ذكرناه وهو يسير من كثير بان أن السكوت معه لا يدل على الرضى على أنه لا فصل بين من ادعا الإجماع على إمامة أبي بكر وبين من ادعاه على إمامة معاوية بعد ما هادنه الحسن بن علي عليه السلام، وكل ما يمكن أن نبين به أن معاوية لم يجمع على إمامته، أمكن أن نبين بمثله أن أبا بكر لم يُجمع على إمامته.
فأما ما روي من تقديم أبي بكر في الصلاة، فهو من الأخبار التي فيها نظر (1)، وإن صح فهو لا يدل على الإمامة. ألا ترى أنه يجوز أن يقدم في الصلاة من لا يصلح
__________
(1) روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرض فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة: إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فأمر ثانية فعادت فأمر ثالثة فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه البخاري فتح الباري 2/ 130، ومسلم بشرح النووي 4/ 140، وقالت عائشة: لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبداً!!
أقول وهو يمكن أن تكره عائشة هذا الخير لأبي بكر؟!! ثم هل تجوز لها هذه المراجعة التي أغضبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنكن لصواحب يوسف. وما يقصد بصواحب يوسف؟! مع العلم أن صواحب يوسف هن اللائي رادونه بالفحشاء عن نفسه. ثم كيف تجوز المراجعة بذلك الشكل مع قول الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب:36]. وأيضا قالت مما حملها على المراجعة: كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشآم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي بكر. أقول: وهذه العلة تنقض العلة الأولى، فهنالك كراهة محبة الناس له، وهنا خوف تشآم الناس به!! فأيهما أصح؟!!
وفي رواية أخرى أخرجها البخاري الفتح 2/ 130، ومسلم بشرح النووي 4/ 141، أن عائشة قالت: إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر!! وطلبت من حفصة أن تقول له ذلك. فغضب صلى الله عليه وآله وسلم فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا. هذا عند البخاري، وعند مسلم، قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه خفة فقام يُهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قم مكانك فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. وهو عند البخاري 2/ 132.
أقول: لقد تغيرت العلة التي حملت عائشة على المراجعة في هذه الرواية، وهذا اضطراب واضح يضعف الرواية.
وفي رواية أخرجها البخاري الفتح 2/ 137، ومسلم 4/ 135. عن عائشة قالت: ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك. قال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت: ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق حتى أغمي عليه ثلاث مرات وهو يسأل أصلى الناس؟ ثم أرسل صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر ليصلي بالناس. فطلب أبو بكر من عمر أن يصلي بالناس فامتنع عمر. فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصلي وأبو بكر يصلي بالناس فتأخر أبو بكر فأومأ إليه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يتأخر، وجلس جنب أبي بكر وصلى به وأبو بكر يصلي بالناس.
وفي رواية للبخاري 2/ 130، ومسلم 4/ 142، أن أبا بكر كان يصلي الناس في وجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستر الحجرة فنظر إليهم، ونكص أبو بكر على عقبه فأشار إليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتموا الصلاة وأرخى الستر وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه.
وفي رواية للبخاري 2/ 131، ومسلم 4/ 143. أنها أقيمت الصلاة فذهب أبو بكر ليتقدم فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحجاب فرفعه فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى صلى الله عليه وآله وسلم الحجاب فلم نقدر عليه حتى مات.
أقول: ما هذا الإضطراب؟‍‍‍‍‍‍‍‍
في الرواية الأولى يكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجاب وهم يصلون فيتأخر أبو بكر فيوميء لهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يتموا‍‍؟؟ وهنا يكشف الحجاب وأبو بكر يذهب ليتقدم ثم يتراجع فيوميء له صلى الله عليه وآله وسلم أن يتقدم.
أقول: هذا من جهة المتن، وأما من جهة السند فارجع إلى فتح الباري تجد الشارح يحاول جاهداً التوفيق والتلفيق فبعض الروايات مرسلة والأخرى موصولة، وهناك أكثر من خلل. والمقام لا يتسع وإنما أردنا الإشارة إلى تنظير الإمام المؤيد بالله على هذه الروايات والموضوع بحاجة إلى دراسة وافية، أرجو أن يتيسر لي ذلك لاحقا إن شاء الله تعالى.

للإمامة!! على أن التقديم في الصلاة ليس هو إيجاب إمامته. ألا ترى إلى المسلمين إذا قدموا بعضهم للصلاة لم يكن ذلك عند أحد من المسلمين موجبا لإمامته.
[ إمامة الحسن والحسين ]
فأما ما يدل على أن الإمامة بعد أمير المؤمنين للحسن والحسين عليهما السلام، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذان إمامان إن قاما أو قعدا )) (1).
ويدل أيضا على ذلك إجماع أهل البيت على القول بإمامتهما، وسنبين أن إجماع أهل البيت حجة، وعلى أنهما قد دعوا إلى أنفسهما وبويعا، ولم يكن في زمانهما
__________
(1) الحديث متلقي بالقبول عند أهل البيت عليهم السلام ولا يكاد يخلو من ذكره كتاب من العقيدة عند أهل البيت. وأخرجه الصدوق في علل الشرائع/ 211، مسندا.

من يدعي الإمامة غير معاوية ويزيد، وهذان قد ظهر فسقهما وكفرهما. فبان به (1) صحة إمامتهما.
[ إمامة أهل البيت ]
فإن سأل سائل فقال: ما قولكم في الإمامة بعد الحسن والحسين عليهما السلام؟
قيل له: نقول إنها ثابتة في أولادهما المنتسبين إليهما من الذكور دون الإناث، لا يخرج عنهما إلا البنات، ويستدل على صحة ذلك بإجماع أهل البيت عليهم السلام، إلا أنهم لم يختلفوا في أن الإمامة لا تخرج عن البطنين.
فإن قيل: ولم قلتم إن إجماع أهل البيت حق؟
قيل له: لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض )) (2).
__________
(1) في المخطوطة: له. ولعل الصواب ما أثبت.
(2) هذا الحديث ورد بألفاظ متفاوتة فممن أخرجه وفيه لفظ: (( وعترتي )) الإمام زيد بن علي في المسند /104، والإمام الرضى في الصحيفة/ 464، ، والحافظ محمد بن سليمان الكوفي في مناقبه المطبوعة / 167 رقم (646) ، والإمام أبو طالب في الأمالي 179، والمرشد بالله في الأمالي/ 152، والدولاي في الذرية الطاهرة /166 رقم (228) والبزار 3/ 89 رقم (864) عن علي.
وأخرجه مسلم 15/ (بشرح النووي) 199، والترمذي 5/ 622 رقم( 3788)، وابن خزيمة 4/ 62 رقم (2357)، والطحاوي في مشكل الآثار 4/ 368- 369، وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 418، وابن عساكر في تاريخ دمشق 5/ 369 ( تهذيبه )، والطبري في ذخائر العقبى 16، البيهقي في السنن الكبرى 7/ 30، والطبراني في الكبير 5/ 166 رقم ( 4169)، والنسائي في الخصائص 150رقم (276)، والدارمي 2/ 431، وابن المغازلي في المناقب 234، 236، وأحمد في المسند 4/ 367، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 12، والحاكم في المستدرك 3/ 148، وصححه وأقره الذهبي عن زيد بن أرقم.
وأخرج عبد بن حميد 107- 108( المنتخب )، واحمد 5/ 182و 189، والطبراني في الكبير 5/ 166، وأورده السيوطي في الجامع الصغير 157 رقم ( 2631 )، ورمز له بالتحسين، وهو في كنز العمال 1/ 186 رقم ( 945 )، وعزاه إلى ابن حميد وابن الأنباري عن زيد بن ثابت وأخرجه أبو يعلى في المسند 2/ 197و 376، وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 177، والطبراني في الصغير1/ 131و 135و 226، وأحمد في المسند 2/ 17، 6/ 26، وهو في كنز العمال 1/ 185 رقم ( 943 )، وعزاه إلى البارودي ورقم ( 944 )، وعزاه إلى ابنه أبي شيبة، وابن سعد، وأبي يعلى. عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 8/ 442، وهو في الكنز 1/ 168، وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد.
وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 621 رقم ( 3786 )، وذكره في كنز العمال 1/ 117،رقم ( 951 )، وعزاه إلى ابنه أبي شيبة، والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر بن عبد الله.
والكنجي في كفاية الطالب 11، وابن سعد في الطبقات 4/ 8، ورواه في العقد الفريد 2/ 158، و346. وفي تذكرة الخواص/ 332. ورواه نور الدين الحلبي في إنسان العيون 3/ 308، والعزيزي في السراج المنير شرح الجامع الصغير 1/ 321، وابن الصباغ في الفصول المهمة/ 24ن وشهاب الدين الخفاجي في نسيم الرياض 3/ 410، والثعلبي في الكشف والبيان عند تفسير آية الاعتصام، وآية ( أيها الثقلان ). والرازي في تفسير آية الإعتصام 3/ 18 وهو في تفسير النظام النيسابوري 1/ 257، 4/ 94، وفي تفسير ابن كثير الدمشقي 3/ 485، و 4/ 113، ورواه في البداية والنهاية في ضمن حديث الغدير ،وابن الأثير في النهاية الجزء الأول، والسيوطي في الدر النثير/ 155، وذكره في لسان العرب في مادة عترة ومادة ثقل وحبل، والشيرازي في القاموس في مادة أو ثقل، والزبيدي في تاج العروس في مادة ثقل أيضا. وشرح نهج البلاغة 6/ 130 في معنى العترة، ومدارج النبوة لعبد الحق الدهلوي/ 250، والمناقب المرتضوية لمحمد صالح الترمذي الكشفي/ 96، 97، 100، 472، ومفتاح كنوز السنة 2/ 448، ومصابيح السنة للبغوي 2/ 205، 206. والصواعق المحرقة/ 75، 87، 90، 96، 136، وإسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار/ 110. وينابيع المودة/ 18، 25.

قيل له: الذي يدل على هذا الخبر هو تلقي الأمة له بالقبول، وكل خبر تتلقاه الأمة بالقبول، فيجب له أن يكون صحيحاً مقطوعا به، وإن لم يكن في الأصل متواترا، إذ قد ثبت أن الأمة لا تجمع على الباطل.
فإن قيل: ولم قلتم وادعيتم أن أهل البيت أولاد الحسن والحسين عليهم السلام دون من سواهم؟
قيل لهم: لأن كونهم أهل البيت مجمع عليه لا خلاف فيه، وكون غيرهم من أهل البيت مختلف فيه، ولا دليل لمن يدعيه.
[ شروط الإمامة ]
فإن قيل: ما الصفة التي إذا حصلت في الواحد منهم صح له الإمامة؟
قيل له:
ـ أن يكون من أحد البطنيين على ما ذكرنا.
ـ وأن يكون ورعا يحجزه ورعه عن ارتكاب المعاصي، والإخلال بالواجبات.
ـ وأن يكون شجاعا، يثبت في الحروب، ويهتدي في الساعات.
ـ وأن يكون عالما بأصول الدين، وبما (1) تحتاج إليه الأمة، من علم الشريعة، ولن يتم ذلك إلا بعد أن يعرف جملة من العقليات، ليتم له معرفة الله عز وجل، ومعرفة رسوله، وليتم له العلم بما يجوز أن يريده الله، وما لا يجوز أن يريده، ليصح له العلم [متى ما] (2)، ورد خطابه تعالى عليه.
ويجب أن يكون عالماً بجملة الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشرائع.
__________
(1) في المخطوطة: ومما.
(2) في المخطوطة: بينا. والحرف الأول مهمل إلا أن الكمبيوتر لا يكتب المهمل، ولم اهتد لمعرفتها. ولعلها مصحفة. والصواب ما أثبت أو نحوها.

ويجب أن يكون عالما بكتاب الله، وجملة من الناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، وحكم الأوامر والنواهي، والفصل بين المجمل والمفسر، وحكم الأخبار، والفصل بين ما يوجب العلم، وما يوجب العمل، وحكم أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الوجوب وغيره، ولن يتم معرفة ما ذكرنا إلا بعد أن يكون عالماً بجملة من اللغة، والفصل بين حقائقها، ومجازها، وبجملة من النحو ليتوصل بذلك إلى المعرفة بمراد الله تعالى، ومراد رسوله بخطابهما.
ويجب أن يكون عالماً بجملة من وجوه الإجتهاد والمقاييس، ليمكنه رد الفروع إلى الأصول، فإذا اجتمع في الواحد ما ذكرنا صلح للإمامة، ولم يكن في عصره من هو أفضل منه، في جمل هذه الخلال (1).
__________
(1) لم يذكر الإمام من شروط الإمامة التي تواضع عليها المتأخرون إلا سبعة شروط وهي الأساس والعمدة في نظره وهي:
1- ... البلوغ والعقل.
2- ... الذكورة.
3- ... الحرية.
4- ... المنصب.
5- ... الورع.
6- ... الشجاعة.
7- ... الإجتهاد.
بالنسبة للشرطين الأولين فذكرهما ضمني ، والعلم بأصول الدين، والسنة، والكتاب، ووجوه الإجتهاد تندرج كلها تحت بند الإجتهاد. وبقي مما اشتُرِط:
8- ... اجتناب المهن المسترذلة.
9- ... الأفضلية.
10- ... التدبير. وهذا الشرط مهم.
11- ... القدرة على القيام بمهام الإمامة.
12- ... السخاء بوضع الحقوق في مواضعها. وهذا الشرط أيضا ملحوظ ضمن الورع عند السيد المؤيد بالله.
13- ... السلامة من المنفرات نحو الأمراض المشوهة كالجذام.
14- ... سلامة الحواس والأطراف.

[ طريق الإمامة ]
فإن قيل: أخبرونا عن هذا الذي يصلح للإمامة، متى يصير إماما، يجب على المسلمين طاعته.
قيل له: [إن الأمة قد اتفقت على أن الرجل لا يصير إماما بمجرد صلاحيته للإمامة، واتفقت على أنه لا مقتضي لثبوتها إلا أحد أمور ثلاثة: النص، أوالعقد، أو الدعوة. وهي أن يباين الظلمة ، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى اتِّباعه. وهذا القول هو الحق لإجماع أهل البيت عليه فثبت هذا القول وبطل ما سواه و](1) لأنه لا قول إلا قول من يقول بالنص، أو قول من يقول بالعقد، [وقد فسد القول بالعقد] لإجماع أهل البيت على خلافه، وفسد قول من يقول بالنص، إذ لو كان النص على ما يقولون لكان نقله ظاهراً، ولا نقلَ لهم يصح فوجب بطلان قولهم، وإذا فسد القولان ثبت القول الثالث، وهو القول بالدعوة.
فإن قيل: فلم ادعيتم أن القائلين بالنص ليس لهم نقلٌ صحيح؟
قيل له: لأنه لا يمكنهم أن يسندوا النص الذي يدعونه في الأصل إلى عشرة أنفس ولا خمسة، ولا معتبر بكثرتهم في هذا الوقت، إذا كان أصلهم على ما ذكرنا، ومن نظر في كتبهم، وفتش أخبارهم، عرف صحة ما نقول من ضعف أخبارهم في الأصل (2).
__________
(1) في المخطوطة: سقط واضح. وما أثبت بين المركنين إجتهاد لإصلاح النص، وقد استوحيته من السؤال وما بقى من الجواب. وعسى أن يمن الله بنسخة أخرى.
(2) للتوسع في البحث يُرجع إلى الرد على الرافضة للإمام القاسم بن إبراهيم الرسي بتحقيقنا.

- - -

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن سأل سائل عما نذهب إليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
قيل له: المعروف عندنا على ضربين:
مفروض.
ومندوب إليه.
فالأمر بالمعروف فرض، والمندوب ندب، والنهي عن جميع المناكير واجب.
والذي يدل على ذلك، قول الله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } [آل عمران:110]. وقوله سبحانه: { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ، يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران:113-114]. وقال سبحانه حاكيا عن لقمان أنه قال لابنه: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [لقمان:17]. وقال عز وجل: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران:104]. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يحل لعين ترى الله يعصى، فتطرف حتى تغير )) (1).
فإن قيل: فعلى من يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
__________
(1) رواه الهادي في الأحكام 2/ 540، والعلوي في الجامع الكافي 6/ 47، بلفظ: لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره. والإمام أحمد بن سليمان في أصول الأحكام في كتاب السير/ 245، والأمير الحسين في الشفاء في باب ما يجب على الإمام أن يسير به في رعيته. وقال: روينا بالإسناد إلى المنصور بالله أنه روى بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنصرف. والحديث لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب العقيدة عند الزيدية، وإنما اكتفيت بتخريجه من كتب الحديث.

قيل له: إن ذلك على ضربين:
ضرب منهما: مثل إقامة الحدود، وسماع الشهادات، وتنفيذ الأحكام، وغزو العدو في ديارهم، وما جرى مجراه. فهذا الضرب مما لا يجوز القيام به إلا لإمام، أو من يأمره الإمام.
والضرب الثاني: منع الظالم من ظلمه، وتغيير سائر المناكير وإزالتها، فهذا وما أشبهه يجب على كل من غلب في ظنه أنه يمكنه إزالته، لا يجوز أن يتوصل إلى ذلك بأصعب الأمرين، مع التمكن (1) من إزالته بالقول، لم يكن له أن يتجاوزه إلى الضرب ، ومن أمكنه إزالته بالضرب، لم يكن له أن يتجاوزه إلى السيف، فإن لم يمكن إزالته إلا بالسيف، وجب ذلك متى تمكن منه.
والذي يبين صحة هذا، أن الغرض في ذلك هو إزالة المنكر، فإذا تم هذا بأمر كان ما عداه من الضرب لا معنى له، والضرب الذي لا معنى له يكون ظلماً، فيجب على من رأى ذلك، أن يحتاط ويتثبت، ولا يجاوز أمر الله تعالى، فإنه روي عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام: أنه أمر رجلا بإقامة حد على رجل، فأقامه وزاده بسوطين، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يقتص للرجل منه، للمزيود من الزائد (2).
تم الكتاب بحمد الله العزيز الوهاب، فله الحمد كثيرا، وله الشكر بكرة وأصيلاً، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وعلى النبي وآله أفضل الصلوات.
- - -
__________
(1) في المخطوطة: التمكين. ولعل الصواب ما أثبت.
(2) لم أقف على هذه الرواية.

الفهرس

7 / 8
ع
En
A+
A-