(ما أرانا من غوامض حكمته ): ما هذه موصولة، وغوامض الحكمة: خفاياها التي لاتنتهي العقول إلى معرفتها.
(في هذه الخفافيش): في هذه متعلقة بأرانا جعلها ظرفاً للرؤية.
(الت‍ي يقبضها الضياء الباسط لكل شيء): يكفها ويجمعها عن التصرف والاضطراب هذا النور الباسط، أرادبه إما المنبسط نوره على كل شيء، وإما الباسط لكل شيء في تصرفه وذهابه، وتحركه واضطرابه.
(ويبسطها الظلام): أي وتكون متصرفة فيه، محكمة لأرزاقها من أجله.
(القابض لكل حي ): إذ كل شيء يكون مكفوفاً فيه لاسوداده، واستحالة الذهاب فيه، فلا حي إلا وهو ساكن فيه واقف عن الذهاب، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً}[النبأ:10-11].
(وكيف عشيت أعينها): العشا: سوء البصر، يقال: ناقة عشواء إذا كانت لا تبصر.
(عن أن تستمد بالشمس المضيئة نوراً): أراد أن من العجب العظيم فساد أبصارها بما يكون من ملا قاتها للشمس، واستمدادها منها بخلاف سائر الأبصار فإنها لا يمكن إبصارها إلا باستمدادها من هذه الأنوار كلها.
(تهتدي به في مذاهبها): مداخلها ومخارجها، وطلب أرزاقها وإصلاح حالها.
(وتتصل بعلانية برهان الشمس): أي وأعشى أبصارها عن الاتصال بظهور سلطان الشمس.
(إلى معارفها): أوصالها وأطرافها، يقال: امرأة حسنة المعارف يعني الوجه واليدين.
(وردعها): كفَّها.
(بتلألؤ ضيائها): تلألأ البرق إذا لمع، والضياء هو: النور، والضمير للشمس.
(عن المضي في سبحات إشراقها): عن التصرف في أنوارها السابحة عند قوة نورها وغلبته.
(وأكنَّها في مكامنها ): غطَّاها في مواضعها الساترة لها.
(عن الذهاب): التصرف والاضطراب.

(في بلج ائتلاقها): البلجة: الإشراق، وفي الحديث: ((كان رسول الله أبلج الوجه )) أي مشرقه، والائتلاق: اللمعان، يقال: تألق البرق إذا لمع، وأراد أن إشراق الشمس ولمعان ضوئها هو المانع لها عن الذهاب.
(فهي مسدلة جفونها): مرخية، من أسدل ثوبه إذا أرخاه أهداب عيونها.
(بالنهار على أحداقها): لما يبهرها من ضوء الشمس ونورها.
(وجاعلة الليل سراجاً تستدل به): تجعله دلالة لها.
(في التماس أرزاقها): في تحصيل ما قسمه الله لها من الأرزاق.
(فلا يَرُدُّ أبصارها): يكفُّه ويرجعه.
(أسداف ظلمته): السدفة هي: الضوء والظلام، وهو من النقائض، وأراد ها هنا إطباق الظلمة وترادفها.
(ولا تمتنع من المضي فيه): لحوائجها وقضاء مآربها.
(لغسق دُجُنَّتِه): الغسق هو: أول الليل، والدُّجُنَّة: الظلام.
(فإذا ألقت الشمس قناعها): أراد طلوعها بمنزلة من يحسر عن رأسه قناعه.
(وبدت أوضاح نهارها): الوضح: الضوء والبياض، وأراد بدت أزاهيرها.
(ودخل إشراق نورها): أنوارها المشرقة المضيئة.
(على الضِّباب): جمع ضَبٍّ.
(في وِجارها): بالجيم وهو: موضعها لأنها تسكن في المغارات، والمداخل الضيقة، وأراد بذلك امتداد نورالنهار واستطالته.
(أطبقت الأجفان): أجفان أعينها وأشفارها .
(على مآقيها): جمع موق وهو: طرف العين مما يلي الأنف، واللحاظ: طرفها مما يلي الأذن.
(وتبلغت بما اكتسبته من المعاش): وجعلت لها بلغة ما تكتسبه مما يعيشها ويقيتها.
(في ظلم لياليها): في متعلقة بقوله: اكتسبته؛ لأن الا كتساب إنما يكون في الليل دون النهار.
(فسبحان): يُنزَّه تنزيهاً، وانتصابه على المصدرية.
(من جعل الليل لها نهاراً و معاشاً!): تتصرف فيها بالورود والصدور لاكتساب المعاش.

(والنهار سكناً وقراراً!): تسكن فيه وتقرُّ على عكس ما تكون عليه [سائر] الحيوانات غيرها.
(وجعل لها أجنحة من لحمها): بخلاف غيرها من سائر الطير، فإن أجنحتها قصب وريش وعظام مشتبكة.
(تعرج بها عند الحاجة إلى الطيران): ترتفع بها عند طيرانها.
(كأنها شظايا الآذان): قطعها ، واحدتها شظية .
(غير ذوات ريش): أي لا ريش لها.
(ولا قصب): يتصل به الريش.
(إلا أنك ترى مواضع العروق): المتصلة بها.
(بينة أعلاماً): واضحة، وأعلاماً انتصابه على التمييز بعد الفاعل أي واضحة أعلامها أو يكون حالاً بعد حال، أي واضحة معلَّمة.
(لها جناحان): للطيران.
(لما يرقَّا): ليسا رقيقين.
(فينشقَّا): يتقطعا ويتخرقا، وحذف النون للنصب لأنه جواب النفي.
(ولما يغلظا): أي لا غلظ بهما.
(فيثقلا): عليها عند طيرانها.
(تطير): في الجو.
(وولدها لاصق بها): لا يفارقها أبداً كغيرها من الطير.
(لاجئ إليها): أي لا ملجأ له إلا هي.
(يقع إذا وقعت): يهبط معها إذا هبطت الأرض.
(ويرتفع إذا ارتفعت): عند طيرانها.
(لا يفارقها): لعدم استقلاله بحاله.
(حتى تشتد أركانه): تتقوى أوصاله كلها.
(ويحمله للنهوض جناحه): ويكون آلة له عند الطيران به.
(ويعرف مذاهب عيشه): كيف يهتدي لاصلاح معيشته.
(ومصالح نفسه): في النفع ودفع الضرر.
(فسبحان الباري لكل شيء): الموجد للأشياء كلها.
(على غير مثال): يحتذي عليه، ويكون إماماً له فيما خلق وقدَّر وابتدأ وأحكم وصوَّر.
(خلا من غيره!): سبق وتقدم من مخالف له، فانظر إلى عجيب وصفه لهذا الجنس من المخلوقات، ما ألطفه وأدله على إحكام القدرة الباهرة.

(147) ومن كلام له عليه السلام خاطب به أهل البصرة على جهة الملحمة
(فمن استطاع عند ذلك ): يشير إلى كلام قد ذكره فيه اقتصاص للملاحم .
(أن يعتقل نفسه على الله فليعتقل ): يحبسها في سبيل الله ولأجله، من قولهم: اعتقل لسانه إذا حبس عن الكلام، وأراد أنه يُقْتَلُ صابراً لله تعالى.
(فإن أطعتموني): [فيما آمركم به من أحكام الدين] .
(فإني حاملكم إن شاء الله): بمشيئة الله، وإرادته وتقديره.
(على سبيل الجنة): التي من سلكها أوصلته إليها.
(وإن كان ذا مشقة): صعوبة لما يعرض فيها من العوارض.
(شديدة): بالغة في الشدة مبلغاً عظيماً.
(ومرارة ): في طعمها.
(مريرة): مبالغة في مرارتها، كما يقال: كريم مكرم.
(وأما فلانة): يعني عائشة.
(فأدركها رأي النساء): أراد أنه استولى عليها لضعفها، وهو أنه كما قال صلى الله عليه وآله: ((شاوروهنَّ وخالفوهنَّ )) ، ولما فيهنَّ من ضعف العقل حيث كانت شهادة اثنتين منهنَّ بمنزلة شهادة رجل واحد.
(وضغن): حقد وغيظ.
(غلا في صدرها): تحرك واضطراب.
(كَمِرْجَلِ القَيْنِ): القين: الحداد، وإنما خصَّ مِرْجَلَهُ؛ لأنه يكون أغلى من سائر المراجل؛ لشدة وقيد النار تحته، يشير بذلك إلى ما كان قد وجدت في قلبها عليه في حديث الإفك على استشارة رسول الله إياه فقال: (لم يضيق [الله] عليك النساء) فلم يزل ذلك يحيك في صدرها حتى ماتت.
(ولو دعيت لتنال من غيري): من البغي عليَّ وقتالي، وتأليب الناس في حربي.
(ما أتت إليَّ): من ذلك الذي فعلته معي.
(لم تفعل): مخافة لله تعالى، وتعظيماً لحرمة الدين.

وروي أنه لما جاء ها الخبر وهي تطوف بالكعبة، فقالوا: قتل عثمان، فقالت: وَمَهْ؟ فقالوا: وبايع الناس أمير المؤمنين، فقالت: والله ليوم من عثمان خير من علي الدهر كله، مع أنها قد أنكرت على عثمان غاية الإنكار، وقالت لهم: اقتلوه .
(ولها بعد): الضمير لعائشة، وبعدها هنا ظرف مقطوع عن الإضافة، والتقدير فيه ولها بعد فعلها ما فعلته في حقي.
(حرمتها الأولى): وهو مكانها من رسول الله، وفضلها وتقدمها في العلم والصحبة.
(والحساب على الله!): فيما فعلته معي، ولله درُّه فما أكثر حلمه، وأكرم خلائقه {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ }[المائدة:54].
واعلم: أن هلاكها بخروجها على أمير المؤمنين غير خاف على أحد من العلماء، وأهل الفضل وفسقها بالبغي عليه وقتاله وحربه، لما قد تقرر بالبراهين ثبوت إمامته، والخارج عليه لا شك في بغيه وفسقه، ولكن الله عزَّ سلطانه تداركها بالتوبة والندامة رحمة من الله تعالى ولطفاً بها، ورعاية لحق رسول الله صلى الله عليه وآله.
وحكي أن رجلاً سأل الباقر عليه السلام عن عائشة؟ فاستغفر لها.
فقال: أتستغفرلها وتتولاها؟
فقال: نعم؛ أما علمت أنها كانت تقول: ياليتني كنت شجرة، ياليتني كنت مدرة، وذلك توبة وندامة .
وروي عن الحسن البصري أنه قال: قالت عائشة: لأن أكون جلست في منزلي من مسيري ذاك أحبُّ إليَّ من أن يكون لي عشرة أولاد من رسول الله، كلهم مثل ولد الحرث بن هشام وأثكلهم .
وروي عنها أنها قالت: لوددت أني عضو رطب ، وأني لم أسر في هذا الأمر تعني يوم الجمل.

فهذه الأمور كلها وغيرها مما روي عنها فيها دلالة ظاهرة على توبتها وندامتها؛ وكيف لا وقوله تعالى في آخر آية الإفك: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }[الأنفال:74].
وما روي عن عمار أنه قال: إنها زوجته في الدنيا والآخرة ؛ يدل على توبتها لامحالة قطعاً ويقيناً.
وقول أمير المؤمنين: لها حرمتها الأولى، ولوأصرت على فسقها لم يكن لما قاله وجه، فلا جرم وجب توليها والترضية عنها، والاستغفار لها رضي الله عنها وأرضاها وعفا عنَّا وعنها.
(سبيل أبلج المنهاج): أراد الإسلام والدين، وأراد واضح الطريق لمن سلكه.
(أنور السراج): سراجه منير لمن استضاء به.
(فبالإيمان يستدل على الصالحات): أراد أن من علمنا إيمانه فإنه دلالة لنا على أنه فاعل للأعمال الصالحة، [وآتٍ بها.
(وبالصالحات يستدل على الإيمان): ومن علمناه أتى بالأعمال الصالحة] فإنها تكون دلالة لنا على إيمانه لامحالة، فأحدهما دلالة على الآخر متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا يؤيد ماذهبنا إليه من أن الإيمان عبارة عن عمل القلب وعمل اللسان، وعمل الجوارح جميعاً، وهو مذهب أكثر السلف.
(وبالإيمان يعمر العلم): لأنه لاعمارة للعلم إلابالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، وكل علم لم تكن هذه حاصلة فيه فهو خراب لافائدة وراءه، ولا طائل تحته.
(وبالعلم يرهب الموت ): أراد أن من علم الأمر وتحقق حال الآخرة واشتمالها على تلك الأهوال، وتضمنها للفجائع العظيمة؛ فإنه يرهب الموت لأنه هو أولها وبه يتحقق الأمر فيها.
(وبالموت تختم الدنيا): من حيث كان آخرها، وغاية أمرها ومنتهاها.
(وبالدنيا تحرزالآخرة): بالأعمال الصالحة التي يقع بها الفوز في الآخرة وإحراز ثوابها.

(وإن الخلق لا مَقْصَرَ لهم عن القيامة): الْمَقْصَرُ مَفْعَلُ من القصور، وهو: التأخر، وأراد أنهم لا يقصرون دون البلوغ إلى الآخرة، والحصول فيها.
(مرقلين): حال من الخلق، والإرقال هو: فوق السير ودون الجري.
(في مضمارها): المضمار: موضع ارتباط الخيل للسباق.
(إلى غاية القصوى): إلى منتهى الرجعة القصوى، أي أنها منتهى الغايات وقصاراها، وإضافة الغاية إلى القصوى مثل إضافة مسجد الجامع فلا بد من تأوليها، كما أشرنا إليه.
(قد شخصوا): ظهروا.
(من مستقر الأجداث): من أماكن القبور ومواضعها.
(وصاروا إلى مصائر الغايات): إلى موضع غاية كل شيء، وهو الآخرة والقيامة.
(لكل دار أهل): فأهل الجنة هم أهل الطاعة، وأهل النار هم أهل المعصية.
(لا يستبدلون بها): أما أهل الجنة فلا يستبدلون لما هم فيه من النعم، وأما أهل النار فلا يستبدلون لخلودهم فيها.
(ولا ينقلون عنها): إلى غيرها فهم خالدون فيهما خلوداً لا انقطاع له.
(وإن الأمر بالمعروف): وهو كل ما كان مأموراً به عقلاً أوشرعاً.
(والنهي عن المنكر): وهوكل ما كان منهياً من جهة العقل أو الشرع.
(يخلقان من خلق الله): إما بأن يقرر الله في العقول قبح هذا أأوحسن ذاك، وإما بأن يرد الشرع بآي محكمات بمثل ذلك، وما هذا حاله فهو من خلق الله.
(وإنهما لا يقربان من أجل): فيكون ذلك داعياً إلى التأخر عن إنفاذهما والقيام بهما.
(ولا ينقصان من رزق): فيكون ذلك داعياً إلى تركهما، والمصانعة فيه.
(وعليكم بكتاب الله): إغراء لهم بملازمة القرآن والتعلق به.
(فإنه الحبل المتين): الشديد فلا ينقطع.
(والنور المبين): الضياء المنكشف.
(والشفاء): من جميع الأدواء.
(النافع): من الأسقام.

(والري): من عطش الأكباد، وظمائها.
(الناقع): القاطع للعطش، يقال: شرب حتى نقع أي شفى غليله.
(والعصمة): المانعة من الزلل.
(للمتمسك): بها.
(والنجاة): من جميع الأسواء.
(للمتعلق): بها.
(لا يعوج): لا يعتريه الميل ويلحقه.
(فيقام): فيحتاج إلى مقوِّم يقيمه من عوجه.
(ولا يزيغ): عن طريق الحق.
(فيستعتب): يرجع عما يخالف الحق، من قولهم: أعتب فلان إذا رجع عن أمركان فيه إلى غيره.
(ولا يخُلقه): يدرسه.
(كثرة الرد): الترداد على الألسنة بخلاف سائر الكلامات، فإنه إذا كثر تكراره استركَّ وملَّ واسترذل.
(وولوج السمع): ودخوله في الأسماع لايخلقه أيضاً.
(من قال به صدق): أراد أن كل قول كان موافقاً له فهو صدق.
(ومن عمل به سبق): أراد ومن عمل على حكمه سبق إلى الجنة، أوكان سابقاً إلى الأعمال الصالحة المرضية المتقبلة ، والأفعال المبرورة.
وقام إليه رجل فقال له: أخبرنا عن الفتنة، هل سألت عنها رسول الله؟
(فقال عليه السلام: لما أنزل الله قوله: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون }[العنكبوت:1-2] علمت أن الفتنة لا تنزل فينا ومعنا رسول الله بين أظهرنا، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة الت‍ي أخبرك الله بها)؟
فقال: (((يا علي، إن أمت‍ي سيفتنون بعدي ))).
(فقال : يا رسول الله، (أليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من المسلمين من استشهد): قتل منهم من قتل في سبيل الله مثل حمزة، وغيره من الشهداء.
(وحيزت عن‍ي الشهادة): أخِّرت إلى حيث أراد الله وعلم من حالها.
(فشق ذلك عليَّ): تأخرها عني، وصرفها في ذلك اليوم.
(فقلت لي: ((أبشر فإن الشهادة من ورائك )) فقال لي رسول الله:

((إن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذاً !)) فقلت: يا رسول الله: ليس هذا من مواطن الصبر): لأن الصبر إنما يكون على المكاره، والأمور المنفِّرة.
(ولكن هذا من مواطن البشرى): بالجنة.
(والشكر): على حصول الشهادة.
قال: ((ياعلي، إن القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنون بدينهم على ربهم، ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع)).
(قلت: يارسول الله، فبأي المنازل أنزلهم؟): أي حكم أسير بهم، وأعاملهم به إذا كانوا على هذه الصفة.
(أبمنزلة ردة): كفر ورجوع عن الإسلام والدين.
(أو بمنزلة فتنة): افتتان بما ذكر والإسلام مسترسل عليهم.
(فقال لي ((بمنزلة فتنة ))) : وفي هذا وجهان:
أحدهما: أنَّ ارتكابهم لهذه المعاصي يكون فسقاً، وإن لم يكن كفراً.
وثانيهما: أن يريد أنَّها معصية يجب إنكارها على صاحبها، وإن لم تكن فسقاً ويعزّر على فعلها ، كما يقال في حال من جامع امرأة أو قبَّلها، فأما الكفر فقد قال: إنَّها لا تكون كفراً ولا رِدَّة، وكم من المعاصي ما لا يعلم حاله في كونه كبيرة كفراً أو فسقاً، فيجب التوقف في ذلك حتى يظهر دليل.

(148) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها أحوال الآخرة
(ال‍حمد لله الذي جعل ال‍حمد مفتاحاً لذكره): فيه وجهان:
أما أولاً: فأن يريد [أن] الإنسان إذا أراد ذكر الله تعالى بالصفات الشريفة، وتقديسه بالأسماء الحسنة، فلا بد من تقديم ذكر الحمد، كما يفعل في الخطب والمواعظ.
وأما ثانياً: فأن يريد أن الإنسان لا يمكنه أن يقول لله إلا بعد أن يقول الحمد.
(وسبباً للمزيد من فضله): إما بالزيادة من النعم، كما قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ }[إبراهيم:7]، وإما بالزيادة في الآخرة لأجل استحقاقه بالشكروالحمد.
(ودليلاً علىآلائه): لأن إيجاب الحمد إنما يكون في مقابلة النعم في أكثر أحواله وأغلبها، فلهذا كان دليلاً على الآلاء.
(وعظمته): لأن الحمد هو الثناء الحسن، وهو إنما يستحقه إما لمكان اختصاصه بالصفات الإلهية، وإما لمكان نعمته الظاهرة والباطنة، وكل هذا دلالة على عظمته وجلاله.
(عباد الله، إن الدهر يجري بالباقين): يذهب بهم إلى الموت والقبر.
(كجريه بالماضين): كما ذهب بالماضين من القرون إلى ذلك.
(لا يعود ما قد ولَّى منه): من أيامه الماضية أبداً.
(لا يبقى سرمداً ما فيه): هذا فيه تقديم وتأخير، ومعناه لا يبقى ما فيه من أموال ونفائس، وخير وشر، وغم وسرور، وفرح وترح، سرمداً أي ينقضي يوماً فيوماً، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، وحقباً بعد حقب إلى الغاية التي قدرها الله وقضاها.
(آخر أفعاله كأوله): في النقص والزوال، والعدم والانقطاع.

81 / 194
ع
En
A+
A-