أحدهما: ما كان منهم من الإعراض عن خلافته، وتولية غيره ممن سلف من الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر، وغرضه بقوله: (ولئن ردَّ الله عليكم أمركم) بولايتي وأن أكون إماماً لكم، إنكم لسعداء: بما يحصل لكم من الفوز والنجاة بسبب هدايتي لكم، وبيانِي لما التبس عليكم من أمور دينكم.
وثانيهما: أن يريد ما كان منهم من أمر الحكمين وميلهم عنه بترك الحرب معه، وكان رأيه ذلك ، فهاتان ميلتان عليه هم غير محمودين فيهما لمخالفتهما للأدلة الظاهرة، على خلاف ما مالوا إليه وزعموه.
(وما عليَّ إلا الْجُهْدُ): في السياسة لكم، والإصلاح لأموركم، والتصبر على مشاقكم كلها.
(ولو أشاء أن أقول لقلت): من الشكوى وإظهار العتاب بما كان من جهتكم من التسهيل في حقي وإيثار غيري بما كنت أولى به منه وأحق.
(عفا الله عما سلف): تقدم ومضى من تلك الجرائم.
ولقد كان عليه السلام صابراً لله محتسباً فيما أصابه لوجه الله تعالى[من المكاره العظيمة، والمشاق الشديدة الصعبة، تقرباً إلى الله تعالى] ، وطلباً لنيل الزلفة عند الله بإصلاح خلقه.

(172) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها من تقدم من القرون الماضية
روي عن نوف البِكالي بالنون، وبكال: قبيلة من حمير وهو رجل من أصحابه، قال: خطبنا أمير المؤمنين بهذه الخطبة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، وعليه مِدْرَعَةٌ من صوف، وحمائل سيفه من ليف، وفي رجليه نعلان من ليف؛ وكأن جبهته ثفنة بعير ، فقال:
(ال‍حمد لله الذي إليه مصائر ال‍خلق): مصائر جمع مصير وهو: المرجع وهو مصدر صار يصير، وقياسه مصار ولكنه خرج عن قياس بابه، قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَصِي‍رَكُمْ إِلَى النَّارِ }[إبراهيم:30].
(وعواقب الأمر): آخر كل شيء، كما قال تعالى: {أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِي‍رُ الأُمُورُ }[الشورى:53] وقال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ }[لقمان:22] وكأنه يشير في كلامه هذا إلى ما ذكره الله تعالى في الآيتين.
(نحمده على عظيم إحسانه): الذي لاغاية إلا وقد بلغها في العظم.
(ونيِّر برهانه): الذي هوالغاية في الوضوح والإنارة.
(ونوامي فضله وامتنانه): نما الشيء إذا زاد، وأراد ما لا ينفك عن الزيادة في الإعطاء والزيادة.
(حمداً يكون لحقه قضاءً): لما يستحقه من المدح والثناء.
(ولشكره أداء): ولما يستحقه من الشكر تأدية.
(وإلى ثوابه مقرباً): أي وليكون سبباً للقرب من نيل الثواب وأخذه؛ لأن بالحمد يستحق الثواب العظيم من جهة الله تعالى.
(ولحسن مزيده موجباً): أي وليكون موجباً للزيادة الحسنة من مزيده.
(ونستعين به استعانة راج لفضله): ونطلب الإعانة من جهته طلب من يرجو الفضل من أجل ذلك.
(مؤمل لنفعه): في جميع الأحوال كلها.
(واثق بدفعه): للشرور المصائب كلها.
(معترف له بالطول): الإحسان على الخلق.

(مذعن له بالعمل والقول): خاضع له ذليل من أجل ما يختص به من الاقتدار والبطش والقهر والا ستيلاء، بالعبادات كلها، ما كان منها قولاً، وما كان منها عملاً، فإنها إنما تُؤدَى على جهة الخضوع والإذعان، والانقياد لحكم الله وأمره.
(ونؤمن به إيمان من رجاه موقناً): ونصدِّق به تصديق من رجاه، قاطعاً في رجائه له.
(وأناب إليه مؤمناً): ورجع إليه مصدقاًبه.
(وخنع له مذعناً): الخنوع هو: الذل والخضوع والإذعان أيضاً، وهي أمور متقاربة المعاني، ويقال: اخنعتني إليك حاجة أي أخضعتني، قال الأعشى:
هُمُ الْخَضَارِمُ إِنْ غَابُوا وَإِنْ شَهِدُوا
ولا يُرَون إِلَى جَارَ اتهم خُنُعا
ذلاً ومهانة.
(وأخلص له موحداً): إذ لا إخلاص من دون توحيد.
(وعظَّمه ممجداً): التمجيد هو: نوع من التعظيم.
(ولاذ به راغباً ): أي لجأ إليه في أموره كلها، ورغب في الشيء إذا أراده وواظب على فعله، وهذه الصفات كلها منصوبة على الحال من الضمير قبلها وهي كالمؤكدة للجملة السابقة لها، ألاتراها كيف هي محققة لما تقدمها من الجمل، كقوله: (خنع له مذعناً) والإذعان هو: الخنوع، ونحو قوله: (عظمه ممجداً) لأن التمجيد هو ضرب منه، كقوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً }[البقرة:91] وكقولك : جاء زيد يضحك متهللاً وجهه، وجاء زيد يسير يخطو بقدميه، إلى غير ذلك من الأحوال التي تكون بياناً لما سبقها من الجمل.
(لم يولد سبحانه): تحتمله البطون كسائر ما حمل به في البطون.
(فيكون في العز مشارَكاً): لأنه إذا كان مولوداً كان له أب، فأبوه سابق عليه باستحقاق العز قبله فيكونان على هذا شريكين في العز، وقد تقرر بالبراهين العقلية أنه لاثاني له في العز فبطل أن يقال: بأنه مولود.

(ولم يلد فيكون موروثاً): لأنه إذا كان له أولاد فهم يرثونه لا محالة بعد موته، لأن هذا حكم من كان له أولاد، وإذا كان تعالى دائم الوجود استحال كونه موروثاً لبطلان فنائه وعدمه.
(هالكاً): يريد ميتاً؛ لأن الموت هلاك لامحالة.
(ولم يتقدمه وقت ولا زمان): لأن الوقت والزمان عبارة عن حركة الشمس والقمر، وهما حادثان بلا مرية، وهو تعالى لاأول لوجوده فلهذا بطل تقدمهما عليه .
(ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان): يختلفان عليه، والمعاورة هي: التعاقب والاختلاف، يقال: الليل والنهار يتعاوران أي يختلفان.
(بل): إضراب عمّا ذكره من هذه الأحوال.
(ظهر للعقول): تجلَّى لها وبان.
(بما أرانا من علامات التدبير المتقن): الشواهد القائمة على إحكامه، وتدبيره وإتقانه لهذه المكونات في العالم الحيوانات كلها، وسائر النباتات والثمرات، وغير ذلك مما يظهر فيه الإحكام والاتساق في عجيب تأليفه، وظهور منفعته في العالم.
(والقضاء المبرم): أبرم الأمر إذا أحكمه وأتمه، وأراد وما أبرم من الأ قضية النازلة من السماء، من الإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والقبض والبسط، والأمرو النهي، والقبول والرد {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[الأعراف:54].
(فمن شواهد خلقه): فمن الأدلة الشاهدة على وجوده وتوحيده جميع ما خلق وأتقن، ومن أعظم ذلك:
(خلق السماوات موطدات) مثبتات، من قولهم: وطَّد الأمر إذا أثبته.
(بلا عمد): من غير عمد تقيمها على عظم انبساطها، وسعة دورها.
(قائمات) مستويات.
(بلا سند): تكون معتمدة عليه في استقامتها.

(دعاهن): حيث قال تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً }[فصلت:11].
(فأجبن طائعات): حيث قال : {أَتَيْنَا طَائِعِينَ }[فصلت:11].
(مذعنات): خاضعات لأمره وحكمه.
(غير متلكئات): متثاقلات عن أمره.
(ولا مبطئآت ): من أبطأ في أمره إذا تأنَّى فيه وتأخَّر عن تحصيله وإيجاده.
(ولولا إقرارهنَّ له بالربوبية): فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون ذلك على جهة المجاز، فلظهور الدلالة فيهنَّ على الربوبية، كأنهنَّ يصرِّحن بالربوبية وينطقن بها.
وثانيهما: أن يكون من رآهنَّ أقرَّ بها ونطق، ونسب الإقرار إليهنَّ تجوُّزاً واستعارة.
(وإذعانهن ): خضوعهن.
(بالطواعية): هي: الطاعة والانقياد لأمره، كالكراهية من الكراهة.
(لما جعلهنَّ موضعاً لعرشه): مكاناً ومستقراً.
(ولا مسكناً لملائكته): يسكنون فيها، ويستقرون عليها للعبادة.
(ولا مصعداً للكلم الطيب): التسبيح والتحميد، وأنواع الذكر والتلاوة للكتاب ودرسه.
(والعمل الصالح من خلقه): وبالأعمال الصالحة المقصود بها وجه الله تعالى، فلم تكن أهلاً لما ذكره من هذه الفضائل، إلا لمكان ما حصل منها من الإقرار بالتوحيد له وإذعانها بالربوبية.
اللَّهُمَّ، نوِّر قلوبنا بالإيمان بك، وارفع درجاتنا بالاعتراف بتوحيدك.
(جعل نجومها أعلاماً): دلالات ظاهرة.
(يستدل بها الْحَيْرَان): المتحيِّر في طريقه عن السلوك.
(في مختلف فجاج الأقطار): حيث يختلفون في واسعات الطرق وفجاجها، والأقطار جمع قطر وهي: جوانب الأرض ونواحيها.
(لم يمنع ضوء نورها): يكفّه ويحجبه:

(ادْلِهْمَامُ سُجفِ الليل المظلم ): السُّجُفُ: الستر، وادلهمَّ الليل إذا أظلم، وأراد أن أنوارها لا تقدر لقلتها على كفّ ظلمة الليل، ومنع أستاره عن الإظلام.
(ولا استطاعت جلابيب): واحدها جلباب، وهو: ضرب من الثياب.
(سواد الحنادس): الحندس: شدة الظلام.
(أن ترد ما شاع في السماوات من تلألؤ نورالقمر): تلألأ البرق إذا لمع، وأراد أن ظلمة الليل وسواده، لا تكفّ نور القمر الذاهب المنبسط في السماوات كلها، فحاصل كلامه أن أنوار النجوم ودراريها لا تكفّ ظلمة الليل ثم تكون غالبة لها، فإن الظلمة في الليل لا تقدر على كفّ نور القمر، بل يكون هو الغالب لها والقاهر لظلامه.
(فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج) الغسق: الظلمة، ودجا الليل إذا اشتدت ظلمته أيضاً، وغرضه أنه لا تخفى على علمه خافية في شدة ظلام الليل وغسقه.
(ولا ليل ساج): سجا الليل إذا سكن بما فيه.
(في بقاع الأرضين): أماكنها، ومواضع مستقراتها.
(المتطأطئات) الطأطأ من الأرض: هو ما انهبط وكان منخفضاً، وطأطأ رأسه إذا خفضه، والأرضين: جمع أرض، وقياسها أرضات؛ لأنها مؤنثة، ولكنهم جمعوها بالواو والنون عوضاً عمَّا حذف منها من التاء، كما جمعوا ما حذف لامه بالواو والنون نحو: قلون وثبون، وفتحوا الراء في أرضون لئلا يظن أنه جمع سلامة على التحقيق ، والبقاع بالقاف: جمع بقعة وهي القطعة من الأرض.
(ولا في يَفَاعِ السُّفْعِ المتجاورات): الْيَفَاعُ بالفاء: ما ارتفع وعلا، و السُّفعة بالضم وبالسين بثلاث من أسفلها: هي سواد مشرب بحمرة، ويقال للحمامة: سفعاء لما في عينها من ذلك اللون، والمتجاورات: التي يتلو بعضها بعضاً في التلاصق.

(وما يتجلجل به الرعد) الجلجلة: هي صوت الرعد.
(في أفق السماء): جانبها ونواحيها.
(وما تلاشت عليه بروق الغمام): اشتملت عليه من السحاب المتراكم.
(وما تسقط من ورقة): تزول عن مغرزها ومستقرها.
(تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء): العصف: اشتداد هبوب الريح، والأنواء: جمع نوء، وهو مهموز يكون عبارة عن سقوط نجم من المنازل القمرية في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ثلاثة عشر يوماً، وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة ما خلا جبهة الأسد فإن لها في منزلتها أربعة عشر يوماً ، قال أبو عبيد: ولم يسمع في النوء أنه سقوط إلا في هذا الموضع، وكانت العرب تضيف الأمطار، والرياح، والحر، والبرد إلى الساقط منها ، وقال الأصمعي: إلى الطالع منها في سلطانه.
(وانهطال السماء): سكبها للماء.
(ويعلم مسقَط القطرة): زمان سقوطها، ومكان سقوطها، ونفس سقوطها، وعلى أي حالة تكون، وهو بفتح القاف في ذلك كله.
(ومقرها): مكان استقرارها من الأرض في جبل، أوشجر، أو مدر.
(ومسحب الذرة ومجرَّها): مكان ما تسحبه وتجرُّه من أرزاقها.
(وما يكفي البعوضة من قوتها) البعوضة: ذباب وقد مرَّ تفسيره، والقوت: ما يقتاته الإنسان من أنواع الرزق.
(وما تحمل من أنثى في بطنها): من الأجنة على اختلاف أحوالها.
(والحمد لله الكائن): تكرير للحمد، ومبالغة في ذكره في أول الصدر من الخطبة ووسطها وآخرها، الكائن: أي الثابت:

(قبل أن يكون كرسي، أو سماء، أو أرض، أو عرش، أو جان، أو إنس): يعني أن الله تعالى كائن وموجود قبل وجود هذه الأشياء كلها، وإنما خصَّها بالذكر؛ لأنها هي أعظم المخلوقات وأكبرها؛ لأنها كلها حادثة بعد أن لم تكن، وهو تعالى أزلي الوجود لا أول له، ولا نهاية لوجوده.
(لا يدرك بوهم): يريد أن حقيقته بعيدة عن الأوهام من أن تدركها.
(ولا يقدَّر بفهم): أي ولا يطلع على حقيقة ذاته فهم من الأفهام كلها على اختلافها.
(ولا يشغله سائل): بسؤاله وإن عظم وكثر.
(ولا ينقصه نائل): النائل هو: النول وهو: العطاء.
(ولا يدرك بعين): بحاسة بصر.
(ولا يُحدُّ بأين): بجهة من الجهات ولامكان من الأمكنة، فيكون حاصراً له محيطاً به.
(ولا يوصف بالأزواج): أي لا يقال: له زوج؛ لأن الأزواج هي الأنواع، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا }[يس:36] وهي متجانسة، والله تعالى لا يشبهه شيء من الأشياء فيكون زوجاً لها، وقال تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }[ق:7].
(ولا يَخْلُقُ بعلاج): يوجد المخلوقات كلها بمعالجة لها وأدوات وآلات، وإنما هو الاختراع والتكوين من غير آلة.
(ولا يدرك بالحواس): رؤية، ولمساً، وشماً، ومذاقاً، وسمعاً؛ لأن هذه الحواس إنما تدرك بها الأشباح الجسمية، والأمور العرضية، ولقد تهالك في الحمق وأغرق في الوقاحة من قال من الأشعرية: إن الله تعالى مدرك بهذه الحواس كلها.
(ولا يقاس بالناس): في شيء من أحوالهم كلها؛ لأجل المباينة والمخالفة الكلية.
(الذي كلَّم موسى تكليما): يريد من غير واسطة، بل خلق الكلام، وسمعه موسى من غير وساطة أحد من الملائكة، وكانت هذه خاصة لموسى عليه السلام.

(وأراه من آياته عظيماً): نحو العصا، وفلق البحر، واليد البيضاء وغير ذلك من المعجزات الباهرة.
(بلا جوارح): الباء هذه متعلقة بقوله: وكلَّم الله، بلا جوارح أي من غير آلة للكلام.
سؤال؛ إذا كانت الباء متعلقة بقوله: كلَّم، فكيف جاز العطف قبل تمام الموصول بذكرمتعلقاته، وقد عطف بقوله: وأراه قبل التمام؟
وجوابه؛ هو أن قوله: وأراه، عطف على الصلة لاغير، والمحذور عند النحاة إنما هو العطف على الموصول قبل تمامه بذكر متعلقاته، فأما العطف على الصلة فهذا جائز، كقولك: الذي مررت به وقام ضاحكاً زيد، ويكون ضاحكاً حال من الضمير في به، وإنما الممتنع الذي مررت به، والذي جاءني ضاحكاً زيد على أن يكون ضاحكاً حالٌ من المجرور؛ لأنه عطف على الموصول قبل التمام بمتعلقاته.
(ولا أدوات) الأداة: هي الآلة في كل شيء كاليد للكتابة، والرجل للمشي، واللسان للكلام.
(ولا نطق): ولا لسان ينطق به.
(ولا لهوات): جمع لهاة، وهي: المضغة المطبقة في أقصى سقف الفم.
(بل): إضراب عمَّا ذكره أولاً من أنه لا يوصف بهذه الصفات.
(إن كنت صادقاً أيها المتكلف لوصف ربك): في وصف الله تعالى وبلوغ كُنْهِ حقيقة ذاته، وغاية صفاته.
(فصف جبريل): على عظم خلقه، وشدة قوته وبطشه، وما أعطاه الله من القوة.
(أو ميكائيل): وهو من حملة العرش، المخلوق للرحمة والرأفة.
(وجنود الملائكة المقرَّبين): من رحمة الله ورأفته، وكريم منزلته، وعظيم الزلفة عنده.
(في حجرات القدس مُرْجَحنِّيْن): مواضع العظمة والتقديس والجلال، وارجحن إذا اهتز، وأراد أنهم مهتزون لما أعطاهم الله من الكرامة، وجلال العظمة لخوفه وعبادته.
(متولهة قلوبهم ): متحيرة عقولهم، وذاهلة أفهامهم وحلومهم:

(عن أن يحدوا أحسن ال‍خالقين): يقفوا على كُنْهِ حده، ونهاية حقيقته، وهذا كله إفحام لمن يزعم أنه يعرف حقيقة ذات الله، وأنه مطلع عليها، وقد مرَّ هذا الكلام بغير هذه العبارة، وحاصله إذا كنت يا هذا عاجزاً عن وصف بعض المخلوقات المكونة، وذاهلاً عن تكييفها، ومعرفة حقائقها، فكيف حال الخالق لها، أنت عن ذاك أبعد!
(وإنما يدرك بالصفات ذو الهيئات): يريد وإنما تكون الطريق إلى معرفة الشيء بصفاته من كان ذا هيئة بشكل مخصوص، ولون مخصوص من الأجسام.
(والأدوات): ومن كان يختص بالآلة في فعله لشيء من الأفعال، فأما من كان على خلاف هذه الحالة فلا يمكن الوصول إلى كُنْهِ حقيقته.
(ومن ينقضي إذا بلغ أمدَّ حدِّه بالفناء): ومن يكون زائلاً إذا بلغ مقدار أجله في الحياة بالموت والزوال، وهو الجسم.
(فلا إله إلا هو): يريد أنه إنما يستحق الإلهية والانفراد بالوحدانية لمكان تميّزه عن هذه الأشخاص، ومخالفة هذه الأجسام، ولهذا جاءت الفاء دالة على أن استحقاقه للإلهية كالمسبب عمَّا ذكره من اختصاصه بالصفات العالية، فجاء بالفاء دالاً بها على ذلك.
(أضاء بنوره كل ظلام، وأظلم بظلمته كل نور): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد هذه الأنوار، فإن الشمس والقمر إذا طلعتا أضاء بهما كل مظلم من أماكن الدنيا، وإذا غربتا ذهبت الأنوار كلها وبطلت وتلاشت، فقد أنار بهما كل ظلام عند طلوعهما، وأظلم عند غروبهما كل نور.

97 / 194
ع
En
A+
A-