(161) ومن خطبة له عليه السلام يذكرفيها طلحة والزبير
(الحمد لله الذي لا تُوارِي عنه سماء سماء): يعني لا تحجبه سماء تقوم بينه وبين سماء أخرى عن أن يكون رائياً لها.
(ولا أرض أرضاً): أي ولا تحجبه رؤية أرض عن أرض أخرى مثلها إذ ليس حاله كحال الواحد منَّا إذا قام بيننا وبين الأجسام المرئية جسم حاجز، فإنَّا لا ندركه لما كان إدراكنا للأجسام بآلة، فلهذا كان حاله مخالفاً لحالنا في ذلك.
(وقائل يقول لي: إنك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص ، فقلت: بل أنتم والله أحرص وأبعد): الحرص هو: شدة الرغبة في طلب الشيء، وأراد أنكم إن زعمتم أني حريص على الإمارة لما ترون من منازعتي لكم وشدة شجاري إياكم فأنتم لا محالة أشد رغبة فيها، وأعظم طلباً لها، فأنتم تطلبونها وتشتدُّ رغبتكم في تحصيلها مع بُعْدِكُم عن استحقاقها وأن تكونوا أهلاً لها.
(وأنا أخص بها): لإحرازي لخصالها واستكمال شرائطها.
(وأقرب): إما إلى الرسول فأكون أحقُّ بمكانه منكم وأولى به من غيري ، وإما أقرب إلى حصول ما يشترط من الصفات فيها، فإنها فيَّ متكاملة دون غيري.
(وإنما طلبت حقاً لي): بقيام الحجة والبرهان على ذلك من جهة الرسول.
(وأنتم تحولون بيني و بينه): بالمنازعة والشقاق والبغي.
(وتضربون وجهي دونه): بسلِّ السيوف وإشراع الرماح.
(فلما قرَّعته بالحجة): بما كان من جهة الرسول من النصوص الواردة، أو بما كان من جهة الأفاضل من الصحابة من العقد لي والرضاء بي.
(في الملأ الحاضرين): حال من الضمير في قرَّعت مقطوعاً على إمامتى بالوجهين جميعاً، والقرع هو: التنبيه، وفي المثل: فلان ممن لا تقرع له العصا، قال المتلمس :
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
وما عُلِّمَ الإنسان إلا ليعلما
والأصل فيه أن رجلاً حكماً من حكام العرب عاش حتى كبر وأهتر ، فقال لابنته: إذا أنكرت من فهمي شيئاً عند الحكم، فاقرعي لي المجن بالعصا لأرتدع.
قال:
وزعمت أنَّا لا حلوم لنا ... إن العصا قرعت لذي الحلم
واعلم: أنه لا خلاف بين أهل القبلة في صحة إمامة أمير المؤمنين وثبوتها، وإنما وقع الخلاف بين الأمة في طريقها، فأثبتها فريق بالنصِّ، وأثبتها آخرون بالاختيار.
سؤال؛ كيف تزعمون أنه لاخلاف بين الأمة في إمامته، وقد حكي عن عباد أنه كان يقول: كان لا يصلح للإمامة، والخوارج كفَّروه، فكيف يصح ما ذكرتموه؟
وجوابه؛ أما عباداً فإنما غرضه بما قال قبل أن يعقد له بناءً على قوله: إن إمامته إنما ثبتت بالاختيار بزعمه، فأما على ما نقوله فإنما ثبتت بالنصوص ، وأما الخوارج فإنما مقالتهم هذه إنما كانت بعد التحكيم لظنهم أنه كفر، وهكذا ما يحكى عن الأصم والحشوية فإنما أتوا في إنكار إمامته من جهة ما اتفق من حربه لأهل القبلة لجهلهم بأنه لا يحل ذلك، وكلها آراء فاسدة لمخالفتها للإجماع.
(بهت): يعني القائل الذي قال له، ولعله يريد طلحة أوالزبير بهذا الكلام ، يقال: بُهِتَ الرجل بكسر الهاء إذا فشل وتحير، وبفتحها أيضاً وبضمها أيضاً، وعلى بناء ما لم يسم فاعله وهو أفصحها، قال الله تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }[البقرة:258].
(لا يدري ما يجيبني به): من الفشل والتحيروالدهشة، وأراد أنه أفحمه بما أورد عليه من الحجة.
(اللَّهُمَّ، إني أستعديك): أطلبك ناصراً من قولهم: استعدى فلاناً على غيره إذا طلب النصرة.
(على قريش): طلحة والزبير وعائشة.
(ومن أعانهم): على آرائهم وما هم عليه من البغي.
(فإنهم قطعوا رحمي): بالحرب والعداوة البالغة.
(وصغَّروا عظيم منزلتي): عند الله وعند الخلق بما رفع الله من قدري.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ما نزلت آية منها : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا وعلي بن أبي طالب رأسها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد على أشياء وما عاتبه على شيء أصلاً .
(فأجمعوا على منازعتي أمراً هولي): يريد أنهم اتفقوا وتواطؤوا عن آخرهم على إخراجه عن الإمامة، وقد تقررت له بما ذكرناه من النصوص والرضاء به.
(وقالوا: ألا إن في الحق أن نأخذه): نكون أولى منك بالإمامة.
(وفي الحق أن تتركه): تخرج عنها وتخلِّيها، وهذا منهم خطأ وغلط، فإنما قالوه إنما يكون في الحقوق المالية، فإن كل من كان له حق على غيره فإنه يجوز له تركه ويجوز له أخذه، فأما الإمامة فهي بمعزل عن ذلك، فإن الإمام إذا صارإماماً وثبتت إمامته واستحقها فإنه لا يجوز له تركها، ولا يسعه ذلك عند الله، إلا أن يؤ دي ذلك إلى خلل في الدين، كما كان منه تركها في أول الأمر، فأما بعد ذلك وحصول التمكن فلايجوز ذلك بحال.
(ثم خرجوا): من بيوتهم على جهة البغي، يريد أصحاب الجمل.
(يجرون حرمة رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم] ): يعني عائشة رضي الله عنها.
(كما تجر الأمة عند شرائها): أراد أنها لا تملك لنفسها حيلة سوى ما قالاه أعني طلحة والزبير، فإنهما هما اللذان أخرجاها من بيتها، كما حكينا ذلك من قبل هذا.
(موجهين بها إلى البصرة): للحرب ورفع يده عنها؛ لأنها من أعماله وحيث ينفذ حكمه وأمره.
(فحبسا نساءهما في بيوتهما): تحشماً عن ذلك وكراهة له.
(وأبرزا حبيس رسول الله): [يريد أنه أمرها بالقرارفي بيتها والاحتباس فيه.
(لهما ولغيرهما): من أفناء الناس] ، يريد أنهما أظهراها على أعين الخلق والملأ.
(في جيش): فيمن أقبلوا به من الجيوش ممن غرُّوه وخدعوه.
(ما فيهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة): أنه سامع لقولي ومطيع لما آمر به من أمر الله وأمر رسوله غير مخالف في ذلك ولا ناكل عنه.
(وسمح لي بالبيعة): ضرب بكفي على كفه تأكيداً للأمر ومتابعة فيه.
(طائعاً): من نفسه غير مكره على ذلك.
(فقدموا على عاملي): عثمان بن حُنيف بضم الحاء، هكذا سماعنا، صاحب رسول الله.
(وخزَّان بيت مال المسلمين): الذين يحفظونه ويتولون إنفاقه وإخراجه.
(وغيرهم من أهلها): ممن يكون عوناً لي على ماأريده من إصلاح أمور المسلمين.
(فقتلوا طائفة صبراً): أي حبسوهم حتى قتلوهم، يقال: قتله صبراً إذا حبسه حتى يقتل.
(وطائفة غدراً): الغدر: خلاف الوفاء، يعني أنهم عقدوا لهم عقداً فلم يفوا به وقتلوهم.
ويحكى أنهم أخذوا هذا عثمان بن حُنيف ونتفوا لحيته وأطلقوه بعد ذلك، فلما ورد على أمير المؤمنين قال له: (فارقتنا شيخاً، ورجعت إلينا غلاماً) .
(فوالله لولم يصيبوا من المسلمين إلا رجلاً واحداً متعمدين): لو لم يصيبوا في قدومهم ذلك إلا على واحد من أفناء الناس؛ لقصدهم ذلك وعمدهم إليه.
(لقتله): جرأة.
(بلا جرم) : كان منه إليهم.
(لحل لي قتل ذلك الجيش كله): وهذا فيه دلالة من مذهبه على أن الجماعة الكثير إذا قتلوا شخصاً واحداً اجتراءً عليه عامدين لا شبهة لهم في قتله، ولا صدر قتله على جهة الخطأ أنهم يقتلون بأجمعهم به، وهو قول الجمهور.
ويحكى عن بعض أولاده أنه قال: يختار ولي الدم واحداً فيقتله، فأما من زعم أنه لا يُقْتلُ واحد منهم، فقول لم يصدر عن فطانة لما فيه من إبطال عصمة الدماء وإهدارها.
(إذ حضروه فلم ينكروا، ولم يدفعوا عنه بلسان ولايد): وهذه العلة تدل على أن تركهم الإنكار مع تمكنهم منه على أن حكمهم حكمه، ومشاركين له في الإثم والجناية لرضاهم بذلك وموالاتهم له عليه، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }[المائدة:51].
(دع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم!): أراد أنهم لو لم يقتلوا وحضروا ثم سكتوا عن النكير لكان حكمهم ماذكرناه، فكيف وقد قتلوا جمعاً كثيراً.
اعلم: أنَّا قد ذكرنا توبة عائشة من قبل فلا وجه لتكريرها، والذي نذكره الآن توبة الزبير، ونذكر توبة طلحة بعدها في كلام يخصُّه، ولاخلاف في فسقه وبغيه، بما كان منه من الخروج على أمير المؤمنين، ولكن الله تعالى بعظيم رحمته تداركه بلطفه، فقد روي عنه ما يدلُّ على ندامته وتوبته أموركثيرة، قد قدَّمنا كثيراً منها، فمن ذلك ما روي أنه ولَّى عن المعسكرفتبعه عمار، فقال له: إلى أين أبا عبد الله؟، فوالله ما أنت بجبان، ولكني أراك شككت!، فقال: هو ذاك ، ثم أنشد هذين البيتين:
ترك الأمور التي تخشى عواقبها ... لله أسلم في الدنيا وفي الدين
اخترت عاراً على نار مؤججة ... أنى يقوم لها خلق من الطين
ومن ذلك قوله لعائشة بعد حجاج أمير المؤمنين له وتذكيره لقول رسول الله له: ((تحاربه وأنت له ظالم )) فقال لها: ما شهدت موطناً في جاهلية وإسلام إلا ولي فيه داع إلا هذا الموطن . ومن ذلك قوله: إني في هذا لعلى باطل .
وقوله لما نظرإلى عمار في أصحاب علي، فقال: وانقطاع ظهراه، فقال له بعض أصحابه: ممن؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار)) وعند ذلك لحق بأمير المؤمنين ثم انصرف .
فهذه الأخبار كلها دالة على ندامته وتوبته عماَّ كان فيه من حرب أمير المؤمنين والخروج عليه، ولولا ذلك لكان هالكاً مع الهالكين ممن حاربه وخرج عليه.
(162) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها حرب أهل القبلة
(أمين وحيه): يعني به الرسول عليه السلام.
(وخاتم رسله): إذ لارسول بعده.
(وبشير رحمته): المبشِّر بما أعدَّ الله لأوليائه من نعيمه في دار الكرامة.
(ونذير نقمته): والمنذر لعقاب الله تعالى ونقماته النازلة بأعدائه.
(أيها الناس): خطاب عام، وأصل الناس الأناس، لكنها طرحت همزتها تخفيفاً، ولهذا نقول في تصغيرها: أنيس مشدداً ومخففاً.
(إن أحق الناس بهذا الأمر): يعني الخلافة.
(أقواهم عليه): لأن مع القوة يتمكن صاحبه من القيام بأحواله والنهوض بأعبائه.
(وأعلمهم بأمرالله فيه): [بما أنزل الله فيه] من القيام بأحوال الخلق، والإعزاز للحوزة والحفظ لأمور المسلمين كلها.
(فإن شغب مشغب ): هاج من جهته شر وخصومة، يقال: تشغب الأمر إذا كثرت فيه الخصومة.
(اُستُعتب): طلب رضاه.
(فإن أبى قوتل): لبغيه بعد ذلك وعناده.
(ولعمري): قسم.
(لئن كانت الإمامة): على ما قالوه وزعموه.
(لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس): الخلق كلهم.
(ما إلى ذلك سبيل): لتعذره واستحالته.
(ولكن أهلها): من كان معتبراً في أن يكون عاقداً لها وكافياً في صحة ثبوتها.
(يحكمون على من غاب عنها): أراد أن أهل العقد إذا عقدوا لمن كان مرضياً عندهم، فإنه لا يلتفت بعد ذلك إلى مخالفته ولا يحتفل بإنكاره.
(ثم ليس للشاهد): للعقد منهم.
(أن يرجع): فيما فعله من ذلك.
(ولا للغائب أن يختار): خلاف ذلك، إذا بلغ إليه ما كان منهم من الاختيار.
(ألا وإني أقاتل رجلين): يريد أن حربه وتوجه القتال لايكون إلا لهذا العدد.
(رجلاً): انتصابه على التمييز أو على عطف البيان.
(ادَّعى ماليس له): من الحقوق فكان ظالماً.
(ورجل منع ما عليه): من الحقوق فكان ظالماً أيضاً، فهذا يؤمر بالكف عمَّا ليس له، وهذا يؤ مر بإعطاء ما عليه من ذلك فإن أبيا قوتلا على ذلك وقتلا عليه .
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله): إتقاه في كل الأحوال.
(فإنها خيرما تواصىبه العباد): أعظمها وأعلاها، وهي أصل الدين وقاعدة مها ده.
(وخير عوا قب الأمور عند الله): وأفضل كل شيء عاقبته؛ لأن لكل شيء عاقبة وحد وغاية وقصارى ونهاية، وإن غاية تقوى الله وعاقبتها هو إحراز رضوان الله وكريم ثوابه.
(وقد فُتحَ باب الحرب بينكم وبين أهل القبله): يعني فسَّاق التأويل الخارجين علىإمام الحق، ظناً منهم أنهم على حق، وانتصبوا للمحاربة، وكانوا في فئة وَمِنْعَةٍ كأهل الشام وغيرهم من أهل النهروان، فإن هؤلاء كلهم خوارج لما كان منهم من البغي على أمير المؤمنين والظهور عليه.
(ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر ): فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون عاماً أي لا يحمل علم الشريعة، وما جاء به الرسول من العلوم الدينية إلا ذو البصائر والصبر على إبلاغها وتعليمها.
وثانيهما: أن يكون خاصاً، ويكون معناه لا يطلع على أحكام أهل البغي وما ينبغي فيهم من السيرة إلا ذو البصائر النافذة، وأهل الصبر على قتالهم، ولعله هو مراده؛ لأن قتال أهل البغي فيه من الصعوبة ما لا يخفى، ولهذا كان سبباً لأقوام في الشك في إمامة أمير المؤمنين كأهل الحشو وغيرهم، والتخلف عن الجهاد معه كا لذي عرض لعبد الله بن عمر وغيره ممن تأخر عنه.
(والعلم بمواضع الحق): كيف السيرة فيهم، وكيف يعاملون في قتالهم.
(فامضوا لما تؤمرون به): من ذلك في قتالهم وجهادهم، وأخذ ما يؤخذ منهم.
(وقفوا عند ما تنهون عنه): من ذلك، والذي تؤمرون به هو قتلهم مقبلين واستئصال شأفتهم والنصيحة لهم مرة بعد مرة، كما كان يفعل أمير المؤمنين في ذلك، والذي تنهون عنه هو سبيهم وقتلهم منهزمين والإنجاز على جريحهم وغيرذلك من الأحكام.
(ولا تعجلوا في أمر): من أمورهم في الجهاد.
(حتى تثبتوا ): إما من الثبات، وأراد حتى تكونوا على حقيقة من حاله، وإما من البيان وأراد حتى تستيقنوا أمره ويظهر لكم حكمه.
(فإن لنا مع كل أمر تنكرونه عَبْراً): العبر بفتح العين المهملة والباء بنقطة من أسفلها هو: التدبر، يقال: عبرت الكتاب أعبره عبراً إذا تدبرته، وأراد أن أمرنا وإن كان ظاهره ينكر فإن فيه سراً ومصلحة فقفوا عند الأوامر، وانتهوا عند المناهي.
(ألا وإن هذه الدنيا [التي] أصبحتم تمنونها): إما بأن يقول كل واحد منهم: ياليتها حيزت لي وكنت فيها متمكناً، وإما أن يريد تفرحون بحصولها لكم.
(وترغبون فيها): تنا فسون في جمعها وإحرازها.
(وأصبحت تغضبكم وترضيكم): فإغضابها لكم امتناعها عليكم فتغضبون من أجل ذلك، وإرضاؤها لكم انقيادها وإتيانها إليكم.
(ليست بداركم): التي تستقرون فيها.
(ولا منزلكم): ولاهي موضع لنزولكم.
(الذي خلقتم له ): من أجله وهي الجنة، فإن الله تعالى ما خلق الخلق إلا من أجل عبادته ليحوزوا ثواب طاعته ووراثة جنته.
(ولا الذي دعيتم إليه): وإنما دعيتم إلى الجنة، كما قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133].
(ألا وإنها ليست باقية لكم): دائمة.
(ولا تبقون لها): تدومون لها، بل تنقطع أعماركم بالموت، وتنقطع الدنيا بالزوال والانقضاء.
(وهي وإن غرتكم منها): بلذاتها، وتعجيل عاجلها.
(فقد حذرتكم شرها): إما بماكان من تغيرها وزوالها من غيركم، وإما بما كان من الحوادث والمصائب والتقلبات.
(فدعوا غرورها): الاغترار بها، والانهماك في حبها.
(لتحذيرها): لكم بالتغيروالزوال.
(وأطماعها): ودعوا ما تغري به أنفسكم من طمعها.
(لتخويفها): لما يلحق فيها من الخوف، إما بانقطاعها وبطلان نعيمها، وإما لما يلحق فيها من المخافات العظيمة والغموم الكثيرة.
(وسابقوا فيها): سارعوا إليها مسارعة من يسابق غيره إلى شيء نفيس يأخذه، والمسابقة إنما تكون بالأعمال الصالحة.
(إلى الدار التي دعيتم إليها): وهي الجنة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ }[العنكبوت:64].
(وانصرفوا بقلوبكم عنها): بالإعراض عن شهواتها ولذاتها.
(ولا يحنن أحدكم حنين الأمة): الحنين هو: توقان النفس وتشوقها، وحنين الناقة: صوتها إذا نزعت إلى ولدها، ومنه حنين الأمة.
(على ما زوي عنه منها): قبض وجمع فلم يتناوله منها.
(و استتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعته): أراد اصبروا على الإتيان بالطاعة ليكون ذلك سبباً لتمام نعمة الله عليكم، وفي الحديث: ((إذا وصلت إليكم أوائل النعم ، فلا تنفروا أواخرها بقلة الشكر، فما كل شارد يعود)) .
(والمحافظة على ما استحفظكم): والتحفظ على ماطلب منكم حفظه.
(من كتابه): والتحفظ عليه، إما بمراعاة أحكامه والوقوف عند حدوده وتحليل حلاله وتحريم حرامه، وإما بألاّ يزاد فيه ولا ينقص ولا يحرَّف ولا يقع فيه تغيير .