وما كل ظن للحقائق لي مُهدي
وقد جاءنا من أرضه الشيخ مِربد
فحقق من أحواله كل ما يبدي
وقد جاء من تأليفه برسائل
يكفر أهل الأرض فيها على عمد
ولفق في تكفيرهم كل حجة
تراها كبيت العنكبوت لدى النقد
تجارى على إجرا دما كل مسلم
ُمصلٍّ مُزكٍّ لا يحول عن العهد
تراها كبيت العنكبوت لدى النقد
وقد جاءنا عن ربنا في براءة
براءتهم عن كل كفر وعن جحد

وإخواننا سماهم الله فاستمع
لقول الإله الواحد الصمد الفرد
وقد قال خير المرسلين نهيت عن
فما باله لم ينته الرجلُ النجدي
وقال لهم لاما أقاموا الصلاة في
أناس أتوا كل القبائح عن قصد
أبِنْ لي أبِنْ لي لِمْ سفكت دماءهم
ولِمْ ذا نهبت المال قصدا على عمد
وقد عصموا هذا وهذا بقول لا
إله سوى الله المهيمن ذي المجد
وقال ثلاث لا يحل لغيرها

دم المسلم المعصوم في الحل والعقد
وقال علي في الخوارج إنهم
من الكفر فروا بعد فعلهم المردي
ولم يحفر الأخدود في باب كندة
ليحرقهم فافهمه إن كنت تستهدي
ولكن لقوم قد أتوا بعظيمة
فقالوا عليٌّ ربنا منتهى القصد
إني إذا رأيت أمرا منكرا
أوقدت نارا ودعوت قنبرا
وهذا هو الكفر الصريح وليس ذا
برفض ولا رأي الخوارج في المهدي

وقد قلتَ في المختار أَجمَعَ كل من
حوى عصره من تابعيٍّ وذي رشد
على كفره هذا يقين لأنه
تسمى نبيا لا كما قلت في الجعدي
فذلك(1) لم يُجمَع على قتله ولا
سوى خالد ضحى به وهو عن قصد
وقد أنكر الإجماع أحمد قائل
ا
لمن يدعيه قد كذبتَ بلا جحد
روى ذلك ابن القيم الأوحد الذي
__________
(1) في (أ): وذلك.

أتى بنفيس العلم في كل ما يبدي
كدعواك في أن الصحابة أجمعوا
على قتلهم والسبي والنهب والطرد
لمن لزكاة المال قد كان مانعا
وذلك مِن جهلٍ بصاحبه يردي
فقد كان أصناف العصاة ثلاثة
كما قد رواه المسندون ذوو النقد
وقد جاهد الصديق أصنافهم ولم
يكفر منهم غير من ضل عن رشد
وهذا لعمري غير ما أنت فيه من
تجاريك في قتلٍ لمن كان في نجد

فإنهم قد تابعوك على الهدى
ولم يجعلوا لله في الدين من ند
وقد هجروا ما كان من بدع ومن
عبادة مَن حل المقابر في اللحد
فمالك في سفك الدما قط حجة
خَفِ الله واحذر ما تسر وما تبدي
وعامل عباد الله باللطف وادعهم
إلى فعل ما يهدي إلى جنة الخلد
ورد عليهم ما سلبت فإنه
حرام ولا تغتر بالعز والجد
ولا بأناسٍ حسنوا لك ما ترى

فما همهم إلا الأثاث مع النقد
يريدون نهب المسلمين وأخذ ما
بأيديهمُ من غير خوف ولا حد
فراقب إله العرش من قبل أن تُرى
صريعا فلا شيء يفيد ولا يجدي
نعم فاعلموا أني أرى كل بدعة
ضلالا على ما قلت في ذلك العقد
ولا تحسبوا أني رجعت عن الذي
تضمنه نظمي القديم إلى نجد
بلى كلما فيه هو الحق إنما
تجاريك في سفك الدِّما ليس من قصدي

وتكفير أهل الأرض لست أقوله
كما قلته لا عن دليل به تهدي
وها أنا أبرى من فعالك في الورى
فما أنت في هذا مصيب ولا مهدي
ودونكها مني نصيحة مشفق
عليك عسى تهدي بهذا وتستهدي
وتغلق أبواب الغلو جميعه
وتأت الأمور الصالحات على قصد
وهذا نظام جاء والله حجة
عليك فقابل بالقبول الذي أُهدي
وصل على المختار والآل بعده

صلاة وتسليما تدوم بلا حد
ورض على أصحاب أحمد إنهم
أولي الجِد في نصح الخلائق والجَد

- - -

محمد بن عبد الوهاب والوهابية
ينسب مذهب الوهابية إلى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن بعضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علي بن وهيب التميمي .
وفي خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام للشيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي مفتي مكة: ولد محمد بن عبد الوهاب سنة (1111هـ) وتوفي سنة (1207هـ) فيكون عمره ستا وتسعين سنة، وأخذ في أول أمره عن كثير من علماء مكة والمدينة، وكانوا يتفرسون فيه الضلال والإضلال، وكان والده عبد الوهاب من العلماء الصالحين، وكان يتفرس فيه ذلك ويذمه كثيرا ويحذر الناس منه، وكذا أخوه سليمان بن عبد الوهاب أنكر عليه ما أحدث وألّف كتاباً في الرد عليه.
وكان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار مدعي النبوة كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأمثالهم.
وخلّف محمد بن عبد الوهاب بعده أربعة أولاد، وهم: عبد الله، وحسن ،وحسين ،وعلي، فقام بالدعوة عبد الله أكبرهم، ولما مات خلّف سليمان ، وعبد الرحمن، وكان سليمان متعصباً تعصباً شديداً في أمرهم، فقتله إبراهيم باشا سنة (1233هـ) وقبض على عبد الرحمن وأرسله إلى مصر فمات بها وخلف حسن عبد الرحمن وولي قضاء مكة أيام استيلاء الوهابيين عليها، وعُمِّر عبد الرحمن حتى قارب المائة وخلف عبد اللطيف، وخلف كل من حسين وعلي أولادًا كثيرة ولم يزل نسلهم باقياً بالدرعية إلى الآن يسمونهم أولاد الشيخ.

وكان القائم بنصرة محمد بن عبد الوهاب ونشر عقيدته محمد بن سعود ثم ولده عبد العزيز ثم ولد سعود. انتهى ملخصا.
وسعود بن عبد العزيز هو الذي غزا العراق والحجاز ومنع المسلمين من الحج فانقطع الحج في زمانه عدة سنين.
وقال ملطبرون في جغرافيته المترجمة من رفاعة بك ناظر مدرسة الألسن وقلم الترجمة بمصر المطبوعة بمصر: أصل المذهب الوهابي أن العرب سيما أهل اليمن تحدثوا بأن راعياً فقيراً اسمه: سليمان، رأى في منامه كأن شعلة نار خرجت منه وانتشرت في الأرض وصارت تحرق من قابلها، فقصها على مُعبِّر فعبَّرها بأن ولدا ل‍ه يحدث دولة قوية، فتحققت الرؤيا في حفيده محمد بن عبد الوهاب، فلما كبر محمد صار محترما عند أهل بلده بسبب هذه الرؤيا التي لايعلم أنها كانت أم لا.
أول أمره بيّن مذهيه سراً فاتبعه جماعة، ثم سافر إلى الشام فلم يتبعه أحد، فرجع إلى بلاد العرب بعد أن غاب عنها ثلاث سنين، وجاء إلى بلاد نجد وأظهر هذا المذهب فتبعه عليه سعود وكان شهماً حازماً، وتقوّى كل منهما بالآخر فقوَّى سعود إمارته من طريق الدين باتباعه محمد بن عبد الوهاب على مذهبه، وقوى ابن عبد الوهاب دعوته من طريق السيف باتباع سعود ل‍ه وانتصاره به، فكان سعود الأمير الحاكم ، وابن عبد الوهاب الرئيس الديني، وصارت ذرية كل منهما تتولى مرتبة سلفها.
وبعد أن صار سعود حاكما على قبيلته تغلب على قبيلتين من اليمن ، ودان بهذا المذهب قبائل كثيرة من العرب وجميع أعراب نجد، واختاروا مدينة الدرعية قاعدة بلادهم وهي في الجنوب الشرقي من البصرة، وبعد خمس عشرة سنة اتسعت ولاية سعود وهو يطمع في الزيادة، وكان يأخذ ممن يطيعه عشر المواشي والنقود

والعروض بل والأنفس، فيأخذ عشر الناس بالقرعة، فجمع أموالاً عظيمة وصار جيشه يربو على مائة وعشرين ألف مقاتل.
وفي خلاصة الكلام: كان ابتداء ظهور محمد بن عبد الوهاب سنة (1143هـ) واشتهر أمره بعد الخمسين، فأظهر العقيدة الزائفة بنجد وقرأها، فقام بنصره محمد بن سعود أمير الدرعية فحمل أهلها على متابعته فتابعوه، وما زال يطيعه كثير من أحياء العرب حتى قوي أمره فخافته البادية، وكان يقول لهم: إنما أدعوكم إلى التوحيد وترك الشرك بالله.
وعن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الألوسي أن ابن عبد الوهاب نشأ في بلد العيينة من بلاد نجد، فقرأ على أبيه الفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وكان من صغره يتكلم بكلمات لا يعرفها المسلمون، وينكر عليهم أكثر الذي اتفقوا على فعله، لكنه لم يساعده على ذلك أحد، فسافر من العيينة إلى مكة المشرفة ثم إلى المدينة، فأخذ عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف، وشدد النكير على الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبره.
ثم رحل إلى نجد ثم إلى البصرة يريد الشام، فلما ورد البصرة أقام فيها مدة وأخذ فيها عن الشيخ محمد المجموعي، وأنكر على أهلها أشياء كثيرة، فأخرجوه منها فخرج هاربا، ثم جاء بعد عدة تحولات إلى بلد حريملة من نجد وكان أبوه بها، فلازمه وقرأ عليه وأظره الإنكار على مسلمي نجد في عقائدهم، فنهاه أبوه فلم ينته حتى وقع بينهما نزاع ، ووقع بينه وبين المسلمين في حريملة جدال كثير، فأقام على ذلك سنتين حتى توفي أبوه سنة (1153هـ) فاجترأ على إظهار عقائده الإنكار على المسلمين فيما أطبقوا عليه، وتبعه حثالة من الناس إلى أن غص أهل البلد من مقالاته وهموا بقتله، فانتقل من حريملة إلى العيينة ورئيسها يومئذ عثمان بن أحمد بن معمر،

فأطمعه ابن عبد الوهاب في ملك نجد فساعده عثمان وأعلن النكير على المسلمين، فتبعه بعض أهل العيينة، وهدم قبة زيد بن الخطاب التي عند الجبيلة، فعظم أمره وبلغ خبره سليمان بن محمد بن عزيز الحميدي صاحب الأحساء والقطيف وتوابعها، فأرسل سليمان كتاباً إلى عثمان يأمره فيه بقتله ويهدده على المخالفة، فلم تسعه مخالفته فأرسل إليه وأمره بالخروج عن مملكته، فقال ل‍ه: إن نصرتني ملكت نجداً فلم يسمع منه.
وخرج إلى الدرعية سنة (1160هـ) وهي بلاد مسليمة الكذاب، وصاحبها يومئذ محمد بن سعود من قبيلة عنيزة فتوسل بامرأة الحاكم إليه وأطمعه في ملك بلاد نجد فتبعه وبايعه على قتال المسلمين، فكتب إلى أهل نجد ورؤساءهم وقضاتهم يطلب الطاعة فأطاعه بعضهم وبعضهم لم يحفل به، فأمر أهل الدرعية بالقتال فأجابوه وقاتلوا معه أهل نجد والأحساء مراراً كثيرة، حتى دخل بعضهم في طاعته طوعاً أو كرها، وصارت إمارة نجد جميعها لآل سعود بالقهر والغلبة.
ومات ابن عبد الوهاب سنة (1206هـ) ، ثم مات محمد بن سعود فخلفه ولده عبد العزيز، وقام بنصرة هذا المذهب، وقاتل عليه وبلغت سراياه وعماله أقصى بلاد نجد، ثم مات عبد العزيز فخلفه ولده سعود وكان أشد من أبيه في التوهّب منع المسلمين عن الحج وخرج على السلطان، وغالى في تكفير من خالفهم، ثم مات سعود وخلفه ابنه عبد الله. انتهى.
وفي خلاصة الكلام: أن الوهابيين أرسلوا في دولة الشريف مسعود بن سعيد بن زيد المتوفي سنة (1165هـ) ثلاثين من علمائهم فأمرالشريف أن يناظرهم علماء الحرمين فناظروهم، فوجدوا عقائدهم فاسدة، وكتب قاضي الشرع حجة بكفرهم

وسجنهم فسجن بعضهم وفر الباقون. ثم في دولة الشريف أحمد المتوفي سنة (1195هـ) أرسل أمير الدرعية بعض علمائه فناظرهم علماء مكة وأثبتوا كفرهم، فلم يأذن لهم في الحج. انتهى ملخصا.
وهذ المذهب وإن كان ظهوره وانتشاره في زمن محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر إلا أن بذرة قد بذر قبل ذلك من زمن أحمد بن تيمية في القرن السابع وتلميذه ابن القيم الجوزية وابن عبد الهادي ومن نسج على منوالهم. وقد عثرنا فيه على رسالة لمحمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني المولود سنة (1059هـ) والمتوفى سنة (1182هـ)، كما عن كتاب البدر الطالع للشوكاني سماها: تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، وهذا الرجل كان معاصراً لابن عبد الوهاب. وعن كتاب أبجد العلوم للصديق حسن خان القنوجي كان المولى العلامة السيد محمد بن إسماعيل الأمير بلغه من أحوال النجدي ما سره فقال قصيدته المشهورة:

سلام على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

ثم لما تحقق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن وجد الأمر غير خال من الأدغال وقال:

رجعت عن القول الذي قلت في نجد
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي

انتهى.

7 / 17
ع
En
A+
A-