الكتاب : التبصرة
المؤلف : الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون الحسني .
المحقق : عبدالكريم جدبان .
www.al-majalis.com
ترقيم الصفحات موافق للكتاب المطبوع .

مقدمة التحقيق

l
مقدمة
المؤلف
هو الإمام المؤيد بالله أبو الحسين، أحمد، بن الحسين، بن هارون، بن الحسين، بن محمد، بن هارون، بن محمد، بن القاسم، بن الحسن، بن زيد، بن الحسن، بن علي، بن أبي طالب عليهم السلام.
أبوه
هو الحسين، بن هارون، بن الحسين، بن محمد، بن هارون، بن محمد، بن القاسم، بن الحسن، بن زيد، بن الحسن، بن علي، بن أبي طالب عليهم السلام.
أمه
أم الحسن، بنت علي، بن عبد الله الحسيني العقيقي.
مولده
ولد بآمل طبرستان في الكلاذجة (محافظة مازندران حاليا ) تقع في شمال إيران على بحر الخزر. ولد سنة (333هـ).
نشأته
نشأ في أحضان أسرة علوية كريمة، تترشف رحيق العلم العلوي، وتتنسم عبق الخلق النبوي، ( نشأ على السداد، وأحوال الآباء الكرام والأجداد، وتأدب في عنفوان صباه حتى برع فيه ) (1).
__________
(1) الحدائق الوردية 2/65.

أخذ في طلب العلم والتوفر على المعرفة منذ نعومة أظفاره، مع أخيه الناطق بالحق أبي طالب يحيى بن الحسين.
شيوخه
1ـ أبو العباس أحمد، بن إبراهيم، بن الحسن الحسني (خاله).
2ـ أبو الحسين، علي، بن إسماعيل، بن إدريس.
3ـ أبو عبد الله البصري شيخ المعتزلة المتوفى سنة (377هـ).
4ـ قاضي القضاة عبد الجبار، بن أحمد، بن عبد ا لجبار، شيخ المعتزلة المتوفى سنة (415هـ).
5ـ قاضي القضاة أبو أحمد، بن أبي علان.
6ـ أبو بكر المقري أحد علماء الحنفية.
7ـ الحافظ محمد، بن عثمان النقاش.
8ـ أبو رشيد، سعيد، بن محمد النيسابوري.
تلامذته
1ـ الإمام الموفق بالله أبو عبد الله الحسين، بن إسماعيل الحسني، والد الإمام المرشد بالله، وصاحب كتاب (( الإحاطة )) في علم الكلام، وكتاب (( الإعتبار وسلوة العارفين في الزهد )).
2ـ الإمام أبو الحسين أحمد، بن أبي هاشم، المعروف بالشريف (( مانكديم )) وهو الذي قام بالإمامة بعده بـ(( لنجا )) سنة (417هـ).
3ـ الشريف أبو جعفر الزيدي، الزاهد العابد، الذي استدعاه المؤيد بالله عليه السلام ليستخلفه أكثر من مرة فأبى.
4ـ الفقيه أبو القاسم، بن تال الهوسمي الزيدي المتكلم، راوي المذهب عن المؤيد بالله، وجامع (( الإفادة، والزيادات )) المتوفي سنة (420هـ).
5ـ علي بن بلال الآملي الزيدي، مولى السيد المؤيد بالله وأخيه أبي طالب، وصاحب كتاب (( الوافي )) وتتمة (( مصابيح أبي العباس الحسني )).

6ـ القاضي يوسف الخطيب الجيلاني صحبه ستة عشر عاما.
7ـ القاضي أبو الفضل زيد، بن علي الزيدي.
8ـ أبو منصور، بن شيبة الفرزاذي.
9ـ الشريف أبو القاسم، بن زيد، بن صالح الزيدي.
10ـ الشريف محمد، بن زيد الجعفري.
11ـ القاضي أبو بكر الموحدي.
12ـ أبو الحسين الآبسكوني.
13ـ أبو علي، بن الناصر الأطروش.
14ـ أبو الفوارس توران شاه، بن خسرو شاه.
15ـ أبو عبد الله، بن الحسين، بن محمد سياه سريجان.
16ـ أبو القاسم يوسف، بن كج الدينوري، وكان إمام أصحاب الشافعي.
مؤلفاته
قال الموفق بالله: وله عليه السلام التصانيف المعجبة، فمنها في الأصول: (( كتاب النبوات )) وهو يدل على غزارة علمه في الأصول، ثم في الأدب، فإنه بيّن المعارضات التي عورض بها القرآن الكريم، وكشف عن إدحاضها وأبان عوارها بكل وجه، وسلك في ذلك من طريقة علم الأدب ما يدل على علو منزلته وارتفاع درجته.
وله في الأصول: (( التبصرة )) كتاب لطيف، وله في فقه الهادي عليه السلام (( كتاب التجريد )) وشرحه أربعة مجلدة استوفى فيها الأدلة من الأثر والنظر، وأحسن فيها كل الإحسان. وله (( البلغة )) أيضا في فقه الهادي عليه السلام، وله في فقه نفسه (( الإفادة )) مجلد، و(( الزيادات )) مجلد، علق ذلك أصحابه عنه. وفيه كل

مسألة عجيبة، وفتوى غريبة. ولهذين الكتابين شروح وتعاليق عدة، ومهما طلبت الغرائب فإنها توجد في فقهه عليه السلام منصوصة (1).
من مؤلفاته:
1- كتاب النبوات. طبع بغير تحقيق، وأنا أعمل على تحقيقه، أسأل الله العون والتيسير .
2- كتاب التجريد. في فقه الهادي يحيى بن الحسين وجده القاسم الرسي عليهما السلام.
3- كتاب شرح التجريد، تحت التحقيق.
4- كتاب البلغة في الفقه.
5- كتاب ((الإفادة في الفقه)). ويسمى أيضاً ((التفريعات))، تَوَلَّى جمعها تلميذه أبو القاسم بن تال: ويتضمن آراءه الفقهية وعليه زيادات وشروح وتعاليق عِدَّة.
6 - كتاب ((الزيادات)). فتاوى ومسائل عليه زيادات، وشروح، وتعاليق عدة، منها شرح القاضي أبي مضر.
7 - كتاب ((نقض الإمامة على ابن قبة الإمامي)). صنفه في شبابه.
8 - كتاب ((إعجاز القرآن في علم الكلام)). ذكره الجنداري في رجال الأزهار.
9 - كتاب ((التبصرة)) ـ وهو هذا الذي بين يديك ـ عليه تعليق لإسماعيل الرازي، وشرح للإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي.
10 - تعليق على شرح السيد مانكديم. ذكره الجنداري في رجال الأزهار.
11 - الهوسميات. ذكره الجنداري في رجال الأزهار.
12 - كتاب الحاصر لفقه الناصر. ذكره حُمَيْد في الحدائق الوردية في ترجمة
__________
(1) أخبار أئمة الزيدية /268.

الناصر الأطروش.
13 - سياسة المريدين.
14 - رسالة جواب قابوس في الطعن على الصحابة. ذكره الحاكم الجشمي في جلاء الأبصار.
15 - كتاب الدعوة.
16 - ديوان شعر. ذكره آغا بزرك الطهراني في الذريعة ـ ج9/ق3 ص1127. وقال: إنه ديوان ضخم.
17 - كتاب الأمالي الصغرى. طبع.
علمه
خاض الإمام المؤيد بالله في كل بحر من بحار العلم والمعرفة، والتقط أنفس ما فيها، فكان رأسا في علم الكلام، والحديث، والفقه وأصوله. أخذ علم الكلام وفق منهج المدرسة البغدادية.
كان في الأصل إماميا يرى رأيهم على طريقة والده، بَيْد أنه كان متحرر الفكر، لا يتقبل أي فكرة ويعتنقها إلا بعد فحص وتدقيق، وعندما رأى بعض الأصول الإمامية لا تقوم على بينة من صريح العقل، أو صحيح النقل، ورأى التناقض والتعارض البيِّن في مروياتهم عن الأئمة، أشاح بوجهه عنها، وأخذ في البحث والنظر عن شاطئ أمان يرسو عليه، فألقى بعصاه واستقر به النوى في رياض الزيدية، وأحدث ذلك الانتقال هزة في صفوف الإمامية، مما حدا بالشيخ الطوسي المعاصر له إلى أن يؤلف كتابه الشهير (( تهذيب الأحكام )) ردا عليه وتبيينا له.
قال الطوسي في مقدمة التهذيب: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خيرته من خلقه محمد وآله وسلم تسليماً، ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكادُ يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرقوا

بذلك إلى إبطال معتقدنا، وذكروا أنه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الذي يدينون الله تعالى به، ويشنعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع، ويذكرون أن هذا مما لا يجوز أن يتعبد به الحكيم، ولا أن يُبيح العمل به العليم، وقد وجدناكم أشد اختلافا من مخالفيكم، وأكثر تبايناً من مباينيكم، ووجود هذا الاختلاف منكم، مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل، حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم، ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق لما اشتبه عليه الوجه في ذلك، وعجز عن حل الشبهة فيه، سمعت شيخنا أبا عبد الله أيده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره (1).
كان الإمام المؤيد بالله ذا عارضة قوية، وقريحة صافية، وبديهة حاضرة، ولسان حاد، محاورا من الطراز الأول، يناظر ويحاور علماء المسلمين واليهود، فلا يسعهم إلا التسليم له، والإذعان لحجته.
قال الشهيد حميد: كان وحيد عصره، وفريد دهره، والحافظ لعلوم العترة عليهم السلام، والناصر لفقه الذرية الكرام (2).
وقال أيضا: كان عليه السلام ( بحرا يقذف بالدرر، وجونا يهطل بالدرر، لم يبق فن إلا وقد بلغ فيه الغاية، وأدرك النهاية ) (3).
وقال مصنف سيرته الإمام الموفق بالله: كان عارفاً باللغة والنحو، متمكناً من التصرف في منثورها ومنظومها، وكان يعرف العروض والقوافي ونقد الشعر، وكان فقيهاً بارعاً متقدماً فيه مناظراً. وكان متقدماً في علم الكلام وأصول الفقه، حتى لا يعلم أنه في أي العلوم الثلاثة كان أقدم وأرجح. ولم يبلغ النهاية في العلوم الثلاثة
__________
(1) تهذيب الأحكام 1/3.
(2) الحدائق الوردية 2/65.
(3) الحدائق الوردية 2/67.

غيره، وإنما تقدم في علم أو علمين. وكان قد قرأ على الشيخ المرشد أبي عبد الله البصري، ولقي علماء جميع عصره واقتبس منهم. وعلق زيادات الشرح بأصفهان عن قاضي القاضاة بقراءة غيره. وحكي عن الشيخ أبي رشيد أنه قال: لم أرَ السيد أبا الحسين منقطعا قط مع طول مشاهدتي له في مجلس الصاحب، وكان لا يُغلب إن لم يَغلب، وكانا يستويان إن لم يظهر له الرجحان.
وذكر بعض من صنف في أخباره، أن الصاحب الكافي قال ذات ليلة للحاضرين: ليذكر كل واحد منكم أمنيته، فذكروا، فقال: أما أنا فأتمنى أن يكون السيد أبو الحسين حاضراً وأنا أسأله عن المشكلات وهو يبينها لي بألفاظه الفصيحة وعباراته المليحة. وكان قد فارقه إلى أرض الديلم.
ويُحكى أن يهودياً متقدماً في المناظرة والمجادلة قدم على الصاحب، فاتفق أنه حضر مجلس الصاحب، فكلم اليهودي في النبوات حتى أعجزه وأفحمه، فلما قام من المجلس ليخرج قال له الصاحب: أيها السيد أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب.
وحكي عنه قدس الله روحه أنه قال: عزمت على أن أسافر إلى الأهواز للقاء قاضي القضاة أبي أحمد بن أبي علان وسماع مختصر الكرخي عنه، فأنهيت إلى الصاحب ما وقع في قلبي، فكتب كتاباً بخط يده وأطنب في وصفي ورفع عن قدري حتى كنت أستحيي من إيصال ذلك الكتاب، فأوصلت الكتاب إلى قاضي القضاة، فقال: مرحباً بالشريف فإذا شاء افتتح المختصر. ولم يزد على ذلك ولا زارني بنفسه مع تقاعدي عنه من الغد، ولا أزارني أحدا من أصحابه. فعلمتُ أنه اعتقد في كتاب الصاحب أنه صدر عن عناية صادقة لا عن حقيقة. فقعدت عنه، حتى كان يوم الجمعة حضرت الجامع بعد الظهر ومجلسه غاصّ بكبار العلماء، فقد كان الرجل مقصوداً من الآفاق، فسئل القاضي أبو أحمد مسألة كلامية، وكان لقي أبا هاشم فقلت لما توسط في الكلام: إن لي في هذا الوادي مسلكاً، فقال: تكلم، فأخذت في الكلام وحققت عليه المطالبات، ثم أوردت أسئلة عرَّقتُ فيها جبينه، فامتدت الأعين نحوي. فقلت بعد أن ظهرت المسألة عليه: يقف على فضلي القاضي. وسئل

شيخ إلى جنبه عن مسألة في أصول الفقه، فلما أنهى السائل ما عنده قلت: إن لي في هذا الجوّ متنفساً، فقال القاضي: والأصول أيضا ؟! فحققت تلك المسألة على ذلك الشيخ، فظهر ضعفه، فسامحته. وسئل شيخ عن يساره عن مسألة في الفقه فقلت: لي في هذا القطيع شاة، فقالوا: والفقه أيضاً ؟! فأوفيت الكلام في تلك المسألة أيضا حتى تعجب الفقهاء من تحقيقي وتدقيقي، فلما ظهرت المسألة كان المجلس قد انتهى. فقام القاضي من صدره وجاء إلى جنبي فقال: أيها السيد نحن ظننا أن الصدر حيث جلسنا فإذا الصدر حيث جلست، فجئناك نعتذر إليك من تقصيرنا في بابك. فقلت: لا عذر للقاضي مع استخفافه بي مع شهادة الصاحب بخطه. فقال: صدقت لا عذر لي، ثم عادني من الغد في داري مع جميع أصحابه وبالغ في التواضع، فحضرته فقرأت عليه الأخبار المودَعة في المختصر فمسعتها بقراءته، وأمدّني بأموال من عنده، فرددتها ولم أقبل شيئا منها، وقلت: ما جئتك عافياً مستمنحاً، فقد كان حضرة الصاحب أوفى حالاً وأسهل منالاً، ولم يكن هناك تقصير في لفظ، ولا تفريط في لحظ، ففارقته فشيعني مع أصحابه مسافة بعيدة وتأسفوا على مفارقتي (1).
وقال أيضا: وسمعت الشيخ أبا الفضل ابن شروين رحمه الله يقول: دع أئمة زماننا، إنما الشك في الأئمة المتقدمين من أهل البيت وغيرهم، هل كانوا مثل هذا السيد في التحقيق في العلوم كلها أم لا ؟!
قال: وسمعت القاضي أبا الحسين الرفّاء يقول: ليس اليوم في الدنيا أشد تحقيقاً في الفقه من السيد أبي الحسين الهاروني.
وحكي أن المؤيد بالله سئل عن الطلاق الثلاث بلفظة واحدة في مجلس الصاحب، فكلمه القاضي أبو القاسم بن كج، وكان إمام أصحاب الشافعي، وآل الكلام إلى جميع من حضر من الفقهاء، فانقطعوا في يده، فقال الصاحب: يقال: لا علم لطائفة فيهم هذا الأسد، يعني المؤيد بالله.
__________
(1) أخبار أئمة الزيدية / 265 - 267.

1 / 8
ع
En
A+
A-