واسعة ، لم يمتنع أن يحل (1) إليهم الحادث على قدر ما هو عليه ، فيلزمنا جميع ما ذكرنا ، أو يُشك حتى لا يصح أن أحدا أُقِيل ، ولا أن أحدا وُلِّي ، ولا أن أحدا استُخلِف على أمر ، ولا أن أحدا تكلم في مسألة ، ولا أن أحدا ناظر أحدا في شيء من أمور الدين والدنيا . فإن التزم ذلك ، وضح خزيه ، وبان ظلاله ، وإن أجاب عنه بشيء ، فهو جوابنا فيما سأل عنه .
ومنها أن يقال ل‍ه: إن المحدقين لا يجرون مجرى السُّوْرِ المبني ، أو الحائط المشيد ، بل لا يمتنع أن يكون مَن خلفهم يطَّلع ، فيرى ما يراه الأولون ، ويعاين ما يعاينونه .
ومنها أن يقال: لا يمتنع في كثير من هذه الآيات أن يشاهده قوم ثم يتأخرون ، ويتقدم آخرون فيشاهدوا ما شاهده الأولون .
ومنها أن يقال ل‍ه: لا يمتنع أن يقع العلم بخبر الخمسين ، أو دون الخمسين ، إذا أخبروا على وجه يُعلم أنهم لم يتواطؤا . وكل ذلك يوضح سقوط ما ذكره هذا الجاهل .
- - -
__________
(1) كذا في المخطوط .

ذكر ما وجد في الكتب المتقدمة من البشارات بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
هذه فصول يعرفها أهل الكتاب في كتبهم وليسوا ينكرونها ، وقد جاريت فيها منهم من كان يرجع إلى حفظ كثير وضبطها ، غير أنهم يتأولونها تأويلات فاسدة .
فمن ذلك ما وجد في التوراة ، وقيل هو في السفر الأخير (1) في الفصل الثالث والثلاثين: (( جاء الله من سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبل فاران )) (2) .
فقوله: (( جاء الله من سيناء )) ، أراد: ابتعاثه موسى صلى الله عليه من قِبَل طور سيناء .
وقوله: (( وأشرق من ساعير )) ، أراد: ابتعاثه المسيح صلى الله عليه ، و (( ساعير )) الناحية التي كان فيها عيسى صلى الله عليه .
__________
(1) السفر الأخير هو: سفر التثنية .
(2) النص بتمامه من الكتاب المقدس طبعة بيروت سنة (1976م) هكذا: (( وهذه هي البركة ، لتي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته . فقال: جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران . وأتى من ربوات القدس . وعن يمينه نار شريعة لهم ، فأحب الشعب . جميع قديسيه في يدك ، وهم جالسون عند قدمك ، يتقبلون من أقوالك )) . سفر التثنية 33: 1- 3 ، وانظر في تفسير هذا النص كتاب (( إظهار الحق )) للشيخ رحمت الله الهندي .

وقوله: (( واستعلن من جبل فاران )) ، أراد به: ابتعاثه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من جبال مكة . لأن جبال مكة تسمى في التوراة: (( جبل فاران )) ، لا ينكر ذلك أحد ممن عرف التوراة .
وفي التوراة: (( أن إبراهيم صلى الله عليه أسكن هاجر وإسماعيل صلى الله عليه فاران ، يعني: مكة )) (1) .
ولم يبعث أحد من الأنبياء ابتعاثا ظاهرا ، فشا أمره في مشارق الأرض ومغاربها ، كما اقتضى قوله: (( استعلن )) ، لأن (( استعلن )) هو بمعنى: علن ، إذا ظهر وانكشف ، (( ولم يستعلن )) غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يبق ريب في أنه هو المراد بهذه اللفظة (2) .
وفي التوراة: (( أن هاجر ترآءى لها ملاك ، وقال: يا هاجر إني سأكثر ذريتك وزرعك ، حتى لا يحصوا كثرة ، وهاأنت تحبلين وتلدين
__________
(1) نص التوراة: (( وكان الله مع الغلام - أي: إسماعيل بن هاجر - فكبر ، وسكن في البرية ، وكان ينمو رامي قوس ، وسكن في برية فاران ، وأخذ ل‍ه أمه امرأة من أرض مصر )) . سفر التكوين 21: 20 - 21 .
(2) وأيضا لأن النص يذكر بركات ثلاث: واحدة لموسى ، وواحدة لعلماء وأنبياء بني إسرائيل ، وواحدة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الآتي من ذرية إسماعيل . وإسماعيل هذا ل‍ه بركة ، ففي التوراة: عن بركة إسماعيل أن الله قال لإبراهيم: (( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره ، وأكثره كثيرا جدا ، اثني عشر رئيسا يلد ، وأجعله أمة كبيرة )) . سفر التكوين 17: 20 .

أبنا ، وتسمينه إسماعيل ، لأن الله عز وجل قد سمع خشوعك ، وتكون يده فوق يد الجميع ، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع )) (1) .
وقد علمنا أن المراد بهذا (2) ولد إسماعيل ، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن إسماعيل نفسه لم تكن يده فوق يد إسحاق ، ولا يد ولديه يعقوب صلى الله عليه وعيسى ، (( مبسوطة إليه بالخضوع )) ، ولم يكن في ولد إسماعيل من كانت أيدي أولاد إسرائيل وعيسى وسائر الناس مبسوطة إليه ، غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
إنه هو الذي دانت ل‍ه الملوك من آل إبراهيم صلى الله عليه وغيرهم ، وخشعت ل‍ه رقابهم ، وخضعت ل‍ه الأمم ، وصارت الإمامة والملك في أهله ، وصارت أيديهم فوق أيدي الجميع . وأيدي الجميع مبسوطة إليهم ، كما وُعِدَت هاجر . فوضح أنه بشارة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
__________
(1) النص: (( وقال لها ملاك الرب: تكثيرا أكثر نسلك ، فلا يعد من الكثرة ، وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى ، فتلدين ابنا ، وتدعين اسمه إسماعيل ، لأن الرب قد سمع لمذلتك ، وأنه يكون إنسانا وحشيا ، يده على كل واحد ، ويد كل واحد عليه )) . سفر التكوين 16: 10 - 12 .
(2) في المخطوط: بهذه . ولعل الصواب ما أثبت .

وفي فصل من كتاب أشعياء النبي صلى الله عليه: (( لتفرح أرض البادية العطشى ، ولتبتهج البراري والفلوات ، ولْتَزْهُ ، لأنها ستعطى بأحمد محاسن لبنان ، وكمال حسن الدساكر والرياض )) (1) .
ومن المعلوم أن البادية لم يحصل لها ولفلواتها المحاسن إلا بالاسلام والمسلمين ، فبان أنه بشارة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن كان في أهل الكتاب من ينكر الاسم على عادتهم في التحريف .
وعن حبقوق النبي صلى الله عليه: (( جاء الله من التيمن ، والقدوس من جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تمجيد أحمد وتقديسه ، وملك الأرض ورقاب الأمم )) (2) . وقد بيَّنا أن جبال مكة تسمى في التوراة: جبال فاران .
وقال داوو صلى الله عليه في مزموره ، في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنه يجوز من البحر إلى البحر ، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأنهار ، وأنه تجثو أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ، ويلحس أعداؤه التراب . تأتيه الملوك بالقرابين ، تسجد ل‍ه وتَدِينُ ل‍ه الأمم
__________
(1) النص من الترجمة الحديثة: (( تفرح البرية والأرض اليابسة ، ويبتهج القفر ، ويزهر كالنرجس ، يزهر أزهارا ، ويبتهج ابتهاجا ، ويرنم ، يدفع إليه مجد لبنان ، بهاء كرمل وشارون ، هم يرون مجد الرب ، بهاء الهنا )) . سفر أشعياء 35: 1 - 2 .
(2) النص من الترجمة الحديثة: (( الله جاء من تيمان ، والقدوس من جبال فاران . سلاه . جلاله غطى السماوات ، والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور . ل‍ه من يده شعاع ، وهناك استتار قدرته ، قدامه ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ، وقف وقاس الأرض ، نظر فرجف الأمم ، ودكت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القدم ، مسالك الأزل ل‍ه ... )) إلخ . سفر حبقوق 3: 3 - 6 .

بالطاعة والانقياد ، لأنه يُخلِّص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر ل‍ه ، ويرؤف بالضعفاء والمساكين ، وأنه يُعطى مِن ذهب بلاد سبأ ، ويُصلَّى عليه في كل وقت ، ويُبارَك عليه في كل يوم ، ويدوم ذكره إلى الأبد ، وإن اسمه لموجود قبل الشمس ، والأمم كلها يتبركون به ، وكلهم يحمدونه )) (1) .
وقد قيل: معناه يسمونه: محمدا .
ومن مزمور آخر لداوود صلى الله عليه: (( تقلَّدِ السيف ، فإن ناموسك وشريعتك مقرونة بهيبة ، وسهامك مسنونة ، والأمم يخرون تحتك )) (2) .
__________
(1) النص من الترجمة الحديثة للمزمور كله هكذا: (( اللهم أعط أحكامك للمك ، وبرك لابن الملك . يدين شعبك بالعدل ، ومساكينك بالحق ، تحمل الجبال سلاما للشعب ، والآكام بالبر ، يقضي لمساكين الشعب ، يخلص بني البائسين ، ويسحق الظالمين . يخشونك ما دامت الشمس ، وقدام القمر إلى دور فدور . ينزل مثل المطر على الجزاز ، ومثل الغيوث الذارفة على الأرض . يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام ، إلى أن يضمحل القمر . ويملك من البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض . أمامه تجثو أهل البرية ، وأعداؤه يلحسون التراب . ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة . ملوك شبا وسباء يقدمون هدية . ويسجد ل‍ه كل الملوك . كل الأمم تتعبد ل‍ه . لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين ، إذ لا معين ل‍ه . يشفق على المسكين والبائس ، ويخلص أنفس الفقراء من الظلم والخطف ، يفدي أنفسهم ، ويكرم دمهم في عينيه . ويعيش ويعطيه مِن ذهب شبا . ويصلى لأجله دائما . اليوم كله يباركه ، تكون حفنة بُر في الأرض في رؤوس الجبال تتمايل مثل لبنان ثمرتها ، ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض ، يكون اسمه إلى الدهر . قدام الشمس يمتد اسمه ، ويتباركون به . كل أمم الأرض يطوبونه . مبارك الرب الله إله إسرائيل ، الصانع العجائب وحده ، ومبارك اسم مجده إلى الدهر ، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده )) . المزمور: 72 .
(2) نص المزمور كله من الترجمة الحديثة: (( فاض قلبي بكلام صالح . متكلم أنا بإنشائي للمك . لساني قلم كاتب ماهر . أنت أبرع جمالا من بني البشر ، انسكبت النعمة على شفتيك ، لذلك باركك الله إلى الأبد . تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك ، وبجلالك اقتحم . اركب من أجل الحق والدعة والبر ، فتريك يمينك مخاوف . نَبلُك المسنونة في قلب أعداء الله ، شعوب تحتك يسقطون .
كرسيك يا الله إلى دهر الدهور . قضيب استقامة قضيب ملكك ، أحببت البر وأبغضت الإثم ، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك . كل ثيابك مر وعود وسليخة . من قصور العاج سرتك الأوتار . بنات ملوك بين حظياتك ، جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير .
اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك ، وانسي شعبك وبيت أبيك ، فيشتهي الملك حسنك ، لأنه هو سيدك فاسجدي ل‍ه . وبنت صور أغنى الشعوب ، تترضي وجهك بهدية .
كلها مجدٌ ابنة الملك في خدرها . منسوجة بذهبٍ ملابسها . بملابس مطرزة تحضر إلى الملك . في إثرها عذارى صاحباتها . مقدمات إليك ، يحضرن بفرح وابتهاج . يدخلن إلى قصر الملك . عوضا عن آبائك يكون بنوك تقيمهم رؤساء في كل الأرض . أذكر اسمك في كل دور فدور . من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد )) . المزمور: 45 .

وليس في الأنبياء بعد داوود صلى الله عليه من تقلَّد السيف ، وحارب الأمم تحته ، ومن قُرِنَت شريعته بالهيبة ، غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
وأيضا في الزبور: (( إن الله اصطفى أمته ، وأعطاه النصر ، وسدد الصالحين منهم بالكرامة ، ويسبحونه على مضاجعهم ، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوف ذوات شفرتين ، لينتقم الله عز وجل من الأمم الذين لا يعبدونه ، يوثقون ملوكهم بالقيود ، وأشرافهم بالأغلال )) (1) .
__________
(1) نص المزمور من الترجمة الحديثة: (( هللويا . غنوا للرب ترنيمة جديدة ، تسبيحته في جماعة الأتقياء . ليفرح إسرائيل بخالقه . ليبتهج بنو صهيون بملكهم ، ليسبحوا اسمه برقص . بدف وعود ليرنموا ل‍ه . لأن الرب راض عن شعبه ، يُحمِّل الودعاء بالخلاص . ليبتهج الأتقياء بمجد ، ليرنموا على مضاجعهم ، تذويهات الله في أفواههم ، وسيف ذو حدين في يدهم . ليصنعوا نقمة في الأمم ، وتأديبات في الشعوب ، لأسر ملوكهم بقيود ، وشرفائهم بكبول من حديد ، ليجروا بهم الحكم المكتوب ، كرامة هذا لجميع أتقيائه . هللويا )) . المزمور: 149 .

ومن الظاهر أن هذه صفة أمة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه ليس في غيرهم من الأمم من يكبِّر الله بأصوات مرتفعة ، ومعهم سيوف ذوات شفرتين ، يقاتلون بها من لا يعبد الله .
وعن أشعياء النبي صلى الله عليه [وآله وسلم] وقيل: إنه في الفصل التاسع: (( لنا ابن سلطانه كتفه ، وسلطانه هو حجته )) ، وقيل: إن هذا في النقل السرياني .
وأما النقل العبراني فقيل: إن فيه: (( على كتفه علامة النبوة )) (1) . وهذان التفسيران متقاربان .
ومن المعلوم المستفيض أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان على كتفه خاتم النبوة ، ولم ينقل أن ذلك كان لأحد من الأنبياء صلوات الله عليهم سواه .
وفي التوارة وقيل: إنه في السفر الخامس: قال الله عز وجل: (( إني أقيم لبني اسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك ، أجعل كلامي على فمه )) (2) .
__________
(1) النص من الترجمة الحديثة: (( لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى ابنا ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا ... )) إلخ . سفر أشعياء 9: 6 .
(2) تقول التوراة: إن الله عز وجل طلب من موسى عليه السلام أن يجمع ل‍ه بني إسرائيل ناحية جبل طور سيناء ليسمعوا صوته ، وهو يتحدث معه فيخافوه ويهابوه ، ولما جمعهم حدث من هيبة الله رعد وبرق ونار ودخان ، فخافوا وقالوا لموسى: إذا أراد الله أن يكلمنا فليكن عن طريق النبي ونحن نسمع ونطيع . فوعدهم الله بنبي في هذا النص: (( يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك ، من إخوتك مثلي ، ل‍ه تسمعون . حسب كل ما طلبت من الرب إلهك ، في حوريب يوم الاجتماع ، قائلا: لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ، ولا أرى هذه النار العظيمة أيضا لئلا أموت . قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا . أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ، ويكون أن الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه . وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به ، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي . وإن قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب . فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يَصِرْ فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه )) . سفر التثنية 18: 15 - 22 .
وهذا النبي الذي تتحدث عنه هذه النبوءة هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم . واليهود يقولون: إن النبي الذي تتحدث عنه هذه النبوءة لم يظهر بعد .
والنصارى يقولون: هو عيسى عليه السلام . والصحيح هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن في التوراة أنه لن يظهر نبي من بني إسرائيل مثل موسى . وهذا النبي الذي تتحدث عنه النبوءة هذه ، من أوصافه أن يكون مماثلا لموسى في الحروب والمعجزات والانتصار على الأعداء . انظر سفر التثنية 34: 10 .

وهذا يجب أن يكون المراد به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن إخوة بني إسرائيل يجب أن تكون غيرهم ، ويجب أن يكونوا أولاد إسماعيل صلى الله عليه ، وأولاد عيسى ، أو أولاد إسحاق ، ولم يكن في أولاد عيسى بن إسحاق نبي غير أيوب صلى الله عليه ، وكان هو قبل موسى صلى الله عليه ، فلا يصح أن يكون هو المراد (1) ، فيجب أن يكون المراد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من ولد إسماعيل .
__________
(1) ذكرت التوراة: أن عيسى باع بُكُوريته ليعقوب ، فأصبحت بركة إسحاق مقصورة على يعقوب عليه السلام ، وقد نصت التوراة على انتقال الملك والنبوة منه إلى آل إسماعيل ، فقد قال يعقوب في الإصحاح التاسع والأربعين من سفر التكوين: (( لا يزول قضيب من يهوذا ، ومشترع من بين رجليه ، حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب )) ، وشيلون من بني إسماعيل ، لأن لإسماعيل بركة .

يبين ذلك أن بني إسرائيل لم يُبعث فيهم نبي مثل موسى ، ل‍ه شريعة ظاهرة قبل المسيح ، ولا يصح أن يقال: إن المراد به هو المسيح صلى الله عليه ، لأن القائل به إما أن يكون يهوديا منكراً لنبوته ، أو نصرانيا لا يقول: إنه كان مثل موسى صلى الله عليه ، لأن النصارى يقولون: إن المسيح ابن الله ، فلا يصح أن يكون مثل موسى صلى الله عليه ، فلم يبق إلا أن يكون المراد به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم . على أن عيسى صلى الله عليه ، لم يكن مثل موسى صلى الله عليه ، لأن شريعته مبنية على شريعة موسى ، وشريعة نبينا مثل شريعة موسى صلى الله عليه ، فإنها لم تُبْن على شريعة غيره .
وعن أشعياء صلى الله عليه: (( قيل لي قم نظارا . فانظر ما ترى تُخبر به . قلت: أرى راكبين مقبلين ، أحدهما على حمار ، والآخر على جمل ، يقول أحدهما: هَوَتْ آلهة بابل ، وتكسرت عليه أصنامها المنجورة )) (1) ، فكان راكب الحمار: عيسى (2) صلى الله عليه ، وراكب الجمل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وآلهة بابل لم تزل تُعبد
__________
(1) النص من الترجمة الحديثة: (( لأنه هكذا قال لي السيد: اذهب أقم الحارس ليخبر بما يرى . فرأى رُكابا أزواج فرسان ، ركاب حمير ، ركاب جمال . فأصغى إصغاء شديدا ثم صرخ كأسد: أيها السيد أنا قائم على المرصد دائما في النهار ، وأنا واقف على المحرس كل الليالي . وهو ذا ركاب من الرجال ، أزواج من الفرسان . فأجاب وقال: سقطت سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة )) . سفر أشعياء 21: 6 - 9 .
(2) قال الإمام بذلك ، لأنه مكتوب في الأناجيل: أن عيسى عليه السلام دخل مدينة القدس على حمار .

29 / 32
ع
En
A+
A-