ومنها ما رواه المرشد بالله عليه السلام في أماليه قال: أخبرنا إبراهيم بن طلحة بن إبراهيم بن العباس بن غسان بقراءتي عليه في جامع البصرة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا أبو الأسود العوذي(1) قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثني أبي عن جدي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهً: ((العلماء أمناء الأنبياء ما لم يخالطوا السلطان فاتهموهم واحذروهم على دينكم)).
وأخرج أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي والنسائي عن النبيً أنه قال: ((من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن لقي السلطان افتتن)).
وأخرج البيهقي عن أنس عن النبيً أنه قال: ((العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم)).
ورواه العقيلي عن الحسن بن سفيان عن أنس.
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبيً أنه قال: ((إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص)).
وروى العسكري عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول اللهً: ((الفقهاء أمناء الرسل ما لم يداخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم)).
وروى ابن لال عن أبي هريرة قال رسول اللهً: ((إن أبغض الخلق إلى الله عز وجل العالم يزور العمال)).
ذكر هذه الأحاديث السيوطي في الجامع الصغير.
وأخرج ابن عساكر عن معاذ عن النبيً أنه قال: ((إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد)).
أليس كان بنو أمية وأتباعهم يلعنون علياً عليه السلام على المنابر، وابن شهاب يسمع ويرى، فما له ما يغضب ويظهر علمه؟!
وكان جده عبدالله بن شهاب شهد مع المشركين بدراً، وكان من النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول اللهً ليقتلنّه أو ليقتلنّ دونه.
__________
(1) نقط الذال من الأمالي.
وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير.
ولم يزل الزهري مع عبدالملك، ثم مع هشام بن عبدالملك، ومع سليمان بن عبدالملك، وكان يزيد بن عبدالملك قد استقضاه.
وجرح الزهري بالأدلة القاطعة من الكتاب والسنة كما ترى أولى من توثيقه بمجرد الهوى لكونه من شيوخ المعدِّل له فقط، فليتأمل.
وجميع أهل البيتٍ يجرحونه. انتهى.
وقوله: (المعدِّل) أي الموثق له؛ لأن هذا راجع إلى قوله: أولى من توثيقه.
وقوله: جميع أهل البيت يجرحونه، قد روي ذلك عن زين العابدين علي بن الحسين، وزيد بن علي، والقاسم بن إبراهيم، والمؤيد بالله، والإمام أحمد بن سليمان، والمنصور بالله عبدالله بن حمزة، كما مرّ.
وقال علامة العصر مجد الدين بن محمد المؤيدي أيّده الله في لوامع الأنوار(1) في أول بحثه في جرح الزهري: اما كونه من أعوان الظلمة فمما لا خلاف فيه. انتهى المراد.
وقال علامة العصر السيد عبدالله بن الهادي القاسمي في كتابه حاشية كرامة الأولياء في الزهري: إنه كان من المبغضين لمن بغضه نفاق بحكم الملك الخلاّق، شرطياً لبني مروان، موالياً لهم، ومن يتولهم فإنه منهم، ومن كثر سواد قوم [حشر معهم كما في] الخبر، مدلّساً.
وقال المؤيد بالله: هو في غاية السقوط، وروي أنه كان من حرس خشبة الإمام زيد بن علي، وكذّبه زين العابدين مجابهة. انتهى.
ذكره في فصل في إسلام أبي طالب، وقال في حاشية على ذلك: روى أبو جعفر الهوسمي: أن الزهري ممن كان يحرس خشبة زيد بن علي.
وذكر الإمام القاسم بن محمد: أن ترجمان آل الرسول القاسم بن إبراهيم جرحه وقدح فيه.
وروي: أن زين العابدين قال: أكل من حلوائهم -يعني الأموية- فمال إلى [أ]هوائهم. انتهى المراد.
__________
(1) لوامع الأنوار 1/127.
وقال السيد العلامة علي بن محمد العجري في كتابه مفتاح السعادة في الجزء الأول في الباب الثاني فيما يتعلق بجملة الفاتحة بعد تمام تفسيرها في مسألة قراءتها في الصلاة، لما ذكر الزهري، قال: وأما المؤيد بالله عليه السلام فقال: هو في غاية السقوط؛ لأنه كان أحد حرس خشبة زيد بن علي عليه السلام وجرى بينه وبين زين العابدين كلام أثنى فيه الزهري على معاوية لعنه الله فقال له زين العابدين: كذبت يا زهري، وكان ملازماً لسلاطين بني أمية متزيياً بزي جندهم. انتهى المراد.
والجواب: أن الرواية عنه في كتب المتقدمين لا تكاد توجد إلا في أمالي أحمد بن عيسى في مواضع قليلة تكون فيها الرواية موافقة لغيرها، مؤكدة لها، فليس في الرواية عنه تعديل.
وكذلك هي في شرح التجريد قليلة جداً، مع أن مؤلفه المؤيد بالله عليه السلام قد جرح فيه في نفس الكتاب، وموضع جرحه في الجزء الأول في أوائله في مسألة: أن الوضوء لا ينتقض بمسّ الذكر، ولفظه: والزهري عندنا في غاية السقوط، فقد روي أنه كان أحد حرس خشبة زيد بن علي عليه السلام حين صلب. انتهى.
وكذلك في أصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان، فقد جرح فيه في المسألة المذكورة.
وأما الشفا فهو أحاديث مرسلة، وليس فيه ذكر لقبول رواية الزهري، بل قد قدح مؤلفه في الزهري، كما حكاه علامة العصر مجد الدين بن محمد أيده الله، فيه حديث واحد مما مرّ، تفرد به الزهري، كما يعرفه المطلع على كتب الحديث المسندة، فإن الحديث يروى في كتب القوم من طرق مختلفة، فإذا وجد حديث قد رواه الزهري مع أن غيره قد رواه فليس في إثباته دليل على اعتماد الزهري.
فلا يصح جعل وجدان حديث الزهري في بعض كتب أصحابنا دليلاً على اعتماده، ما لم يكن مما انفرد به الزهري، وظهر اعتماده لأجل روايته له، لا لأجل موافقته لدليل آخر من الكتاب أو غيره وهذا لا يوجد.
وقد حقق هذا علامة العصر سيدي مجد الدين بن محمد المؤيدي في كتابه لوامع الأنوار(1).
ويوضح هذا أن بعض الحديث الذي روي في كتب المؤيد بالله، والإمام أحمد بن سليمان، والأمير الحسين، والقاسم بن محمد يكون قد رواه الزهري، مع أن هؤلاء قد صرحوا بجرحه كما مرّ.
فليس مجرد الرواية لحديث قد رواه الزهري تعديلاً له، وهذا واضح.
فإن قيل: إن بعض أصحابنا المتأخرين يرون قبول رواية كافر التأويل وفاسقه، فلعلّ بعضهم قبل حديث الزهري لهذا الأصل.
فالجواب: أن إسقاط رواية الزهري ليست لمجرد كفره أو فسقه بموالاة جبابرة بني أمية، بل لما مرّ من الأدلة الخاصة بالعلماء المخالطين للسلطان الدالة على أنهم متهمون بنصرة سياسة الظلمة وخيانة الحق ميلاً إلى الدنيا واتباعاً للهوى، والزهري منهم كما تقرر في الفصل الثاني.
ولأجل ظهور أنه مبتدع في عقائده داعية إلى بدعته جار إليها، كما يدل عليه ما مر في الفصل الأول.
ومثله لا ينبغي لطالب الحق أن يعتمد روايته؛ لأنه مضلّ، والله تعالى يقول: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}[الكهف:51].
فمقتضى الإنصاف هو التوقف عن قبول روايته، حتى يشهد بصحتها دليل من القرآن أو غيره.
ولأن مناكيره الكثيرة -التي ذكرنا بعضها في الفصل الأول- تدلّ على أنه متهم بالكذب، والمتهم بالكذب ليس ثقة في الحديث، سواء قطعنا بجرح عدالته أم توقفنا فيه؟
فالمقصود هو التحذير منه، والتوقف عن قبول حديثه، كما نبهنا عليه في أول هذا الكتاب قُبيل الفصل الأول، فليراجع ذلك الكلام.
بهذا تم الفصل الثاني الذي هو في [سيرة] الزهري مع بني أمية، وتليه الخاتمة.
الخاتمة لهذا الكتاب
__________
(1) ص110 من المصورة، لوامع الأنوار 1/126-127.
نذكر فيها أموراً تتعلق بما سبق في هذا الكتاب ونجعلها مرتّبة باسم فوائد وهي تجري مما مر مجرى الحواشي، إلا أني رأيت إفرادها أحسن، وبعد تحريرها تكون الإحالة عليها في هامش ما مر في الفصل الأول أو الثاني بذكر رقم عدد الفائدة المتعلقة به، تميزها عن غيرها، فنقول:
الفائدة الأولى
حديث: (فقالوا: ماله أهَجَر؟) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده(1) وأخرجه أيضاً(2) بلفظ: (فقالوا: رسول الله يهجر) أي بلفظ الخبر كما هي إحدى الروايتين في البخاري وفي مسلم.
الفائدة الثانية
أخرج البخاري رواية الزهري عن أبي هريرة (أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول اللهً) إلى قوله: ((يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك)) إلى آخره(3) ولم يذكر عليّاً أصلاً، وكذا في موضع آخر(4) بدون ذكر علي عليه السلام بل فيه: فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، كلّها من طريق الزهري.
رواها البخاري بذكر علي بالصفة المذكورة في الفصل الأول(5) وبدون ذكر علي في بعضها، وكلها من طريق الزهري.
الفائدة الثالثة
رواية الزهري أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول اللهً التي ذكرناها في الفصل الأول، أخرجها البخاري(6) كلها من طريق الزهري.
والحديث الذي في آخره: يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}[الكهف:54] أخرجه البخاري(7) كلها من طريق الزهري.
الفائدة الرابعة
__________
(1) مسند أحمد ج1 ص222.
(2) مسند أحمد ج1 ص355.
(3) صحيح البخاري ج2 ص164.
(4) صحيح البخاري ج4 ص69.
(5) صحيح البخاري ج5 ص202 و ص203.
(6) صحيح البخاري ج1 ص165 وص183، وج2 ص60.
(7) صحيح البخاري ج2 ص43، وج8 ص156 و ص190.
حديث: ((إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء)) أخرجه أحمد في المسند(1) وهو الموافق لقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} إلى قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[الزمر:42] وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}[الأنعام:60].
الفائدة الخامسة: في تاريخ إسلام أبي هريرة
أخرج أحمد بن حنبل في المسند(2) عن أبي هريرة: صحبت رسول اللهً ثلاث سنين، لم أكن أحرص...إلى آخره.
وفي البخاري(3) وقال أبو هريرة: صلّيت مع النبيً غزوة نجد صلاة الخوف.
وإنما جاء أبو هريرة إلى النبيً أيام خيبر.
قلت: حكى ابن حجر في تاريخ غزوة خيبر أقوالاً ذكر أنها متقاربة، ورجح منها ما رواه عن ابن إسحاق: خرج النبيً في بقية المحرم سنة سبع، فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر، ذكر ذلك في شرحه على البخاري(4).
فتحصل من ذلك أن مدة صحبة أبي هريرة نحو ثلاث سنين، والجمع بين هذا وبين رواية أحمد أن أبا هريرة إنما جاء بعد خيبر، وإنما قيل أيام خيبر لقرب مجيئه من فتح خيبر لكونه في ذلك العام، ولغرض في ذلك للبخاري.
أما رواية أحمد في المسند فهي(5) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان بن عيينة قال إسماعيل بن خالد عن قيس قال: نزل علينا أبو هريرة...إلى آخره.
ذكر قصة وذكر قوله: صحبت رسول اللهً ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعي الحديث مني فيهنّ.
__________
(1) مسند أحمد ج5 ص307.
(2) مسند أحمد ج2 ص300 و ص475.
(3) صحيح البخاري ج5 ص54.
(4) فتح الباري ج7 ص356.
(5) مسند أحمد ج2 ص300.
وفي هذا الجزء من مسند أحمد(1) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى عن إسماعيل يعني ابن خالد قال: حدثني قيس بن أبي حازم قال: أتينا أبا هريرة نسلم عليه قال: قلنا: حدّثنا.
فقال: صحبت رسول اللهً ثلاث سنين ما كنت سنوات قط أعقل مني فيهنّ...إلى آخره.
وإسناد أحمد هذا على شرط البخاري، فإن يحيى بن سعيد وإسماعيل بن أبي خالد وقيس كلهم من رجال البخاري، وكذلك سفيان بن عيينة.
الفائدة السادسة
في رواية الزهري: (وهل ترك لنا عقيل من رباع) وإيهام أن أبا طالب مات كافراً، فورثه عقيل وطالب دون علي وجعفر عليهما السلام.
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده(2) ولفظ المسند هكذا: حدثنا عبدالله حدثني أبي حدثنا عبدالرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل غداً؟ في حجته.
قال: ((وهل ترك لنا عقيل منزلاً، ثم قال: نحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة)) يعني المحصّب، حيث قاسمت قريش على الكفر.
وذلك: أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤووهم ثم قال عند ذلك: ((لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر)) فهذا يفيد أن قوله: ((لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر)) متأخر، غير مقترن بذكر عقيل.
فالتصرف في الرواية بالحذف لقوله: ((ثم قال: نحن نازلون غداً إن شاء الله)) إلى آخره وجعل قوله: ((لا يرث الكافر المسلم)) إلى آخره مقترناً بذكر عقيل تدليس وإيهام أن الحديث ورد فيه، لا في الذين تقاسموا ضد بني هاشم، فتنبّه لهذا فإن سند أحمد هذا على شرط البخاري.
الفائدة السابعة في قصة شملة أبي هريرة واضطراب متنها.
__________
(1) مسند أحمد ج2 ص475.
(2) مسند أحمد ج5 ص202.
أخرج البخاري(1) عن أبي هريرة ـ عقيب الكلام السابق عنه في الفصل الأول ـ: فشهدت من رسول اللهً ذات يوم وقال: ((من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه فلن ينسى شيئاً سمعه مني.
فبسطت بردة كانت عليّ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه. انتهى.
فهذا عام لكل ما سمع أبو هريرة من رسول اللهً.
وأخرج البخاري(2) بلفظ: وقد قال رسول اللهً في حديث يحدثه: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول.
فبسطت نَمِرة عليّ حتى إذا قضى رسول اللهً مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول اللهً تلك من شيء.
فهذا خاص بالحديث الذي كان يحدثه في ذلك الوقت، لا في كل ما سمع أبو هريرة.
وكذلك بصيغة الخصوص أخرجه البخاري(3) بلفظ: وقال النبيً يوماً: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً.
فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبيً مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا.
وأخرجه البخاري بلفظ العموم(4) قال: قلت: يا رسول الله، إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه، قالً: ابسط رداءك، فبسطته، فغرف بيده فيه، ثم قال: ضمّه، فضممته، فما نسيت حديثاً بَعدُ.
وهذه الرواية الأخيرة من غير طريق الزهري، أما اللواتي قبلها فكلهن من طريق الزهري.
__________
(1) صحيح البخاري ج8 ص158.
(2) صحيح البخاري ج3 ص3.
(3) صحيح البخاري ج3 ص74.
(4) صحيح البخاري ج4 ص188.
وفيهنّ نكارة من حيث دلالتهن على أنه كان هناك غير أبي هريرة، وقد عرض عليهم رسول اللهً كلهم أن يبسطوا أرديتهم ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك فلن ينسوا، إما عموماً، وإما خصوصاً، فلم يبسط رداءه أحد إلا أبو هريرة كأنه لم يحرص على تلك المنزلة الشريفة إلا أبو هريرة، أما غيره فكانوا فيها من الزاهدين لا يبالون حفظوا أم نسوا، كأنه سواء عندهم كلام رسول اللهً وغيره من الناس الذين ليس لكلامهم أهمية توجب الحرص على سماعه وحفظه، ليقول لهم: إنه لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي، إلى آخر الحديث فيزهدون في تلك الفرصة، ويمرّ على أسماعهم هذا الترغيب مرور طنين الذباب!!
بل هذا مما يستنكر من حديث الزهري.
الفائدة الثامنة:
في ذكر ما يدل على أن علياً عليه السلام هو أحق بأن يكون أعلم الصحابة بسنة رسول اللهً وأنه باب مدينة علمه.
وهذا البحث لو استكملته يستدعي إكماله ذكر ما يستوعب كتأبا خاصاً في علي عليه السلام وملازمته لرسول اللهً وشدة اتصاله به حتى توفيً وفي اختصاص علي عليه السلام بزيادة الحفظ والفهم، ولو فعلنا ذلك لخرجنا عما نحن بصدده من بيان حال الزهري، أو لعظم الكتاب حتى يترك، لميل الناس إلى المختصرات في هذا العصر، ولكن نشير إلى اليسير تنبيهاً على الكثير، ومن أراد الازدياد بحث.
أخرج الحاكم في المستدرك(1) بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول اللهً: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب)).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد أخرجه من طريقين، واحتج لصحته.
وأخرجه وصححه عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول اللهً يقول: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب)).
__________
(1) مستدرك الحاكم ج3 ص126.
قال صاحب الروض النضير شرح مجموع زيد بن علي عليه السلام: وهذا قد نص على تصحيحه في الجملة أربعة أئمة حفاظ، وهم: ابن معين في حديث ابن عباس، والحاكم أبو عبدالله فيه أيضاً، والإمام محمد بن جرير في حديث علي عليه السلام، وأبو الفضل جلال الدين السيوطي في أصل الحديث. انتهى.
وقد بسط البحث فيه في الروض النضير.
قال السيد عبدالله بن الهادي القاسمي في حاشية كرامة الأولياء: وكذا صحّحه ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية. انتهى.
وأخرج الترمذي في جامعه(1) بسنده عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللهً: ((أنا دار الحكمة وعلي بابها)).
وفي ذخائر العقبى عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللهً: ((أنا دار العلم وعلي بابها)).
أخرجه اليعقوبي في المصابيح في الحسان، وأخرجه أبو عمر -لعله ابن عبدالبر وقال: ((أنا مدينة العلم)) وزاد ((فمن أراد العلم فليأته من بابه)). انتهى.
وفيه عن عائشة أنها قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: عليٌّ، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة. أخرجه أبو عمر. انتهى.
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده(2) عن معقل بن يسار عن رسول اللهً قال أي لفاطمة عليها السلام: ((أوما ترضين أني زوّجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)).
وقد جوّد شرح هذا الحديث في حاشية كرامة الأولياء العلاّمة عبداله بن الهادي القاسمي، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد(3) وقال: رواه أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان: وثّقه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله ثقات.
قلت: حاصله أن رجاله كلّهم ثقات.
وأخرجه الطبري في تفسيره(4) بسنده عن علي بن حوشب قال: سمعت مكحولاً يقول: قرأ رسول اللهً: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12] ثم التفت إلى علي فقال: ((سألت الله أن يجعلها أذنك)).
__________
(1) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص637.
(2) مسند أحمد ج5 ص26.
(3) مجمع الزوائد ج9 ص101.
(4) تفسير الطبري ج28 ص35.