغير ذلك مما يناسبه في المعنى.
فإذا تبين أن عليًّا عليه السلام هو الملازم لرسول اللهً من أول نزول الوحي نحو ثلاث وعشرين سنة، مع كمال فهمه وحفظه كما تبيّن مما سبق، تبين أنه هو حافظ الشريعة دون أبي هريرة الذي لم يدرك إلا نحو ثلاث سنين، وإن ادّعى أبو هريرة لنفسه الملازمة في هذه المدة القصيرة وادّعى الحفظ الخارق، أو ادّعي له ذلك؟!
فما ذلك، إلا لدفع التهمة عنه لكثرة حديثه بالنسبة إلى غيره من الصحابة الذين طالت ملازمتهم لرسول اللهً مع حرصهم على علم الشريعة، فضلاً عن كثرة حديث أبي هريرة بالنسبة إلى كافة الصحابة، وفضلاً عن كثرة حديثه بالنسبة إلى قصر مدته، حتى ترجح أن أكثر حديثه غير مسموع، أعني لم يسمعه من رسول اللهً فما لم يصرح فيه بأنه سمعه فليس الأصل فيه السماع.
وهذا، على تقدير قبول روايته.
والتحقيق أنها لا تقبل وفيه كلام ليس هذا موضعه، وقد صنّف فيه شرف الدين الإمامي كتأبا مفيداً في الاحتجاج على ضعفه اسمه أبو هريرة وهو مطبوع فاطلبه وطالعه(1).
وأخرج أحمد بن حنبل في المسند(2) عن أبي هريرة أن رسول اللهً قال: للعبد المصلح المملوك أجران والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.
__________
(1) باسم (أبو هريرة) وكذلك ألّف أحد أعلام العامة الشيخ محمود أبو رية كتاب شيخ المضيرة أبو هريرة، في الموضوع نفسه وهو حافل لا بد من مراجعته.
(2) مسند أحمد ج2 ص330.
فهذا يعارض دعواه تفرّغه لسماع الحديث؛ لأن مقتضى برّه لأمه أن لا يهملها حتى تعرى وتجوع، وهو متمكّن من السعي عليها، فإذا كان يسعى على أمه انتقض زعمه أنه كان لا يشغله شيء عن سماع الحديث.
الفائدة التاسعة
أخرج الحاكم في المستدرك(1) بسنده عن مالك بن دينار قال: سألت سعيد بن جبير، فقلت: يا أبا عبد الله من كان حامل راية رسول اللهً؟ قال: فنظر إليَّ وقال: كأنك رخِيّ البال؟! فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء فقلت: ألا تعجبون من سعيد، إني سألته من كان حامل راية رسول اللهً؟ فنظر إليَّ وقال: إنّك لَرَخيّ البال.
قالوا: إنك سألته وهو خائف من الحجّاج، وقد لاذ بالبيت، فسله الآن، فسألته، فقال: كان حاملها علي رضي الله عنه هكذا سمعته من عبد الله بن عباس.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولهذا الحديث شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول، فلم أخرجه. انتهى.
وفي كنز العمال(2): ((يا علي أنت تغسل جثتي وتؤدي ديني وتواريني في حفرتي وتفي بذمتي وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة)).
وأفاد أنه أخرجه الديلمي في الفردوس.
قال في ذخائر العقبى: وعن مالك بن دينار سألت سعيد بن جبير وإخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول اللهً؟ قالوا: كان حاملها علي رضي الله عنه.
وفيه(3) عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كان علي أخذ راية رسول اللهً يوم بدر، فقال الحكم: يوم بدر والمشاهد كلها.
أخرجه أحمد في المناقب.
وعن علي قال: كسرت يد علي رضي الله عنه يوم أحد، فسقط اللواء من يده، فقال رسول اللهً: ضعوه في يده اليسرى، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة، خرجه ابن الحضرمي. انتهى.
__________
(1) المستدرك للحاكم ج3 ص137.
(2) كنز العمال ج12 ص210 ح1205.
(3) ذخائر العقبى ص75.
وأخرج أحمد بن حنبل في المسند(1) عن الحسن بن علي عليه السلام أنه خطب فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول اللهً يبعثه بالراية، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له.
وفي مسند أحمد عقيب هذه الرواية: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبيش قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي (رضي الله عنهما) فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس ما سبقه الأولون بعلم، ولا أدركه الآخرون، أن كان رسول اللهً ليبعثه ويعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح له.
وذكر هذا عن عمر بن حبيش في ذخائر العقبى وقال: أخرجه أحمد، ولعل الصواب عمرو بن حبيش.
وأخرجه المرشد بالله في الأمالي(2) عن هبيرة عن الحسن عليه السلام باختلاف يسير.
وأخرج الحاكم في المستدرك(3) عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد، هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول اللهً وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس، وهو الذي غسله وأدخله قبره.
وهذا أخرجه الإمام أبو طالب عليه السلام في الأمالي(4) وفي لفظه: وهو الذي صبر معه يوم المهراس وانهزم الناس كلهم.
وروى الإمام أبو طالب عليه السلام في الأمالي(5) بسنده عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: كان لي عشر من رسول اللهً ما أحب أن لي بإحداهن ما طلعت عليه الشمس: قال لي: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة -إلى قوله-: وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة...الحديث.
__________
(1) مسند أحمد ج1 ص199.
(2) الأمالي ج1 ص142.
(3) مستدرك الحاكم ج3 ص111.
(4) الأمالي ص49.
(5) الأمالي ص65.
وأخرجه المرشد بالله عليه السلام في أماليه(1) وأخرج ابن المغازلي في المناقب(2) بسنده عن جابر بن سمرة قال: قيل: يا رسول الله من صاحب لواك في الآخرة؟ قال: صاحب لواي في الدنيا علي بن أبي طالب. انتهى.
وروى الإمام أبو طالب عليه السلام في الأمالي(3) في أول الصفحة بسنده عن ثعلبة بن أبي مالك قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول اللهً في المواطن كلّها، فإذا كان عند القتال أخذها علي عليه السلام.
الفائدة العاشرة
أخرج البخاري(4) بسنده عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول اللهً: ((تحشرون حفاة عراة غرلاً، ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104] فأول من يكسى إبراهيم، ثم يؤخذ برجال من أصحأبي ذات اليمين وذات الشمال فأقول: أصحابي! فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)) الحديث.
وأخرجه البخاري أيضاً(5)، وأخرج أيضاً نحوه عن عبدالله بن مسعود ونحوه عن سهل بن سعد(6) وأخرجه مسلم(7) عن عبد الله بن مسعود وعن أنس(8).
والروايات في هذا المعنى كثيرة في كتب الحديث.
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده(9) عن أم سلمة: سمعت رسول اللهً يقول: ((إن من أصحأبي من لا يراني بعد أن أفارقه)) وأخرجه أيضاً(10).
وأخرج في مسنده(11) عن جبير بن مطعم عن رسول اللهً قال: ((إن في أصحأبي منافقين)).
__________
(1) الأمالي ج1 ص141.
(2) مناقب ابن المغازلي ص200.
(3) الأمالي ص65.
(4) صحيح البخاري ج4 ص142.
(5) صحيح البخاري ج5 ص191، وج7 ص195.
(6) صحيح البخاري ج8 ص87.
(7) صحيح مسلم ج15 ص59.
(8) صحيح مسلم ج15 ص64.
(9) مسند أحمد ج6 ص290.
(10) مسند أحمد ج6 ص307 و ص317.
(11) مسند أحمد ج4 ص83.
هذه الرواية ورواية أم سلمة ليس فيهما التصريح بالارتداد؛ لأن المنافق يكون منافقاً من أول إظهاره للإسلام فلم يرتدّ عن الهدى إلى الضلال؛ لأنه لم يزل على ضلال، وحديث أم سلمة محتمل لهذا، ولكن رواية الصحيحين واضحة في إثبات الارتداد، خلاف رواية الزهري: ((ولا تردهم على أعقابهم)).
الفائدة الحادية عشرة
اعلم أن حديث الغدير رواه جمهور المحدثين ولا تتسع هذه الخاتمة لتعداد من أخرجه.
وقد ذكر في تهذيب التهذيب كلام صاحب تهذيب الكمال في ذكر رواته، ثم قال ابن حجر: لم يجاوز المؤلف -يعني مؤلف تهذيب الكمال- ما ذكره ابن عبدالبر، وفيه مقنع، ولكنه ذكر حديث الموالاة عن نفر سماهم فقط وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلف فيه أضعاف من ذكر، وصحّحه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر. انتهى.
ونذكر هنا بعض التخريج لفوائد هامة تدل على صحة الحديث على شرط الشيخين.
أخرج أحمد في المسند(1) قال: حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى قالا: حدثنا فطر عن أبي الطفيل قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول اللهً يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس -وقال أبو نعيم: ناس كثير- فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
ومناشدة علي عليه السلام والجواب عنه برواية الحديث رواها من طرق عديدة.
أما الحديث الذي نقلته هنا بسنده، فقد ذكر السيد عبد الله بن الهادي في كتابه حاشية كرامة الأولياء: أنه صحيح على شرط البخاري، بعد أن ترجم لرجال سنده.
__________
(1) مسند أحمد ج4 ص370.
وأخرج الحاكم في المستدرك(1) بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللهً من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، فقال: ((كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)).
ثم قال: ((إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن))، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: ((من كنت مولاه فهذا وليّه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وذكر الحديث بطوله. انتهى.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
قلت: ولم يعترضه الذهبي في تلخيص المستدرك، وقد أخرج أول الحديث مسلم في صحيحه(2) باختلاف يسير وذكر له طرقاً عديدة ولم يذكر آخره المختصّ بعلي عليه السلام.
وأخرج أحمد بن حنبل في المسند(3) قال: حدثنا الفضل بن دكين حدثنا ابن أبي عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول اللهً ذكرت علياً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللهً يتغيّر فقال: يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه(4). انتهى.
أما السيد عبد الله بن الهادي فنقله من نسخة طبعة مصرية المطبعة الميمنيّة إدارة أحمد البأبي الحلبي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف ولفظه عن مسند أحمد من هذه النسخة: أحمد حدثنا الفضل بن دكين حدثنا ابن عيينة عن الحسن إلى آخره كما ذكرت.
قال السيد العلامة عبد الله بن الهادي في حاشية كرامة الأولياء ابن عيينة هو سفيان بن عيينة، والحسن هو البصري قال: ورجال هذا السند مجمع على الاحتجاج بهم.
__________
(1) مستدرك الحاكم ج3 ص109.
(2) صحيح مسلم ج15 ص180.
(3) مسند أحمد ج5 ص347.
(4) هكذا في النسخة التي بيدي الطبعة الثانية سنة1398هجرية المكتب الإسلامي بيروت.
قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك من طرق عن أبي نعيم حدثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة الأسلمي قال: غزوت مع علي اليمن، فذكره بلفظه كما في مسند أحمد إلى آخره.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
قلت: ولم يعترضه الذهبي.
وأبو غنية ذكر في تهذيب التهذيب أنه وثّقه ابن معين وابن حبان والعجلي، ولم يذكر أن أحداً ضعّفه وذكر أنه روى عن عدد منهم الحكم بن عتيبة، وعنه عدد منهم أبو نعيم.
قلت: وبقيّة السند من رجال الشيخين ومشاهير الأمة: الحكم وسعيد وابن عباس.
وفي مسند أحمد بن حنبل(1) حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن وهب قال: نشد عليٌّ الناس، فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبيً فشهدوا أن رسول اللهً قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
قال السيد عبد الله بن الهادي: (يعني قام من جهته) بدليل الرواية السابقة.
قلت: أو أراد بأصحاب النبيً من طالت ملازمتهم، فذكرهم إجلالاً لهم وتأكيداً لصحّة الرواية.
وقد روى القوم عن رسول اللهً: ((لا تسبّوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه)).
وهذا يدل على أن الأصحاب هم الخاصة الذي طالت ملازمتهم لهً لا كل من سمع من النبيً.
ولعل ابن وهب كان يفهم من اسم الأصحاب هذا المعنى الذي ذكرناه، فذكر الرواة لحديث الغدير من هؤلاء، تأكيداً لصحّة الرواية، وسكت عن الذين شهدوا من غيرهم اكتفاءً بشهادة الذين هم أصحاب النبيً وخاصته.
ويحتمل أنه كان إنشاد الناس في حفل عظيم، وكان الذين شهدوا متفرقين بين ذلك الحفل المتباعد الأطراف، فانتبه ابن وهب لمن حوله، وكانوا ستّة، ولم ينتبه للآخرين لبعدهم عنه، وهذا أقرب ما يحمل عليه اختلاف الروايات في عدد الذين شهدوا بحديث الغدير.
قال السيد عبد الله بن الهادي: ورجال السند كلهم رجال صحيح مسلم. انتهى.
__________
(1) مسند أحمد ج5 ص366.
وأخرجه في مسند أحمد أيضاً(1) من طريقين عن ابن بريدة عن أبيه بلفظ: ((من كنت وليّه فعلي وليه)).
وأفاد السيد عبد الله في حاشية كرامة الأولياء أن كل واحدة من الطريقين على شرط الشيخين، إلا أن يكون ابن بريدة هو سلمان، فعلى شرط مسلم. انتهى.
وأخرجه الحاكم في المستدرك(2) بسنده عن أبي عوانة عن الأعمش عن سعيد بن عبيدة حدثني عبد الله بن بريدة فذكره، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، وليس في هذا الباب أصحّ من حديث أبي عوانة هذا عن الأعمش عن سعيد بن عبيدة، وهذا رواه وكيع...إلى آخره.
قلت: وأقرّه الذهبي على تصحيحه على شرط البخاري ومسلم.
وحديث بريدة أخرجه أحمد في المسند(3) بأسانيد مختلفة كلّها فيها لفظ الولاية لعلي عليه السلام.
وأخرج أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده حديث الغدير من طرق عديدة عن عدد من الصحابة، وهذا تعداد مواضعه التي وجدتها فيه(4) وفي الحال لا يحضرني تحصيل شيء في الجزء الثاني ولا الثالث، ولعلّ فيهما غير ذلك. والله أعلم.
الفائدة الثانية عشرة
أخرج البخاري في صحيحه(5) عن مصعب بن سعد عن أبيه (سعد بن أبي وقّاص) أن رسول اللهً خرج إلى تبوك واستخلف علياً فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟! فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي.
وأخرجه مسلم في صحيحه(6) من طرق، وأخرجه كثير من أهل الحديث.
وقد عُني بتخريجه عدد من المؤلفين من الزيدية وغيرهم، ومن أحسن تخريجه وتخريج حديث الغدير ما في شرح غاية السؤول للحسين بن القاسم بن محمد عليه السلام.
الفائدة الثالثة عشرة
__________
(1) مسند أحمد ج5 ص358و ص350.
(2) مستدرك الحاكم ج2 ص130.
(3) مسند أحمد ج5 ص347و ص350و ص358و ص361و ص356.
(4) مسند أحمد ج1 ص84و ص88و ص118و ص119و ص152 و ص131، ومسند أحمد ج4 ص281 وص368و ص370و ص372، ومسند أحمد ج5 ص366.
(5) صحيح البخاري ج5 ص129.
(6) صحيح مسلم ج15 ص174 و ص175 و ص176.