وعليه أن يأخذ النخاسين بأن لا يغيروا شيئا بها، ولا يحصُّوا (1) شعورها، ولا يُجلسوها إذا رَكَّبوها عند العرض، ولا يربطوها في السوق حيث تضر بالمارة (2).
وعلى المحتسب أن ينفي المخنثين من البلد، لإجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك، مع الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نفى مخنثا (3) مع الحكم بن أبي العاص (4). وكذلك ينفى المغني والمغنية إلا أن يتوبوا، ويوقف منهم على صحة التوبة.
__________
(1) الحص: حلق الشعر.
(2) لعل موضع هذه الجملة في البحث السابق عند ذكر الدواب.
(3) المخنث: ـ بكسر النون وبفتحها ـ من يشبه النساء في حركاته وكلامه. والمشار إليه: اسمه هيت وكان من سبب نفيه ما روي أنه كان يدخل على نساء النبي (ص) فدخل يوماً دار أم سلمة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها، فأقبل على أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، وقال: إن فتح الله عليك بالطائف غداً فعليك ببادية بنت غيلان بن معتب فإنها مبتلة هيفاء، شموع نجلاء، إن قامت تثنت، وإن قعدت تبنت، وإن تكلمت تغنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، مع ثغر كالأقحوان، وثدي كالرمان، أعلاها قضيب، وأسفلها كثيب، وبين رجليها كالقعب المكبوب، فهي كما قال قيس ابن الحطيم:
تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شف وجهها نزف
بين شكول النساء خلقتها ... قَصدٌ فلا جبلة ولا قضف

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين سمع كلامه: لقد غلغلت النظر، ما كنت أحسبك إلا من غير أولي الإربة، وكان رسول الله (ص) يضحك من كلامه ويظن ذلك نقصاً من عقله، فلما سمع منه ما سمع، قال لنسائه: لا يدخل هيت عليكن. وأمر أن يسير إلى خارج. فبقي هنالك حتى قبض رسول الله (ص)، فلما ولي أبو بكر كُلم فيه فأبى أن يرده، فلما ولي عمر كُلم فيه فأبى أن يرده، فقيل له: إنه قد كبر وضعف واحتاج، فأذن أن يدخل كل جمعة. قيل: ويرجع إلى مكانه.
أخرجه البخاري فتح الباري 9/274، وأبو داود 2/700 (4949).
(4) الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان ووالد مروان.
قال ابن سعد: أسلم يوم الفتح وسكن المدينة، ثم نفاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف ثم أعيد إلى المدينة في خلاقة عثمان ومات بها.
وروى الفاكهي من طريق حماد بن سلمة: حدثنا أبو سنان عن الزهري وعطاء الخراساني: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص فقالوا: يا رسول الله ما له؟ قال: (( دخل عليَّ شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي. فقالوا: أفلا نلعنه نحن؟ قال: لا، كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه. فقالوا: يا رسول الله ألا نأخذهم؟ قال: لا ))، ونفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى الطبراني من حديث حذيفة قال: لما ولى أبو بكر كلم في الحكم أن يرده إلى المدينة، فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا تكلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كن كذلك، فما زال يختلج حتى مات.
وأخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه.
وأخرج أيضا من طريق مالك بن دينار: حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصبعه، فالتفت فرآه فقال: (( اللهم أجعله وزغا ))، فزحف مكانه.
وقال الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال: قال الأحنف لمعاوية: ما هذا الخضوع لمروان؟ قال: إن الحكم كان ممن قدم مع أختي أم حبيبة لما زفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتولى نعلها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحد النظر إلى الحكم، فلما خرج من عنده قيل له: يا رسول الله أحددت النظر إلى الحكم. فقال ابن المخزومية: ذاك رجل إذا بلغ ولده ثلاثين أو أربعين ملكوا الأمر.
وروينا في جزء ابن نجيب من طريق زهير بن محمد عن صالح بن أبي صالح، حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويل لأمتي مما في صلب هذا )).
وروى ابن أبي خيثمة من حديث عائشة أنها قالت لمروان في قصة أخيها عبد الرحمن لما امتنع من اليبعة ليزيد بن معاوية: أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. الإصابة 1/344 - 345.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر، كأنهم قردة). وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلى فتنة للناس، والشجرة الملعونة). يعنى الحكم وولده. الدر المنثور5/309
وأخرج ابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لأبيك وجدك (إنكم الشجرة الملعونة في القرآن).الدر المنثور5/310
وعن الأسود، قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد الخلافة؟ قالت: وما يعجب؟‍! هو سلطان الله، يؤتيه البر، والفاجر، قد ملك فرعون مصر. سير أعلام النبلاء 3/95.
وعن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا. أخرجه الحاكم في المستدرك 4/479. وذكره في كنز العمال 6/39، وقال: ومال الله دخلا، وقال: أخرجه ابن عساكر.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ بن الوزغ الملعون ابن الملعون. أخرجه الحاكم في المستدرك4/479 قال: هذا حديث صحيح الاسناد.
وعن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر. فقال: أنزل الله فيك (والذي قال لوالديه أُف لكما). الآية. قال: فبلغ عائشة فقالت: كذب والله ما هو به ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه. فمروان قصص من لعنة الله عز وجل. أخرجه الحاكم في المستدرك 4/481. قال هذا حديث صحيح. وعن زهير بن الأرقم قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وينقل حديثه إلى قريش فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما يخرج من صلبه إلى يوم القيامة. كنز العمال 6/90. قال: أخرجه ابن عساكر.
وعن عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر: ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم. كنز العمال 6/90. قال: أخرجه ابن عساكر.
وعن ابن الزبير أنه قال وهو يطوف بالكعبة: ورب هذه البينة لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم وما ولد. كنز العمال6/90. قال أخرجه ابن عساكر.
وعن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال ونحن عنده: ليدخلن عليكم رجل لعين، فوالله ما زلت وجلاً خارجاً وداخلاً حتى دخل فلان ـ يعني الحكم ـ. الهيثمي في مجمعه1/112. قال: رواه أحمد.
وعن حلام بن جذل الغفاري قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. قال حلام فأنكر ذلك على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب عليه السلام، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله. أخرجه الحاكم في المستدرك 4/479. قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وفي كنز العمال 6/39: إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته ـ يعني الحكم بن أبي العاص ـ قال: أخرجه الدار قطني، في الأفراد عن ابن عمر. وذكره في ص 40. وقال: أخرجه الطبراني عن ابن عمر.
وفي ص 90 بنحو أبسط، فقال: عن ابن عمر قال: هجرت الرواح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أبو الحسن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أُدن فلم يزل يدنيه حتى التقم أُذنيه فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسآرّه إذ رفع رأسه كالفزع. قال فدعّ الحكم بسيفه الباب فقال لعلي عليه السلام: اذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حبالها، فإذا علي عليه السلام يدخل الحكم بن أبي العاص آخذاً بإذنه له زنمة حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلعنه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا ثم قال: أحله ناحية حتى راح إليه قوم من المهاجرين ثم دعا به فلعنه ثم قال: إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء. فقال ناس من القوم: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه! فقال: بلى وبعضكم يؤمئذ شيعته. قال أخرجه الدار قطني في الأفراد، وابن عساكر.
وعن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمر بن سعيد، قال: أخبرني جدي، قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال: أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم. صحيح البخاري6/2589(6649).

ويجب على المحتسب أن يأمر القاسمين بأن لا يبيعوا الجارية من السبي حتى يستبرئها مولاها، ويعلم حالها وقت السبي حتى تُستبرأ، هل هي منتهبة أو كانت مسلمة في دار الحرب قبل السبي؟ وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه (( نهى عن وطئ الحائل من السبي حتى يستبرئها )) (1). ومن باع منهم جارية فلا يبيعها إلا بعد أن يستبرئها بحيضة، إن كانت من ذوات الحيض، وإن لم تكن من ذوات الحيض
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (2643)، والترمذي برقم (1051)، والنسائي برقم (3281)، وأحمد برقم (11370)، والدارمي برقم (2193) بلفظ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ قَالَ أَسْوَدُ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً قَالَ يَحْيَى أَوْ تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ.

لِكَبَرها فإن أهلنا مختلفون فيها، فمنهم من قال: تستبرئ بشهر (1)، ومنهم من قال: تستبرئ بخمسة وأربعين يوماً (2).
وعلى المشتري إذا اشتراها أن يستبرئها بمثل ذلك، ولا يُقِّبلها ولا يباشرها دون الفرج، ويتقدم بالنهي (3) بأن لا يَصِلْنَ شعورهن، فإن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الوصال (4).
ويجب على المحتسب (5) أن لا يدع بائعي الرقيق أن يفرقوا بين الولد والوالد أو أحدهما إذا كان الولد صغيرا في البيع، وحد الصغير ما دام
__________
(1) قال أبو خالد الواسطي: سألت زيد ابن علي عليه السلام عن الأمة إذا كانت لا تحيض بكم يستبرئها؟ فقال عليه السلام: بشهر. المسند /273.
وقال الإمام الهادي عليه السلام: يجب على من باع أمة أن يستبرئها قبل بيعها بحيضة، وكذلك يجب على المشتري أن يستبرئها من قبل وطئها بحيضة، فإن كانت صغيرة أو كبيرة قد يئست من الحيض إستبرأها بشهر قبل بيعها. الأحكام 1/397.
(2) أخرج الإمام أحمد بن عيسى عن علي عليهم السلام قال: تستبرأ الأمة إذا استبريت بحيضة، فإذا كانت لا تحيض فبخمس وأربعين ليلة. الأمالي [رأب الصدع 2/1140 (1921].
(3) في الأصل: النهي. وما أثبت اجتهاد.
(4) أخرجه البخاري برقم (5478)، ومسلم برقم (3963)، والنسائي برقم (5010)، وأحمد برقم (23659) بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
(5) في الأصل: وعلى المحتسب يجب. وما أثبت اجتهاد.

في حجر والدته، ولا يقدر أن يأكل ويشرب وحده ويلبس وحده. وإذا صار على حد بأن يأكل وحده، ويستغني عن والدته، فلا بأس أن يفرق بينهما (1). وكل ذي رحم محرم مثل ذلك، إذا كان أحدهما صغيراً والآخر كبيرا. وروي لنا عن عبد الله بن الحسن (2) عليهما السلام (( أن زيد بن حارثة قدم من بعض غزواته ومعه رقيق من السبي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما لي أرى هذين كئيبين حزينين من بين الرقيق؟ فقال زيد: احتجنا إلى النفقة على
__________
(1) أخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرق بين الأم وولدها. فقيل: يا رسول الله إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية. المستدرك 2/55.
وأخرج الترمذي برقم (1204)، وأحمد برقم (22401)، والدارمي برقم (2368) بلفظ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(2) في الأصل: عبد الله بن الحسين. ولعل الصواب ما أثبت.
قال السياغي: قلت في هامش نسخة السماع ما لفظه: روى عبد الله بن الحسن المثنى عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهم السلام قال: (( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين فأصاب سبياً من أهل ميناء وهو السواحل، وفيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يبكون، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما لهم؟ فقيل: فرق بينهم، فقال: لا تبيعوهم إلا جميعا )). يعني: الأولاد وأمهاتهم. الروض النضير 3/563.

الرقيق فبعنا ولدهما. فقال: ارجع واسترجع ولدهما ورده عليهما )) (1).
وبلغنا عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام أنه قال: البيع يفسخ إن بيع أحدهما.
وبلغنا أنه قال: إن كان الذي باعهما عارفاً بالنهي عن بيعهما أُدِّب بائعهما ومشتريهما، وهكذا مذهبه عليه السلام.
[النهي عن الخمر والربا والغش]
ويجب على المحتسب أن ينهى الخمارين عن بيع الخمور، ويؤدب بائعها، وكذلك بائع المسكر، وإن لم ينزجر (2) الخمارون عن بيع الخمور أحرق عليهم دورهم، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام بسواد الكوفة، فإن كان موضع الخمار إذا أحرق عليه داره يحترق غيره، هدم عليه منزله ولم يحرق. وكذلك من هرب من إمام عادل، فعلى المحتسب أن يهدم داره، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام بدار مصقلة بن هبيرة، حين توارى من ناحيته فارًّا عنهم، ثم لحق بمعاوية لعنه الله (3). فأما المربي فأهلنا مختلفون فيه.
__________
(1) أخرجه الإمام زيد بن علي في المسند /272.
(2) في الأصل: لم ينزجروا على ذلك الخمارون. وما أثبت اجتهاد.
(3) قال أبو مخنف: حدثني أبو الصلت الأعور، عن ذهل ابن الحارث قال: دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاءه فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا أقدر عليه. فقلت: والله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال. فقال: والله ما كنت لأُحمّلها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد، ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كل سنة ؟!! فقلت له: إن هذا لا يرى هذا الرأي، لا والله ما هو بباذل شيئا كنت أخذته. قال ذهل: فسكت ساعة وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، وبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ما له برحه الله فعل فِعلَ السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر !! أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. نهج البلاغة ،المختار من كلامه (44) وتاريخ الطبري 4/100، ومثله في الكامل لابن الأثير 3/186، ورواه أيضا في ترجمة مصقلة من تاريخ دمشق 55/821.
عن أبي الطفيل أن من بني ناجية قوماً كانوا يسكنون الأسياف، وكانوا قوماً يدعون في قريش نسباً، وكانوا نصارى فأسلوا ثم رجعوا عن الإسلام، فبعث أمير المؤمنين عليه السلام معقل بن قيس التميمي فخرجنا معه فلما انتهينا إلى القوم جعل بيننا وبينه أمارة فقال: إذا وضعت يدي على رأس فضعوا فيهم السلاح فأتاهم فقال: ما أنتم عليه، فخرجت طائفة فقالوا: نحن نصارى، لا نعلم ديناً خيرا من ديننا فنحن عليه، قال: فعزلهم، قال: ثم قالت طائفة منهم: نحن كنا نصارى فأسلمنا فنحن مسلمون لا نعلم ديناً خيراً من ديننا فنحن عليه، وقالت طائفة: نحن كنا نصارى ثم أسلمنا ثم عرفنا أنه لا خير من الدين الذي كنا عليه فرجعنا إليه، فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرات فأبوا، فوضع يده على رأسه. قال: فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم. قال: فأتى بهم عليا عليه السلام فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم، وحمل إلى علي أمير المؤمنين عليه السلام خمسين ألفا فأبى أن يقبلها. قال: فخرج بها فدفنها في داره ولحق بمعاوية لعنه الله. قال: فأخرب أمير المؤمنين داره وأجاز عتقهم. تهذيب الأحكام 10/ 140.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (( أنه أحرق على المربي ماله )) (1)، ومنهم من جعل مال المربي فيئًا إذا لم يعرف أصحابه، ويترك رأس ماله له، وإن عرف أصحابه رد عليهم.
ويجب على المحتسب أن يأخذ الجلابين وأهل كل سوق، إذا باع المنادي منهم سلعة بالنداء وزادوا في ثمنه، ألا ينقصوا ما زادوا في ثمنها، فإنه يقع في ذلك غرر وفساد على ثمن المتاع، ولا بأس بشراء من يزيد في الأشياء كلها، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باع متاع رجل حُجر عليه بالزيادة.
وعلى المحتسب أن يأمر الصيارفة بتسوية الموازين والصنجات، وينهى عن أن يكلحوا الدنانير، ولا يتخذوا المزبقة والزيوف (2)، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( ليس منا من غش )) (3)، ويجب عليه أن يأمرهم بأن لا يبيعوا الذهب بالفضة، ولا الفضة بالذهب، إلا يداً بيد، والذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل. ولا بأس أن يباع الذهب بالفضة بعشرة أضعافه وأكثر، يداً بيد. ولا يجوز أن يباع الخاتم مع الفضة إلا بمثل ما فيه من الفضة وزيادة شيء. ولا
__________
(1) لم أقف على هذه الرواية.
(2) الزيوف: المغشوشة. والمزبقة: المطلية بالزئبق.
(3) أخرجه مسلم برقم (147)، والترمذي برقم (1236)، وابن ماجة برقم (2215)، وأحمد برقم (6991).

بأس أن يباع حلي الفضة بمثل ما فيه من الفضة وزيادة شيء، وإن باعه بالذهب فهو أفضل.
وكذلك جميع الحلي من الثغر واللبب واللُّجم (1)، وجميع الأشياء التي عليها الحلي، وكلما كان من الفضة فلا يباع إلا بمثل ما فيه من الفضة وزيادة شيء يكون له قيمة، وإن باعه بالذهب هو أفضل.
ويجب على المحتسب أن يأمر الصاغة بأن لا يبيعوا ترابهم، إلا بعد أن يُعلم ما فيه من الذهب أو الفضة، ويميز ما فيه، فإن باعه قبل أن يميز فالبيع باطل.
ويجب على المحتسب أن يمنع العطارين أن يجعلوا الرصاص في المسك، وأن لا يبيعوا إلا بعد التنقية، وأن لا يغشوا الزعفران، ولا سائر ما يبيعون من أمتعتهم، ولا بأس ببيع النطامة (2)، لأنها معروفة بالغش.
__________
(1) الثغر: جمع ثغرة، وهي نقرة النحر. وقد تكون الثفر، وهو السير الذي في مؤخر السّرج ويوضع تحت ذنب الدابة يشد به.
اللبب: جمع لِبَّة، وهو موضع المنحر من كل شيء. وقد يكون اللبب الذي يشد على صدر الدابة يشد به السرج.
اللُّجم: في الأصل: اللحم. ولم أقف لها على معنى يتناسب مع السياق. فلعلها تصحفت، ويؤكده قرنه بالثفر واللبب. واللُّجُم: جمع لجام، وهو حبل أو عصا تدخل في فم الدابة.
(2) لم أقف على النطامة في معاجم اللغة. ولعلها نوع من الطيب.

[قوانين طبية]
ويجب على المحتسب أن يمنع الصيادلة من التطبب (1)، إلا أن يكونوا يعرفون الطب (2)، وينهون عن السمومات إلا من طبيب (3)، فإنه يجعل فيه الأدوية مقدار ما لا (4) يضره، وينهون عن بيعه من سائر الناس، ولا بأس ببيع حبة منه يسير، وأن يعالج به خاصة. وحُدِّثت بذلك عن القاسم بن إبراهيم عليهما السلام.
ويجب على المحتسب أن ينهى عن بيع المرارة، ولا بأس بالانتفاع بمرارة ما لا يؤكل لحمه، ولا يبع شيئا من الحرام ولا يتداوَ به، مثل شحم الذيب والخنزير وغيرهما.
ولا يمنع الأساكفة (5) أن يخرزوا شعر الخنزير إذا كان مدبوغاً، ولا يبله بريقه، ولا يأخذه بيده، بصبعه (6) رطبةً. وينهون عن بيع الخُرَّم
__________
(1) في الأصل: الصنادلة من المتطيب. وما أثبت اجتهاد.
(2) في الأصل: الطيب. وما أثبت اجتهاد.
(3) في الأصل: المشمومات إلا من طيب. وأشار في الأصل إلى نسخة بـ (السمومات) ولعله الصواب. وأبدلت كلمة (طبيب) بدل (طيب) إجتهادا.
(4) في الأصل: ملأ يضره. وما أثبت اجتهاد.
(5) الأساكفة: جمع إسكاف، وهو الصانع. وقيل: صانع الأحذية خاصة.
(6) في الأصل: بصيغة. وما أثبت اجتهاد.

(1) للصبيان فإنه سُم، ويؤخد المتطبب بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (( ليتق الله كل طبيب من عربي وعجمي إذا عالج )) (2)، وَلْيأخذ المحتسب أن يعالج العين إلا من يعرف طباقها، ويكون عارفا بذلك الفن.
وكذلك الفصَّاد، ويجب أن يكون عارفاً بالعروق، وأن لا يفصد إلا في وقت يأمر طبيب بذلك، وكذلك البياطرة، ولا يُستعمل إلا عالم بصناعته.
وعلى المحتسب أن ينهى من لم يكن حاذقاً من الحجامين عن الحجامة، وكان بعض الحجامين يمتحن الحاذق فيأمره بشرط الورقة، فإن شرطها ولم ينفذ المشرط إلى خارج الورقة، حكم بحذقه. ويجب مع ذلك أن يكون بصيرا بإخراج الدم، يخرجه على حسب قوة الرجل وضعفه.
__________
(1) في الأصل: المحترم. لعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد. والخُرَّم: نبات الشجر. لسان العرب. فلعله نوع من السموم.
(2) قال علي عليه السلام: من كان متطببا فعالج أحدا فليبتدأ مما أتى فيه على يده، ويشهد شهودا على براءته ثم ليعالج وليجتهد ولينصح وليتق الله ربه فيمن يعالجه. الأحكام للإمام الهادي 2/309.

[آداب عامة]
ويتقدم إليه (1) بأن لا يأخذ من اللحية أحدكم كما يفعله السفلان، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جاءه رسل كسرى وعليهم الشوارب وقد حلقوا لحاهم، قال: (( فمن أمركم بهذا؟ قالوا: كسرى أمرنا به. فقال صلى الله عليه وآله وسلم لما رآهم: أعرض عنهم بوجهه وقال: شاهت الوجوه، ما هؤلاء ؟! قالوا: رسل كسرى. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ولكنا أمرنا بإعفاء اللحى وقص الشوارب )) (2)، وذكر في الخبر أيضا: (( أن الملائكة يتباهون بلحى بني آدم )) (3)، وينهاهم عن شعور الناس، ويؤمر بدفن الدم والشعر، ويتقدم أن لا يختن إلا بعد أن يكون عالماً بالختان والعلاج.
وأما الخُنثى المشكل أن تختن فإن كان له مال كُلِّف أن يشتري له مملوكة لختانه حتى تختنه، فإن لم يكن له مال اشتري له من بيت المال وتوهب له.
__________
(1) قال في هامش الأصل: إنه كتب هاهنا: لعله سقط من هاهنا قدر ورقة والله أعلم.
(2) أخرجه البخاري برقم (5442)، ومسلم برقم (380)، والترمذي برقم (2687)، والنسائي برقم (15)، وأبو داود برقم (3667)، وأحمد برقم (4425).
(3) لم أقف على هذه الرواية. ...

7 / 9
ع
En
A+
A-