وثانيهما: أن يكون كناية في حال المؤمن وهو أنه على حالة واحدة مستقيم على الطريقة المحمودة، لا يختلف حاله في أمر من الأمور. (فقد جربتم الأمور وضرستموها): خبرتموها، وأحكمتم أمرها، ومنه قولهم: رجل مضرس إذاكان محكماً للتجارب.
(ووعظتم بمن كان قبلكم): من الأمم والقرون الخالية.
(وضربت لكم الأمثال): من أجل الا تعاظ بها، والتيقظ لأحوالها.
(ودعيتم إلى الأمر الواضح): من التزام الدين، والرعاية لأحكامه وحدوده.
(فلا يصمُّ عن ذلك): يعرض عنه كأنه لا يسمع، وبه صمم عن سماعه.
(إلا أصم): لا يسمع أبداً.
(ولا يعمى عن ذلك ): لوضوحه، واستقامته.
(إلا أعمى): مستحكم العمى.
(ومن لم ينفعه الله بالبلاءوالتجارب): أراد أنه إذا لم يكن متيقظاً بما يوصله الله إليه من البلاوي، ويقرع سمعه من اختبار الأمور وتكريرها على أذنه.
(لم ينتفع بشيء من العظة): إما لأن التجارب أدخل في النفع، فإذا لم ينتفع بالأعلى لم يكن منتفعاً بالأدنى، وإما أن يريد أن التجارب إنما تكون من جهة نفسه، والموعظة من جهة غيره، ومن لم ينتفع بما يكون من نفسه لاختصاصه به لم ينتفع بما يكون من جهة الغير.
(وأتاه التقصير من أمامه): مما يكون مستقبلاً له في القيامة.
(حتى يعرف ما أنكر، وينكر ما عرف): يريد أنه إذا شاهد ذلك اليوم وتحقق ما فيه من العظائم، وتحقيق الأحوال كلها، فإنه يعرف ما أنكره من المواعظ ومخالفة التجارب، وينكر ما عرف من التقصير والتفريط.
(والناس ): على كثرتهم واختلاف أجناسهم.
(رجلان: متبع شرعة): طريقة، قال الله تعالى: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً }[المائدة:48] أي طريقة ينتهجها ويسلكها.
(ومبتدع بدعة): مخترعها ومنشئها.

(ليس معه من الله برهان سنة): يوضح ما هو عليه، وماجاءبه، ويكون دلالة عليها.
(ولا ضياء حجة): ولا حجة ظاهرة يستضيء بها.
(وإن الله لم يعظ أحداً قط ): بشيء من المواعظ الحسنة.
(بمثل هذا القرآن): لما فيه من البلاغ الظاهر، والوعظ الشافي الزاجر.
(فإنه حبل الله المتين): القوي الذي لا ينقطع من تمسك به، ولا يهي أمره.
(وسببه الأمين): الْوُصْلَةُ التي بينه وبين الخلق، المؤتمن على كل أمر في أخباره وسائر أحواله وما دلَّت عليه علومه.
(وفيه ربيع القلب ): لما كان الربيع هو خيار الأزمنة وأعلاها نفعاً، شبَّهه بها من أجل ذلك، يريد أنه بمنزلة الربيع للأرض يحييها بالنبات، فهكذا القرآن تحيا به القلوب عن موت الجهل.
(وينابيع العلم): الواحد منها ينبوع وهو: عين الماء وأصله.
(ماء القلب ): أي هو بمنزلة الماء للقلب، فكما أن الماء يحيا به كل شيء، فهكذا القرآن يحيا به كل جهل ويستقيم به كل معوج.
(جلاء غيره): من الشبهات كلها، وإنما جعله ماء للقلب وجلاء لغير القلب لما يختص الماء من الحياة، ولمكان موقعه منه، فلا جرم سماه ماءً للقلب، وجعله يحيا به، وما عداه فهو جلاء له كالأعمال وسائر التصرفات، فإن القرآن جلاء لها عن الرياء وإبعاد لها عن الشك، وغير ذلك من العاهات، فهذا على ما وصفته من حال القرآن، وما يختص به من هذه الفضائل.
(مع أنه قد ذهب المتذكرون): به لأمور الآخرة.
(وبقي الناسون): لأحكامه وعلومه.
(والمتناسون لها ): فالناسي: هو الذي يغفل التذكر، فيحصل النسيان من جهة الله تعالى عادة لإغفال أسباب التذكر، وأما المتناسي فهو الذي ليس ناسياً وإنما ترك أحكامه عمداً وتساهلاً، فهو مثل الناسي في إهمالها وإطراحها.

سؤال؛ ما فائدة المعية هاهنا ومامعناها؟
وجوابه؛ هو أن فائد ة الكلام ومعناه هو أنه قد حصل هاهنا أمران:
اختصاص القرآن بحياة القلوب وجلاء الأبصار، وذهاب المتذكرين به، وفي ذلك عظم المحنة وتأكد البلوى.
(فإذا رأيتم خيراً فأعينوا عليه): نوعاً من أنواع الخيرفكونوا من الداعين إليه، والمعينين على فعله.
(وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه): نوعاً من أنواع الشر وأسبابه وطرقه، فانصرفوا عن فعله والدعاء إليه، ثم حكى ما قاله الرسول عليه السلام في ذلك، بقوله:
(فإن الن‍ب‍ي عليه السلام كان يقول: ((يا ابن آدم، اعمل الخير ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد))): يعني جيد الفعل، قاصد إلى الخير وإلى العمل به.
(ألا وإن الظلم ثلاثة): أراد الظلم فيما بين الخلق.
(ظلم لا يغفر، وظلم لايترك، وظلم مغفور لا يطلب): فهو على هذه الأقسام الثلاثة، ثم أخذ عليه السلام في تفاصيلها بقوله:
(فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48]): ومراده بما قاله أنه لا يغفر من دون توبة وهذا باتفاق المرجئة، وجميع من خالف في غفران الكبائر من دون التوبة، فإنه قد وافقنا على أن الشرك وسائر الخصال الكفرية لا تغفر إلا بالتوبة، وإنما الخلاف في الكبائر الفسقية الصادرة من أهل الصلاة هل تغفر من دون توبة أم لا؟ فعندنا وهو قول المعتزلة: إنها لا تغفر إلا بالتوبة، وعند سائر فرق المرجئة: إنها مغفورة من دون توبة.

(والظلم الذي لا يترك ظلم العباد بعضهم لبعض ): فإن الله تعالى لا يغفره ولا بد من المؤاخذة عليه، وهذا نحو التظالم فيما بين الخلق في الأعراض والأموال، والغيبة والنميمة، وغير ذلك من المعاصي فإنه وإن تاب إلى الله في ذلك، فهي غير مغفورة ولا بد من الاعتذار إلى المجني عليه، وذلك لأن للمعصية وجهين وجهتين:
فجهة كونها معصية لله تعالى وهذه تصح التوبة منها.
وجهة كونها إساءة وهذه لا بد فيها من الاعتذار، ولا تكفي التوبة عن كونها معصية، بل لا بد من رفع جانب الإساءة بالاعتذار، فلهذا قال عليه السلام: (ذنب لا يترك).
(وأما الظلم الذي يغفر): يريد من دون توبة.
(فظلم العبد نفسه عند بعض الْهَنَاتِ): واحدها هَنَةٌ، وأراد بالهنات الأشياء القبيحة، وغرضه من هذا جميع الصغائر فإنها مغفورة، وعقابها مكفّر في جنب ما له من الثواب من دون توبة، ويجوز أن يكون مراده من ذلك كل ذنب لم يذكرالله تعالىفيه حداً ولاعقاباً، وهو الذي يقع فيه الإنسان الحين بعد الحين، وفي الحديث: ((لا يزال المؤمن يواقع الذنب الفينة بعد الفينة ))، فلا يبعد في هذه المعاصي أن يغفرها الله تعالى من دون توبة، وهذا هو المراد من قوله تعالى : {كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ }[النجم:32]، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً عمّا قبله، وعلى هذا يكون معناه الذين لا يواقعون ما يعذبون عليه، لكن اللمم ربما صدر من جهتهم، فيغفره الله تعالى، ويجوز أن تكون إلا صفة ولا تكون استثناء، ويكون معناها كبائر الإثم غير اللمم، أو يكون عطف بيان على كبائر الإثم.

(القصاص هناك شديد): في غاية الصعوبة وقوله: هناك، إشارة إلى الأمكنة، وأراد موضع القيامة وحيث تكون المقاصة؛ لما فيه من التحفظ والمبالغة في العدل والاستيفاء، كما قال بعضهم: وأصعب ما فيه أن يعدل الحاكم.
(ليس هو جرحاً بالمُدَى): كما يكون في الدنيا، والضمير للقصاص، والْمُدَى جمع مدية، وهي: السكين.
(ولا ضرباً بالسياط): فَيُضْرَب من ضَرَبَ، ويُجْرَح من جَرَحَ فيكون الحال فيه يسيراً.
(ولكنه ما يستصغر ذلك معه): أي يكون صغيراً في جنبه وبالإضافة إليه، وأراد من ذلك هو المقاصّة بالأعواض وأخذها من الظالم، وتوفيرها على المظلوم؛ لأن الثواب يستحيل توفيره على من ليس من أهله، ولا يعقل هناك شيء سوى هذه الأعواض، وهذا هو رأي النظار من المتكلمين وعليه تعويلهم في ذلك، خلافاً لبعض الظاهرية من أهل الحديث زعموا أن المقاصَّة تكون بالثواب، وإنما قال: إنه يستصغر في جنبه غيره؛ لما فيه من فوات المنافع العظيمة على صاحبها، وتقليلها في حقه بتوفيرها على غيره قصاصاً، فلهذا يعظم فواتها عليه.
(فإياكم والتلون في دين الله): يريد الاختلاف فيه وإظهار شيء وإبطان غيره، وهو من قولهم: فلان يتلون ألواناً إذا كان لا يقف على خلق واحد.
(فإن جماعة فيما تكرهون من الحق): يعني أن الاجتماع على الحق وإن كان فيه مشقة وألم على النفوس:
(خير من فرقة فيما تحبون من الباطل): أي أقرب إلى الله وأعظم في الدين من الا فتراق وإن كان فيه سهولة على النفوس، ولذة لها، فإن الحق لا يزال مكروها منفراً إلى النفوس، والباطل لا يزال محبوباً مشتهى إلى النفوس.
(وإن الله لم يعط أحداً بفرقة خيراً): ثواباً في الآخرة، وتمكن بسطة في الدنيا.

(ممن مضى): من الأمم والقرون الماضية.
(ولا ممن بقي): ممن يأتي بعدكم، وممن هو الآن حاصل.
(ياأيها الناس): خطاب عام، ويجوز أن يكون لمن يخاطبه من أهل وقته.
(طوبى): فُعلى بضم الفاء من الطيب والواو فيها منقلبة عن ياء، لكنها قلبت واواً لانضمام ما قبلها، نحو مؤمن، فيقال، طوبى له وطوباه، ولا يقال: طوبية، قال الله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }[الرعد:29] وقيل: هي شجرة في الجنة .
(لمن شغله عيبه عن عيوب الناس!): أي النظر في إصلاحه وعلاجه، عن أن يكون عائباً للناس مغتاباً لهم، كثير النقص لأحوالهم، وفي الحديث: ((يرى أحدكم القذى في عين صاحبه، ولا يرى الجذع في عينه)) وغرضه من ذلك هو أنه يستكثر عيب غيره ويستقل عيب نفسه.
(وطوبى لمن لزم بيته): وكفَّ عن الخروج إلى المعاصي ونقل الإقدام إلى الآثام، والسعي بين الناس والإغراء فيما بينهم.
(وأكل قوته): ما رز قه الله تعالى، ولم يخلطه بغيره مما يكون أكله مكروهاً.
(واشتغل بطاعة ربه): وكان مشغولاً بتأدية ما كلفه الله تعالى، وطلبه منه فعلاً أو كفاً.
(وبكى على خطيئته): خوفاً من عقابها، والوقوف بين يدي الله، والخزي عنده بارتكابها.
(وكان من نفسه في شغل): أي وكان شاغلاً لنفسه عن غيرها بالإقبال على ما هو عليه من إصلاح دينه ودنياه.
(والناس منه في راحة): في أعراضهم وأموالهم لا يتعرض لها، وفي الحديث: ((المؤمن من نفسه في تعب، والناس منه في راحة )) .
فانظر إلى عجيب هذه الخطبة، واشتمالها على هذه الرقائق، واحتوائها على مكنون هذه الحقائق، من المواعظ والآداب البالغة، وذكر حال الآخرة.

(171) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها الدنيا
(لا يشغله شأن): هو الأمر والحال، قال الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }[الرحمن:29] ويختص بالأمور الهائلة، ولهذا فإن من يأكل لقمة لا يقال: هو في شأن، ويقال لمن يدبِّر أمر الخلافة والحروب: هو في شأن، وأراد أنه لا يشتغل بتدبير أمر عمَّا سواه من الأموركلها.
(ولا يغيِّره زمان): يُخْلِقُه ويُذْهِب جِدَّته، كما يفعل بغيره من سائرالممكنات كلها بالإذهاب والإبطال لأحوالها.
(ولا يحويه مكان): يحتوي عليه إذ لوكان محتوياً له لكان حاصلاً فيه، وهذا إنما يكون في حق الأجسام، وهو تعالى منزَّه عن الجسمية وتوابعها من الكون في الأماكن، والحصول في الأحياز والجهات.
(ولا يصفه لسان): بالاحتواء على صفاته وحصرها والإحاطة بها.
(ولا يعزب عنه عدد): من الأعداد غير المتناهية، لإحاطة علمه بها واشتماله عليها، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
(قطر الماء): ما يفترق من أجزائه في الأرض.
(ولا نجوم السماء): في الإحاطة بأعدادها وكمياتها، واختلاف مطالعهاوجريها في أفلاكها، واختلاف سيرها.
(ولا سوافي الريح في الهواء): أراد إما ما تحمله في الترب وتسفي به في الهواء، وإما مجاريها واختلاف مهابها وعصفها، واشتداد هبوبها.
(ولادبيب النمل على الصفا): مدبُّ النمل ودبيبه هو: سيره، وكل ماشٍ على وجه الأرض فهو دابٌّ، وخص ذلك؛ لأنه يجري كثيراً في كتاب الله ذكر النملة، وعلى الألسنة، وإلاففي معلومات الله ما هو أخفى من سير النملة وأدقّ وأغمض، فسبحان من أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً.

(ولا مقيل الذرة في الليلة الظلماء): القائلة: هي الظهيرة، يقال: أتانا عند القائلة، يقال فيه: قال يَقِيْلُ قَيْلُوْلَةً وقَيْلاً ومَقِيلاًوهو خارج عن قياس بابه، وقياسه مقالاً أي يعلمها، ويجوز أن يريد بذلك موضع القائلة بها فيكون جارياً على القياس.
(يعلم مساقط الأوراق): أي كل ورقة تسقط من منبتها.
(وخفي طرف الأحداق): وما يخفى من تحريك الأجفان للعيون في لحظها.
(وأشهد أن لا إله إلا الله غير معدول به ولا مشكوك فيه ): انتصاب غير على الحال من اسم الله أي لا معدولاً به إلى غيره في الإلهية، كما قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }[الأنعام:1] والمعنى غير معدول أي غير مكفور، أو غير معدول لا يساوى به أحد غيره.
(ولا مكفور دينه): أي ولا هو مكفور دينه بالرد والإنكار.
(ولامجحود تكوينه): ولا مُنكر ما يكوِّنه ويُوجده، فسوى عليه السلام بين جحد الخلق وجحد الدين في أن الا عتراف بهما حق وأنه واجب، وفي هذا دلالة على إكفار من زعم أن إيجاد هذه المكونات العالمية بوسائط، وأن الله تعالى غير فاعل لهابنفسه، كالزروع والثمرات، وتكوين الأجنة، وغير ذلك من الآثار؛ لأن ظواهر الشرع ونصوصه دالَّة على أن الله تعالى هو الفاعل لها والموجد.
(شهادة من صدقت نيته): في جميع ما يفعله من الواجبات، والأمور المقربة إلى الله تعالى.
(وصفت دُخلته): الدخلة بضم الفاء هي: باطن الأمر وسره، يقال: أنا عالم بدُخلته أي باطن سره وأمره، وأراد شهادة من صفا باطن أمره.
(وخلص يقينه): عن الشك والارتياب، أي فيما كان متيقناًله من علوم الدين .
(وثقلت موازينه): بأعمال الخير في القيامة.

(وأشهد أن محمداً عبده ورسوله): المجعول عبداً لله ومرسلاً من جهته.
(المجتبى من خلائقه): بالرسالة والاصطفاء.
(والمعتام): بالعين المهملة المختار، ومنه العيمة وهي: خيار المال وأنفسه.
(لشرح حقائقه): من أجل إيضاح الحقائق الدينية، والحكم الدنيوية.
(والمختص بعقائل كراماته ): العقيلة من كل شيء: أكرمه وخياره، وأراد أن الله تعالى خصَّه إما بأعظم المعجزات وهو القرآن فإنه باقٍ على ممر الدهور، وإما بأنفس الكرامات وهو بعثه للمقام المحمود، وإعطاؤه الشفاعة، كل ذلك من بين سائر الأنبياء يختص به.
(والمصطفى لكرائم رسالاته): أعظمها وأعلاها.
(والموضحة به أعلام الهدى): طرقه ومناهجه.
(والمجلو به غِرْبِيْبُ العمى): أي شديد السواد ومعظمه.
(أيها الناس، إن الدنيا تغر المؤمِّل لها): تخدع الراجي لها بالأماني الكاذبة والزخارف الباطلة.
(المخلد إليها): الراكن عليها، من قولهم: أخلد إليه إذا ركن واطمأن، قال الله تعالى: {أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ }[الأعراف:176].
(ولا تَنْفَسُ من نافس فيها): أي ولا ترفه، من التنفيس وهو: الترفيه على من نافس فيها، أي رغب.
(وتَغْلِبُ): تقهر بالموت والفناء.
(على من غلب عليها): من حازها وملك فيها.
(وايم الله): جمع يمين، أي وايمن الله قسمي.
(ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش): أي في نعمة وعافية، وأمن ولذة.
(فزال عنهم): ذلك النعيم بشيء من الأسباب .

(إلا بذنوب اجترحوها): بمعاصي اكتسبوها، وفعلوها وشغلوا نفوسهم بها، ومصداق ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال:53] بفعل السيئات، وارتكاب المعاصي المهلكة؛
(لأن الله ليس بظلام للعبيد): أراد أنه إذا أعطاهم هذه النعم، فلا وجه لسلبها منهم من غير جريمة؛ لأن الداعي إلى الإحسان حاصل وهو: التفضل بالجود، فلولا ما ذكره من هذه المعاصي وارتكابها لما كان لنزعها وجه لما ذكرناه.
(ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم): العذاب الشديد بأخذ النفوس، واجتياح الأموال، وغير ذلك من النقمات.
(وتزول عنهم النعم): ما خوَّلهم الله وأعطاهم من عظائم النعم كلها.
(فزعوا إلى الله ): لجأوا إلى الله تعالى، وأنابوا إليه.
(بصدق من نياتهم): الباء ها هنا للحال، أي صادقين فيما نووه وتقربوا به إليه.
(ووله من قلوبهم): حيرة وذهول فيما ألم بهم من ذلك.
(لرد الله عليهم): مما سلبه منهم، وأوصل إليهم.
(كل شارد): كل ما ذهب عنهم من تلك النعم.
(وأصلح لهم كل فاسد): من أمورهم وأحوالهم.
(وإني لأخشى عليكم): أخاف وأشفق.
(أن تكونوا في فَترة): ضعف ووهن في عقائدكم، وأحوال دينكم كلها.
(وقد كانت أمور قد مضت): تقدم حالها.
(ملتم فيها ميلة): عن الحق وعدلتم عنه عدولاً ظاهراً.
(كنتم فيها غير محمودين عندي ): غير مشكورين لمخالفتكم الحق فيها، وميلكم إلى سواه.
(ولئن رد الله عليكم أمركم إنكم لسعداء): فيه وجهان:

96 / 194
ع
En
A+
A-