كلا ، بل هم صم عن الحق لا يسمعون ، وبُكمٌ عند المحاج لا ينطقون ، وعمي عن الرشاد لا يبصرون ، { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) } [المطففين] .
[الباطنية]
فإن أرذلهم طبقة ، وأخسهم (1) طريقة ، وأقلهم شبهة ، وأعتاهم على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعداهم للمسلمين ، وأحرصهم على التحيل لإطفاء نور الله المبين ، { وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) } [التوبة] ، من ينتسب منهم إلى الباطن ، ويوهم أن وراء ما في أيدي المسلمين من حجج العقول والكتاب والسنة حقيقة عرفوها وحصلوها ، وأنها ممنوعة أو مستورة إلا عمن بذل لهم العهود والمواثيق ، فإذا كَشَفْتَها وجدتَ مخازي ، تلوح عن صفحاتها أثر الاستهزاء بمن يأخذ عنهم ويلوذ بهم ، يعدونهم حمرا مستنفرة . قد زينوا عندهم ارتكاب الفواحش ، وأباحوا لهم قطوف المظالم ، وأحلوا لهم شرب الخمور ، وترك الصلوات ، ومنع الزكوات ، { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) } [المائدة] .
ينفون الصانع ، وينكرون النبوات أجمع ، ويجحدون الشرائع . فيقولون: لايقال في الله تعالى: موجود ، ولا لا موجود .
__________
(1) في المخطوط: وأحسنهم . ولعل الصواب ما أثبت .
لايعلمون لجهلهم ، وفرط غباوتهم ، أن نفي النفي يقتضي الإثبات عند أهل اللسان .
ألا ترى أنهم إن أرادوا أن يحققوا الإثبات قالوا: (( لا غير )) ، فيقولون: (( هو الرأي لا غير ، وهو زيد لاغير )) . فيجمعون بين النفيين لتحقيق الإثبات .
فإذا قالوا: موجود . فقد حققوا أنه موجود .
وإذا قالوا: لا موجود . فقد نفوا ما أثبتوا ، ونَقضوا ما قالوا ، وليس ذلك مما يخفى .
لكن غرضهم في ذلك: هو التوصل الى التعطيل ، ونفي الصانع .
ويقولون: (( إن النبي محمدا صلى الله عليه إنما كان له التأييد ، دون ما سواه من الوحي والإرسال ، ونزول جبريل عليه السلام )) ، ويشيرون بالتأييد الى المزية التي تحصل لكل من تقدم في صناعة وبرع فيها ، من شاعر ، أو طبيب ، أو فقيه ، أومتكلم ، أومنجم .
ويسمون الشرائع: نواميس . ويتوصلون إلى جحدها وإبطالها ، بإدعاء: أن لكل شيء منها باطنا ، إذا عرف سقط وجوب العمل به .
وينكرون البعث والنشور ، ويقولون: معنى القيامة ، هو قيام محمد (1) بن إسماعيل بن جعفر وخروجه .
__________
(1) هو: محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، إمام عند الإسماعيلية ، يكنى عندهم بالمكتوم ، حذرا من بطش العباسيين ، وهو أول الأئمة المكتومين ، توفي ببغداد سنة (198هـ) تقريباً .
ولولا أنه ليس غرضنا في كتابنا هذا وصف أقوالهم ، ونشر فضائحهم ، وبسط مقابحهم ، من فساد عقائدهم ، ومساوئ دفائنهم ، مما بيَّنه شيوخنا - رحمهم الله - من الأشراف والعلماء في كتبهم المصنفة . في هتك أستارهم ، وإذاعة أسرارهم ، نحو أبي زيد عيسى بن محمد العلوي الحسيني ، وأبي جعفر بن قنة الرازي ، وأبي عبد الله بن درام الكوفي ، وأبي أحمد بن عبدك الجرجاني ، وغيرهم - رحمة الله عليهم - .
ثم ذكرت ما في رسالتهم الموسومة بـ (( البلاغ السابع )) وربما سموها: (( البلاغ الأكبر ، والناموس الأعظم )) ، لكني أحيل من أراد الوقوف على باطنهم وسرائرهم على هذه الكتب ، فإنها مشهورة معروفة ، معروضة لمن أرادها .
وأرجع إلى الغرض الذي قصدته: وهو أني رأيت أن أضع كتابا في الإبانة عن معجزات نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أيده الله تعالى به من الآيات البيِّنات ، والدلائل الواضحات ، التي لا يذهب عنها من نصح نفسه ، ولم يتلعب بدينه ، مستعينا بالله تعالى ، ومستهديا له ، وراغبا إليه تبارك وتعالى ، أن يعظم النفع لنا به ، والمثوبة عليه ، وأن يجعل سعيي فيه ، وكدحي له ، خالصا لوجهه .
هذا ، ولست أطمع أن أزيد على ما قاله السلَّف - رحمهم الله - في هذا الباب . وإنما أوجز من كلامهم - رحمة الله عليهم - ما جعله البسط متباعد الأطراف ، وأبسط ما جعله الإيجاز خفي الأغراض .
وأنتم - رحمكم الله - إذا تأملتم أحوال الفترات التي كانت بين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم ، ازددتم معرفة بحسن تدبير الله تعالى لخلقه في ابتعاث الرسل ، وتجديد ما درس أو كاد يدرس من الشرائع والملل ، وأنه جل وعز ابتعث حين علم الصلاح في الابتعاث ، ومد الفترة حين علم اقتران المصلحة بها ، لأن الفترة - على ما يقوله بعض أهل التواريخ ، على اختلاف بينهم فيه ، والله أعلم بتحقيق ذلك - كانت بين آدم ونوح صلى الله عليهما سبع مائة عام (1) .
وإنما كان كذلك - والله أعلم - وإنما نقول على مقدار ما يلوح لنا ، ويبلغه مقدار أفهامنا: إن آدم عليه السلام أُهبِطَ إلى الأرض - وهو أبو البشر وأول الإنس - ولم يكن في زمانه شيء من الكفر ، ولا عبادة الأصنام ، ولم يكن غيره وغير زوجته حواء وأولادهما عليهم السلام ، وكانوا يعرفون حاله ، فلم يكن في أمره شك عندهم ، بوضوح أمره ، وظهور ديانته ، وقلة من بعث إليهم ، فامتد زمان الفترة . وكان بينهما صلى الله عليهما مع ذلك: شيث وإدريس عليهما السلام ، فاستحدث
__________
(1) في التوراة العبرانية: أن المدة من آدم إلى نوح 1586 سنة ، وفي السامرية 1237 سنة ، وفي التوراة اليونانية 2262 سنة . انظر كتاب: إظهار الحق ، للعلامة الشيخ رحمت الله بن خليل الهندي ، مؤسس المدرسة الصولتية في مكة ، والمدرس في المسجد الحرام ، المولود سنة 1233 هوالمتوفى سنة 1308ه. طبعة دار التراث العربي بمصر ، وانظر النص العربي الكامل للتوارة السامرية ترجمة الكاهن السامري أبي الحسن إسحاق الصوري ، نشر دار الأنصار بمصر .
الناس الكفر ، وعبادة الأصنام ، واتخذوا ودا ، وسواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا (1) .
فابتعث الله سبحانه نوحا صلى الله عليه يدعوهم إلى التوحيد ، وخلع الأصنام والأنداد ، ولبث فيهم كما قال تعالى: { أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا } [العنكبوت: 14] . فغرقهم الله تعالى بالطوفان حين علم أنهم لا يصلحون . ونجا نوحا صلى الله عليه ومن معه .
ثم كانت الفترة بين نوح وإبراهيم صلى الله عليهما على ما يقوله المؤرخون نحو سبعمائة عام (2) . وإنما كانت هذه المدة نحو تلك ، لأن الغرق أعاد حال نوح إلى نحو حال آدم صلى الله عليهما وظهور أمره ، وابتداء البشر منهم . مع أنه لم يكن بقي من الكفار أحد ، إلا أن الناس كانوا قد عرفوا عبادة الأصنام ، واتخاذ الأنداد من دون الله عز وجل ، فأسرعوا بعده في الكفر ، وعبادة الأصنام .
وكان الله تعالى قد بعث هودا إلى عاد لما ازداد تمردهم ، وصالحا صلى الله عليهما بعثه إلى ثمود .
ثم لما ازداد الكفر ظهورا وانتشارا ، ابتعث الله عز وجل إبراهيم صلى الله عليه فدعاهم إلى الله تعالى ، وكسر أصنامهم ، ونبههم على خطأ أفعالهم ، وجدد لهم الذكرى ، وأنزل الله عز وجل عليه الصحف .
__________
(1) أشار الله إلى ذلك في القرآن الكريم في سورة نوح الآية/ 23 .
(2) الفترة من نوح إلى إبراهيم في التوراة العبرانية 292 سنة ، وفي التوراة السامرية 942 سنة .
وبعث لوطا صلى الله عليه إلى قوم مخصوصين ، حين ازداد عتوُّهم، واستحدثوا من الفاحشة ما لم يكن قبلهم .
ثم كانت الفترة بينه وبين موسى صلى الله عليهما نحو أربعمائة سنة (1) ، وإنما كانت كذلك - والله أعلم - لأن إبراهيم صلى الله عليه مضى والكفر باق بينهم وظاهر ، ولم يكثر أتباعه الكثرة الظاهرة على ما بلغنا .
وبعث الله تعالى بعده: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وشعيبا صلوات الله عليهم قبل مبعث موسى صلى لله عليه .
وقيل: إن أيوب صلى الله عليه كان قد بُعث قبل موسى .
فتغيرت أحوال بني إسرائيل ، وقلَّ قبول الناس للحق وظهر الكفر ، وبلغ مبلغا لم يكن بلغ من قبل ، لأن فرعون اللعين ادعا الربوبية ، { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } [النازعات] . واستعبد بني إسرائيل ، فعظم الأمر وازداد الكفر ، واتسع الخرق ، ونُسي الحق . فلذلك قصرت مدة هذه الفترة ، حتى بعث موسى صلى الله عليه مع تلك الآيات العظام ، كالعصا ، واليد البيضاء ، ومجاوزة بني إسرائيل البحر بعد أن انفلق البحر ، { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) } [الشعراء] . وتغريق فرعون اللعين ومن تبعه ، إلى غير ذلك من الحجر الذي انفجرت منه
__________
(1) الفترة من إبراهيم إلى موسى 400 سنة في الإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين ، و430 سنة كما جاء في الإصحاح الثاني عشر من سفر الخروج .
العيون ، وما كان ظهر قبل ذلك من الجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وغير ذلك مما يطول ذكره .
وأنزل عليه التوراة ، وبَبّن فيها أحكام الحلال والحرام ، وظهر أمره صلى الله عليه أتم الظهور . وإنما كانت أعلام موسى صلى الله عليه أكثر ، وآياته أظهر ، لأن بني إسرائيل كانوا - والله أعلم - أجهل الأمم ، وأغلظهم وأبعدهم عن الصواب ، وأبلدهم عن استدراك الحق . ألا ترى أنهم بعدما جاوز الله تعالى بهم البحر ، وغرق آل فرعون وهم ينظرون ، قالوا لموسى - حين مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم -: { يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعراف: 138] . واتخذوا العجل وعبدوه ، وظنوا أنه إلههم وإله موسى ، وأنه نسي .
فبحسب هذه الأحوال اقتضت الحكمة إيضاح الآيات والأعلام ، وتكثيرها لهم .
ثم بعث يشوع ويونس .
ثم بعث داود صلوات الله عليهم ، وأنزل عليه الزبور .
وبعث سليمان صلى الله عليه وآتاه الملك ، مع تلك الآيات العظيمة .
ثم بعث بعدهم زكريا ويحيى صلى الله عليهما .
فكانت الفترة بين موسى وعيسى صلى الله عليهما نحو ألفي سنة (1) ، لِعظَم آيات موسى ، وعظم الكتاب الذي أنزل معه ، ولما بعث بينهما من الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، وهذه المدة أطول المدد التي كانت بين من ذكرنا عليهم السلام .
ثم لما تزايد الكفر ، وتغيرت أحوال بني إسرائيل ، وشاع الإلحاد بالفلاسفة ، بعث الله تعالى عيسى صلى الله عليه وبقي فيهم ما بقي . وقد أكرمه الله تعالى ورفعه إليه ، ثم كانت الفترة بينه وبين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله نحو ستمائة عام (2) .
فكانت هذه المدة أوسط المدد . وذلك - والله أعلم - لأن حجج الله تعالى كثرت فيها ، لبقاء التوراة والزبور ، ونزول الانجيل . ومع ذلك كثر الضلال ، وقيل في المسيح صلى الله عليه قولان عظيمان:
أحدهما: ما قالت اليهود (3) .
والثاني: ما قالته النصارى (4) .
__________
(1) في كتب التواريخ المسيحية: أن المدة بين موسى وعيسى عليهما السلام ألف وخمسمائة وواحد وسبعون سنة .
(2) المدة بالتحديد خمسمائة وسبعون سنة ، وفي رواية: خمسمائة وواحد وسبعون سنة .
(3) قول اليهود هو ما حكى القرآن: { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ ... } [النساء] إلخ .
(4) قول النصارى هو:
1- ... الأرثوذكس يقولون: إن عيسى هو الله .
2- ... والكاثوليك والبروتستانت يقولون: إن عيسى إله من آلهة ثلاثة .
وفي القرآن الكريم يقول الله عنهم: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . . . لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [المائدة: 72-73 ] .
ثم ابتعث الله عز وجل النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وختم به الرسالة ، ونحن من مبعثه على نحو من أربع مائة عام (1) ، فدل ذلك على قرب الساعة ، وأزف القيامة ، وتحقيق ذلك قول الله تعالى: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1) } [الأنبياء] . وقوله: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) } [القمر] . وقول النبي صلى الله عليه: (( بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه )) (2) .
فانظروا - رحمكم الله - في حسن نظر الله عز وجل لعباده ، بما ذكرناه ، واعتبروا به ، واستعدوا للدوام والبقاء . فلها خلقتم ، فكأن الواقعة قد وقعت ، والحآقة قد حقت ، { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) } [الشورى] . ولا يصدنكم عنها الشيطان ، وأتباع الشيطان ، كما قال تعالى: { إِنَّ اْلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيَها لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاْتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) } [طه] . وفقنا الله وإياكم لطاعته ، واتباع مرضاته .
وأُقدِّم أمام الغرض فصلا أذكره من قبل علماء أهل البيت عليهم السلام ، وهو أن الله تعالى لما بعث موسى صلى الله عليه بعثه بالآيات
__________
(1) هو الزمن الذي كان فيه مؤلف الكتاب . وفي زمني هذا نحن في سنة ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرين من الهجرة ، الموافق سنة ألفين واثنين من الميلاد .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 1882(4652) ، ومسلم في صحيحه 4/ 2268 (2950).
التي بهرت ، ما كان هي ولوع الناس به في ذلك الزمان من السحر والتمويهات ، وأتاهم من العصا واليد البيضاء ، وفلق البحر ، ونحو ذلك ، مما لا تبقى معه شبهة في أن ذلك ليس من السحر في شيء ، إذ كان أولئك به أعرف ، وبالفصل بين السحر وبين ما ليس بسحر أعلم. لعلمهم بمبلغ قوة السحر ، وغاية أمره .
ولما بعث الله سبحانه المسيح صلى الله عليه ، آتاه من الآيات التي بهرت ما كان ولوع الناس به في ذلك الزمان من الطب ، فأيده سبحانه بإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، لئلا تبقى شبهة لأحد منهم ، لأنهم كانوا أعرف الناس بمبلغ قوة صناعة الطب ، ومنتهى غايته . وما يكشف لهم من الأمر ما عساه كان لا ينكشف لغيرهم في تلك المدة اليسيرة (1) .
ولما بعث الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه في قوم هم الغاية في الفصاحة والبلاغة ، والنهاية في البيان والسلاقة . إذ حظ العرب من ذلك أوفر الحظوظ ، ولهم منه ما ليس لغيرهم من الأمم ، فأيده سبحانه بالقرءان ، وجعله معجزا له ، لأنهم يعرفون من حاله ، ما لا يعرف غيرهم ، ولأنهم إذا عجزوا عن معارضته ، لم تبق شبهة في أن غيرهم أعجز وأعجز . ومع ذلك لم يُخْلِه عز وجل من سائر المعجزات على ما نبيِّنه من بعد . بل كثر ذلك ، وتواتر ، حتى لم يبق في أمره شبهة لمنصف . والحمد لله على نعمه السابغة ، ومِنَحِه البالغة .
__________
(1) كان علماء اليهود في زمن المسيح عليه السلام يوهمون الناس أنهم بواسطة تسخير الجن بالعزائم والرقى والتفل على العاهات يستطيعون الشفاء من الأمراض ، وقد صدَّقهم بعض الناس ، فكان المسيح يفعل ما يشفي من الأمراض ، بواسطة الدعاء إلى الله . وكانت معجزاته على هذا من جنس ما برع فيه العلماء - كما اشتهر عنهم - ولقد اتهموه بأنه يشفي بواسطة استخدام (بعل زبول) رئيس الشياطين . انظر إنجيل متى .