على قتل عبد الله بن الزبير، بل هؤلاء أقوام يسفكون الدماء لطلب الملك، فأفعالهم دولية لا دليلية، فليس لعاقل ولا عالم أن يجعل أفعالهم قدوة.
نعم وقوله: لأنه تَسَمَّى نبيا. يعني: أن المختار بن أبي عبيد كان يدعي النبوة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: إن المختار بن أبي عبيد كان كذابا، يدعي النبوة وإتيان جبريل إليه.
قال: وهذا كفر إن لم يتب منه كان مرتدا. انتهى.
وقولنا: لا كما قلت في الجعدي. إشارة إلى قوله في رسالته: أنه أجمع التابعون ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم (1). هذا كلامه في الرسالة، فادعا الإجماع على قتل الجعد.
قال شيخ الإسلام في كتابه منهاج السنة: إن الجعد بن درهم يقال: إنه أول من ابتدع القول بنفي الصفات، وكان يُعلِّم مروان بن محمد (2) آخر خلفاء بني
__________
(1) الجعد بن درهم من الموالي، مبتدع، له أخبار في الزندقة، سكن الجزيرة الفراتية، وأخذ عنه مروان بن محمد لما ولي الجزيرة في أيام هشام بن عبد الملك فنسب إليه، أو كان الجعد مؤدبه في صغره، ومن أراد ذم مروان لقبه بالجعدي، نسبة إليه. قال الذهبي: عداده في التابعين، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر. وقال ابن الأثير: كان مروان يلقب بالجعدي، لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر. وقيل: كان الجعد زنديقا، شهد عليه ميمون بن مهران، فطلبه هشام فظفر به وسيره إلى خالد القسري - في العراق - فقتله. وقال الزبيدي: الجعد بن درهم مولى سويد بن غفلة، صاحب رأي أخذ به جماعة بالجزيرة، وإليه نسب مروان، فيقال له: الجعدي، وكان إذ ذاك والياً بالجزيرة. وقال ابن تغري بردي في كلامه على مروان: كان يعرف بالجعدي، نسبة إلى مؤدبه جعد بن درهم. وقال الدياربكري: مؤدبه وأستاذه. ميزان الاتدال 1/185، والكامل لابن الأثير 5/160، والتاج 2/321، ولسان الميزان 2/105، واللباب 1/230، والنجوم الزاهرة 1/322، وتاريخ الخميس 2/322. الأعلام 2/120.
(2) مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، يعرف بالجعدي، وبالحمار ولد بالجزيرة سنة/ 72هـ. ولاه هشام أرمينية وأذربيجان، ولما قتل الوليد بن يزيد، وضعفت الدولة الأموية دعا إلى نفسه بأرمينية فبايعوه فيها. وقصد الشام وتولى عرش بني مروان، وقويت الدعوة العباسية في أيامه، وقتل في معركة بينه وبين بني العباس سنة/ 132هـ ولقب بالحمار لجرأته في الحروب. تولى خمس سنوات وعشرة أشهر - الأعلام 7/ 208_ 209.

أمية، وكان الجعد من خراسان، ثم ذكر أن خالد القسري (1) ضحى بالجعد بن درهم وقتله يوم النحر. وقال في خطبة عيد(2) النحر: أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم، وإني مُضحٍّ بالجعد بن درهم، فإنه يقول إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم الله موسى تكليما، فذبحه (3). انتهى.
__________
(1) خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري، من بجيلة، أبو الهيثم، أمير العراقيين وأحد خطباء العرب وأجوادهم، يماني الأصل من أهل دمشق. ولي مكة سنة (89هـ) للوليد بن عبد الملك، ثم ولاه هشام العراقيين (الكوفة والبصرة) سنة (105هـ) فأقام بالكوفة، وطالت مدته إلى أن عزله هشام سنة (120هـ)، وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي وأمره أن يحاسبه، فسجنه يوسف وعذبه بالحيرة ثم قتله في أيام الوليد بن يزيد، وكان خالد يرمى بالزندقة، وللفرزدق هجاء فيه. الأغاني 19/53 0 64، وتهذيب ابن عساكر 5/67 - 80، والوفيات 1/169، وتهذيب التهذيب، والبداية والنهاية، وابن خلدون 3/105 وما قبلها، وابن الأثير 4/205، و 5/101. الأعلام 2/297.
(2) في(أ): يوم.
(3) أخرج القصة البيهقي في السنن 10/205(20676)، والبخاري في خلق أفعال العباد /29، والمزي في تهذيب الكمال 8/107 (1627)، و 23/437(4821)، والخطيب في تاريخه 12/425(6872)، والبخاري في التاريخ الكبير 1/64(143)، و 3/158 (542)، وابن حجر في الفتح 13/347، 449.

فهذا الذي قتل الجعد عاملٌ من عمال بني أمية، قتله بغير مشاورةِ عالم من علماء الدين، فكيف يقول ابن عبد الوهاب: إنه قتله بإجماع التابعين ؟! فأين الحياء من رب العالمين في نسبة الإجماع لهذا الفعل إلى التابعين ؟!! وهو فعل عامل من عمال الجائزين !!! ولذا قلنا:

فذلك(1) لم يُجمَع على قتله ولا
سوى خالد ضحى به وهو عن قصدِ

وقد عرفت معنى البيت مما سبق، على أن ابن عبد الوهاب خالف إمامه الإمام أحمد بن حنبل في دعوى الإجماع، فإن أحمد يقول:( من ادعى الإجماع فهو كاذب) ولذا قلنا:

وقد أنكر الإجماع أحمد قائلا
لمن يدعيه قد كذبتَ بلا جحدِ
روى ذلك ابن القيم الأوحد الذي
أتى بنفيس العلم في كل ما يبدي

قال أبو بكر بن قيم الجوزية في كتابه أعلام الموقعين في الجزء الأول منه في أثناء كلامه: وصار من لا يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتُجَّ عليه بالقرآن (2) والسنة قال: هذا خلاف الإجماع. وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه. فقال الإمام أحمد في رواية عبد الله:
__________
(1) في (أ): وذلك.
(2) في (أ)، (ج): احتج عليه القرآن. وفي (ب): احتج بالقرآن. ولفقت النص من الجميع.

من ادعا الإجماع فهو كاذب. انتهى بألفاظه. وهذا ينقله عن أحمد الأئمة أهل أصول الفقه (1)، فنقله(2) ابن الحاجب في مختصر المنتهى. وغيره.
وقال ابن حزم في شرح (3) المحلى: إن من ادعا الإحاطة بالإجماع كاذب. وإذا عرفت هذا عرفت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كاذب بنص إمامه.

كدعواك في أن الصحابة أجمعوا
على قتلهم والسبي والنهب والطردِ
لمن لزكاة المال قد كان مانعا
وذلك مِن جهلٍ بصاحبه يردي

نقل الشيخ محمد [ بن عبد الوهاب ] في رسالته عن الشيخ ابن تيمية أنه قال في الكلام على كفر مانعي الزكاة: والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحدها ؟ هذا لم يعهد من الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعها. فجعل المبيح(4) للقتال مجرد(5) المنع لاجحد الوجوب، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب(6) لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعا سيرة واحدة، وهي قتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعا أهل الردة. وكان من أعظم فضائل الصديق عندهم
__________
(1) في (أ): الأئمة أهل السنة فنقل.
(2) في(أ): فنقل.
(3) في (أ): في شرحه ...
(4) في (أ): الشبح. مصحفة.
(5) في (أ): القتال لمجرد...
(6) سقط من (أ): بالوجوب.

أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا... إلى قوله:
وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة الكذاب فهؤلاءلم يقع بينهم نزاع في قتالهم. انتهى ما نقله ابن عبد الوهاب عن ابن تيمية. فتأمل كلامه في تكفير المانع،(1) والشهادة عليه إذ(2) قتل بالنار، وسبي حريمه وأولاده، عند منع الزكاة. انتهى.
ثم قال: ومن أعظم ما يجلو الاشكال في مسألة التكفير، والقتال لمن قَصدُه اتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وإدخالهم في أهل الردة، وسبي ذراريهم، وجعلهم معهم كما(3) صح عنهم، وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعا أنه من المسلمين. انتهى.
قلت: لا(4) أدري كيف هذا النقل ! فالذي قاله القاضي عياض اليحصبي (5) العلامة المالكي، في شرحه لمسلم المسمى بالاكمال، وقال غيره من علماء السنة وفحول الرجال: إن الذين خالفوا الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا ثلاثة أصناف:
__________
(1) في (أ): الغير. وفي (ب): المعين. كلاهما مصحقة. وظنن في (ب): بالمانع، وهو الصواب.
(2) في جميع المخطوطات: إذا. ولعل الصواب ما أثبت.
(3) في المخطوطات: ما. ولعل الصواب ما أثبت.
(4) في (أ): ولا.
(5) عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، ولي قضاء سبتة، ومولده فيها، ثم قضاء غرناطة، وتوفي بمراكش مسموما، قيل: سمه يهودي. من تصانيفه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ ط)، و (شرح صحيح مسلم ـ خ)، و (مشارق الأنوار ـ ط) مجلدان في الحديث، /31. الأعلام 5/99.

صنف عادوا إلى عبادة الأصنام.
وصنف تبعوا مسيلمة (1)، والأسود العنسي (2)، وكان كل واحد منهما ادعا النبوة قبل موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصدق مسيلمةَ أهلُ اليمامة
__________
(1) مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، متنبئ من المعمرين، وفي الأمثال: أكذب من مسيلمة. ولد ونشأ باليمامة في القرية المسماة اليوم بالجبيلة بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد، وتلقب في الجاهلية بالرحمن، وعُرف برحمان اليمامة، ولما ظهر الإسلام في غربي الجزيرة، وافتتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة ودانت له العرب، جاءه وفد من بني حنيفة، قيل: كان مسيلمة معهم إلا أنه تخلف مع الرحال خارج مكة، وهو شيخ هرم، فأسلم الوفد وذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مكان مسيلمة، فأمر له بمثل ما أمر به لهم، وقال: ليس بشرّكم مكانا، ولما رجعوا إلى ديارهم كتب مسيلمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشاً قوم يعتدون. فأجابه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وذلك في أواخر سنة (10هـ) كما في سيرة ابن هشام (3/74)، وأكثر مسيلمة من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل القضاء على فتنته، فلما انتظم الأمر لأبي بكر، انتدب له أعظم قواده خالد بن الوليد على رأس جيش قوي، هاجم ديار بني حنيفة، وصمد هؤلاء، فكانت عدة من استشهد من المسلمين على قلتهم في ذلك الحين ألفا ومائتي رجل، منهم أربعمائة وخمسون صحابيا( كما في الشذرات)، وانتهت المعركة بظفر خالد ومقتل مسيلمة سنة (12هـ)، ولا يزال في نجد وغيرها من ينتسب إلى بني حنيفة الذين تفرقوا في أنحاء الجزيرة، وكان مسيلمة ضئيل الجسم، قالوا في وصفه: كان رُوَيجلا، أصَيْغر، أخيَنس. كما في كتاب البدء والتاريخ. وقيل: اسمه هارون، ومسيلمة لقبه (كما في تاريخ الخميس)، ويقال: كان اسمه: مسلمة، وصغَّره المسلمون تحقيراً له. قال عمارة بن عقيل:

أكان مَسلمة الكذاب قال لكم ... لن تدركوا المجد حتى تغضبوا مضراً

ولهشام الكلبي النسابة (كتاب مسيلمة). سيرة ابن هشام 3/74، والروض الأنف 2،340، والكامل لابن الأثير 2/137 - 140، وفتوح البلدان للبلاذري /94 - 100، وشذرات الذهب 1/23، وتاريخ الخميس 2/157، الأعلام 7/226.
(2) عيهلة بن كعب بن عوف العنسي، ويقال عبهلة، متنبئ مشعوذ، من أهل اليمن، كان بطاشا جبارا، أسلم حين أسلم أهل اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وآله، فكان أول مرتد عن الإسلام، وادعا النبوة، وأرى قومه أعاجيب إستهواهم بها، فأتبعته مذ حج، وتغَّلب على نجران وصنعاء، واتسع سلطانه حتى غلب على ما بين حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والاحساء إلى عدن.
حرض النبي صلى الله عليه وآله على قتله، فأغتاله أحدهم، قبل موت النبي صلى الله عليه وآله بشهر واحد سنة/11هـ. وتسَمَّى: رحمان اليمامة. الكامل لأبن الأثير حوادث/ 11هـ. الأعلام 5/ 111.

وجماعة من غيرهم، وصدق الأسودَ أهلُ صنعاء وجماعة من غيرهم، فقُتل الأسود قبل وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فبقي بعض من آمن به (1)، فقاتلهم عمال أبي بكر رضي الله عنه، وأما مسيلمة فجهز إليه أبو بكر رضي الله عنه الجيوش، وكان أميرهم خالد بن الوليد، فقتلوا مسيلمة بعد حرب شديد.
وصنف ثالث استمروا على الإسلام، ولكنهم جحدوا الزكاةَ وتأولوا(2) بأنها خاصة لزمنه صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم، وهذا معروف في البخاري وغيره. وفيه أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منعه الزكاة وإنه بمنعه إياها ارتد عن الإسلام، إذ لو كان هذا رأيه وأنهم كفار، لم يطالبهم بالزكاة، بل يطالبهم بالإيمان والرجوع، ولقال لعمر رضي الله عنه لما
__________
(1) سقط من (أ): به.
(2) في (أ): وقالوا. مصحفة.

ناظره: إنهم كفار، بل قال: (( والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة )) (1). وهو صريح أن قتالهم لمنعهم(2) الزكاة، ولذا قال: (( والله لو منعوني عناقا... )) الحديث، وهذا في صحيح البخاري وغيره. وإنما قاتلهم الصديق رضي الله عنه لما أصروا على منعها، ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال، فبعث إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصروا قاتلهم ولم يكفرهم، ثم اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم: هل تُغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم كالكفار، أو لا تغنم الأموال ولا تسبى الذراري كالبغاة، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى الأول.
وذهب عمر إلى الثاني، ووافقه غيره بعد خلافته، وأرجع من كان سباهم أبو بكر، وأرجع إليهم أموالهم، كما ذكره بسنده العلامة أبو عمرو بن عبد البر في كتابه التمهيد.
قال الحافظ ابن حجر: واستمر الإجماع على رأي عمر. وقال: إن تسمية هؤلاء أهل الردة تغليبا مع الصنفين الأولين، وإلا فليسوا بكفار (3). انتهى.
وقد(4) عرفت ما في نقل الشيخ محمد [ بن عبد الوهاب ] عن ابن تيمية، وأنه مخالف لما في الصحيحين، ولما قاله العلماء، وأنه لا إجماع على تكفير مانعي
__________
(1) أخرجه البخاري 2/507(1335)، و 6/2538(6526)، , 6/2657(6855)، ومسلم 1/51(20)، وأبو داود 2/93(1556)، والترمذي 5/3(2607)، والنسائي في المجتبى 5/14(2443)، وأحمد 1/19(117)، وابن حبان 1/449(216)، والنسائي في الكبرى 2/8(2223)، والبيهقي 4/104(7116)، والطبراني في الأوسط 1/512(945)، وغيرهم.
(2) في (أ): بمنعهم.
(3) انظر القصة في فتح الباري 12/280.
(4) في (ب): وبه.

الزكاة، ولذا قلنا: إن دعواه في الإجماع على قتل الجعد بن درهم، كدعواه في إجماع الصحابة على ما ذكر، وزدناه(1) إيضاحا بقولنا:

فقد كان أصناف العصاة ثلاثة
كما قد رواه المسندون ذوو النقدِ
وقد جاهد الصديق أصنافهم ولم
يكفر منهم غير من ضل عن رشدِ

قد عرفت بما حققناه معنى البيتين، وتيقنت أن لا إجماع من الصحابة إلا على كفر أصحاب مسيلمة والعنسي، وعلى قتالهم.
وأما مانعوا(2) الزكاة فلم يكفرهم أحد من الصحابة، ولا أجمعوا على سبي ولا نهب، بل رد عمر رضي الله عنه ذلك، والشيخ محمد [ بن عبد الوهاب ] ينقل هذه الأقوال مستدلا بها على كفر من لديه من المسلمين، وغير من لديه، وإباحة الدماء والأموال، وهذه جهل لا يخفى على الجهال، فضلا عن العلماء والعقال ولذا قلنا:

وهذا لعمري غير ما أنت فيه من
تجاريك في قتلٍ لمن كان في نجدِ
فإنهم قد تابعوك على الهدى
ولم يجعلوا لله في الدين من ندِّ
وقد هجروا ما كان من بدع ومن
__________
(1) في (أ): وزدنا.
(2) في المخطوطات: مانعي.

عبادة مَن حل المقابر في اللحدِ
فمالك في سفك الدما قط حجة
خَفِ الله واحذر ما تسر وما تبدي
وعامل عباد الله باللطف وادعهم
إلى فعل ما يهدي إلى جنة الخلدِ
ورد عليهم ما سلبت فإنه
حرام ولا تغتر بالعز والجدِّ
ولا بأناسٍ حسنوا لك ما ترى
فما همهم إلا الأثاث مع النقدِ
يريدون نهب المسلمين وأخذ ما
بأيديهمُ من غير خوف ولا حدِّ
فراقب إله العرش من قبل أن تُرى
صريعا فلا شيء يفيد ولا يجدي
نعم فاعلموا أني أرى كل بدعة
ضلالا على ما قلت في ذلك العقدِ
ولا تحسبوا أني رجعت عن الذي
تضمنه نظمي القديم إلى نجدِ
بلى كلما فيه هو الحق إنما
تجاريك في سفك الدِّما ليس من قصدي
وتكفير أهل الأرض لست أقوله
كما قلته لا عن دليل به تهدي
وها أنا أبرى من فعالك في الورى

13 / 17
ع
En
A+
A-