الذين استمرو ا على البغي والخلاف والشقاق، وهؤلاء هم معاوية وأحزابه من أهل الشام، والخوارج وأهل النهروان.
واعلم: أنه لا قائل من الأمة بالوقف في حاله، وحال الخوارج لظهورأمرهم في البغي والخلاف، وإن كان في الأمة من وقف في حاله وحال معاوية، وهذا جهل بما ذكرناه في حاله مع طلحة، والزبير وعائشة، ثم ما روي في حال عمار، أنه قال: ((تقتلك ياعمار الفئة الباغية )) وسبب ذلك أنه كان يحمل الْلبْنَ والتراب في عمارة مسجد رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم] يوم قدومه من مكة، فقال عمار: يا رسول الله، قتلوني حمَّلوني اللّبْنَ، فأقبل الرسول عليه السلام ينفض وفرته من التراب والغبار، ثم قال له: ((ويح ابن سمية!، ليسوا بقاتليك، إنما تقتلك الفئة الباغية )) .
وحكي أن عماراً قال يوم صفين: الرواح إلى الجنة، يحثُّ أصحابه على القتال .
وحكي عنه أنه قال: ادفنوني في ثيابي، فإني رجل مخاصم. فهذه حال من حاربه.
الفريق الثاني:
الذين تخلفوا عنه بترك المبايعة من غير قتال له ولا محاربة، وهؤلاء هم: عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، فهؤلاء قد تخلفوا عنه من غيرمحاربة منهم له، ولا خروج عليه لطرؤ الشبهة عليهم في حرب أهل القبلة، فإن كان أميرالمؤمنين طلب منهم الخروج معه للجهاد فتخلفوا، فقد أثموا لا محالة لمخالفتهم لأمره، والله أعلم بحال هذا الإثم أين يبلغ بهم، وإن كان لم يطلب منهم ذاك ، فالجهاد من فروض الكفاية فلا وجه لتأثيمهم من غير أن يطلب منهم الخروج، ثم هم صنفان:
فالصنف الأول:
منهم: من ندم على تخلفه عن أمير المؤمنين، وترك الجهاد معه، وهذا هو ابن عمر، فإنه حكى عنه سعيد بن جبير أنه قال له: يا ابن الدهماء، أما إني لا آسى على فراق الدنيا إلا على ظمأ الهواجر، وألاَّ أكون قاتلت الفئة الباغية .
وروى الزهري أنه قال: لما بويع لمعاوية قال: من أحق بهذا الأمر مني؟ فقال ابن عمر: من ضربك وأباك عليه .
الصنف الثاني:
الذين استمرت بهم الشبهة، وهم من ذكرناه غيرابن عمر، فإن أمير المؤمنين تركهم على حالهم ، ولم يضيِّق عليهم في الخروج معه؛ لاستغنائه بغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وحكي عن أمير المؤمنين أن قال:
(والله ما لمن فارق الحق عندي إلا ضرب العنق) .
وحكي عنه أن قال لأصحاب النبي عليه السلام: (أنشدكم بالله، هل ترونني عادلاً)؟ قالوا: لو غيرذلك رأيناك لقوَّمناك بأسيافنا.
فقال: (الحمد لله الذي جعلني بين قوم، إذا أردت الميل من الحق قوَّموني بأسيافهم) .
ولله درُّهم جميعاً فما أقوى عزائمهم على الدين وأمضى شباهم فيه!، فانظر إلى إمامهم ما أكبر تواضعه للحق وإنصافه، وانظر إلى هؤلاء الأتباع في تركهم المداهنة في الدين، والمصانعة فيه، ومن هذه حاله ينعش الله به الدين، ويقوِّي به قواعده ، فإذا كان حالهم هذه مع أمير المؤمنين في الصلابة، والتشدد به في ذات الله من إظهار النصيحة، والقوة على الأمر، والشدة فيه والعزم، وتوطين النفس على ألاَّ تأخذهم في الله من لائم ملامة، فكيف حالهم فيمن رأوا منه ما ينكرونه من مخالفة الدين وابتغاء الدنيا، هم لا محالة أشد في الإنكار!، وأبلغ في الإعراض عنه والازورار!.
(166) ومن كلام [له] عليه السلام في ذم أصحابه
(أحمد الله على ما قضى من أمر): أي فرغ من قضائه، من قولهم: قضيت حاجتي إذا فرغت منها، فإن الله تعالى قد فرغ من قضائه للأمور كلها.
(وقدَّر من فعل): وأحكم الأفعال كلها من جميع مايصدر منه.
سؤال؛ أراه خصَّ القضاء بالأمر وخصَّ التقدير بالأفعال، وكل واحد منهما يمكن اختصاصه بالقضاء والقدر، ولم يقل: أحمد على ما قضى وقدَّر من أمر وفعل، فما وجهه؟
وجوابه؛ هو أن القضاء لما كان عبارة عن الفراغ وليس مختصاً بالأفعال، بل كما يكون في الأفعال يكون في غيرها، فإنه كما يقضي الخلق ويفرغ منه، فهو يقضي الأمر من هذا ويعلمه، فلأجل هذا خصَّ القضاء بالأمر لما كان عاماً في الأفعال و في غيرها، وأما القدر فهو التقديروالإحكام، وهو إنما يختص بالأفعال لا غير؛ لأن الإحكام إنما يكون إما بتأليف وانتظام عجيب، وإما أن يكون بمطابقة المنافع وهذا كله مختص بالأفعال، فلا جرم خص التقدير بالأفعال والقضاء بالأمرعلى الإطلاق لما ذكرناه.
(وعلى ابتلائي بكم): أي أحمده على ما قدّر لي من البلوى بعلاجكم، وامتحاني بتدبيركم والولاية عليكم.
(أيتها الفرقة): يعني بذلك أهل العراق من البصرة والكوفة.
(التي إذا أُمِرَتْ لم تُطِعْ): بلغ من حالها أنها إذا أُمِرَتْ بشيء من الأوامر الدينية لم تفعل ما يريده الآمر لها، والمتولي عليها، وهذا على رواية بناء الفعل لما لم يسم فاعله والتاء للتأنيث، فإن كان التاء فاعله فهو يعنى بها نفسه.
(وإذا دعوت): ناديتها إلى ما ينجيها من الأمور.
(لم تجب): دعائي ولا سمعت ندائي.
(إن أمهلتم): الإمهال: التؤدة والإنظار، أي إذا أخرَّتم وأجلَّتم.
(خضتم): فيما لا يلزمكم الخوض فيه، وفي الحديث: ((من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه )).
(وإن حوربتم): شنّت عليكم الغارات من جهات شتى، وتلظت عليكم نيار الحرب من كل جانب.
(خُرتم): إما جبنتم من الخورة وهي: الجبن، وإما صرختم من قولهم: خارالعجل فله خوار أي صياح.
(وإن اجتمع الناس على الإمام ): بإعطائه البيعة وبذلهم له السمع والطاعة من جهة أنفسهم، بالانقياد لأمره ، والا حتكام لحكمه.
(طعنتم): في أمره وقلتم: ليس صالحاً لها.
(وإن أجئتم إلى مشاقة): اضطررتم إلى المحاربة من قولهم: أجأته المجاعة إلى الميتة ، وفي المثل: شرما يجئك إلى مخة عرقوب.
قال زهير:
وجارٍ سَارَ مُعْتَمِداً إِلَيْكُم ... أَجَاءتهُ الْمخافةُ والرجاءُ
(نكصتم): تأخرتم على أعقابكم جبناًوذلة وهواناً.
(لا أبا لغيركم!): قد قدمنا من قبل أن هذه اللفظة، قد يراد بها المدح ويراد بها الذم، وغرضه بها ها هنا المدح، ولهذا قال: (لاأبا لغيركم) يمدح بها غيرهم.
(ما تنتظرون بنصركم): لمن تنصرونه.
(والجهاد على حقكم!): مع من تجاهدون معه، وأضاف النصر والحق إليهم؛ لما لهم فيه من الاختصاص أي النصر المتوجه عليكم، والحق الذي يجب عليكم القيام فيه .
(الموت): هو حائل بينكم وبين النصرة والجهاد.
(أو الذل!): فمع الذل لا يمكن النصرة والجهاد.
(فوالله لئن جاء يومي): دنا أجلي.
(وليأتيني): أي وهو آتٍ إليَّ لامحالة.
(ليفرقنَّ بيني وبينكم): يقطع هذه الوصلة مني ومنكم.
(وإني لِصُحْبَتِكُم قالٍ): باغض كاره، ومنه قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }[الضحى:3].
(وبكم غير كثير): أي وأنا غير متكثر بكم، ولا أعدكم نصرة لي في وقت من الأوقات.
(لله أنتم!): مدحاً لهم، مثل قولهم: لله درُّه، ولله عملك، وأورده على جهة التهكم بهم والاستهجان لأحوالهم وهممهم، كقولك لمن يصدر منه اللؤم وأنواع البخل: لله أمرك فما أكرمك وأكثر جودك.
(أما دين يجمعكم): أي أن الدين هو يجمع المختلفات، فما بالكم لا تجتمعون على مراده، ويكون هو الجامع لشملكم في كل أمر.
(ولا محمية تشحذكم): المحميّة، والمحمية هي: الحميِّة تخفف وتشدد، فأما الحميّة فلا تكون [إلا] مشدداً، قال الله تعالى: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ }[الفتح:26] والغرض هو: الأنفة، والشحذ هو: تحديد النصل للفري، يقال: شحذت السكين أشحذها.
(أوليس عجباً ): أوليس العجب يقضي من حالي وحالكم.
(أن معاوية يدعو الجفاة): الأجلاف.
(الطغام): الجهال والأرذال من الناس.
(فيتبعونه): ينقادون لأمره ويحتكمون لمراده.
(على غير معونة): منه لهم على أمورهم.
(ولا إعطاء): من الأموال لهم.
(وأنا أدعوكم): وفيه تعريض بمعاوية، أي أنه على ما هو عليه من قلة الدين والبغي والمكر والخديعة، وأنا على ما أنا فيه من قرابتي من رسول الله، ومكاني من الفضل والعلم والدين.
(وأنتم تريكة الإسلام): إما أن يريد التريكة التي هي روضة يغفلها الناس فلا ترعى، وإما أن يريد بيضة النعام لأنها تسمى تريكة، والغرض من هذا كله أنكم الأماثل من الطبقة.
(وبقَّية الناس): البقية: خيار الشيء ونفيسه، وقوله: وأنتم تريكة الإسلام، جملة في مو ضع النصب على الحال من الضمير في أدعوكم.
(إلى المعونة): بنفسي ورأيي.
(وطائفة من العطاء): من الأموال.
(فتتفرقون عني): تذهبون يميناً وشمالاً.
(وتختلفون عليَّ): إما في الآراء بأن يقول بعضكم: الجهاد والخروج حق، ويقول آخرون: لا وجه لذلك، وإما بأن يكون بعضكم موالياً لي، وبعضكم مباين بالخروج عن طاعتي.
(إنه لا يخرج إليكم من أمري رضاً): ما يكون لكم فيه رضا، ولكم فيه محبة وهوى.
(فترضونه ): فتحبونه وتريدونه.
(ولا سخط): ولا أمر يكون فيه سخط لكم، وشيء تكرهونه.
(فتجتمعون عليه): فيكون رأيكم مجمعاً على رده وكراهته، وهذا منه وصف لهم بكثرة الاختلاف فيما يحبونه ويكرهونه، ويشتهونه وينفرون عنه، أي أنهم لا يجتمعون على رأي أصلاً.
(فإن أحبَّ ما أنا لاقٍ إليَّ الموت): إما لصعوبة ما ألاقيه من ممارستكم، وإما لتعجيل رضوان الله وكرامته، فأستريح بالموت خلاصاً عن علاجكم أو بما ألاقيه من ثواب الله وخيره.
(قد دارستكم الكتاب): كررته على آذانكم، من قولهم: درس الكتاب ودارسه إذا قرأه مرات كثيرة.
(وفاتحتكم الحجاج): أي فتحته عليكم وخاطبتكم به، من قولهم: فاتحته بالحديث إذا شرعت فيه.
(وعرَّفتكم ما أنكرتم): من الآداب الحسنة، والمواعظ الشافية، وفيه تعريض بحالهم وجهلهم، حيث أنكروا ما هو حسن وأعرضوا عمَّا هو معجب.
(وسوغتكم ما مججتم): مجَّ الماء إذا وضعه في فِيْهِ ثم رمى به، وساغ الطعام إذا كان مشتهى، وأراد أني عرفتكم ما كنتم تجهلونه لولاي فقد أدَّبتكم وأحسنت رعايتكم، واجتهدت في صلاحكم.
(لو كان الأعمى يلحظ): يريد لو كان الأعمى له لحظ يلحظ.
(والنائم يستيقظ): لكان مستيقظاً عند تبصيري له، وإيقاظي إياه من نومه.
(وأَقْرِبْ بقوم إلى الجهل با لله): تعجب من حالهم، أي ما أقربهم إلى الجهل، وهي صيغة تستعمل في التعجب، قال الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ }[مريم:38] وهي مثل قولهم: ما أقربهم في الإفادة لما يفيده.
(قائدهم معاوية): رئيسهم وإمامهم هذا الرجل المعروف بصفاته، وفيه تعريض بحاله وأنه موصوف بالصفات الذميمة.
(ومؤدبهم ابن النابغة!): يريد عمروبن العاص، وفيه تعريض بحاله أيضاً، وقد قررنا وجه تلقيب أمه بالنابغة، فلا وجه لتكريره في كلام قد سبق.
سؤال؛ من أين يظهر جهلهم بالله بسبب أن معاوية قائد وابن النابغة مؤدب، وما وجه المناسبة بينهما في ذلك حتى جعل هذا لازماً لهذا؟
وجوابه؛ هو أن رئاسة الفاسق المنهمك وتأديبه كمعاوية وابن النابغة، وتحكيم أمرهما في الأمور الدينية وإنفاذ الأحكام الشرعية، مع ما هما عليه من الفسوق والركة في الدين فيه لامحالة استهانة بحق الله، وجهل به، وإعظام لما صغَّرالله من قدرهما، وتبجيل لما هوَّن الله من حالهما، حيث لم يجعلهما عضداً، حيث قال: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُداً }[الكهف:51] عوناً على شيء من أمورالدين، فضلاً عن أن يكون الحل والعقد معقوداً برأيهما ، والقبول والرد منوطاً بحالهما ، فهذا يكون أعظم في الجهل بالله، وأدخل في عدم الاعتراف بحقه.
(167) ومن كلام له عليه السلام لرجل أرسله إلى قوم ليعلمه علمهم من جند الكوفة هموا باللحاق بالخوارج
وكانوا على خوف منه، فلما عاد [إليه الرجل] قال له أمير المؤمنين رضي الله عنه:
(أأمنوا): استقرت قلوبهم واطمأنت أنفسهم، عمَّا كانوا يحذرونه من جهتي ويتوقعون من سطوتي.
(فقطنوا): فلبثوا في مساكنهم.
(أم جبنوا): خوفاً من الوعيد.
(فظعنوا): رحلوا إلى معاوية، ولحقوا به.
(فقال الرجل: بل ظعنوا يا أمير المؤمنين، فقال: بُعْداً لهم): أبعدهم الله عن الخير، وَبُعْداً من المصادر التي تضمر أفعالها فلا ينطق بها في حال أبداً، مثل: سحقاً وعجباً، وكأنهم وضعوها مع أفعالها، والتقدير فيها بَعدُوا بُعداً.
(كما بعدت ثمود!): فانظر ما أرقَّ هذه الكلمة وما ألطفها، وما أعظم مباينتها لما قبلها من الكلام، وإن كان في غاية البلاغة، و ما ذاك إلا لكونها آية من كتاب الله تعالى وقعت موقعاً ملائماً لما جيء بها في القرآن، وإبعادهم بما أهلكهم الله به من العذاب من أجل عقر الناقة وغيرهم.
(أما لو أُشْرِعتْ الأسنة إليهم): أشرع الرمح إذا وجَّهه نحوه ليطعنه.
(وصُبَّت السيوف على هاماتهم): وضعت على رءوسهم وجعل الصبّ تجوزاً واستعارة؛ لأنها بمنزلة إفراغ الماء على رءوسهم، والهامات: أعالي الرءوس، وأما هذه للتنبيه.
(لقد ندموا على ما كان منهم): يريد أنه لو قد أوقع بهم وقعة عظيمة لقد تأسفوا على ما فعلوه من اللحاق بمعاوية، والانتصاب لمحاربته والبغي عليه.
(إن الشيطان اليوم): في زمانهم هذا.
(قد استقلهم): استقلَّ القوم إذا رحلوا، وأراد أنه استقلَّ بهم أي مضى وانفرد بهم، وتمكَّن من إغوائهم، والتحكم فيهم.
(وهو غداً متبرئ منهم): يريد إما يوم القيامة؛ فإن الشيطان ينقطع تعلقه بهم في ذلك اليوم، وإما أن يريد عند تحققهم الوقائع العظيمة من جهته يعرفون حالهم، وانقطاع معذرتهم بتبصرهم للحق وعيانه.
(ومخلٍّ عنهم): مسلِّمهم إلى النار، من قولهم: خُلِّي عنه وذهب إذا سلَّمه لما هو فيه من الأمر، وانقطع عنه فلا ينفعه أبداً.
(فحسبهم): فيكفيهم جزاء ونكالاً وويلاً ووبالاً.
(بخروجهم من الهدى): الباء هذه زائدة، وخروجهم في موضع الخبر للمبتدأ وهو حسبهم، كزيادتها في قوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }[الرعد:43] أي كفى الله.
(وارتكاسهم في الضلال والعمى): الركس: ردُّ الشيء مقلوباً، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا }[النساء:88] أي ردَّهم إلى كفرهم، وأراد ها هنا ردّهم إلى العمى والضلالة بعد الهداية،و هو عبارة عن إصرارهم على الضلال.
(وجماحهم في التيه): رجوعهم إلى الحيرة.
(168) ومن كلام له عليه السلام للبُرج بن مُسْهِر الطائي
وقد قال حيث يسمعه: لا حكم إلا لله، وكان من الخوارج، فقال له أمير المؤمنين:
(اسكت قبحك الله): أي نحَّاك عن الخير، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ }[القصص:42].
(يا أثرم!): الثرم: سقوط الثنية من أسنانه، ويقال: ثرمه الله أي أسقط ثنيته، وكان الرجل ساقط الثنية، فلهذا قال له ذلك.
(فوالله لقد ظهر الحق): بان واستقرت قواعده.
(فكنت منه ضيئلاً شخصك): رجل ضيئل الجسم، إذا كان نحيفاً.
قال السلولي :
فما قُدَّ قِدُّ السّيفِ لا مُتَضَائلٌ ... ولا رَهَلٍ لَباته وبآدلُهُ
وأراد أنه ضعيف في الحق.
(خفياً صوتك): لا يعلم بحسه، وهذا كله كناية لهوانه في الدين، وركة حاله فيه.
(حتى إذا نعر الباطل): نهض بقوته يقال: ما كانت فتنة إلا نعر فلان فيها أي نهض، وإن فلاناً لنعّار في الفتن، إذا كان ساعياً، أو يريد حتى إذا نعر الباطل أي فار وغلى مِرْجَلهُ، ومن قولهم: نعر الْعَرَقُ ينعر إذا فار بالدم فهو نَعار.
(نجمت): ظهر أمرك واستبان حالك.
(نجوم قرن الماعز): لأنه يسرع في ظهوره إذا ظهر، يقال: نجم السن والقرن إذا طلعا، وغرض البرج بما تكلَّم به من هذا الكلام، يشير به إلى ما وقعت فيه الفتنة بسبب التحكيم لهم، ويقررون الخطأ على أمير المؤمنين في ذلك فيما فعل من ذلك، وأن الحكم ليس يكون إلى واحد من الخلق، وإنما الحكم هو لله وهي كما قيل: كلمة حق يراد بها باطل، وقد مرَّ الكلام عليهم في التحكيم غيرمرة من الكتاب.
ونذكر الآن نكتة شافية في بطلان الطعن بالتحكيم على إمامة أمير المؤمنين، كما تزعمه الخوارج: