- - -
الباب الأول
البيان عن إعجاز القرآن
إن سأل سائل فقال: ما الدليل على أن القرءان معجز؟
قيل له: الدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه ادعا النبوة ، وأتى بالقرءان ، وادعا أنه معجز قد أنبأه عز وجل به ، وجعله دلالة على صحة دعواه ، وبرهانا على صدقه ، وتحدى به العرب قاطبة ، وقرعهم بالمعجز عن الاتيان بمثله ، بل بسورة مثله . وفيهم الخطباء ، والشعراء ، والبلغاء ، وهم الغاية في البيان ، وأولو المعرفة بمواقع الكلام ، وأجناسه وأساليبه من المنثور والمنظوم ، ولهم العادة المشهورة في التفاخر بالبلاغة والفصاحة . والمعرفة بطرق المعارضات ، ومزايا المخاطبات ، مع ما كانوا عليه من الحمية والأنفة والعصبية ، ومع شدة حرصهم على تكذيبه ، وتوهين أمره ، وإبطال دعواه ، حتى بذلوا لذلك ما عز وهان من النفس فما دونها . وهو صلى الله عليه يتحداهم ، ويقرعهم بالعجز ، ويدعي أنه حجته وبَيِّنته ، ويذم مع ذلك أديانهم ، ويسب آلهتهم التي اتخذوها من دون الله عز وجل ، ويدعوهم إلى طاعته
، والتصرف على أمره ونهيه ، واستمر على ذلك زمانا (1) بعد زمان فلم يعارضوه ، وعدلوا إلى الحرب التي هي أشق ، فقاتلوا حتى قَتَلوا وقُتِلوا.
فدل ذلك على أن عدولهم عن معارضة القرءان لم يكن إلا لتعذره عليهم ، إذ لا يجوز على العقلاء إذا حاولوا أمرا أن يعدلوا لمحاولته من الأسهل إلى الأعضل ، ومن الأيسر إلى الأعسر ، إذا كانوا متمكنين منهما ، وإذا ثبت تعذرها عليهم ثبت أنها على غيرهم أشد تعذرا .
والمعجز هو الأمر الذي يتعذر مثله على جميع البشر ، فثبت أنه معجز على ما قلناه ، وهذه الدلالة مبنية على أن التحدي بالقرءان قد وقع ، وأن المعارضة لم تقع ، وأن السبب الذي من أجله لم تقع هو التعذر ، وأن التعذر متى صح ، صح كونه معجزا .
ونحن نبين ذلك فصلا فصلا ، إن شاء الله سبحانه .
- - -
__________
(1) في المخطوط: زمان . والصواب ما أثبت .
الكلام في أن التحدي قد وقع
إن قيل: إنكم بنيتم دلالتكم هذه على أن النبي صلى الله عليه [وآله وسلم] تحدى العرب بالقرءان ، فدلوا عليه وبيِّنوه ، ليستتب غرضكم ، ويتم ما ذكرتموه .
قيل له: قد ذهب كثير من العلماء ، ومجيدو العلم ، بأنه صلى الله عليه [وآله وسلم] تحدى به ضرورة ، كالعلم بأنه ادعا النبوة ، وأتى بالقرءان ، وإن كان العلم بهذين أجلُّ من العلم بالتحدي .
قالوا: ولا يمتنع في العلمين وإن كانا ضروريين أن يكون أحدهما أجلى ، والآخر دونه في الجلاء . ونحن لا نذكر هذه الطريقة ، إلا أنا لا نقتصر عليها ، ونوضح الأمر فيه إيضاحا نرجو أن تزول معه الشبهة .
وإن الخبر إذا كان في الأصل قويا ، وموجبا للعلم لا يمتنع مع تطاول المدة ، وتراخي الزمان أن يعرض فيه بعض الضعف ، سيما عند من يقل نظره في الأخبار ، وسماعه لها . وقد كان الأمر في التحدي ظاهرا في الأعصار السالفة ، حتى لم يبلغنا عن مخالف الاسلام من ملحد أو متهود أو متنصر إنكاره ، حتى حدث بالآخرة قول بلغنا عن بعض الملحدة والمتهودة . وهو أنهم قالوا: لم يحصل لنا العلم بأن النبي صلى الله عليه [وآله وسلم] تحدى به . ولظهور الأمر فيه حقق العلماء القول فيه.
فهذا الجاحظ مع بسطه الكلام في كتاب (( الفرق بين النبي والمتنبىء)) حقق القول في التحدي ، لأنه رأى أنه (1) يتعذر أن ينكره منكر . وهذا ابن الراوندي (2) لما صنَّف كتابه الموسوم بـ (( العزيز )) ، واجتهد فيه وقعد ، وأورد الغث والسمين في الطعن على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه [وآله وسلم] ، وأنكر كثيراً من روايات المسلمين ، لم ينكر التحدي ، وإنما تكلم فيما تكلم مع تسليمه ، ولم ينكر ذلك إلا لوضوح الأمر فيه، وأنه استحيا لنفسه أن تبلغ صفاقة وجهه إلى إنكاره . ولهذا قال في الكتاب المسمى بـ (( الزمرد )): (( وقد أطنب محمد - يعنى النبي صلى الله عليه وعلى آله - في الاحتجاج لنفسه بالقرءان، وبعجز الخلق عنه )) . ولم يقل ذلك إلا لشهرة الأمر فيه وبلوغه في الطعن .
ونعود إلى ما وعدنا به من الزيادة وإيضاح ذلك ، فنقول: قد ثبت أن النبي صلى الله عليه [وآله وسلم] لما أتى بالقرءان كان يقرأ على
__________
(1) في المخطوط: أن . ولعل الصواب ما أثبت .
(2) هو: أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي ، أو ابن الراوندي ، فيلسوف مجاهر بالإلحاد ، من سكان بغداد . نسبته إلى راوند من قرى إصبهان ، له كتاب سماه: (( الدامغ للقرءان )) ، و (( التاج )) ، و (( الزمرد )) ، وللخياط المعتزلة كتاب (( الانتصار )) في الرد عليه ، لدي نسخة منه . توفي سنة (298هـ) ، برحبة مالك بن طوق ، بين الرقة وبغداد ، وقيل: صلبه أحد السلاطين ببغداد . من كلام ابن الراوندي:
كم عالم عالم أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
المسلم والكافر ، ولا يكتم أحدا ممن قرب منه ، أو بعد عنه . وفي القرءان تحدٍ كثير ظاهر ، ففي ستة مواضع منه قد تحدى حتى لم يبق للشبهة فيه موضع ، وفي مواضع أُخر نبَّه على أنه يتحداهم ودل عليه ، وإن لم يكن لفظ التحدي ظاهرا في تلك الآيات ، وهذا كثير يطول ذكره وإحصاؤه .
فأما المواضع الستة:
فأحدها: في السورة التي يذكر فيها البقرة ، وهو قوله: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) } [البقرة] .
فانظروا - رحمكم الله - هل يجوز أن يكون في التحدي والتقريع قول أشفى من هذا ، وأوضح منه ، وأَدْعَا لأعدائه إلى الاهتزاز للإتيان بمثله ؟! لولا تعذره بها ، لأنه تعالى قال: قل { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } ، وهذا كافٍ في التحدي . ثم قال: { وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) } في إنكاركم أنه من عند الله ، وهذا أيضا تحدٍ ثان . ثم قال: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } تحدٍ ثالث (1) ، مع أنه خبر عن المستقبل . ومثله لا يجوز أن يقع من العاقل إذ لا يأمن أن
__________
(1) في المخطوط: رابع . والصواب ما أثبت .
يفعلوا ذلك فيظهر كذبه ، فدل ذلك على أنه كان من عند علام الغيوب .
والموضع الثاني: في السورة التي يذكر فيها يونس صلى الله عليه ، وهو قوله عز وجل: { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) } [يونس] . فإن قوله: { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ } ، تحدٍ بهذا وأنه لا يأتي به أحد إلا من عند الله ، وفيه أيضا مع أنه تحدٍ خبر لا يقع مثله إلا من عند علام الغيوب .
وقوله: قل { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } تحد ثانٍ ظاهر ، لا مرية فيه ، وكذلك قوله : { وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ } تحد ثالث .
والثالث: في السورة التي يذكر فيها هودا صلى الله عليه ، وهو قوله عزوجل: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14) } [هود] ، فكان قوله عزوجل: { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } تحديا ظاهرا ، وتقريعا بالغا ، أنه عزوجل فسح لهم في المعارضة ، وإن كانت الأقاصيص التي يوردونها قد اقتربت (1) ، لأنهم
__________
(1) كذا في المخطوط .
كانوا يحتجون عليه صلى الله عليه [وآله وسلم] بأنه كان يعرف من أخبار الأمم وأيامها وأقاصيصها ما لا يعرفون ، فأدحض الله تعالى حجتهم ، وكذَّب قولهم . وفضحهم بقوله: { فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } ، ودل ذلك على أن الاعجاز تعلَّق بنظمه . وإن كان أيضا متعلقا بمعانيه .
وقوله: { وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ } تحدٍ ثان . لأنه إخبار عن أن أحدا من دون الله لايأتي بمثله .
قال: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ } ، وكان هذا تحديا ثالثا ، لأن جعل حجته في أنه أنزل بعلم الله: تركُهم الإستجابة إلى الاتيان بعشر (1) سور مثله . فهل يكون في التحدي أبلغ من هذا ؟!
وقوله عز وجل: { فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14) } ، أيضا يتضمن معنى التحدي ، لأنه دعاهم إلى الاسلام لظهور عجزهم .
والموضع الرابع: في السورة التي يذكر فيها بني إسرائيل ، وهو قوله: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) } [الإسراء] . فانظروا - رحمكم الله - فهل يكون في التحدي شيء أبلغ منه ؟! وإخباره عز وجل: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ } ، دليل على أنه خبر من عند علام الغيوب ، لأن
__________
(1) في المخطوط: إتيان عشر . ولعل الصواب ما أثبت .
الانسان لا يعلم ما يكون بعده ، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يخبر خبرا ، لا يأمن أن يقع غيره على خلاف ما أخبر ، فيظهر كذبه عند أوليائه وأعدائه ، سيما إذا كان أمره مبنيا على الصدق ، وبأن أعظم ما يرميه به أعداؤه أنه كاذب في دعواه . فوضَحَ لما بيَّناه أنه صدر عن العالم بما كان وبما يكون ، وهو الله رب العالمين . وهذا مما يمكن أن يعد دلالة برأسها ، وسنذكرها وما يوضحها من بعد ، بعون الله تعالى .
والموضع الخامس: في السورة التي يذكر فيها القصص ، وهو قوله تعالى: { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) } [القصص] .
كان قوله عز وجل: { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ } تحديا ظاهرا . وقوله: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ } تحدٍ ثانٍ ، لأنه قرعهم بترك الاستجابة إلى ذلك ، ودل بذلك على أنهم يتبعون أهواءهم . وقوله: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ } تحدياً ثالثاً ، لأنه ذمهم ونسبهم إلى الضلال ، لاتباعهم الهوى الذي جعل تركهم الاستجابة إلى الاتيان به عَلَما عليه .
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) } ، في هذا الموضع أيضا فيه معنى التحدي ، لأنه أخبر أن الله لا يهديهم .
والموضع السادس: في الطور حيث يقول: { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (34) } [الطور] ، وكان هذا تحديا ظاهرا .
فأما المواضع التي تتضمن معنى التحدي ولو لم يكن اللفظ لفظ التحدي فكثير ، كقوله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } [العنكبوت: 51] .
وقوله: { الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) } [هود] .
وقوله: { الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [إبراهيم: 1] .
وقوله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } [الرعد: 31] .
وقوله: { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [الحشر: 21] .
وقوله بعد آية التحدي: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) } [يونس] .
وقوله: { أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) } [يونس] ، لأن ذلك يحرك الطبع ، ويقوى الداعي إلى التحكك والمعارضة ، ونظائرها كثير .
فإن قيل: دُلُّوا على أن هذه الآيات هي من القرءان الذي تلاه النبي صلى الله عليه [وآله وسلم] على الناس ، وأنها ليست زيادة فيه .
قيل له: من العلماء من رأى أن العلم بكل آية من القرءان ، مما أتى به النبي صلى الله عليه [وآله وسلم] علم ضروري ، كما أن العلم بجملته ضروري .
قال: لأن القرءان كله آية آية ، فلو لم يكن العلم بكل آية علما ضروريا ، لم يكن العلم بجميع القرءان ضروريا . لكنا لا نقتصر على هذا القدر ، ونوضح الكلام فيه فنقول: لا إشكال أن هذه الآيات كانت كلها في المصاحف التي كتبت أيام عثمان ، وتلك المصاحف كتبت بمشهد أقوام لا يجوز التواطؤ عليهم لكثرتهم ، وفيهم الحفاظ ، منهم من كان يعرف الفرق بين ما هو من القرءان ، وما ليس من القرءان ، بل كان أكثرهم - والله أعلم - بهذه الصفة . كما أن عامة المسلمين اليوم - وإن لم يكونوا حفاظا - يفصلون بين ما هو من القرءان وما ليس من القرآن . فلم ينقل عن أحد أنه تكلم في ذلك ، وأنكر معرفتهم ، كما نقل ما كان من ابن مسعود في المعوذتين (1) ، وفي آي سورة القنوت ، ومن عمر فيما ذكره من الرحمن ، ومن عائشة
__________
(1) أخرج الطبراني في معجمه الكبير 9/ 235(9150) عن عبد الله أنه (( كان يحك المعوذتين من المصحف يقول: ليستا من كتاب الله )) .