فلما كان من غد أقبل عبدالمطلب إلى موضعه ذلك الذي كان فيه بالأمس وهو يقول: يا إله إبراهيم أسألك أن تبيّن لي ماهذا الحفر الذي أمرت به في منامي، ورقد فإذا هو بذلك الهاتف بعينه في منامه وهو يقول: يا عبدالمطلب، قم فاحفر زمزم وجد تسلم، ولا تدخرها للمقْسَم، قال عبدالمطلب: وما زمزم؟ قال: خبية الشيخ الأعظم، تراث أبيك الأقدم، شفاء سقم، وطعام مطعم، لاتنزف ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، فاحفرها ولاتندم، فهي بين الفرث والدم، في مبعث الغراب الأعصم، أنت أعظم العرب قدراً، ومنك يخرج نبيها ووليها، والأسباط، والنجباء، والعلماء، والبصراء، والحكماء، البير لك، والسيوف لهم، وليسوا اليوم منك ولا لك، ولكن في القرن الثاني منك، ينير الله بهم الأرض ويخرج الشياطين من أقطارها، ويذلها بعد عزها ويملكها بعد قوتها، ويذل الأوثان، ويقتل عبّادها حيث كانوا، ثم يبقى بعده نسل من نسلك، هوأخوه، ووزيره، ودونه في السن، وقد كان العائب على الأوثان لا يعصيه، ولا يكتمه شيئاً ومشاوره في كل أمر.
فقال عبدالمطلب: وأين موضعه يعني الحفرـ؟ فقيل له: عند قرية النمل، مستقبلة الأنصاب الحمر، حيث ينقر الغراب غداً، ثم أنشأ الهاتف يقول:
قم إلى الماء الرّوي غير الكدر .... فإنه ماء حياء ودرر
له ينابيع عيون تنفجر .... تسقي حجيج الله في كل صبر
ليس يخاف منه شيء ما غبر
فلما أصبح عبدالمطلب غداً بمعوله إلى ذلك الموضع الذي قد أمر ومعه ابنه الحارث، ليس يومئذ له ولد سواه، وكانوا قد نحروا بالجزورة بقرة، فافلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع المسجد الحرام في موضع زمزم، فجزرت في مكانها، فأقبل غراب يبحث حتى نقر عن قرية النمل، فعلم عبدالمطلب أنه قد صدق في منامه، فتقدم وجعل يحفر هو وابنه الحارث، فجاءَته قريش، قالت: ماهذا الصنيع، لم تحفر في مسجدنا؟ قال: إني لحافر هذا البئر ومجاهد من صدني عنها، فطفق يحفر هو وابنه الحارث، وسفهاء قريش وحسدتها ينازعونهما عليه، وينهى عنه أناس منهم لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه، حتى بدالهم الطي الأول، فكبر عبدالمطلب، وعلم أنها بئر زمزم فجعل يرتجز ويقول:
دعوت ربي دعوة المغلوب .... ونعم مدعى السائل المكروب
فالحمد للمستمع المجيب .... أعطى على رغم ذوي الذنوب
إلي والشحناء والعيوب .... زمزم ذاك المشرب العجيب
بين سوا الصنم المنصوب .... ومن بيت الله ذي الحجوب
وبين قرن النعم المغصوب .... عند مقام المصطفى النجيب
ينتابها كل امرءٍ منيب .... مجتهدٍ ذي شقة غريب
بئراً رواءً عذبة المشروب .... محمودةً الساحة والذنوب
أحفرها بالجد والتقريب .... أنا وابني غير ما تكذيب
شكراً لربٍ قادرٍ مجيب
قال: وعلمت قريش أن عبدالمطلب قد أدرك حاجته ووقع ببئر زمزم، فقاموا إليه من كل ناحية وقالوا: يا أبا الحارث هذه بئر أبينا إسماعيل ولنا فيها من الحق كما لك فأشركنا فيها، قال عبدالمطلب: لست بفاعل ما تقولون، إنما هذا شيء خصصت به دونكم، قالوا: إنك لم تزل مخصوصاً بالكرامة، وذكر الحديث .
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا ابن أبي حاتم قال: حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس.
عن أبيه قال: لما أراد ابن الزبير أن يخرج زمزم من المسجد قال له ابن عباس رضي الله عنه: ما اقتديت ببر من كان أبر منك -يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ولا بفجور من كان أفجر منك -يعني الجاهلية-؟
في الخروج إلى الصفا والمروة
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله: والأصل فيه ما أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا علي بن يزيد بن مخلد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا وكيع عن محمد بن ثابت العبدي عن عمرو بن دينا.
عن ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصفا والمروة من باب الصفا.
وأخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال:أخبرنا علي بن يزيد بن مخلد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبد الله عن صفية بنت شيبة.
عن امرأة من بني نوفل أنها طلعت من خوخة لها: فرأت النبي ً يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: ((اسمعوا فإن الله قد كتب عليكم السعي)).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق قال: حدثنا علي بن محمد النخعي قال: حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي قال: حدثنا نصر بن مزاحم قال: حدثني إبراهيم بن الزبرقان قال: حدثني أبو خالد الواسطي قال: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده.
عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم في قوله جلّ ثناؤه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه ِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة:158]، قال: (كان عليهما أصنام فتحرج المسلمون من الطواف بينهما من أجل الأصنام، فأنزل الله جل ثناؤه:لئلا يكون عليهم حرج في الطواف بينهما من أجل الأصنام).
وهكذا حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الفضل المعروف بابن أبي اليسر قال: حدثنا أبو زيد حاتم بن محمد بن محبوب الهروي قال: حدثنا عبدالجبار بن العلا قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه.
عن جابر بن عبد الله: أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما دنا من الصفا قال: ((أبدأ بما بدأ الله به)).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق قال: حدثنا علي بن محمد النخعي قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم قال: حدثنا نصر بن مزاحم قال: حدثني إبراهيم بن الزبرقان قال: حدثني أبو خالد الواسطي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده.
عن علي صلوات الله عليه قال: (كان يبدأ بالصفا ويختم بالمروة فإذا انتهى إلى بطن الوادي سعى حتى يجاوزه، فإن كانت به علة لا يقدر أن يمشي ركب).
الوقوف بعرفة
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله:
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق قال: حدثنا علي بن محمد النخعي قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم قال: حدثنا نصر بن مزاحم قال: حدثني إبراهيم بن الزبرقان قال: حدثني أبو خالد قال: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جدة.
عن علي صلوات الله عليه قال: (يوم عرفة يوم التاسع يخطب الإمام الناس يومئذ بعد الزوال، ويصلي الظهر والعصر يومئذ بأذان وإقامتين، ويجمع بينهما عند الزوال، ثم يعرف الناس بعد العصر، حتى تغيب الشمس، ثم يفيضون).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثني المحاربي قال: حدثني نصر بن مزاحم قال: حدثني إبراهيم بن الزبرقان قال: حدثني أبو خالد قال: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده.
عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: (الحج عرفات، والعمرة الطواف بالبيت).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي قال: أخبرنا عمار بن رجاء قال: حدثنا يعلى بن عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر.
عن عروة بن مضرس قال: جاءَ رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالموقف على روس الناس، فقال: يارسول الله: جئت من جبل طي أكللت مطيتي وأتعبت نفسي، والله مامن جبل إلا وقعت عليه، فهل لي من حج؟ فقال: ((من شهد معنا هذه الصلاة وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد قضى تفثه وتم حجه)).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا ابن أبي حاتم قال: حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال: حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن أبي إسماعيل عن خيثمة عن عبد الرحمن.
عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته، ويقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً، يا أهل عرفة قد غفرت لكم)).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحديدي قال: أخبرنا عمار قال: حدثنا عبيد بن إسحاق عن محمد بن قيس عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده.
عن علي عليه السلام قال: (يجتمع في كل يوم عرفات بعرفات جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر، فيقول جبريل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرد عليه ميكائيل: ماشاء الله كل نعمة من الله، فيرد عليهما إسرافيل، ما شاء الله الخير كله بيد الله، فيرد عليهم الخضر فيقول: ما شاء الله لا يدفع السوء إلا الله، ثم يتفرقون فلا يجتمعون إلى قابل في مثل ذلك اليوم).
أخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله قال: أخبرنا ابن البرا قال: حدثنا علي بن سراج المصري قال: حدثنا أبو الفتح نصر بن مرزوق قال: حدثنا خصيب بن ناصح قال: حدثنا حبيب بن محمد إمام مسجد عبدالحكم عن إبراهيم بن مقسم عن زيد بن علي عن أبيه عن جده.
عن علي عليه السلام قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة والناس يقبلون وهو يقول: ((مرحباً مرحباً بوفد الله الذين إذا سألوا أُعطوا، ويستجاب دعاؤهم ويضاعف للرجل الواحد من نفقة الدرهم ألف درهم)).
في أن المفرد يلبي حتى يرمي جمرة العقبة وكذلك القارن
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله قال قوم: أنه يقطعها حين يتوجه إلى عرفات.
وقال قوم حين يقف بعرفات، واحتجوا في ذلك بما روينا عن الطحاوي.
قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمر بن الحسين، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله صبيحة عرفة فمنا المهل، ومنا المكبر، فأما نحن فنكبر، قال: قلت: العجب لكم كيف لم تسألوه ما كان رسول الله صلى الله يفعل.
قال حدثنا: الطحاوي قال: حدثنا محمد بن عمر بن يونس قال: حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد أنه قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة، وكان لا يزيد على التكبير، والتهليل.
قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا بن أبي داود، قال: حدثنا عبد الله بن صالخ قال: حدثني ابن لهيعة عن أبي الزبير، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الإهلال يوم عرفة، قال: كنا نهل مادون عرفة، ونكبر يوم عرفة.
قيل لهم: لا حجة في هذه الآثار التي احتججتم بها علينا؛ لأن المذكور فيها أن بعض كان يكبر، وبعضهم كان يهل، لا يمنع أن يكونوا فعلوا ذلك، ولهم أن يلبوا فإن الحاج فيما قبل يوم عرفة له أن يكبر، وله أن يهل، فلم يكن تكبيره، وتهليله يمنعانه من التلبية، فكذلك ما ذكرتموه من تهليل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتكبيره يوم عرفة لا يمنع من التلبية، وقد جاءت آثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة فمن ذلك
مَا روينا عن الطحاوي قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن عكرمة قال: وافقت مع الحسين بن علي عليه السلام فكان يهل حتى رمى جمرة العقبة، فقلت: يا أبا عبد الله ما هذا؟ فقال: كان أبي يفعل ذلك، وأخبرني أن رسول الله ً كان يفعل ذلك، قال: فرجعت إلى ابن عباس فأخبرته فقال: صدق، وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبّى حتى انتهى إليها، وكان رديفه.
قال حدثنا الطحاوي قال: حدثنا علي بن شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرني شريك عن ثوير بن أبي فاخته.
عن أبيه قال: حججت مع عبد الله فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة قال: ولم يسمع الناس يلبون عشية عرفة فقال: أيها الناس أنسيتم؟ والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
قال حدثنا الطحاوي قال: حدثنا علي بن إسحاق بن منصور قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه.
عن الفضل بن العباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبّى حتى رمى جمرة العقبة.
قال حدثنا الطحاوي قال: حدثنا يونس قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبدالكريم بن مالك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
عن الفضل قال: كنت ردف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فذكر مثله.
قال حدثنا الطحاوي قال: حدثنا فهد قال: حدثنا أحمد بن حميد الكوفي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن الحارث بن أبي ذباب عن مجاهد.
عن عبد الله بن سخبرة قال: لبّى عبد الله وهو متوجه إلى عرفات، فقال أناس: من هذا الإعرابي؟ فالتفت إليّ عبد الله فقال: أضل الناس أم نسو؟ والله ما زال رسول اله ً يلبي حتى رمى جمرة العقبة، إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو تكبير.
قال حدثنا الطحاوي قال: حدثنا روح بن الفرج قال: حدثني أبو مصعب قال: حدثني الدراوردي عن الحارث بن أبي ذباب عن مجاهد المكي.
عن أبي سخبرة قال: غدوت مع ابن مسعود غداة جمع وهو يلبي، فقال: ابن مسعود:أضل الناس أم نسوا؟ لَكُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نلبّي حتى رمى جمرة العقبة.
قال حدثنا الطحاوي قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت يونس يروي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان أسامة بن زيد ردف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل بن عباس من مزدلفة إلى منى، فكلاهما قالا: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبّي حتى رمى جمرة العقبة.