تساويَ فلسا إن رجعت إلى النقد
وصيَّرها الجهال للدرس ضرة
ترى درسها أزكى لديها من الحمد
لقد سرني ما جاءني من طريقه
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
(فصل في ذكر بدعة المذاهب والتمذهب)
وأقبح من كل ابتداع سمعته
وأنكاه للقلب الموفق ذي الرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
يُعض بأنياب الأساود والأسد
يُصَبَّ عليه سَوطُ ذم وعيبة
ويجفوه من قد كان يهواه عن عمد
ويُعزى إليه كل مالا يقوله
لتبغيضه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل النّصْب بالرفض فرية
ويرميه أهل الرفض بالنصب والجحد
وليس له ذنب سوى أنه غَدا
يتابع قول الله في الحَّل والعقد
ويتبع أقوال الرسول محمدٍ
وهل غيره بالله في الناس من يهدي
لئن عده الجهالُ ذنبا فحَبَّذا ...
به حبذا يوم انفرادي في لحدي
(فصل في ذكرأئمة المذاهب الأربعة وبرآءتهم عن طلب تقليدهم)
عَلاَمَ جَعلتم أيها الناس ديننا
لأربعة لا شك في فضلهم عندي ؟
همُ علماء الدين شرقا ومغربا
ونور عيون الفضل والحق والزهد
ولكنَّهم كالناس ليس كلامهم
دليلا ولا تقليدهم في غد يجدي
ولا زعموا حاشاهم أن قولهم
دليل فيستهدي به كل مستهدي
بَلىَ صَرَّحُوا أنا نُقابِل قولهم
إذا خالف المنصوص بالقدح والرد
(فصل في الثناء على من تمسك بالأحاديث)
سَلامٌ على أهل الحديث فإنني
نشأت على حب الأحاديث من مهدي
همُ بذلوا في حفظ سنة أحمد
وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد
وأعني بهم أسلاف أمة أحمد
أولئك في بيت القصيد هم قصدي
أولئك أمثال البخاري ومسلم ...
وأحمد أهل الجَد في العلم والجِد
بحور وحاشاهم عن الجزر إنما
لهم مددٌ يأتي من الله بالمد
رووا وارتووا من علم سنة أحمد
وليست لهم تلك المذاهب من ورد
كفاهم كتاب الله والسنة التي
كفت قبلهم صحب الرسول ذوي الرشد
أأنتمُ أهدى أم صحابة أحمد
وأهل الكساء هيهات ما الشوك كالورد
أولئك أهدى في الطريقة منكم
فهم قدوتي حتى أوسد في لحدي
وشتان ما بين المقلد في الهدى
ومن يقتدي والضد يعرف بالضد
فمن قلد النعمان أصبح شاربا
نبيذا وفيه القول للبعض بالحد
ومن يقتدي أضحى إمام معارف
وكان أويسا في العبادة والزهد
فمقتديا في الحق كن لا مقلدا
وخل أخا التقليد في الأسر في القد (1)
__________
(1) السير الذي يقد من الجلد.
(فصل في بدعة القائلين بوحدة الوجود المساوين بين الأنبياء وأهل الجحود)
وأكفر أهل الأرض من قال إنه
إله فإن الله جل عن الند
فسماه كل الكائنات جميعها
من الكلب والخنزير والقرد والفهد
وإن عذاب النار عذبٌ لأهله
سواء عذاب النار أو جنة الخلد
وعباد عجل السامري على هدى
ولائمهم في اللوم ليس على رشد
وتنشدنا عنه نصوص فصوصه
تنادي خذوا في النظم مضمون ما عندي
وكنت أُرى من جند إبليس فارتقى(1)
بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أدركت بعده
دقائقَ كفرٍ ليس يدركها بعدي
وكم من ضلال في الفتوحات صدقت
به فرقة أضحوا ألد من اللد
يلوذون عند العجز بالذوق ليتهم
يذوقون طعم الحق فالحق كالشهد
فنسألهم ما الذوق قالوا مثاله
عزيز فلا بالرسم يدرك والحد
تسترهم بالكشف والذوق أشعرا ...
__________
(1) في (ب)، (ج): فارتمى.
بأنهمُ عن مطلب الحق في بُعد
ومن يطلب الإنصاف يدلي بحجة
ويرجع أحيانا ويهدي ويستهدي
وهيهات كلٌ في الديانة تابع
أباه كأن الحق في الأب والجد
وقد قال هذا قبلهم كل مشرك
فهل قدحوا هذي العقيدة عن زند
كذلك أصحاب الكتاب تتابعوا
على مذهب الأسلاف فردا على فرد
(فصل في اغتراب الدين)
وهذا اغتراب الدين فاصبر فإنني
غريب وأصحابي كثير بلا عد
إذا ما رأوني عظَّموني وإن أغب
فكم أكلوا لحمي وكم مزقوا جلدي
هنيئا مريئا في اغتيابي فوائد
أفوز بها عند افتراديَ في لحدي
يصلي ولي أجر الصلاة وصومه
ولي كل شيء من محاسنه يبدي
وكم حاسد قد أنضج الغيظ قلبه
ولكنه غيظ الأسير على القد
ودونكها تحوي علوما جليلة ...
منزهة عن وصف قدٍّ وعن خد
ولا مدحت وصلاً لليلى وزينب
ولا هي ذمت هجر سعدى ولا هند
إليك طوت عرض الفيافي وطولها
فكم قطعت غورا ونجدا إلى نجد
أناخت بنجد واستراح ركابها
وراح خليا عن رحيل وعن شد
فأحسن قِراها (1) بالقراءة ناطما
جوابا فقد أضحت لديك من الوفد
وصل على المختار والآل إنها
لِحسن ختام النظم واسطة العقد
أحدثت قصيدة البدر الأمير هذه ضجة كبرى في الجزيرة العربية ، والوطن العربي عموما، وهذا يدل على مكانة البدر الأمير، واتساع نطاق شهرته التي طبقت الآفاق، وأثارت موجة من السخط والإستياء لدى رجال العلم والأدب خاصة، وهذا أيضا يدل على مقت شديد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ،واستنكار صارخ لتوجهاته وممارساته ضد المسلمين .
فما كان من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وبلدانهم ، إلا أن تصدوا للرد على البدر الأمير، وكشف حقيقة ابن عبد الوهاب، وممن تصدى للرد على البدر الأمير الشيخ العلامة ناصر بن حسين المحبشي الزيدي اليمني ، فإنه رحمه الله
__________
(1) ضيافتها وحسن استقبالها.
راجع البدر رضي الله عنه نثرا ونظما سائلا عن وجه تصويب تحريق دلائل الخيرات ، قال :
أتاني در النظم من عالم مهدي
إلى عالم حبر تقي من نجد
يقرظه فيه لحسن طريقة
تحلى بها بين الأنام على قصد
لينصر شرع الله ممن أصابه
بجهل وتقليد الأوائل عن عمد
ولكنه قد حك في الصدر قولكم
أصاب ففيها ما يحل عن العد
أزل ما عساه أن يكون تخيلا
مفصله في النثر من واضح الرد
فلله ما أسديت يا عالم الورى
ولا زلت فينا دائما للهدى تهدي
لقد سرني ما جاءني منك مرشدا
وذكَّرني أيام شافهت بالرشد
لياليَ قضينا من العلم حقه
وأبدل فيه مسلك النحس بالسعد
فليت إلهي يجمع الشمل بيننا
نجدد للعلم الشبيبة بالعهد
أحنُّ لأيام الوصال وطيبها
ويوهنني أن التأسف لا يجدي
وإني على شرط المودة والإخا
وإن كانت الأجساد منا على بُعد
فدُمْ في رضا مولاك في كل لحظة
وذكِّر فإن الذكر ينفع في الخلد
فأجاب البدر الأمير رضوان الله عليه:
يسائلني من باهتدائي يستهدي
وذلك هدي المصطفى خير من يهدي
علام أصوب رأي من أحرق الدلا
ئل للخيرات من ساكني نجد
وأحسنت باستكشاف ما هو مشكل
لديك فخذ عني الجواب الذي أُبدي
وقد قلت في الأبيات ما أنت عارف
له من دليل في الذي قلته عندي
غُلُوٌّ نهى عنه الرسول وفِريَةٌ
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم ولا
تساوي فلساً إن رجعت إلى النقد
فهذان من أقوى الأدلة عند من
يصوِّب تحريق البياض من الجلد
وأشرحها بالنثر فالنظم قاصر الـ
عبارة عن ذكر الأدلة والسرد
وخير الأمور السالفات على الهدى
وشر الأمور المحدثات على عمد
وذكرتني يا بن الحسين ليالياً ...
تقضَّت لنا بالوصل في طالع السعد
نخوض بها في كل فن بفطنة
وذهن يرى أمضى من الصارم الهندي
فنفتح منها كل ما كان مقفلا
ونفتضُّ أبكار المعاني بما نُبدي
كأنا إذا ما مجلس العلم ضمنا
نكون على التحقيق في جنة الخلد
فوالله ما في هذه الدار لذة
سوىالعلم إن وافقت في العلم من يهدي
ذكيا تقيا منصفا ليس همه
سوى الحق يهدي من يشاء ويستهدي
قنوعا من الدنيا كفاه كفافُها
تسربل فيها بالقناعة والزهد
يناصح سُكَّان البسيطة طاهر اللـ
ـسان سليم الصدر خلواً عن الحقد
فهذا الذي لو كنت يوما وجدته
ظفرت بما أهوى وجُدتُ بما عندي
عسى ولعل الله يجمع شملنا
فقد يجمع الله الشتيتين من بُعد
فتخضرُّ روضات العلوم ونجتني
ثمار الهدى والحق من روضها الوردي
وإلا فَصِلني بالدعا كل ساعة ...
إذا كنت حيا أو رحلت إلى لحدي
وقل لي جزاه الله خيرا فإنه
دعانا إلى نهج الهداية والرشد
إلى هديِ خير المرسلين محمد
عليه صلاة الله تَترَى بلا عد
وصل على الآل الكرام وصحبه الـ
ـفخام ذوي العز المشيد والمجد
ورد السَّهْرَوَرْدِي على قصيدة الأمير الصنعاني بقصيدة طنانة من بحرها ورويها ، سماها:
(الصوارم الهندية ، المسلولة على رؤوس النجدية)
قواضب أهل الحق مرهفة الحدِّ
لضرب رقاب الخارجين عن الحد
وأسهم فضل يصرع الجهل وقعها
ويقطع عرق النصب من كل مرتد
وأفراس عرفانٍ تكرُّ على الذي
تمادى على أهل المفاخر والرشد
كرام لهم في معرك البحث قوة
متى ما التقى الجمعان في موقف الرد
إذا برزوا يوم الجدال رأيتهم
أسود شرَى لا بل أجلّ من الأُسد
رويدك مهلاً إنما قلت آنفا ...