(متشابهة أموره): يرفع ناساً ويضع آخرين، ويعطي أقواماً ويمنع أقواماً، فهذا تشبيه في المنع والحرمان، وهذا يشبه ذاك في الزيادة والنقصان، فأموره وحوادثه متماثلة من هذا الوجه.
(متظاهرة أعلامه): إما حدوده وغاياته، ومقاديره ظاهرة لا لبس فيها على أحد، وإما أرادأعلامه وحوادثه في الناس ظاهرة لا يمكن كتمانها.
(فكأنكم بالساعة تحدوكم): تحثكم وتزجركم إلى القيامة، والحدو هو: حث الإبل على السير.
(حدو الزاجر لشوله ): مثلما يحدو الزاجر، وهو الذي يحث الإبل على السير ويزجرها، والشول هي: النوق التي قد خف لبنها، وارتفعت ضروعها وأتى عليها من مدة النتاج تسعة أشهر أو ثمانية أشهر، فهي خفيفة عند السير سريعة فيه من أجل ذلك، وهو: جمع شائلة على غير قياس . فأما الشائل بعدها فهي التي تشول ذنبها عند لقاحها، وجمعه شوَّل مثل راكع وركَّع.
(فمن شغل نفسه): جعلها مشغولة مستغرقة.
(بغير نفسه): بغير ما يعنيه أمره.
(تحير في الظلمات): لا يدري أين سلك ولا كيف توجه.
(وارتبك في الهلكات): الارتباك هو: الاضطراب في الأمر والتحير فيه، والهلكات: جمع هلكة وهي الأمور المتلفة.
(ومدَّت به شياطينه في طغيانه): إما من الإمداد، وهو: الزيادة من مدَّ الدواة وأمدَّها إذا أصلحها وهيَّأها للكتابة، وأراد على هذا أن الشياطين وأضافهم إليه لمزيد الاختصاص بهم في انقياده لهم واحتكامه لآرائهم، هم الذين زادوه تمادياً في الضلالة وإسراعاً إليها، وإما أن يكون من المدد وهو الإمهال والتسويف، وعلى هذا يكون معناه أن شياطينه قرَّبوا عليه الحال وطوَّلوا له المسافة، وهوَّنوا الأمر في التمادي في الضلالة والانهماك فيها.
(وزيَّنت له سيء أعماله): بالإغواء والوسوسة.
(فالجنة غاية السابقين): الذين سبقوا بفعل الخيرات، كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }[الواقعة:10] أي أنهم لا غاية لهم إلا هي، وأنهامنتهى البغية لهم.
(والنار غاية المفرِّطين): المتساهلين في أمر الدين، المخلِّين بأحكامه، التاركين لها.
(اعلموا عباد الله): الملتزمين للطاعة لله.
(أن التقوى دارحصن عزيز): من سكنها وتلبس بها كان عزيزاً، والحصن استعارة.
(والفجور دار حصن ذليل): من فعله وتلبس به كان ذليلاً عند الخلق، لا وزن له عند الله.
(لا يمنع أهله): عما ينالهم من ريب الدهر وحوادثه.
(ولا يحرز من لجأ إليه): اعتصم به واتكل عليه.
(ألا): هذه للتنبيه.
(وبالتقوى تقطع حُمَةُ الخطايا): الحُمَةُ بالتخفيف هي: حمة العقرب، والحية وهي: سمها ، والحُمّةُ بالتشديد هي: معظم الحر وأشده ، وسماعنا في الكتاب بالتخفيف، ولعله مراده.
(وباليقين تدرك الغاية القصوى): من إحراز رضوان الله وهي البغية والمراد، كما قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ }[التوبة:72].
(عباد الله، الله الله): تحذير، ونصبه بإضمار فعل تقديره خافوا الله.
(في أعز الأنفس): حرف الجر متعلق بفعل محذوف تقديره: واجتهدوا في أعز الأنفس.
(عليكم): أراد أن علو حقها مختص بكم ومتعلق بكم.
(وأحبها إليكم): و أكثرها محبة إليكم وهي نفس كل واحد منكم.
(فإن الله قد أوضح سبيل الحق): بما قرر من الأدلة، وأزاح العلل، ومهَّد ذلك تمهيداً بالغاً.
(وأنار طرقه): جعلها نيرة يستضيء فيها من سلكها.
(فشِقوة لازمة): الشِّقوة بالكسر هي: الحالة من الفعل كالرِّكبة، والشَّقوة بالفتح: المرة الواحدة من الشقاء، وسماعنا بالكسر، وأراد فشقوة لازمة لصاحبها، وإنما جاز الابتداء بها وهي نكرة لأجل وصفها، كما قال تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ }[البقرة:221].
(أو سعادة دائمة): لصاحبها، وأراد أنه لا بد من أحد الأمرين بعد إبانة الطرق وإيضاحها، كما قال تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }[هود:105]، وقوله تعالى : {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ }[التغابن:2].
(فتزودوا): فخذوا الزاد.
(في أيام الفناء): وهي أيام الدنيا المنقطعة.
(لأيام البقاء): وهي أيام الآخرة لأنها دائمة لا آخر لها.
(قد دللتم على الزاد): بما أوضح لكم من الطاعات واجبها ومسنونها، وأمرتم بالكف عن القبائح كلها.
(وأمرتم بالظعن): الارتحال من الدنيا، وأعلمتم بالانقطاع عنها.
(وحثثتم على المسير): بما أُرِيْتُم من اخترام الأعمار وانقطاعها بالآجال.
(فإنما أنتم كَرَكْبٍ وقوف ): جمع راكب مثل صاحب وصحب، وهو قليل في جمع فاعل.
(لا يدرون): (لا يشعرون) .
(متى يؤمرون بالسير): ينادى فيهم بالرحيل فيرتحلون.
(ألا): للتنبيه.
(فما يصنع بالدنيا من قد خلق للآخرة): أراد إذا كان مخلوقاً للآخرة لا للدنيا وهو مرتحل عنها وهي لامحالة منقطعة عنه، فأي شيء يصنع بها والحال هذه.
(وما يصنع بالمال من عمَّا قليل يسلبه): وإذا كان المال منقطعاً عنه مسلوباً عن يديه فليت شعري ما صنعه به.!
(وتبقى عليه تبعته): نقاش حسابه فيم أنفقه؟ ومن أين أخذه.؟
(وحسابه!): والمحاسبة عليه.
(عباد الله، إنه ليس لما وعد الله من الخير مَتْرك): الضمير للشأن، وأراد أن من تحقق ما وعد الله أولياءه من النعيم المقيم واللذة الدائمة ومرافقة أنبيائه في الجنة فإنه لا ينبغي لأحد أن يتركه، ويذهب عنه، والمترك هو الترك نفسه.
(ولا فيما نهى عنه من الشر مَرْغَب): أي من علم ما أعدَّه الله لأعدائه من العقاب الدائم والويل، ومرافقة الشياطين والأبالسة في النار، فإنه لا محالة لا يرغب في المنهيات ولا يقربها أبداً.
(عباد الله، احذروا يوماً تُفحص فيه الأعمال): فحصت عن الأمر إذا تحققته واستبينته ، وأراد أنه يوم تبلى فيه السرائر، وتتحقق فيه الأحوال كلها.
(ويكثر فيه الزلزال): الزَّلزلة وفَعلال بالفتح مصدر زلزل، وهو قليل لا يأتي إلا في المضاعف، ومن قلِّته أنه لا يأتي بالفتح إلا وقد أتى فيه الكسر نحو زِلزال وزَلزال وقلِقال وقَلقال.
(وتشيب فيه الأطفال): من هوله وفجيعته، كما قال تعالى: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا }[المزمل:17] وإذا أرادوا العبارة عن الأمر الهائل، قالوا: هو أمر تشيب منه الصبيان، كما قالوا: أشاب الصغير فراقه لثدي أمه.
(واعلموا عباد الله): وإنما كرر هذه اللفظة بالنداء والمخاطبة إيقاظاً لهم عن الغفلة، وتعريضاً لهم إلى أن من كان عبداً فمن شأنه وأمره المواظبة على خدمة السيد والحرص على ملازمة رضاه.
(إن عليكم من أنفسكم رَصَداً ): رقيباً وحارساً، وأصله المصدر، ولهذا لم يثنَّ ولا يجمع لذلك.
(وعيوناً من جوارحكم): العين هو: الحافظ أيضاً، وعين الأميرهو: الذي يخبره بأخبارالبلدان والأقاليم، ويكون رقيباً له، يشيربذلك إلى أن هذه الجوراح شاهدة على الإنسان بأفعاله، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النور:24].
(وحفَّاظ صدق يحفظون أعمالكم): يشير بذلك إلى الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الإنفطار:10-12].
(وعدد أنفاسكم): إما مقدار تنفسكم في الدنيا ومدة لبثكم فيها، وإما مقدار جريان النَفَسِ في الحلق ويعدُّونها واحدة واحدة.
(لا يستركم منهم ظلمة ليل داج): أي لا يغطيِّكم منهم ظلام الليل إذا أظلم.
(ولا يُكنُّكم منهم باب ذو رتاج): الكنُّ: ما ستر الإنسان وغطَّاه، وباب مرتج إذا كان مغلقاً أي لا يحول بينكم وبينهم باب ذو غلق.
(وإن غداً من اليوم قريب): يريد إما يوم القيامة، وإما الموت؛ لأن كل واحد منهما يكون في الأزمنة المستقبلة.
(يذهب اليوم بما فيه): من خير وشر، وعمل صالح وفاسد.
(ويجيء الغد لا حقاً به): على أثره، لا فاصل بينهما، بالمجازاة بالأعمال صالحها وطالحها.
(فكأنَّ كل امرئ منكم): جميع الخلائق.
(قد بلغ من الأرض منزل وحدته): وهو القبر؛ لأن كل واحد من الخليقة لا بد من حصوله فيه وحيداً لا أنيس معه.
(ومحط حفرته): وحيث يكون محطوطاً في حفرته.
(فيا): حرف نداء، والمنادى فيه محذوف تقديره: فياقوم.
(له من بيت وحدة ): اللام ها هنا متعلقة بفعل محذوف تقديره: اعجبوا له، ومن بيت تمييز كقولك: عجبت له رجلاً ، وعجبت له من رجل.
(ومنزل وحشة): يستوحش منه لفظاعته.
(ومفرد غربة!): ومكان يفرد فيه صاحبه غريباً عن أهله.
(وكأن الصيحة قد أتتكم): أراد إما نفخة الصور، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ }[الزمر:68]، وإما أن يريد ندآءهم من قبورهم، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ }[ق:41]، وهي الصيحة، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج ِ}[ق:42].
(والساعة قد غشيتكم): بأهوالها وفجائعها وعظائمها.
(وبَرَزتم لفصل القضاء): ظهرتم لا تخفى فيكم خافية، كما قال تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }[إبراهيم:48].
(قد زاحت عنكم الأباطيل): ذهب عنكم الأقاويل الباطلة و الزخارف الموهومة التي لا تنفع، ولا يجدي ها هنا إلا القول الحق، والأباطيل جمع لا واحد له ملفوظ به، وإنما كأنه جمع لإبطيل لأن باطلاً لا يجمع على أباطيل.
(واضمحلت عنكم العلل): الفاسدة والمعاذير الباطلة.
(واستحقت بكم الحقائق): أراد أنها ظهرت حقائق أعمالكم من خير وشر، فصيرتكم مستحقين لجزائها من ثواب أو عقاب، وجعلتكم مستوجبين لذلك من الله.
(وصدرت بكم الأمور مصا درها): وذهبت بكم الأعمال مذاهبها؛ مما يجازى عليها من ثواب أو عقاب، ويكون مستحقاً بها: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا }[فصلت:46].
(فاتعظوا بالعبر): جمع عبرة، وهو: ما ترون من آثار من مضى قبلكم.
(واعتبروا بالغِيَر): بتغيرات الدهر وصروفه وعوارضه على أهله.
(وانتفعوا بالنذر): جمع نذير وهم: الأنبياء والعلماء، كما قال تعالى: {أَنْ أَنذِرُوا }[النحل:2] وقال تعالى: {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ }[القمر:36].
(149) ومن خطبة له عليه السلام يذكرفيها القرآن
(أرسله على حين فترة من الرسل): يعني الرسول عليه السلام وقد ذكرنا حال هذه الفترة التي كانت بين الأنبياء فيما مضى، فلا وجه لتكريره.
(وطول هَجعة من الأمم): الهَجعة: نوم الليل، وأراد أن إرساله كان على طول نوم وغفلة عن الحق وانقطاع عن سبله.
(وانتقاض من المبرم): المبرم: الخيط الذي أحكم فتله، وأراد وبطلان أمرالدين كله وفساد [ما] أحكم منه.
(فجاءهم بتصديق الذي بين يديه): من الكتب السماوية كا لتوراة والإنجيل وما كان قبلها من الكتب المنزلة على الأنبياء.
(والنور المقتد ى به): الذي يكون إماماً لمن اتبعه واهتدى بهديه.
(ذلك): [إشارة] إلى قوله: الذي بين يديه.
(القرآن): أي هو القرآن الذي بين أظهركم وتتلونه في المحاريب وتقرأونه.
(فاستنطقوه): فاطلبوا منه النطق بالحكمة التي تضمنها.
(ولن ينطق): نفي على جهة الاستغراق، إذ لا آلة له فينطق بها لكونه جماداً.
(ولكن أُخبركم عنه): استدراك لما كان نفاه من النطق عنه، أي ولكن العلماء ينطقون عنه ويخبرون وأنا أخبركم عنه.
(ألا وإن فيه علم ما يأتي): من الأمور المستقبلة، والأحكام الحادثة.
(والحديث عن الماضي): عن الأمم الماضية، والقرون الخالية، وقصص أنبيائهم، وما فعلوه وفعل بهم.
(ودواء دائكم): والدواء الذي يتداوى به من الجهل ، وهو ما تضمنه من العلوم والحكم والآداب.
(ونظم ما بينكم): من التفرق في الأهواء والتشتت في المذاهب والآراء.
ثم ذكر حال بني أمية:
(فعند ذلك): يشير إلى استحكام أمرهم وقوة دولتهم.
(لا يبقى بيت مَدَر): في المدن والقرى.
(ولا وَبَر): هذه الخيام التي يستعملها البدو.
(إلا وأدخله الظلمة ترحةً): حزن وغمّ بأخذ الأموال على غير وجهها وسوم الخسف لأهلها.
(وأولجوا فيه نقمة): المصائب العظيمة.
(فيومئذ): التنوين ها هنا عوض من جملة محذوفة، و قد تقدم ما يرشد إليها، وأراد فيومئذ دخول الظلمة واستعظام أمرهم وغير ذلك.
(لا يبقى لكم في السماء عاذر): يقبل منكم العذرإذا اعتذرتم، من قولهم: عذره إذا قَبِلَ عذره.
(ولا في الأرض ناصر): من ينصركم على ما أنتم عليه من الذل والأخذ.
(أصفيتم بالأمر غير أهله): أصفاه بالأمر إذا آثره به، وأراد أعطيتم الخلافة غير أهلها.
(وأوردتموه غير مورده): وضعتموه في غيرموضعه.
(وسينتقم الله ممن ظلم): أي ويجعل الله النقمة على الظلمة.
(مأكلاً بمأكل، ومطعماً بمطعم): أراد [أن] النَّصَفَةَ من الله تعالى تكون على جهة المساواة والاقتصاص مثلاً بمثل، فيجازي بمآكل الظلم ومشارب الظلم.
(من مطاعم العلقم): وهو شجرطعمه مرّ.
(ومشارب الصبر والمَقِر): ما مرَّ من الأشربة، ويكون أيضاً لباسهم:
(لباس شعار الخوف): الشِّعار: ما يلي الجسم من الثياب.
(ودثِارالسيف): والدِّثار هو: ما فوقه من الثياب أيضاً.
(وإنما هم مطايا الخطيئات): الحمَّالون لأثقالها.
(وزوامل الآثام): الزاملة: بعير يستظهربه الرجل، يحمل طعامه ومتاعه عليه.
(فأقسم): أراد بالله؛ لأن القسم لايكون إلا به، وهو أجل من يحلف به، وفي حديث ابن عمر: ((من حلف بغير الله فقد أشرك )) ، وفي حديث آخر: ((إذا حلفتم فاحلفوا بالله أوفاصمتوا )) .
(ثم لأقسم): بالله مرة ثانية تأكيداً في اليمين ومبالغة فيها.
(لتَنَخْمَنَّها أمية من بعدي ): أراد بذلك خروج الخلافة من أيدي بني أمية وعدم عودها إليهم، والمعنى ليخرجونها ويلفظونها.
(كما تلفظ النخامة): [وأراد بذلك إما سرعة خروجها من أيديهم كخروج النخامة] ، وإما أن يكون سهولة خروجها من أيديهم أيضاً.
(ثم لا تذوقها ولا تتطعم بطعمها): أي لا يتنعمون فيها بمذاق ولا مطعم، كما كانوا من قبل.
(ما كرَّ الجديدان): ما اعتقب الليل والنهار، كما قال ابن دريد:
إنَّ الجديدين إذا ما استوليا ... على جديدٍ أَدْنَيَاهُ للبَلى
(ولقد أحسنت جواركم): مجاورتي لكم ببذل النصيحة لكم والقيام فيكم بأمر الله تعالى.
(وأحطت بجهدي من ورائكم): أي كان رعايتي لكم بمنزلة من جعل لكم حائطاً من وراء أظهركم يحوطكم به، لا تؤتون من ورائكم.
(وأعتقتكم من ربَق الذل): واحدتها ربقة، وهي: عرى تجعل لأولاد الضأن.
(وحَلَقِ الضيم): الضيم: الظلم، وأراد إما حلق الظلم وهي المعاملة به، وإما حلق الظلم جمع حلقة مثل نعمة ونعم.
(شكراً مني للبر القليل): أي فعلت ذلك معكم شكراً مني لما يلحقني من بركم القليل.
(وإطراقاً): أطرق إذا سكت وخفض بصره إلى الأرض.
(عمَّا أدركه البصر): رأته عيني.
(وشهده البدن): من سوء المعاملة والنكوص عند الأمر والمخالفة لي.
(من المنكر الكثير): من الأمر الذي ينكره العقل، وتأباه الطبائع العالية، والنفوس الأبية من المعاملة لمثلي به.