(باللجين المكلل): بالفضة، والمكلل: المحفوف، يقال: روضة مكللة أي محفوفة بالأنوار، فانظر إلى هذه التشبيهات ما أرقَّها، وأكثرها ملاءمة لما شبِّهت به وأوقعها مما قرنت منه، وحقيقة التشبيه هو: إنما يقع بين مشتركين في معنى واحد أو معاني ، وليس المرادمن ذلك الاجتماع في كل المعاني إذاً لكانا شيئاً واحداً، وقد أكثر الله التشبيهات في كتابه الكريم، كقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ }[الصافات:49]، وأراد في الصفاء والرِّقة، وقوله: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ }[الطور:24]، وقوله تعالى: {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ }[النور:35]، وقوله: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ }[الرحمن:58]، وله قدم راسخة في البلاغة.
(يمشي مشي المَرِح المختال): يخطر إذا مشى خطور الفرح النشيط المتبختر والمرح هو: النشاط والسرور، قال الله تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً }[الإسراء:37].
(ويتصَّفح ذَنَبَهُ وجناحه فيقهقه): القهقهة: الاستغراق في الضحك، قال رؤبة:
أَقَبٌّ قهقاه إذا ما قهقها
أراد أنه إذا ما نظر في جناحه وَذَنَبِهِ أغرق في الضحك والقهقهة.
(ضاحكاً): حال من الضمير في قهقه إعجاباً وسروراً.
(بجمال سرِباله): تفسير لتصفحه لِذَنَبِهِ.
(وأصابيغ وشاحه): تفسير لتصفحه لجناحه، نزَّلهما عليه السلام منزلة السربال، والوشاح: من الملبوسات، والوشاح: طوق ينسج من الأدم يرصَّع بالجواهر واللآلئ وأنواع الياقوت، تشدُّ به المرأة ما بين العاتق والكشح .
(فإذا رمى ببصره إلى قوائمه): طلع إلى رجليه ونظر إليهما وتصفحهما لما تصفح جناحه وذنبه.
(زقا مُعْولاً): صاح، تقول: زقا الديك يزقو زقاً إذا صاح، وهو بالزاي والقاف، ومنه المثل: أثقل من الزواقي وهي الديكة؛ لأنها تفرّق السُّمار عند صياحها؛ لأنهم كانوا يسمرون فإذا صاحت تفرَّقوا، والإعوال: رفع الصوت، وفي الحديث: ((المعول عليه يعذب )) .
(بصوت): يعني صوتاً حزيناً لما يلحقه من الغمِّ برؤيتها.
(يكاد يُبيِنُ عن استغاثته): يطلب الاستغاثة عن أن تكون متصلة به، وتكون بعض أطرافه لمخالفتها لسائر جسمه.
(ويشهد بصادق توجعه): بأسفه على ذلك.
(لأن قوائمه): رجليه الذي يقوم عليهما.
(حمش): دقاق، وامرأة حمشاء إذا كانت دقيقة الساقين.
(كقوائم الدِّيَكَةِ الخلاسيَّة): قيل: الهندية، وقيل: الخراسانية، وهو ضرب من الدِّيَكَةِ على هذه الهيئة.
(وقد نجمت): أي ظهرت، يقال: نجم قرن الماعز إذا بدا وظهر.
(من ظُنْبُوب ساقه): الظنبوب هو: العظم اليابس في قدم الساق.
(صِيصٍيَة خفَّيه): الصيصية هي: شوكة الحائك، وصيصية الديك هي: شوكة رجله.
(وله في موضع العُرف): موضع العرف هو: الرقبة من الفرس، وأراد ها هنا مؤخر الناصية، وسماه عُرفاً لاتصاله بالناصية.
(قُنْزَعةٌ): شعر ملتف.
(خضراء): لونها أخضر كأنها زبرجدة.
(موشَّاة): مخلوطة بأنواع الأصابيغ تميل إلى الخضرة.
(ومخر ج عنقه كالإبريق): لشدة مغرزه وحسن قوامه، شبهه بالإبريق في طوله واستقامته، والإبريق هو: إناء من صُفْر أو غيره طويل الرقبة.
(ومغرزها إلى حيث بطنه): أراد أنها ظاهرة، والضمير للعنق لأنه مما يذكَّر ويؤنث، وهي ملتصقة ببطنه:
(كصبغ الوسمة اليمانية): الوسمة بالسين بثلاث من أسفلها وكسرها، هي: صبغ أسود يقال له: العظلم، وأراد ها هنا أن أصل العنق أسود يشبه هذا الصبغ.
(أو حريرة ملبسة مرآة ذات صقال): أو قطعة من حرير قد وضعت على مرآة صقيلة قد أزيل طخاها فهي في غاية الصقالة.
(وكأنه متقنِّع بمعجرٍ أسحم): التقنع: لبس القناع، وأراد أنه لما يلحقه من السواد في عنقه كأنه لابس لمعجر أسود، والسحمة هي: السواد، قال الأعشى:
رضيعي لبان ثدي أمٍ تخالفا
بأسحم داج عوض لا يتفرق
والقناع: ما تغطي به المرأة رأسها وهو أوسع من المِقْنَعُه.
(إلا أنه يخَّيل لكثرة مائه): استثناء منقطع، أي لكن التخيل حاصل من أجل ما يلحقه من كثرة الماوية والرونقة، والضمير للطاؤوس.
(وشدة بَرْيِقهِ): لمعانه.
(أن الخضرة الناضرة): الخالصة .
(ممتزجة به ): بسواد، وأراد أن الخضرة لما يلحقها من المائية، وشدة الرونقة ربما يظنُّ الظانُّ والرائي لها أنها ممتزجة بسواد، ولهذا قال:(كأنه متقنع بمعجر أسحم) يشير إلى ذلك.
(ومع فتق أذنه ): ويصاحب شق أذنه.
(خط كمستدق القلم): خط دقيق يشبه جري القلم في دقته.
(في لون الأقُحوان): وهو شجر طيب الرائحة مشتمل على لونين، فالظاهر منه ورق أبيض شديد البياض، ووسطه أصفر شديد الصفرة، يغلو في التشبيه [به] الشعراء في لونيه، وأراد هاهنا ورقه الظاهر، ولهذا قال:
(أبيض يقق): شديد البياض.
(فهو في بياضه في سواد ما هنالك): يعني فالخط بما يلتصق به من البياض فيما يقترن به من سواد الرقبة المجعول فيها، وهنالك إشارة إلى الأمكنة.
(يأتلق): أي يلمع، ومنه تألق البرق هو: لمعانه، أي يلوح سواده مع بياضه.
(وقلَّ صِبغ): من جميع ألوان الأصباغ كلها.
(إلا وقد أخذ منه بقسط): أخذ منه بعضاً، [والاستثناء] هذا مفرغ في الصفات الجملية، كقولك: ما جاءني زيد إلا وهو ضاحك، قال الله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ }[الشعراء:208] ويرد في المفردات، كقولك: ما جاءني زيد إلا ضاحكاً.
(وعلاه): وزاد عليه باختصاصه.
(بكثرة صِقَاله وبَرِيْقهِ): بما يلاصقه من تلهبه بكثرة الصقال، وما يلوح فيه من البريق.
(وبصيص ديباجه ورونقه): نور جماله وحسنه، وما يظهرفيه من الطلاوة والنضارة المعجبة، فهو كا لديباج من الحرير المخلوط في نسجه باللجم المختلفة.
(فهو كالأزاهير المبثوثة): المتفرِّقة من أنواع مختلفة غضَّة طريَّة ناعمة.
(لم تُرَبِّها أمطار ربيع): الريب: ما رابك من كل أمر، وأراد أنها لم تغيِّرها عمَّا لحقها من النعومة والطلاوة أمطار الربيع فتغيرها عن حالتها؛ لمايلحقها من برد وعصف ريحه.
(ولا شموس قيظ): ولا لحقها ذبول بسبب حرشمس القيظ، وهو أشد ما يكون من حرارة الشمس في القيظ، وأراد أنها لصفائها وعظم رونقها تشبه الأزهار عند خروجها من أكمامها، لم يلحقها تغيِّر في حال.
(وقد ينحسر من ريشه): يزول، من قولهم: حسر عن وجهه اللثام إذا أزاله .
(ويَعْرَى من لباسه): ويسقط عن أن يكون لباساً له أو يكون متصلة به.
(فيسقط تترى): إما فَعَلَى من التواتر، وتاؤها بدل من واو، وانتصابها على الحال، وإما تَفْعَل وتكون التاء زائدة، وأراد أنها تسقط واحدة بعد واحدة.
(وتنبت تباعاً): تنشر متتابعة.
(فينحتُّ من قصبه): أراد أنها ملصقة بقصب الريش، وهو العمود الذي يكون في وسطها، فيزول منها بالسقوط.
(انحتات أوراق الأغصان): يعني كما تسقط الورقة من غصن الشجرة إذا عرض لها عارض يوجب انحتاتها.
(ثم يتلاحق نامياً): ثم يتدارك ما سقط بأن ينمو عوضه، ويخلفه غيره.
(حتى يعود كهيئته قبل سقوطه): في التمام والكثافة والإعجاب.
(لا يخالف سائر ألوانه): عند بدوه واستكماله في النبات.
(ولا يقع لون في غير مكانه): فيؤدي ذلك إلى الاختلاف والتباين.
(وإذا تصَّفحت شعرة من شعرات قصبه): بالنظرالصحيح والفكر الصافي.
(أرتك): إسناد الرؤية إليها مجاز، والغرض رأ يت عند إبصارك لها.
(حمرة وردية): تشبه لون الورد في اختلاط حمرتها ببياض مثل لون الورد، أو حمرة قانية لا لبس فيها بغيرها مثل لون الورد الأحمر.
(وتارة خضرة زبرجدية): مثل لون الزبرجد وهو: نوع من أنواع الجواهر شديد الخضرة.
(وأحياناً صفرة عسجدية): العسجد هو: الذهب، وأراد أنها تشبه لون الذهب في اصفرارها، فهذه الألوان كلها حاصلة في ريشة واحدة من ريشه، فإذا صوبت النظر وقررت البصر إلى واحد من هذه الشعرات، أرتك هذه الألوان لإقبالك عليها، ووجودها كلها في الشعرة الواحدة.
(وكيف تصل إلى صفة هذا): الطير من الحيوانات.
(عمائق الفطن): عميق الشيء: قعره وأقصاه، والفطنة: الفهم.
(أو تبلغه قرائح العقول): والقريحة: جودة الطبع، وصفاء الذهن، وصحة الغريزة.
(أو تستنظم وصفه): تطلب نظمه وتأليفه.
(أقوال الواصفين): على ما اشتمل عليه من هذه البدائع، واستولى عليه من هذه الحكم.
(وأقل أجزائه): شعرة من شعرات ريشه.
(قد أعجز الأوهام): العقول التي هي طريق للوهم.
(أن تدركه): تقع على كُنْهِ حقيقته.
(والألسنة أن تصفه): بالأقوال وتحرز كُنْه أوصافه، وإذا كان بعض أجزائه غير مدركة حقيقة، فمجموعها أبعد عن ذلك.
(فسبحان الذي بهر العقول): تنزه عن الإحاطة بجلاله، وبهرالعقول أي غلبها بتعاليه عن إحاطتها وقهرها.
(عن وصف خلق): من مخلوقاته وهوالطاؤوس.
(جلاَّه للعيون فأدركته): أظهره للأبصار فهي تراه كما ترى سائر المدَّركات.
(محدوداً): بحدود.
(مكَّوناً): مخلوقاً بعد أن لم يكن.
(ومؤَّلفاً): من أجزاء وأبعاض وأوصال.
(ملوناً): بهذه الأصابيغ العجيبة.
(وأعجز الألسن): أخرسها عن الإحاطة به وأفحمها.
(عن تلخيص صفته): بيانها وتحصيلها.
(وقعد بها): العجز.
(عن تأدية نعته!): إيجاده وإيقاعه في الوجود.
(سبحان من أدمج قوائم الذَّرَّة): ألَّفها تأليفاً منتظماً مدمجاً بعضه إلى بعض مدوراً ملساً ليس مضرساً.
(والهَمَجَة): وهي: ذباب صغير دون البعوضة.
(إلى ما فوقها من خلق الحيتان والفيلة!): وإنما ذكرها وخصَّها لاختصاصها بالكبر من بين سائر الحيوانات، هذا من حيوان البر، وهو أكبرها أعني الفيل، وهذا من حيوان البحر فإن بعض الحوت يختص بخلق عظيم.
وحكى ابن هشام في سيرته: أن الرسول عليه السلام بعث أبا عبيدة بن الجراح في سرية، وزودهم جراباً من تمر فأكلوه حتى نفد، حتى لقد كان قدر قوت واحد منهم تمرة واحدة كل يوم، فلما فرغ ذلك أجهدنا الجوع، فأخرج الله لنا دابة من البحر فأكلناها وسمنا عليها، فأخذ أميرنا ضلعاً من أضلاعها، فوضعها في طريقه ثم أمر بأجسم بعير معنا فحمل عليه أجسم رجل منَّا فجلس عليه ثم خرج من تحتها، وما مست رأسه ، وغير ذلك من المخلوقات العظيمة.
(ووأى على نفسه): الوأي: الوعد، وتعديته بعلى حملاً علىالمعنى، كأنه قال: كتب على نفسه، وأقسم عليها، كما قال تعالى {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ }[الأنعام:12].
وفي بعض النسخ: (ورأى على نفسه): أي علم من حالها، وسبق ذلك في اللوح المحفوظ.
(ألا يضطرب): يتحرك وينصرف ، يميناًوشمالاً.
(شبح): من هذه الأشباح كلها.
(ممَّا أولج فيه الروح): الذي يكون قواماً لجسمه، وسبباً لتصرفه.
(إلا وجعل الحِمَام موعده!): الحمام بالكسر هو: قدر الموت، والموعد زمان الوعد، أي هو الوقت الذي لا يتجاوزه.
(والفناء غايته): التي يصل إليها.
وأقول ها هنا: إذا كان كلام أمير المؤمنين مؤذن بأن خلقة الطاؤوس على حقارتها وضعفها بالإضافة إلى المخلوقات الباهرة لاتنال، فكيف حال خالقها، إذاً نكون على الوقوف على حقيقته أبعد، وضَعُفَ بما ذكرناه كلام من زعم أن حقيقة ذات الله معلومة للبشر، كما حكينا عن المعتزلة وغيرهم.
ثم عقَّب ذلك بذكر حال الجنة وصفاتها بقوله:
(فلو رميت ببصر قلبك): أراد نظرت وتفكرت بقلبك.
(نحو ما وصف لك): إلى ما وصف الله في كتابه الكريم، وورد على لسان نبيه الرحيم.
(لعَزفتْ نفسك): أي زهدت، يقال: عزف نفسه عزوفاً في كذا إذا زهد عنه.
(عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها): إعراضاً عنها، وشوقاً إلى لقاء ما هو أغلى منها وأنفس.
(ولذاتها): جمع لذة وهو: ما يلذُّ الإنسان ويعجبه.
(وزخارف مناظرها): جمع منظر وهو: ما تروق النفس إليه وتشتهيه.
(ولذَهِلت بالفكر): تحيرت متفكراً.
(في اصطفاق أشجار): في الأشجار التي تصفقها الريح أي تحركها.
(غيِّبت عروقها في كثُبان المسك): أدخلت عروقها فغابت عن الرؤية، الكثيب هو: العمود من الرمل.
(على سواحل أنهارها): شواطئها وجوانبها.
(وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب): كبائس: جمع كباسة، وهو العذق من التمر بمنزلة العنقود من العنب.
(في عساليجها): واحدها عسلوج وهو: الغصن الواحد من الشجر.
(وأفنانها): واحدها فَنَن وهو: الشمراخ الواحد، قال الله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ }[الرحمن:48].
(وطلوع تلك الثمار مختلفة): في هيئاتها، وطعومها، وأجناسها.
(في غلف أكمامها): الغلف جمع غلاف، وهو: غطاء القارورة، والكمامة، والكِمِّ بكسر الكاف وهو: وعاء الطلع وغطاء النور الذي يكون فيه.
(تُجنى من غير تكلف): صعوبة ولا عسرة على جانيها.
(فتأتي على منية مجتنيها): على وفق إرادته وشهوته.
(ويطاف على نزُّالها): الضمير للمناظر، وهي: المساكن المتقدم ذكرها.
(في أفنية قصورها): ساحاتها وجوانبها.
(بالأعسال المصفقة): تصفيق الشراب: تحويله من إناء إلى إناء ليبقى الصافي منه.
(والخمور المروَّقة): راق الشراب يروقه روقاً أي صفا، والمروَّقة: المصفَّاة.
(قوم): أي هم قوم.
(لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار): تمادى في فعله إذا فعله مرة بعد مرة، وأراد أنهم ما زالوا يكرمون بأنواع الكرامات، وتُحَفِها وَطُرَفِها إلى أن كان منتهاها وغايتها استقرارهم في الجنة وتوطّنهم لها.
(وأمنوا نُقَلَة الأسفار): عن أن يكونوا منتقلين عنها، كما ينتقلون في أماكن الأسفار.
(فلو شغلت قلبك أيها المستمع): لما نحكيه من هذه الأوصاف، ونذكره من هذه العجائب.
(بالوصول إلى مايهجم عليك): يرد عليك نعته وصفته.
(من تلك المناظر المونقة): المعجبة بنضارتها.
(لزهقت نفسك شوقاً): تعجلت نفسك شوقاً.
(إليها): إلى لذاتها وعجائبها وَطُرَفِها.
(ولتحملت من مجلسي هذا): نهضت منه.
(إلى مجاورة أهل القبور): أراد إلى الموت؛ لأنه لا يمكن الوصول إليها إلا بانقطاع التكليف، وذلك لا يحصل إلا بالموت.
(استعجالاً بها ): طلباً للعجلة إليها.
(جعلنا الله وإياكم ممن يسعى بقلبه): بالا جتهاد في الأعمال الصالحة لِيَعْبُرَ بها:
(إلى منازل الأبرار برحمته): في الجنة بلطفه الموصل إلى رحمته، وكريم مغفرته.
(156) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها بني أمية
(ليتأسَّ صغيركم بكبيركم): الأسوة هي: القدوة، وأردا أن الصغيرمنكم عليه الا قتداء بالكبير في أفعاله وأعماله من الخير، واصطناع المعروف.
(وليرأف كبيركم بصغيركم): أراد أن الكبير عليه الرأفة بالصغير، وإنما خصَّ التأسي بالصغير لأن الكبير هو أحق بالاقتداء، لما تقدم له من الخبرة والسبر للأحوال كلها، وظهور الحنكة في حاله، وإنما خص الرأفة بالكبير لأنه أحق بها لضعف حالة الصغير فهو أولى لا محالة بها، وهذا هو الذي ورد به الشرع وامتاز به المسلمون عن غيرهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[الحجرات:10]، وفي الحديث: ((المسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضاً )) .
(ولا تكونوا كجُفاة الجاهلية): كأهل الجفاء المختصون به من بين سائر الخلائق، وهم عبدة الأوثان والأصنام من العرب، وبيان جفائهم هو أنهم:
(لا في الدين يتفقهون): فقه الشيء إذا فهمه، أي أنهم لا يفهمون شيئاً من أمورالدين، ولايعرفون طرفاً من أحواله.
(ولا عن الله يعقلون): ما يصلحهم مما أَبْلَغَهُمْ إياه من أحوال الشرائع وتعريف الألطاف [الخفية] ، ومثلهم فيما هم عليه من الغفلة عن الله، وعدم التفقه والتعقل عن الله:
(كقيض بيض في أداحٍ ): القيض هو: القشر الأعلى من البيضة، والأداح: جمع أدحى وهو: موضع تفريخ النعامة، ومدحاها: موضع بيضها، ويقال: أدحى أيضاً على وزن أفعول لموضع مراحها أيضاً، لأنها تدحوه برجلها تبسطه وتفرخ فيه وليس لها عش كالطائر.