(إذ لا مربوب): يعني أنه مستحق للربوبية، والإلهية في الأزل، ولا مربوب هناك يوجد لاستحالة وجوده.
(وقادر): موصوف بالقادرية ومن حيث كانت قادريته هي ذاته وذاته حاصلة في الأزل، فلهذا حكمنا عليه بالقادرية في الأزل.
(إذ لا مقدور): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد إذ لافعل هناك في الأزل؛ لا ستحالة وجوده هناك.
وثانيهما: أن يريد أنه لا مقدور هناك؛ لأن من حق المقدور أن يكون مما يصح إيجاده، ويكون ممكناً، وهذا غير حاصل في الأزمنة الأزلية فإنه لا يصح فيها حدوث حادث أصلاً، وفيه بحث دقيق يليق بالمقاصد الكلامية، وقد ذكرناه بالكتب العقلية، وأنهينا فيه القول نهايته.
(قد طلع طالع): أراد بذلك ظهور رسول الله صلى الله عليه وآله.
(ولمع لامع): بالخير والإرشاد إلى طريق الهداية.
(ولاح لائح): بمعالم الدين، وأحكام الشريعة.
(واعتدل مائل): أراد واستقام به من الدين ما كان مائلاً لولاه بتوحيد الله دون عبادة الأوثان، وبعبادته دون الإشراك بغيره، ولا اعتدال أعظم من هذا.
(واستبدل الله قوماً بقوم) : بالمؤمنين عن الكافرين، وبأهل الجاهلية أهل الشريعة المحمدية، وبمن عبد الطاغوت والأوثان من وحدَّ الله وعبد الرحمان.
(وبيوم يوماً): أيام الجاهلية وبدعها، أيام الإسلام وسننها، أوبأيام النيروز والسعانين يوم الجمعة وأيام العيدين، أوبيوم عاشوراء شهر رمضان.
(وانتظرنا الغير): أراد بأهل مكة في أول زمان النبوة فإنهم كانوا يومئذ في ضيق وضنك منهم، ومشقة من علاجهم، فانتظروا بهم غِيَر الدهر وتقلباته فأدال الله منهم وصغَّرهم، وأذلَّهم بالإسلام.
(انتظار المجدب المطر): فإن انتظاره له انتظار حاجة، والفرج يكون أكثر.
(وإنما الأئمة قوام الله على خلقه): يستقيم بهم أمر الله تعالى ونهيه، ويمضي بهم أحكام الشريعة، ويؤخذ بهم للضعيف من القوي، ويتقوى بهم الإسلام والدين قوة ظاهرة، ومن ثمَّ عظم أمرهم عند الله، وكانوا عنده في أعلى المراتب، وفي الحديث: ((السلطان ظل الله في الأرض ، يأوي إليه كل مطرود ملهوف)) .
(وعرفاؤه على عباده): العريف هو: الرئيس لكل جماعة، وفي الحديث: ((لكل قرية عريف، والعرفاء في النار )) .
(لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه): يشير بذلك إلى أن نصب الإمام واجب على المسلمين، فإنه يجب عليهم طلبه والاهتمام بأمره، ويجب عليهم معرفته لما عليهم فيه من التكاليف العظيمة، من نصرة الدين والجهاد معه لأعدائه، فمن قام بهذه الواجبات كان مستحقاً للجنة لا محالة.
(ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه): أراد أنهم إذا لم ينظروا في وجوب نصب الإمام أو يكون قائماً، ولا ينصرونه ويعضدونه ، ولا يعرفون حاله، فإن ذلك يكون منهم تركاً لما وجب عليهم، ويحصل لهم الإثم في ذلك، فلا يمتنع استحقاقهم للنار بذلك إذا كان عند الله كبيرة.
(وإن الله خصهم بالإسلام): بإظهار أحكامه، وتقوية قواعده، وتأسيس أركانه، والنصرة له، والذب عنه ، والجهاد لأعدائه.
(واستخلصهم له): إما اختصهم الله لنفسه بأن أكرمهم ورفع درجاتهم عنده، وإما اختصهم للإسلام وجعلهم أمناء عليه، وكل ذلك عناية من الله لهم في كلتا الحالتين، يقال: استخلص هذا لنفسه إذا كان مختصاً به .
(وذلك): إشارة إلى الاستخلاص.
(لأنه اسم سلامة): الضمير للإسلام، أراد أن اشتقاق الإسلام من السلامة فسمي إسلاماً من أجل ذلك.
(وجماع كرامة ): الجماع: ما ضمَّ أعداداً متفرقة، محمودة كانت أو مذمومة، كما ورد في الحديث: ((الخمر جماع الإثم )) أي أنه جامع لخصال كريهة.
(اصطفى الله منهجه): اختار الله طريقه فجعلها من أيمن الطرق وأوضحها، وجعل أسبابه أقوى الأسباب وأوضحها.
(وبيَّن حججه): أظهرها وأوضحها للناظرين في صحتها واستقامتها، وجعله على وجهين:
(من ظاهر علم): أي علم ظاهر لا يحتاج إلى نظر واستدلال.
(وباطن حكم): أي وحكمة باطنة تحتاج إلى استثارة بدقيق الأنظار وخفيها.
(لا تفنى غرائبه): أسراره ومعانيه الغريبة.
(ولا تنقضي عجائبه): أحكامه العجيبة، ومراتبه العالية، ومنازلة الشريفة.
(فيه مرابيع النِّعم): المرباع هو: الربع، والمعشار هو: العشر، ولم يرد في الأعداد على هذا البناء سواهما، وجمعه مرابيع هكذا، قال قطرب : وأحسب أن مراد أمير المؤمنين اشتقاقه من الربيع، وهو أحسن أيام السنة، والمربع هو: منزل القوم في الربيع.
قال لبيد:
رزقت مَرَابِيْعَ النجومِ وصابُّها ... وَدَق الرواعد جودُها ورهامُها
وأراد أنه أفضل النعم كما أن الربيع أفضل أيام السنة.
(ومصابيح الظلم): جمع مصباح، وهو: السراج.
(لا تفتح الخيرات إلا بمفاتحه ): جمع مفتح، أي أن الأعمال الصالحة لا يمكن تحصليها إلا به من حيث كان أصلاً لها، وقاعدة لمهادها.
(ولا تكشف الظلمات إلا بمصابحه ): جمع مصبح، وأراد أن الظلمات الكفرية لا يمكن إزالتها وإبعادها إلا بالتلبس به واستعماله.
(قد أحمى حِماه): أي جعله الله حمىً لا يمكن استباحته لأحد، وفي الحديث: ((لا حمى إلا لله ولرسوله )) .
(وأرعى مرعاه): أي جعله مرعى ينعم فيه أهله، من أهل الدين والتقوى.
(فيه شفاء المشتفي): أي الشفاء لمن اشتفىبه من كل داء يصيبه.
(وكفاية المكتفي): أي وكفاية لمن استكفى به عن غيره من الأديان.
واعلم: أن كلامه في هذه الخطبة فيه دلالة على وجوب نصب الأئمة، ولا خلاف في وجوبه إلا ما يحكى عن شذوذ لا عبرة بهم، مسبوقون بالإجماع، وإنما الخلاف في طريقها، فقائل: بالعقل، وقائل: بالشرع، وقائل: بهما جميعاً، ولا خلاف بين من أوجبها أنها واجبة بالشرع، وأقوى برهان على ذلك من جهة الشرع، هو أن الصحابة رضي الله عنهم تركوا ماهو الأهم من دفن رسول الله، وغسله وأبكروا إلى السقيفة، ثم أقبلوا على الاشتوار فلولا فهمهم لوجوب ذلك، وحرجهم بتركه لما فعلوا ذلك، فهذا دليل قاطع على وجوب نصبه لا محالة.
(144) ومن خطبة له عليه السلام يذكرفيها الآخرة
(وهو في مهلة من الله): إمهال نفَّسه الله له، وهو تأخر الأجل وامتداده، وأراد ابن آدم.
(يهوي): هَوِي بالكسر يهوى بالفتح، إذا أحبَّ، وهوى بالفتح يهوي بالكسر إذا سقط أو سار، وأراد ها هنا أنه يسير:
(مع الغافلين): عن الله وعمَّا يتوجه من الطاعة له.
(ويعدو): بالعين، والغين كلاهما وسماعنا بهما، وأراد أنه ينتقل.
(مع المذنبين): الجامعين للذنوب، الحاملين لها على ظهورهم فهو على هذه الحالة ينقلب:
(بلا سبيل قاصد): من غير أن يسير على طريق عادلة.
(ولا إمام قائد): له إلى الخير، والتزام أمر الله وطاعته.
(حتى إذا كشف لهم): حتى هذه متعلقة بمحذوف تقديره: فهم مستمرون على ما هم عليه من المخالفة حتى إذا ظهر لهم من الله.
(عن جزاء معصيتهم): من العقاب في الآخرة.
(واستخرجهم من جلابيب غفلتهم): جلابيب: جمع جلباب، وهو رداء غامر لمن ارتدى به، وأراد أن الله استخرجهم مع شمول الغفلة لهم في الدنيا، وانهماكهم في الذهول عمَّا يراد منهم فيها.
(استقبلوا مدبراً): إما أقبلوا إلى الدنيا مع إدبارها عنهم، وإما استقبلوا ندامة غير نافعة لهم الآن.
(واستدبروا مقبلاً): إما الآخرة أعرضوا عنها مع إقبالها، وإما تركوا الأعمال الصالحة مع تمكنهم من فعلها في الدنيا.
(فلم ينتفعوا بما أدركوا من طَلِبَتِهم): الطَلِبَة هي: الطلب، وأراد أنهم فيما أحرزوه من اللذات في الدنيا ما عادت عليهم بنفع.
(ولا بما قضوا من وطرهم): الوطر: الحاجة، أي ولا نفعهم ما قضوه من أوطارهم فيها؛ لفوات ذلك من أيديهم، وانقطاعه الآن عن أنفسهم.
(وإني أحذركم ونفسي هذه المنزلة): قدَّم في التحذير أنفسهم جرياً على عادته في المبالغة في النصيحة، وإبلاغ الموعظة، وعنى بهذه المنزلة ما أصبحوا فيه من انقطاع الدنيا ولذتها، وبقاء تَبِعَتِها، وإقبال الآخرة وثواب نعيمها، فنعو ذ بالله من الخذلان، وخسارة الأنفس.
(فلينتفع امرؤ بنفسه): ينفعها بالإقبال على ما يكون فيه إحراز الآخرة، والفوز بها.
(فإنما البصير): إما العاقل لأنه ذو بصر، وإما المبصر بعينيه العظات.
(من سمع): هذه المواعظ، أو أخبار الأولين من القرون الخالية.
(فتفكر ): فيها وفي عاقبة أمره، وما يؤول إليه حاله.
(ونظر): بقلبه في الأمور أو تأمل بعينيه إلى تصرفات الدهر، وتقلباته بأهله.
(فأبصر): إما استبصر بعقله، أو أبصر بعينيه.
(وانتفع بالعبر): جمع عِبْرة، وهو ما يراه من هذه المواعظ فإنها نافعة لمن اتعظ بها وتذكَّر لمن أقبل عليها بقلبه.
(ثم سلك جدداً): طريقاً مستوياً.
(واضحاً): جلياً من مسالك الهدى، وطرق السلامة عن الهلاك والردى.
(يتجنب فيه الصرعة في المهاوي): جمع مَهْواة، وهي: الحفرة العميقة.
(والضلال في المغاوي): جمع مَغْواة، من قولهم: غوى عن الطريق إذا لم يهتد لصوابها وسلوكها، وغرضه من هذا كله هو الاستقامة على الدين واتباع آثاره.
(ولم يعن على نفسه الغواة): أي أن السلامة إنما تكون بفعل ما ذكرناه، وبأن لا يكون عوناً لمن كان غاوياً، حائداً عن الطريق من الخلق، على نفسه بأفعال يفعلها إما:
(بتعسف في حق): بالعدول عن الحق، إما بأخذ حق غيره، وإما بالزيادة على حقه فيكون ظالماً في الحالين جميعاً.
(أو تحريف في نطق): كذب، إما في شهادة زور ، وإما يقول على الغير مالم يفعل .
(أو تخوف من صدق): أو يخاف خوفاً من الصدق فيدعوه ذلك إلى الكذب على الله، أو على رسوله، أو على المؤمنين فارتكاب هذه الخصال كلها مُعِيْنَةٌ لا محالة للغواة على النفس بإهلاكها.
(فأفق أيها السامع عن سكرتك): لهذه المواعظ الشافية عن سكرة الغفلة.
(واستيقظ عن غفلتك): اطلب اليقظة عن الإعراض بالتغافل عمَّا حذّرت منه.
(وأنعم الفكر ): من قولهم: نَعُمَ الشيء بالضم يَنْعَمُ نُعُوْمَةً إذا صار ناعماً ليناً، وأراد استقامة الفكر والتحذير عن الزلل فيه؛ فإنه كثير ما يعرض، ومن ثمَّ عظم الخطأ لسائر الفرق إلا من وفق الله وعصمه.
(فيما جاءك على لسان النبي الأمي): من الحكم والمواعظ والإخبار عمَّا كان وعمَّا هو كائن في الكتاب والسنة، فإنهما كلاهما مأخوذتان عنه.
(مما لا بد منه): من الأرزاق والآجال والأمورالكائنة.
(ولا محيص عنه): من الأقضية والمقادير.
(وخالف): جانب.
(من خالف ذلك): واتبع خلافه، وعدل عنه.
(إلى غيره): فإنه باطل لا ثمرة له ولا طائل تحته.
(ودعه وما رضي لنفسه): من ذلك، وهذا فيه دلالة على وجوب الالتفات إلى صلاح الإنسان لنفسه، ووجوب إصلاح الخلق؛ إنما هو على طريق الكفاية، كما قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }[المائدة:105].
(وضع فخرك): افتخارك على الناس، فإن الفخر كله في تقوى الله دون غيره، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }[الحجرات:13].
(واحطط كبرك): تكبرك وتعاليك على الناس، وفي الحديث: ((ما من آدمي إلا وفي رأسه حَكَمَة بيد ملك، فما تواضع إلا رفعه، ولا تكبر إلا وضعه)).
(واذكر قبرك): وحشته، وظلمته، ورائحته، ودوده، وبلاه وعظائمه.
(فإن عليه ممرك): بكرة وعشياً في الأرض، وعن قريب وأنت كائن فيه ومُضَمَّنٌ إياه.
(وكما تدين تدان): تجازي تجازى، أي كما تفعل من خيرأو شر يفعل بك مثله، قال تعالى: {أءِنَّا لَمَدِينُونَ }[الصافات:53] أي مجزيون محاسبون.
(وكما تزرع تحصد): فمن يزرع الشر يحصد الندامة، ومن يزرع المعروف يحصد الكرامة.
(وما قدمت اليوم): من عمل سيء، أو حسن في الدنيا.
(تقدم عليه غداً): على جزائه في الآخرة من ثواب أوعقاب.
(فامهد لقدمك): مهَّد المكان إذا وطَّأه، أي وطِّئ الأرض لتستقر قدمك عليها كيلا يعظم عثارك، وهو مجاز ها هنا في الأعمال الصالحة.
(وقدم ليومك): أراد وقدم أعمالك من أجل يومك الذي توعد به وهو يوم القيامة.
(فالحذر الحذر): إغراء بالتحذير في الأمور كلها، وانتصابه بإضمار فعل أي الزم الحذر.
(أيها السامع): لما قلته من هذه المزال المردية والوقوع فيها.
(والجدَّ الجدَّ ): جدَّ في الأمر إذا بالغ فيه، واهتم بحاله أي الزم الجدّ .
(أيها الغافل): عمّا يراد به من ذلك.
سؤال؛ أراه ها هنا خصَّ السامع بالتحذير، وخصَّ الغافل بالجدِّ، فما وجه التفرقة بينهما، وكل واحد منهما يحتاج إلى الحذر والجدِّ فيما هما بصدده؟
وجوابه؛ هو أن إغفال الموعظة بعد سماعها إعراض عنها، وترك لها بعد وجوب الحجة عليه بها، فلهذا خصَّه بالحذر لما فيه من مزيد المبالغة في التحرز عن ذلك، بخلاف الغافل عن سماعها، فإنه لا محالة أقلّ جرماً لمَّا لم تجب عليه الحجة بسماعها، فلهذا خصَّه بالجدِّ في إزالة الغفلة والتحفظ عنها.
({وَلاَ يُنَبِّئُكَ}): عن هذه اللطائف، ويكشف عن هذه الأسرار البديعة.
({مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر:14]): بها، عالم بحقائقها وتفصيلاتها، ولله دَرُّ أمير المؤمنين فما أشفى مواعظه [وأجلاها] لصدأ القلوب، وأعظم إزالتها لتطخية الخواطر.
(إن من عزائم الله): عزم الأمر إذا قطعه، ولم يتردد فيه، قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }[طه:115] أو من واجباته التي أوجبها.
(في الذكر الحكيم): الكتاب المحكم المتضمن للحكم، أو السالم عن الزلل والقبيح .
(التي عليها يثيب): يعطى ثوابه.
(وعليها يعاقب): يكون عقابه في الآخرة.
(ولها يرضى ويسخط): يكتب رضاه وسخطه.
(أنَّه لاينفع عبداً): أن هذه هي المفتوحة، وهي وصلتها في موضع رفع على الابتداء فلما دخلت أن كانت منصوبة بها، وعبداً منصوباً على المفعولية.
(وإن أجهد نفسه): بفعل الأعمال الصالحة وأتعبها بذلك وأنصبها.
(وأخلص فعله): عن كل ما يشوبه من الرياء وسائر المحبطات له.
(أن يخرج من الدنيا لا قياً ربه): أن هذه في موضع رفع على الفاعلية لقوله: ينفع.
(بخصلة من هذه الخصال): واحدة من هذه الكبائر.
(لم يتب منها): يكون نادماً على فعلها في الدنيا، لأن الندم والتوبة لا معصية معهما، وهما يمحوان كل كبيرة كفراً كانت أو فسقاً.
(أن يشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته): أن في موضع جر بدلاً من قوله: (بخصلة من هذه الخصال) لأنه بيان له، أو عطف بيان عليه، ولهذا معنيان:
أما أولاً: فيريد الشرك بعبادة غير الله من وثن أو صنم.
وأما ثانياً: فيريد بالشرك الرياء بالعبادة فإنه يكون شركاً، لأنه إنما يفعل [من] تلك العبادة من أجل الغير فقد أشرك غير الله في عبادة الله؛ بأن فعلها لمكانه كالعابد لغير الله.
(أو يشفي غيظه بهلاك نفس ): كأن يقتل من لا جرم [له] تشفياً للغيظ ومساعدة للنفس في ذلك.
(أو يقر بأمرفعله غيره): كأن يقول: أنا قتلت فلاناً، وهو يعلم أن غيره قتله فيقتل به، فيكون كالقاتل لنفسه بذلك لما كذب على نفسه.
(أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهاربدعة): أو تكون له حاجة إلى غيره لأفناء الناس فيطلب نجاحها من جهته، فلايمكنه ذلك إلا بإظهار بدعة في الدين وارتكابها.
(في دينه): نحو تبديل دينه بالخروج إلى غيره أو ارتكاب فسق لا خلاف في كبره، أو يدعو إلى بدعة يكون فيها ترك للسنة وإبطال لها.
(أو يلقى الناس بوجهين): يحسِّن إلى هذا ما فعله من القبيح، ويقبِّح إلى هذا مافعله من الحسن، خدعاً ومكراً وتمرداً.
(أو يمشي فيهم بلسانين): يبلِّغ إليك من صديقك ما تكره سماعه منه، ويبلِّغ إلى عدوك فيك ما يحب سماعه منه، فهذه الخصال كلها مهلكة للدين قاطعة له، وظاهر كلامه ها هنا أنها كبائر؛ لأنه جعلها مع الشرك بالله، ولا يقرن بالكبيرة صغيرة ليس مثلها؛ لأنه قال: لا ينفع معها شيء من الأعمال، ولن يكون الأمركما قال إلا وهي كبائر مهلكة لمن ارتكبها، لا شك في ذلك.
(اعقل ذلك): أي افهمه وتدبره؛ فإن من ذكرناه لك ممن هلك أو نجا بأفعاله مماثل لك ومشابه، فخف مما خافوه من ذلك، وارجُ ما كانوا يرجونه منه.
(فإن الْمِثْلَ دليل على شبهِه): فلما بينهما من علقة المشابهة كان دليلاً عليه.
(إن البهائم همُّها بطونُها): لا همَّ لها في شيء من الأمور إلا قضاء أوطارها من الشهوات من الأكل والشرب، وحطَّ عنها ما سوى ذلك.