الكتاب : إعلام الأعلام بأدلة الأحكام المؤلف : محمد بن حسن العجري |
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيئنا محمد خاتم النبيئين، وعلى عترته الطيبين الطاهرين، وبعد:
فهذا حاصر مفيد لما اشتمل عليه المجلد الأول من شرح الأحكام للعلامة الحافظ علي بن بلال رحمه الله من الأخبار، وكثير من الآثار المسندة والمرسلة، وسنضيف إلى ذلك إن شاء الله ما وجدناه في تتمة الإعتصام من شرح الأحكام بما لم يذكر في هذا الجزء، نسأل الله أن يعين على التمام، وفي ذلك تقريب وتسهيل للباحث، وسنعنون للمواضيع التي دلت عليها الأخبار والآثار من لدينا إن شاء الله لكل وما يناسبه، وبالله نستعين فهو نعم المولى ونعم النصير، وسميته: (إعلام الأعلام بأدلة الأحكام).
وقبل أن نشرع فيما نريد نثبت خطبة شرح الأحكام لعلي بن بلال رحمه الله ليعرف غرض المؤلف رحمه الله والباعث له على ذلك، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر ولا تعسر، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطبين الأخيار الصادقين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
قال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحمد لله الذي لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا يجزي أنعمه العاملون، المحمود على السراء والضراء والشدة والرخاء، واشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً، أقولها تعبداً له سبحانه ورقا، مقالة مخلص من العباد قائل صدقاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه، فعليه أفضل صلاة المصلين وعلى أهل بيته الطيبين.
قال أبو الحسن علي بن بلال: أما بعد فإني لما رأيت علماء المخالفين قد كثرت انتصارتهم لأسلافهم من علمائهم، وتقوت مذاهبهم بشرحهم آثارهم وكتبهم، والاحتجاج لهم على خصومهم، حتى كثرَّوا بذلك متعلميهم، وأذاعوا بمواظبتهم على تدريس كتبهم أذكارهم، ولم أجد عندهم لأهل بيت رسول صلى الله عليه وآله الذين أمرهم الله باتباعهم والائتمام بهم ذكرا، ولا في علومهم ورسومهم رغبة لما قد غفل عن تعليمها مشيختُهم، ورغب عن تعلمها شبابُهم، واحداثُهم مع ما قد صنفوا وخَرّجوا من معضلات المسائل وأمهات الأقاويل سادتُنا وأئمتُنا صلوات الله عليهم مما قلت مبالاة علماء الرعية بها لما لم نيظروا فيها، وظنوا أن ليس عندهم من العلم وما يتداولونه وهم بينهم شيء لغفلتهم عنها، وعن المواظبة عليها، دعتني الرغبة وألفة الحق إلى أن أشرح من كتب أئمتنا هذا الكتاب الجامع في الأحكام والحلال والحرام، إذا كان الهادي صلوات الله عليه تفرد بتصنيفه وتخريجه طلباً منه لمصلحة أولاده وشيعته ومن تخلف بعده منهم، فكان وضع هذه الأبواب والمسائل للتفريع عليها، وليخرج في كل فن كتابه على تفريعاته، فلما مثل لها وعزم عليها توفاه الله إليه وقد رضي عمله وشكر سعيه عليه، وأرجو أن يكون ابتداؤنا شرحه وتبيينه مما يرزقنا الله على القيام به، ويثيبنا على العمل، ثم أن الله تبارك وتعالى تقدست أسماؤه وجل ثناؤه وفق للسيد أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني نضر الله وجهه من القيام بنصرة هذا الكتاب وشرح غامض مسائله، وبنشر مذهب القاسم بن إبراهيم، ويحيى بن الحسين عليهم السلام مالم يوفق لأحد من علماء
أهل بيته.
أسأل الله أن يبيض وجهه ويجمعه مع آبائه الطاهرين، فلقد كان عماداً لهذا الدين، وكان قد بلغ من شرح هذا الكتاب على الاتصال إلى باب سجدتي السهو، وشرح سائر الكتب على غير الاتصال، حتى أنه على غالب ظني أن ليس يشذ منه إلا يسير، وإني عزمت إن أنسأ الله في الأجل أن آخذ من أول الكتاب وآتي بما شرح على وجهه وأزيد على ما شرح من التعليقات التي علقت عنه وعن غيره، فإن ما شرح على غاية الاختصار والإيجاز وأتي بالأخبار المتعلقة به وارد شرح كل كتاب إلى جنسه وشكله، أسأل الله أن يوفقنا لاتمامه ويعيننا على القيام بواجبه، ويعصمنا من الزلل والخطل إنه على ذلك قدير، اه.
[تفسير الإمام علي لآية النظر]
تفسير علوي لقول الله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }[القيامية:22-23]، ونفي الرؤية عن الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة.
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله تعالى:
أخبرنا السيد أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحارثي، قال: حدثنا محمد بن حسان، قال: حدثنا النضر بن مسعدة عن أفلح بن محمد عن محمد بن يحيى بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبي معمر السعدي
عن علي عليه السلام في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }[القيامية:22-23]، قال: (ينتهي بأولياء الله إلى نهر يسمى الحيوان، فتنضر وجوههم وهو الإشراق، فينظرون إلى ربهم متى يأذن لهم في دخول الجنة، ولا يعني الرؤية لأن الأبصار لا تدركه كما قال: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الأنعام:103]، وذلك مدحة امتدح بها تبارك وتعالى، فأحق من لا تنقطع مدحته في الدنيا والآخرة الله رب العالمين) اه.
وحدثنا السيد أبو العباس رحمه الله قال:
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن كثير قال: حدثنا محمد بن يحيى العدني عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عليهما السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: هل رأيت الله إذ عبدت؟ قال: (ما كنت لأعبد مالم أره، فقال: كيف رأيت؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، معروف بالعلامات، منعوت بالآيات، لا يجور في قضية، وهو الله الذي لا إله إلا هو)، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
وحدثنا السيد أبو العباس رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسن الأنماري قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز الكلاري قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد عن حسين بن علوان عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي عليه السلام.
عن عمته زينب بنت علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت على أبي بكر فقالت: (الحمدلله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم)، ثم قالت: (الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به).
وحدثنا السيد أبو العباس رحمه الله قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن علي قال: حدثنا أحمد بن ثابت قال: أخبرنا علي بن الهيثم عن وكيع عن موسى بن عبيدة
عن محمد بن كعب قال: قيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هل رأيت ربك؟.
قال: ((رأيته بفؤادي، ولم أره بعيني)).
وبإسناده: عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر.
عن مسروق قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين هل رأى محمد عليه السلام ربه؟ فقالت: (لقد قف شعري مما قلت).
وبإسناده عن عائشة قالت: من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه فقد كذب: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الأنعام:103].
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في التوحيد
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله:
حدثنا السيد أبو العباس رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن جعفر القرداني قال: حدثنا أحمد بن خالد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا مسعدة بن صدقة.
عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: هذه خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في التوحيد: (الحمدلله الذي علا عن صفات المخلوقين، وجل عن معاني المحدودين، فلا مثل له في الخلائق أجمعين، ذلك الله الذي جل عن الأبصار أن تدركه، وعن الأوهام أن تخطره، وعن الحجب أن تستره، وعن الأمكنة أن تضمنه، وعن الأزمنة أن [.......]( ) ولم يزل عالماً قديراً، سميعاً بصيراً، لم يضاده مليك، ولم يعاونه شريك، ثم خلق الأشياء[........]( )، ولا على مثال اخترعها، فأوجدها بعد أن كانت معدومة، وقدرها فكانت معلومة، [........]( )، وأرا فيها البدايع، وقدرها متقنات، ودبرها محكمات، خالق الأرض والسماوات، والنور والظلمات، الذي جعل السماوات لكرسيه عماداً، وجعل الأرض لعباده مهاداً، وفجر الأرض عيوناً، وجعل الشمس سراجاً، والقمر نوراً، العدل في قضائه، الجواد في عطائه، الذي امتن على العباد بما أوسعهم من عدله، وجاد عليهم من بذله، واستظهر لهم من فضله، المرغب لهم في طاعته لوعده، والمرهب لهم من معصيته لوعيده، ثم أجزل لهم المثوبة على ذلك بإنقاذه إياهم من المهالك، تطولاً منه وامتناناً، وتفضلاً منه وإحساناً، ذاك الله الذي لا تحيط به الظنون، ولا تحجبه الحجب، ولا يجري عليه الزوال، ولا إله إلا هو المنعم المفضال، وصلى الله على محمد عبده ورسوله الذي اختصه لنفسه،
وارتضاه لدينه، فبعثه بنور ساطع، وكتاب جامع، فقام بتوحيده، وأمن الخلق من ظلمه، فلم يزل ً بذلك قائماً، وبه دائماً، حتى توفاه الله إليه، وقد ختم به النبيئين، وأتم به عدة المرسلين).
خطبة أخرى لأمير المؤمنين عليه السلام في التوحيد
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله:
وحدثنا السيد أبو العباس رحمه الله قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق الفامي قال: حدثنا منصور بن نصر بن الفتح قال: حدثنا أبو الحسين زيد بن علي العلوي قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد قال: حدثني الحسين بن زيد بن علي عن أبيه عن جده
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه خطب خطبة التوحيد فقال: (الحمدلله الذي لا من شيء كان، ولا من شيء كون ما كان، يستشهد بحدوث الأشياء على قدمه، وبما وسمها من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية، ولا له شبح مثال فيوصف بكيفية، ولم يغب عن شيء فيعلم بحيثية، مباين لجميع ما جرى في الصفات، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الأدوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرم الحالات، لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تدركه الأبصار لجلاله، ولا تقطعه المقاييس، ممتنع من الأوهام والأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمتثله، تشتت عن الإنبساط طوامح العقول، ونفدت عن الإشارة إليه بحار العلوم، واحد لا من عدد، دايم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتضارعه الأشباح، ضلت العقول في إدراكه، وتحيّرت الأوهام عن استغراق وصف قدرته، فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به، قد خضعت له رواية الصفات فتشهد بكيفية الأجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، وبحدوثها على قِدَمه، وبزوالها على بقائه، فليس لها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج عن الإحاطة بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا