وما كان من علم لديك ومن زهد
وأين البحوث الرائقات؟ وأينما
تداركته فهما على زعمك المردي
فيكفيك فخراً لو فهمت مقالهم
وما حرروه من سؤال ومن رد
ولكنَّ أين الفهم منك؟ وأين هم
وأين الثريا والسهيل من الصلد
...
فوالله لو ذاكرت تلميذ بعضهم
لما بؤت إلا بالمذلة والطرد
وتلقم أحجار العنا لا تطيق أن
تفوه بحرف قط من كثرة الوجد
على أنهم في كل فن أئمة
جهابذة في الجزر منه وفي المد
مدارهُ أحكام الكتاب وسنة الـ
نبي وأقوال الأئمة من بعد
وآدابها كالصرف كالنحو كاللغاة
وكالوضع مَعْ ما في البيان من الشهد
وحازوا الرياضي والطبيعي جميعه
وأطرافه كالهندسيات والعد
ولم يَدَّعوا ما تَدَّعيه ولم يعوا
إلى ناعق يدعو من الجانب النجدي
وأينك واللطف الغياث ومن مضى ...
من السادة الأعلام كالحجة المهدي
عليهم سلام كم لهم من مآثر
من الفضل لا تحصى بحصر ولا عد
ولا شك تسليم الوعود مصيبة
لما فيه من وقع الزلازل والعمد
وكان صواب القول فيها سقا الحيا
رباها وحياها بمنسكب العهد
غدوتُ لهذا الشأن أُنشد مفردا
وأرثيهمُ واهجيه من شدة الحقد
لقد شرب الدهر الخؤون صفاءهم
فأبقى وُحولا كدرت موردة الحمد
أقول وخير القول ما كان صادقا
وشر كلام المرء ما كان ذا إدّ
وبعدُ فقد وافت قوافي معاند
روائح نَتْنِ الكفر من نظمها يُبدي
وحين تقوَّى العزم في رفع قوله
وريَّشتُ سهم الرمي بالمنطق الكندي
نظرت إلى ما يدّعيه فلم أجد
دليلا له يقوى على مقتضى رد
فأوردت إيرادا وسطَّرت عجزها
وعجزتها بالصدر فاقنع بما أسدي
فيا سائلي سمعا لضعف مقالة ...
(سلام على نجد ومن حل في نجد)
مكانٌ كثيف الطبع معظم أهله
زنادقة كيف السلام لهم تهدي
ولم يكفك التسليم في الكتب قائلا
(وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي)
فهذا تنادي لو تَأَتَّت زيارة
إليها لعفرتم بها صفحة الخد
لقد صدرت من صفح صنعا سقى الحيا
ولم تدر ما في ذا الخطاب من النقد
دعوت على صنعا بأفصح دعوة
بقولك: (حياها بقهقهة الرعد)
بلاد الكرام الصِّيد والعترة التي
سنا مجدهم قد لاح في طالع السعد
وفيها غدا نور الخلافة مشرقا
بأضوائه أهل الشريعة تستهدي
إمام الهدى لا زال قائم عزمه
يبيد العدا بالمشرفيات والملد
ولا برحت أنواءُ نورِ نواله
تسح على العافين بالوابل النقد
ولا زال في دست الخلافة قائما
بتأييد دين الله والصمد الفرد
سرت من أسير ينشد الريح مذ سرت
أسير قصور لا أسير هوى هند
وقلد في التضمين من قال منشدا
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجدا وأهله
لعلّية والجنس علّية الود
وأقسم أن الشوق زاد لقوله
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
قفي وأسألي عن عالم حل سوحها
وأظهر فيها الكفر عمدا لكي يردي
وقدم معمول الهداية قاصرا
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد
تعالى بإثبات الهداية للنجدي
وناظر ما بين الضلالة والهدى
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله
سواه وهذا عنده منتهى القصد
وما كل قول بالقبول مقابَلٌ
وإن كان حقا إن طما زاخر الجحد
فصُغراك مع كُبراك ممنوعتان إن
رجعت إلى الآداب أو كنت مستهدي
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
سخيف عريض الظهر أوقح من صلد
إذا بدأ الرحمن ينفيك مثله ...
يعود لنا الشرع الشريف بما يبدي
وسَفْسَطَ أقوالا وزَخرَفَ منكرا
بنى دينه المنهار بالجهل والجد
لتنزيله الأخبار في حتم من يرى
يغوث وود بئس ذلك من ود
وأما قبور الصالحين فلم نر
بها طائفا من أهل ود ولا زهد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
لإطعام ذي جوع وكلٌ على قصد
إذا كان هذا القصد في ذبحها فلا
أهلّت لغير الله جهرا على عمد
ومن ذا الذي يقرا الدلائل جاهلا
يرى درسها أزكى لديه من الحمد
فهذا اختلاق وافتراء تواترت
دعاويه مما في النفوس من الحقد
غلو نهى عنه الرسول وبدعة
أتت منك في حق الكرام أولي المجد
ودع ما ادّعته في مناقب أحمد
ونوِّه بما يختار في الجوهر الفرد
أحاديث لا تعزى إلى عالِمٍ ولا
صدوق من الأشياخ دعني من اللد
وأشنع من كل ابتداعٍ رأيتُه ...
طريقة هذا حيث ما طابقت قصدي
فما قلتَه في الدين أعظم فريةٍ
وأنكأ للقلب الموفق للرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
إلى غيرها قد بات بالذل والفقد
فمَن مَالَ عن طرْق الرشاد وأهلها
يُعض بأنياب الأساود والأسد
يُصب عليه سوط ذمٍ وغيبة
ويجفوه من يهواه جهرا على عمد
ويُعزى إليه كل ما لا يقوله
وكيف وذا قد قال قولا له مردي
فمجتهداً كن في الهدى لا مقلداً
نهى الله عن هذا التمدح للعبد
تناول بالأسر المفيد لقيده
وخلِّ أخا التقليد في الأسر والقيد
علامَ جعلتم أيها الناس ديننا
على المنهج المشروع بالرسم والحد
تَهكَّم في أهل المذاهب قائلا
لطائفة لا شك في فضلهم عندي
وهم علماء الدين شرقا ومغربا
على الرغم إن أبديت أو لم تكن مبدي
وهم بهجة الأسرار والفخر والعلا ...
ونور عيون الجد في الفضل والمجد
ولكنهم كالناس ليس كلامهم
يحاكي كلام الناقضين عن العهد
وأما تقاليد الأئمة فهي من
أجلُّ التقى والنور لا تك في بعدي
ومن قصد الرحمن من غير مذهب
أرى قصده فيما أتاه كلا قصد
ومن قلَّد الهاديَّ أصبح شاربا
من الكوثر الفيَّاض في جنة الخلد
ومن قلَّد النجدي ظلَّ مغاضبا
إلهي وفيه القول للبغض بالحد
ومثلك والنجدي لا في بقاكما
صلاح ولا إبقاكما في الدُّنا يجدي
ولا أنتما أرباب علم وحجة
ولا درية في نقل علم ولا وجد
فلا زلتما في ليل غيٍ وفي عمًى
تُحاربْكما الأيام بالعكس والطرد
وفي موقف الأشهاد تلقى كما لَقِيْ
مسيلمة الكذاب في النار من خُلد
وهاك على حسب الإرادة حصة
من الشعر تبدي ضعف من كان مستعدي
وترفع عنك النصب بالخفض جازما ...
على فعلك المذموم بالختم والسد
ومنا صلاة مَعْ سلام على النبي
محمدٌ الهادي إلى سُبُل الرشد
كذا الآل والأصحاب والتابعين ما
سرى الركب أو حادي السُّرى جدَّ في الوجد
وردَّ الشيخ ابن غلبون الليبي على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، مذكورة في (( سعادة الدارين )) عدة أبياتها أربعون بيتا ، مطلعها:
سلامي على أهل الإصابة والرشد ... وليس على نجد ومن حلَّ في نجد
وردَّ السيد مصطفى المصري البولاقي أيضا على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، مذكورة في (( سعادة الدارين )) ، عدة أبياتها مائة وستة وعشرون ، مطلعها:
بحمد ولىِّ الحمد لا الذم أستبدي ... وبالحق لا بالخلق للحق أستهدي
وردَّ السيد الطباطبائي البصري أيضا على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، ذكر صاحب (( سعادة الدارين )) أبياتا منها.
قال البدر الأمير: (( لما (1) بلغت الأبيات إلى نجد وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها إلى أهل نجد رجل عالم يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله
__________
(1) في (ب): لما بلغت هذه الأبيات نجدا،َ وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها من أهل نجد رجل يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله في شهر صفر سنة سبعين ومائة وألف، أقام لدينا ثمانية أشهر، وحصّل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وقرأ علينا في الكشاف وغيره، وفارقنا في عشرين من شوال سنة (1170 هـ) راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز مع الحجاج، وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي وجهنا إليه الأبيات فأخبرنا ببلوغها، ولم يأت بجواب عنها، وكان قد تقدّمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفكه الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله الشيخ عبد الرحمن، وذلك لأنه قد كان وصل إلينا لعله سنة 1165 بعد بلوغ الأبيات، وذكر لنا حسن حال ابن عبد الوهاب، وتحريه واقتصاره على أدلة الكتاب والسنة، ثم فارقنا وبقي سنتين، ثم عاد إلينا مخبرا بتغير أحوال ابن عبد الوهاب إلى ما ذكرناه،وطلب مني أن أضع رسالة في بطلان ما ذهب إليه، من سفكه الدماء، ونهبه العباد، وغير ذلك من الإفساد، وكان هذا الشيخ عبد الرحمن تقيا صائما نهاره قائما ليله، كثير الذكر إلا أنه قليل الدراية بالعلم، فلذا ترددتُ فيما قاله، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل إلينا ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ،ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية, وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسائل أقواله، وذكر لي أنه عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه، وَحل ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات من مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف، وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجوابٌ وفد من بندر المخا، كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، فما ندم الناصح من يؤمن برب العالمين. ولما أخذ علنيا الشيخ مربد ذلك تعين علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، فقلت.
وفي (ج): ولماوصلت الأبيات إلى نجد من طريق مكة ولم يصل لها جواب، ووصل رجل من أصحاب ابن عبد الوهاب، يقال له الشيخ عبد الرحمن، وأخبر بوصول الأبيات، وأنها بعثته على الخروج إلى عند قائلها، وهو رجل عامي، إلا أنه كثير العبادة، والحث على الزهادة، ولم يزل يذهب أيام الحج للحج ثم يعود بعد ذهابه إلى أهله إلى صنعاء، ولم نستفد منه ـ لعاميته ـ حقيقةَ ابن عبد الوهاب.
ثم إنه وصل إلينا الشيخ العالم مربد بن حسن _ قد تقدم ذكره _ وكان وصوله من طريق الحجاز، سنة سبعين ومائة وألف،(1170هـ) وله معرفة ونباهة، وهو من تلاميذ ابن عبد الوهاب، وأخبر بوصول الأبيات، وكان عنده منها نسخة، وأقام عندنا ثمانية أشهر، وحصَّل بعض كتب ابن تيمية بخطه، وقرأ علينا في الكشاف، وذاكر في عدة مسائل.
ثم وصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أمورا عجيبة، من سفكه الدماء، وتكفير كل أهل الدنيا، وأخرج صحبته من رسائله ما يحقق ما نقله عنه، من تكفيره للأنام، وسفكه للدم الحرام، ونهبه للأموال، وسبيه للحُرم المسلمة والأطفال.
وقد كان مستنكراَ لأفعاله، مترددا في حقيقة حاله، وما خرج إلا مسترشدا لما يرشده الله[إليه]، ويدله عليه. فأَبَنَّا له أن هذه أفعال لا تطابق شريعة الإسلام، ولا توافق ما جاء به سيد الأنام، عليه أفضل صلاة وسلام.
وذكر أنه زاد بوصول الأبيات عظمة عند أتباعه، ورفعة عند أشياعه، وأنه يتعين علينا إزالة ذلك، وبيان قبح ما سلكه من تلك المسالك. فرأيته يتعين ما قال، وتأكد عندي ذلك المقال، فبنيت أبياتا رددت فيها أدلة رسالته، وأبنت فيها قبيح مقالته، وشرحتها شرحا شافيا، وأرسلتها صحبة الشيخ مربد، وفارقنا في عشرين من شوال، سنة سبعين ومائة وألف، وأول الأبيات:
في شهر صفر سنة سبعين ومائة وألف، وأقام لدينا ثمانية أشهر، وحصَّل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وفارقنا في عشرين من شوال سنة سبعين راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات، فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها.
وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفك الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفير الأمة المحمدية في
جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله الشيخ الفاضل عبد الرحمن، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أقواله وأفعاله وأحواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا، ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية، وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسالة أقواله، وذكر لي أنه إنما عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علنيا نقض ما قدمناه، وحَلُّ ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات عن أهل مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجواب وصل من بندر المخا كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، ولما أخذ علينا الشيخ مربد ذلك، تعيَّن علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، كتبت أبياتا وشرحتها وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية، لأنهما عمدة الحنابلة، فقلت )) :
رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ظننت به خيرا وقلت عسى عسى
نجد ناصحا يهدي العباد ويستهدي
فقد خاب فيه الظن لاخاب نصحنا