ومنه: أحاديث (1): (( أن بغض علي عليه السلام نفاق )) (2)، فإنه نفاق عمل. فعرفت من هذا كله أن الكفر كفران: كفر اعتقاد، وكفر عمل، ومثله النفاق. والشرك شركان: أصغر، وأكبر. والظلم ظلمان، والفسق فسقان، ومن له فهم وتوفيق لا يخفاه(3) محل الإطلاق.
__________
(1) سقط من (أ): أحاديث.
(2) عن عدي عن زر قال قال علي إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق
أخرجه مسلم في صحيحه ج 1/ص86/ح78)
والنسائي في سننه ج 8/ص116/ح5018) ، 6/ص 534/ح 11749)
وابن حبان في صحيحه ج 15/ص368/ح6924)،
وابن ماجه في سننه ج 1/ص42/ح114)
وابن حنبل في مسنده ج 1/ص95/ح731)،
والنسائي في سننه الكبرى ج 5/ص47/ح8153)،
وابن حنبل في فضائل الصحابة 2/ص564/ح948)
وأبو يعلى في مسنده ج 1/ص251/ح291)
وعبد الرزاق في مصنفه ج 6/ص365/ح32064).
(3) في (أ): لا يخفاه في محل...

فإن قلت: قد ذكرت في الأبيات الأصلية أن القائلين بوحدة الوجود والوجود المطلق، هم أكفر أهل الأرض، مع أنهم يصلون، ويتشهدون،(1) ويأتون بأركان الإسلام؟
__________
(1) في (أ): ويشهدون.

قلت: قد أشرنا إلى هذا وجوابه، بقولنا:

فإن قلت قد كفَّرت من قال إنه
إله وإن الله جل عن الندِّ
مسماه(1) كل الكائنات جميعها
من الكلب والخنزير والفهد والقردِ
مع أنه صلى وصام وجانب التو
سع(2) في الدنيا ومال إلى الزهدِ
فقلت استمع مني الجواب ولاتكن
غبيا جهولا للحقائق كاللدِّ
فإن الذي عنه سألت مجاهر
بنفي الإله الواحد الصمد الفردِ
ونفي نبوات النبيين كلهم
فما أحمد الهادي لدى ذاك بالمهدي
وتصويب أهل الشرك في شركهم فما
أبو لهب إلا كحمزة في الجدِّ(3)
وهارون أخطا حين لام جماعة
عكوفا على عجل يخور ولا يهدي

فإن لم يكن هذا هو الكفر كله ...
__________
(1) في (أ): فسماه.
(2) في (ب): الترفع.
(3) أي: في الحظ والدين. وفيه تورية، لأن الجد بذلك لامعنى، وبمعنى أب الأب وأبوهما وجدهما واحد.

فعقلك عقل الطفل زُمِّل في المهدِ
فقد كفَّرَ الشيخُ ابنُ تيميةٍ ومَن
سواه من الأعلام في السهل والنجدِ
أولئك إذ قالوا الوجود بأسره
هو الله لا رب تميز من(1) عبدِ

واعلم ( أنا قد حققنا أحوال مَن ذكر مِن ابن عربي وغيره، في رسالتنا التي سميناها: نصرة المعبود، ونقلنا ألفاظهم الكفرية من كتبهم، ونصوص كلماتهم في شعرهم ونثرهم، وإنما نشير هنا إلى بعض ما ذكرناه فيها ) (2).
إنه قد وقع السؤال من(3) القائلين بوحدة الوجود، في رأس المائة الثامنة، ونقلت(4) في السؤال بعض ألفاظهم، وانتدب علماء الإسلام للجواب عنه، من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم.
ولفظ السؤال: ما يقول العلماء في كتاب بين أظهر الناس، أكثره ضد لما أنزله الله في كتبه المنزلة، وعكس لما قاله(5) أنبياؤه عليهم السلام، فيه: أن آدم عليه السلام إنما سمي إنسانا، لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين، الذي يكون به(6) النظر.
وقال في محل آخر: إن الحق المنزه، هو الخلق المشبه.
__________
(1) في (ب): عن.
(2) سقط من (أ): ما بين القوسين.
(3) في (ب): عن.
(4) في (أ): ونقل.
(5) في (أ): وعكس ما قالوا أنبياؤه.
(6) سقط من (ب): به.

وقال في قوم نوح عليه السلام: إنهم لو تركوا عبادتهم(1) لود، وسواع، ويغوث، ويعوق،(2) لجهلوا من(3) الحق أكثر مما تركوا.
وقال: إن قوم هود كانوا على صراط مستقيم.
ثم أنكر حكم الوعيد، في حق من حقت(4) عليه كلمة العذاب من سائر العبيد. فهل يكفر بذلك ويكفر مَن يصدقه أم لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغا عاقلا، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه؟
فأجاب عنه علماء الأمة:
قال الشيخ شيخ الإسلام ابن تيمية، المتفق على إمامته في علوم العقل والنقل، رحمه الله تعالى ما لفظه:( هذه الكلمات المذكورة(5) المنقولة، كل كلمة منها من الكفر، الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فضلا عن كونها كفرا في شريعة الإسلام.
فإن قول القائل: إن آدم للحق تقدس وتنزه وتعالى، بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، يقتضي أن آدم عليه السلام(6) جزء من الحق تقدس
__________
(1) في (ب): عباداتهم.
(2) سقط من (أ): ويعوق.
(3) في (أ): عن.
(4) في (ب): الوعيد فيمن حقت عليه.
(5) سقط من (أ): المذكورة.
(6) سقط من (أ): عليه السلام.

وتعالى وبعض منه، بل أفضل أبعاضه وأجزائه، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم، وهم مقرِّون به من أقوالهم )(1).
ثم(2) قال:( ولما قرأوا(3) هذا الكتاب - أعني - الفصوص على أفضل(4) متأخريهم، قال قائل: إن هذا الكتاب مخالف للقرآن،(5) قال القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا هذا(6) - يعني - أن القرآن يفرق(7) بين العبد والرب. وحقيقة التوحيد عندهم أن العبد هو الرب.
فقال له قائل: فأي فرق بين أختي وزوجتي، وبنتي؟‍‍!
قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام!
قلنا: حرام عليكم )(8)!
وأجاب سعد الدين قاضي الحنابلة بالقاهرة: ما ذكر من الكلام، قد تضمن تصديقه بما هو كفر، فيجب الرجوع عنه، والتلفظ بالشهادتين عنده، وحق على
__________
(1) في (ب): وهو معروف من أقوالهم. من تعليقة للشيخ ابن تيمية على فصوص الحكم. الفتاوى 2/122.
(2) سقط من (أ): ثم.
(3) في (أ): قدروا. مصحفة.
(4) في (ب): أهل. مصحفة.
(5) في (ب): يخالف القرآن.
(6) سقط من (أ): هذا.
(7) في (أ): يقرن. مصحفة.
(8) سقط من (أ): عليكم.

من سمع ذلك إنكاره، ويجب محو ذلك وما كان قريبا منه، ولا يترك بحيث يُطَّلَعُ عليه، فإن في ذلك ضررا عظيما، على من لم يستحكم الإيمان من(1) قلبه.
وأجاب جماعة من الأئمة، منهم بدر الدين بن جماعة، والخطيب شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي،(2) والقاضي بدر الدين الكتاني الشافعي، وشرف الدين الداودي(3) المالكي، وأئمة الشام، ومصر، والحرمين، بجوابات مصرحة بكفر قائل ذلك وناقله، [و] هي عندنا، إلا أنه لا يحتمل شرح الأبيات الزيادة على هذا في بيان ما أشرنا إليه:

وهذا مقالٌ للفلاسفة الأولى
إلى النار مسراهم يقينا بلا ردِّ

أي أن قول أهل هذه المقالة، قول قاله قبلهم أهل التعطيل والإلحاد من الفلاسفة، وهم القائلون بالوجود المطلق، وأقوالهم مبسوطة في كتب المقالات، فجاء هؤلاء الطوائف تَظَهَّروا بالاسلام، وأدخلوا فيه(4) هذه الدواهي العظام، وأَلَّفُوا في هذه الكفريات مؤلفات أشرنا إليها بقولنا:

وأَلَّفَ في هذا ابن سبعين كُتْبَه
وتابعه الجيلى ويا بئس ما يبدي
__________
(1) في (ب): في.
(2) محمد بن يوسف الجزري الشافعي، خطيب من فقهاء الشافعية، ولد بالجزيرة سنة (637هـ) ونسب إليها، ونشأ بها، وسافر إلى مصر، فأقام بقوص ثم بالقاهرة، وتوفي فيها سنة (711هـ)، له ديوان شعر وخطب وشرح، منها: الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، وشرح ألفية ابن مالك.
(3) في (أ): الراوي.
(4) سقط من (أ): فيه.

قال ابن خلدون قاضي الديار المصرية: إنه ألف ابن عربي، وابن سبعين، وابن برجان، وأتباعهم ممن سلك سبيلهم، ودان بنحلتهم، ولهم تآليف كثيرة يتداولونها(1) مشحونة بصريح الكفر، ومستهجن البدع.
وأما الجيلي ـ بالجيم ـ (2) فهو مصنف كتاب الانسان الكامل، كتاب ملأه بالكفر والضلالة،(3) مع ركة ألفاظ، وشعر في غاية الضعف. ولذا قلنا:

ولكن أرى الطائي أطولهم يدا
أتى بفصوص لا تزان بها الأيدي

المراد: ابن عربي الطائي، فإنه فتح لهم باب جهنم، بالتأليفات المشتملة على تخريب الأحاديث والآيات، ككتاب الفتوحات المكية، والفصوص، وغير ذلك.

وجا منهمُ ابن الفارض الشاعر الذي
أتى بعظيم الكفر في روضة الوردِ
أجاد نظاما مثل ما جاد كفره
فسبحان ذي العرش الصبور على العبدِ

ثبت إطلاق الصبور عليه تعالى في أسمائه الحسنى، والمراد بابن الفارض هو عمر بن الفارض، شاعر رقيق(4) الألفاظ، بديع المعاني، سلك طريقة إخوانه، وأتى في تائيته(5) بالكفر الصريح، الذي قصر عنه عباد المسيح، وجعل نفسه إلها كما يفعله غيره. وقال:

وما عقدَ الزنار حكما سوى يدي ...
__________
(1) سقط من (أ): يتداولونها.
(2) سقط من (أ): بالجيم.
(3) في (أ): والإضلال.
(4) في (أ): دقيق.
(5) في (ب): بائيته. مصحفة.

وإن حل بالإقرار لي فهي حلتِ

وقال:

لها صلواتي في المقام أقيمها
وأشهد فيها أنها لي صلتِ
إلي رسولا(1) كنت مني مرسلا
ونفسي بآياتي علي استدلتِ

وقال في تصويب الأوثان:

وإن خر للأحجار في البدو(2) عاكف
فلا تغد بالإنكار للعصبيةِ (3)

وله فيها كلها عجيب (4)، قصر عنه إبليس وفرعون في كفرهما، وقد صوب ابن عربي قول فرعون:{ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات:24] ، بما هو معروف، وقد بسطنا أقاويلهم في الرد عليهم، في رسالة سميتها: نصرة المعبود، في الرد على أهل وحدة الوجود.

أنزهه عن كل قول يقوله
ذوو الكفر والتعطيل من كل ذي جحدِ
وأثني عليه وهو ـ والله ـ بالثنا
__________
(1) في المخطوطات: رسول. وما أثبت من ديوان ابن الفارض /50.
(2) في الديوان: في البدّ. /66.
(3) الأبيات من قصيدة لابن الفارض بعنوان: نظم السلوك. وهي طويلة جداً،والأبيات من مواضع مختلفة من القصيدة.انظر ديوانه/67.
(4) في (أ): أعاجيب.

حقيق فقل ما شئت في الواحد الفردِ
بديع السماوات العُلا خالق الملا
ورازقهم من غير كد ولا جهدِ
بدا(1) خلقنا من أرضه ويردنا
إليها ويخرجنا [ منها ] معيدا كما يبدي

أي: حال كونه معيدا كما بدأنا، قال تعالى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف:29]. وقال تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } [طه:55].

فريقين هذا في جهنم نازل
وذلك مزفوف إلى جنة الخلدِ
ألا ليت شعري أيّ دار أزورها
فقد طال فكري في الوعيد وفي الوعدِ
إذا ما ذكرت الذنب خفت جهنما
فقال الرجا بل غير هذا ترى عندي
أليس رحيما بالعباد وغافرا
لما ليس شركا قاله الرب ذو المجدِ
فقلت نعم لكن أتانا مقيدا
بمن شأه فافهم وعض هنا(2) الأيدي
__________
(1) في (أ): برى.
(2) في (أ): وعض علي الأيدي.

16 / 17
ع
En
A+
A-