يحكى أنه لما ضربه اللعين عبد الرحمن بن مُلجم على قرنه، جاء الطبيب إليه، فأدخل رئة على رأس المجس، ثم أخرجها فوجد مخ الدماغ عليها، فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك، فإن عدو الله قد بلغ ، فعرف ذلك عليه السلام فقال:
(أما وصيتي فلا تشركوا بالله شيئاً ): أي لا تتخذوا من دونه شريكاً [له] في العبادة، كما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }[النساء:36].
(ومحمداً صلى الله عليه وآله فلا تضيعوا سنته): أي لا تتركوها ضائعة عن العمل بها فإن (( من رغب عن سنتي فليس مني)) ، قاله صلى الله عليه وآله.
(أقيموا هذين العمودين): جانب الله تعالى، وجانب رسوله.
(وأوقدوا هذين المصباحين): واستعار لهما اسم المصباحين؛ لما فيهما من النور والهداية في الدين والدنيا.
(وخلاكم ذم): أي والذم بريء عنكم لا يخالطكم، وجاوزكم .
(ما لم تشردوا): عنهما بالتفرق ، والخلاف فيهما.
(حمِّل كل امرئ مجهوده): أراد حمَّل الله كل أحد من التكاليف ما يطيقه وسعه من غير زيادة على ذلك {لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }[البقرة:286]، وطاقتها.
(وخُفَّف عن الجهلة): أي أن الله تعالى خفَّف عن الجهَّال من أجل جهلهم، وأن حالهم يخالف حال العلماء لأجل علمهم، وفي كلامه هذا دلالة علىأن حكم الله علىالجهَّال أخف، وأن حكمه على العلماء أثقل وأرزن، {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }[الزمر:9] ولهذا فإن جرم طلحة، والزبير، وعائشة، ليس كجرم غيرهم من أجلاف أهل الشام، وأهل الغباوة منهم عند الله.
(رب رحيم): مالك رءوف بهم.
(ودين قويم): مستقيم على الحنيفية، لا ميل فيه.
(وإمام عليم): يعني نفسه، إما عليم بمايصلحهم من ذلك، وإما ذو علم ودراية بما يأتي ويذر، فهذه الأمورالثلاثة، هي التي خففت على الجهَّال الأمرفي تكاليفهم رحمة من الله، ولطفاً بهم .
(أنا بالأمس صاحب لكم): يشير إلى ما مضى من عمره معهم، ونعم ما كانت صحبته لهم بالرفق بهم، والرحمة لهم، وبذل النصيحة من أجلهم.
(وأنا اليوم عبرة لكم): موعظة لانقلابي إلى الآخرة، والموت أعظم موعظة لمن اتعظ بها، واستيقظ من فجيعتها.
(وغداً مفارق لكم!): مفارقة لا يرجى لها اجتماع وموافقة.
(غفرالله لي): ما أسلفته من ذنوبي.
(ولكم): ما اجترحتم منها، ومقالته هذه تشبهاً بأخلاق الأنبياء، كما قال يوسف لأخوته: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }[يوسف:92] فأكرم بهذه الخلائق فما ألطفها، وأرقها بالخلائق وأرحمها.
(إن تثبت الوطأة): أراد أنه إن استقرالقدم.
(من هذه المزلة): بالكسر والفتح، وهي: المكان الد حض الذي تزلق فيه القدم، وأراد بذلك خلاصه من ضربة اللعين، واستقرار قدمه وانتعاشه منها، وبرءه عنها.
(فذاك): إشارة إلى الثبوت، أي فذاك الذي أريده، وتهواه النفس، وتتوق إليه.
(وإن تدحض القدم): دحوض القدم: زلله وميلانه، وكنى بذلك عن نفاد العمر، وزواله.
(فإنَّا كنا في أفياء أغصان): الفيء هو: الظِّلال للشجر، ولكل غصن ظِلال يظل ما تحته، ويستره من الشمس.
(ومهاب ريح ): اختلاف جهاتها تارة بالقبول والصِّبا، وتارة بالدبور، وتارة من الجنوب والشمال.
(وتحت ظل غمام): جمع غمامة، وهي: القطعة من السحاب.
(اضمحل في الجو متلفقها): أي تقشَّع ما كان منها متلفقاً متلائماً، والضمير للغمام.
(وعفا في الأرض مخطها): أراد بذلك اندرس في الأرض أثرها؛ لأن ظل الغمام يقع على الأرض، فإذا تفرَّق امَّحى مكان الظل وتلاشى، وأراد بذلك لبثه في أيام الدنيا وبقاءه فيها، ثم صار بعد ذلك إلى تغيُّر هذه المحاسن بالبلاء وتحكُّم الهوام فيها، وتقطيعها بالتراب والثرى.
(وإنما كنت جاراً): لكم في الدنيا أياماً منقطعة.
(جاوركم بدني أياماً): وإنما قال: بدني؛ لأن مجاورته إياهم فيها؛ إنما كان بجسده وشبحه لا بروحه؛ لأن روحه عليه السلام كان متعلقاً بمحبة الله تعالى وشوقه إليه، لإعراضه عن الدنيا ومتاع غرورها وكذبها، وإقباله إلى الآخرة ونعيمها، فلهذا قال: جاوركم شبحي يشير به إلى ما قلناه، وسيأتي لكلامنا هذا مزيد تقرير عند وصفه للمتقين من عباد الله.
(وستُعقبون مني جثة): الجثة: عبارة عن الجسم بعد ذهاب روحه، وأراد ويعقبكم مني جسم لا روح فيه.
(خلاء): عن الروح الذي هو قوامها ومعناها.
(ساكنة بعد حراك): بعد تحرك، إما تحرك في القلب، وتيقظ في الخاطر ، وإما تحرك واضطراب في الجوارح.
(وصامتة بعد نطق): أي مختوماً على لساني بعد أن كان مفوهاً ينطق بالحكم والآداب والمواعظ نطقاً وأي نطق.
(ليعظكم هدوئي): أي ليكون موعظة لكم، بالغة في العظة، والهدوء السكون، يقال: هدأ إذا سكن.
(وخفوت إطراقي): الخفوت ضعف الصوت، والإطراق هو: السكوت يقال: أطرق إذا سكت مفكراً.
(وسكون أطرافي): أعضائي كلها وجوارحي.
(فإنه أوعظ للمعتبرين): أدخل في الموعظة، وأوقع في الزجر للمتعظين.
(من المنطق البليغ): البالغ في الموعظة.
(والقول المسموع): الذي يقرع الأسماع، ويسمع الآذان؛ لأن المنطق إنما هو خبر و هذا معاينة، وقد قيل في المثل: (ليس الخبر كالعيان) ، ولا ما يرى بالعين كالذي يسمع بالأذن.
(ودعتكم وداع امرئ مرصد للتلاقي!): معد للتلاقي، من أرصدته إذا أعددته لكذا، وأراد الملاقاة.
(غداً): يوم القيامة، كماقال تعالى: {يَوْمَ التَّلاَقِ }[غافر:15] لأن كل واحد من الخلائق يلقى غريمه.
(ترون أيامي): فيكم وإقامتي بين أظهركم.
(ويكشف لكم عن سرائري): عمَّا كنت أضمره من النصيحة لكم والاجتهاد في حقكم.
(وتعرفونني): وتحققون حالي وأمري.
(بعد خلو مكاني): انقطاعي عن الدنيا وتدبيري لأحوالكم فيها.
(وقيام غيري مقامي): ممن يليكم بعدي، وأراد أنه إنما يعرف كُنْهُ حاله في جميع ما ذكره ويمتحن إذا وليهم غيره؛ لأن امتحان العقلاء إنما يكون بمقارنة الجهلاء.
وأقول: لقد خلف عليهم بعده من لا يرشد نفسه، فكيف يرشدهم! ومن لا عهد له بخوف ومراقبة، معاوية ويزيد وغيرهما!
(141) ومن خطبة له عليه السلام في ذكر الملاحم
(وأخذوا يميناً وشمالاً): أراد أهل الفتن التي تأتي بعده، يشير إلى فتنة بني أمية وغيرها من الفتن.
(ظعناً في مسالك الغي): إسراعاً إليها، وأراد طرق المهلك.
(وتركاً لمذاهب الرشد): إعراضاً عنها.
(فلا تستعجلوا ماهو كائن مرصد): واقع منها معدٌّ لكم مهيَّأ.
(ولا تستبطئوا ما يجيء به الغد): مما هو كائن في الأزمنة المستقبلة، وجعَل غداً عبارة عنها.
(فكم من مستعجل ما إن أدركه ودَّ أنه لم يدركه): أراد أن كثيراً ممن يستعجل شيئاً في إدراكه، ثم إذا حصل له تمنى أنه لم يكن حصل؛ لما يلاقي فيه من الألم والغم، وعظم المحنة، وسوء العاقبة.
(وما أقرب اليوم من تباشير غدٍ!): والتباشير هي : البشرى، وتباشير الصبح: أوائله، وهكذا في كل شيء.
(ياقوم، هذا إبَّان): أي وقت، وإبَّان الفاكهة: وقت إيناعها.
(ورود كل موعود): من حصول هذه الفتن ووقوعها.
(ودنو من طلعة ما لاتعرفون): واقتراب من طلوع ما لا تعرفون من أحوالها.
(ألا وإن من أدركها منَّا): الضمير راجع إلى قوله: طلعة ما لا تعرفون، وقوله: (منَّا) أراد أهل البيت.
(يسري فيها بسراج منير): بصيرة في الأمور نافذة.
(ويحذو فيها على مثال الصالحين): يقفو أثرهم ويقتدي بآرائهم الصائبة.
(ليُحِلَّ فيها ربقاً): قد أحكمت للضلالة، وهي: جمع رِبْقَة، وهو: حبل فيه عدة عرى تشدُّ فيها أولاد الغنم.
(ويعتق رقَّاً): قد أوثقوه في الجهالة.
(ويصدع شَعْباً): قد رأبوه بآرائهم الخاطئة.
(ويشعب صَدْعاً): قد فرقوه بأهوائهم المبتدعة؛ وعنى بذلك أنه يفرق جمع الضلالة، ويجمع شتات الهدى.
(في سترة من الناس): أي يعملون ذلك، ويصنعونه في خفية من الناس وسر.
(لا ينظر القائف أثره): القائف هو: الذي يشبِّه الولد بأبيه فيلحقه به، والقائف هو: الذي يعرف زجر الطير ، وأراد أن مكرهم وخدعهم دقيق لا يدرك لدقته بالكهانة والقيافة.
(ولو تابع نظره): ولو بالغ في نظره، وتابعه مرة بعد مرة لدقته وغموضه.
(وليُشحذنَّ فيها قوم): شحذ النصل: تحديده، أي ليضربنَّ بالبلاوي ويحك سرائرهم في هذه الفتن، والمراد بما ذكره ظهورقوم من عباد الله الصالحين.
(شحذ القين النصل): القين: الحداد، مبالغة في شدة ما يلقونه.
(تجلى بالتنزيل أبصارهم): يتلونه حق تلاوته، ويجلِّون بذكره بصائرهم، ويُصَفُّوْنَ به عقولهم عن أن ترين عليها الغفلة، أو يغلب عليها السهو.
(ويُرمى بالتفسير في مسامعهم): يسمعون كلام الله تعالى فيقع مراده في آذانهم فلا يخالفونه.
(ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح): أي يشربونها غدواً وعشياً، والغبوق: شرب العشي، والصبوح: شرب البكرة، وأراد أن الحكمة صارت غذاء لهم تطيب عليه أنفسهم وتنمو عليه أجسامهم.
(وطال الأمد عليهم): يعني أهل هذه الفتن المضلة.
(ليستكملوا الخزي): من الله تعالى بما فعلوه، وارتكبوه من هذه الآثام الموبقة.
(ويستوجبوا الغير): التغيير في أحوالهم، وإزالة ما هم فيه من النعم بحلول النقم عليه، وإدالتها بنقائضها من البلاوي.
(حتى إذا اخلولق الأجل): اخلولق السحاب إذا صار خليقاً بحصول المطر منه، وأراد قرب الأجل وإسراعه، وحتى هذه متعلقة بكلام محذوف تقديره: فاستمروا على ذلك واطمأنوا إليه حتى جاء الأجل.
(واستراح قوم إلى الفتن): اطمأنوا إليها، وصارت أفئدتهم متعلقة بها ولا راحة لهم في غيرها.
(واشتالوا عن لقاح حربهم): اشتالت الناقة ذنبها إذا رفعته، ليعلم بذلك لقاحها، وأراد أنه لما طالت الآماد في الفتن استأنس الناس بها، وهيجوا أسباب الحرب حتى لقحت واشتالت.
(لم يمنوا على الله بصبرهم ): أراد هؤلاء الصالحين الذين قدّم ذكرهم.
(ولم يستعظموا بذل أنفسهم في حق): لما يعلمون من ثواب الله، وجزيل عطائه.
(حتى إذا وافق وارد القضاء): اتفق ما يرد من أقضية الله تعالى ومقاديره.
(انقطاع مدة البلاء): زوال ماهم فيه من البلاء بهذه الفتن، وحتى هذه متعلقة بكلام محذوف تقديره فصبَّروا نفوسهم على ذلك حتى إذا وافق.
(حملوا بصائرهم على أسيافهم): وقاتلوا بالسيوف أمام البصائر.
(ودانوا لربهم): عاملوه بهذه المعاملة بالجهاد في ذاته، والقيام بأمره في ذلك، من قولهم: كما تدين تدان.
(بأمر واعظهم): [إمامهم، وصاحب أمرهم، وولايتهم] .
(حتى إذا قبض رسول الله رجع قوم على الأعقاب): حتى هذه متعلقة بأمر محذوف، كما مر في نظائرها تقديره: فأقاموا على ذلك حتى إذا قبض رسول الله [رجع قوم على الأعقاب] ارتدوا وكفروا.
(وغالتهم السبل): ختلتهم الطرق السيئة وخدعتهم.
(واتكلوا على الولائج): الدخائل السيئة، أراد أنهم اعتمدوا عليها فكانت سبباً للهلاك.
(ووصلوا غير الرحم): رحم الرسول عليه السلام.
(وهجروا النسب الذي أمروا بمودته): حيث قال: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }[الشورى:23].
(ونقلوا البناء عن رصِّ أساسه): إحكام بنائه، والرصُّ: إحكام البناء فلا يزيد بعضه على بعض، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ }[الصف:4].
(فبنوه في غيرموضعه): حوَّلوه إلى غير مكانه الذي وضعه الله فيه، وأقرَّه عليه.
(معادن كل خطيئة): فتطلب الخطايا فلا توجد إلا فيهم، وتفقد إلا عندهم.
(وأبواب كل ضارب في غمرة): أي أنهم لكل من كان في ذهول وغفلة من أمره؛ كالأبواب يدخل فيها من أي باب شاء.
(قد مَارُوا في الحيرة): مار يمور موراً إذا تحرك واضطرب، أي اضطربوا في تحيرهم في هذه الفتن.
(وذهلوا في السكرة): الذهول: فساد العقل وتغيِّره، وهم في ذلك:
(على سُنَّة من آل فرعون): أي هم فيما أتوه من ذلك يشبهون آل فرعون في كل أحوالهم، ثم هم أصناف:
(من منقطع إلى الدنيا راكن ): لايخطر على باله شيء من أمور الآخرة فهو راكن إلى الدنيا مطمئن إليها.
(أو مفارق للدين مباين): لا يلتفت إلى شيء من أحواله أبداً.
سؤال؛ من يعني بهذا الكلام، وما مراده منه؟
وجوابه؛ أنه أراد به قوماً كانوا أسلموا، ثم ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وظهرت منهم الكراهة لأهل بيت النبوة فهلكوا بذلك.
(142) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها أمر الفتنة
(وأستعينه على مداحرالشيطان): المداحر: جمع مدحر، وأراد مدافعه التي يدفع بها، من قولهم: دحره إذا دفعه ومنعه.
(ومزاجره): التي تزجره عنا، أي تمنعه أن لايكون له سلطان بالإغواء علينا.
(والاعتصام): الامتناع، ومنه عصام القربة، وهو: ما يمنع الماء عن الخروج منها.
(من حبائله): التي يصطاد القلوب بها.
(ومخاتله): الختل: الخدع والمكر.
([وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له] ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله): اصطفاه على سائر الخلق بالرسالة.
(ونجيبه):كريمه من بين سائر العالمين.
(وصفوته): مختاره أيضاً من بينهم.
(لا يؤازى فضله): أي لا يماثل فضله فضل أحد من الخلق.
(ولا يجبر فقده): أي أن فقده عن الدنيا لا يجبر بشيء قط بل هو نقصان وثلم لا ينسدُّ أبداً.
(أضاءت به البلاد): أشرقت أنوارها بنور الإسلام والهداية.
(بعد الضلالة المظلمة): الكفر المسودِّ، وإضاءة البلاد، والإظلام بالكفر من باب الاستعارة، كما قال تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[إبراهيم:1].
(والجهالة الغالبة): وهي عبادة الأوثان، وقطع الأرحام، وحصول البدع، والضلالات الكثيرة.
(والجفوة الجافية): بالفتن العظيمة، وقوله: الجفوة الجافية مبالغة [في ذلك] ، ويقال: لهذا التجنيس المطلق، وقد مرَّ غيرمرة في كلامه.
(والناس يستحلون الحريم): المحرَّم من الفواحش كلها.
(ويستنزلون الحكيم): الفاضل من الأولياء والصالحين، لا يرون لهم قدراً، ولا يَزِنُون عندهم قلامة ظفر.
(يحيون على فترة): انقطاع من الرسل والوحي.
(ويموتون على كفرة): عبادة الأوثان والأصنام، والشرك بالله وغيره.
(ثم إنكم معاشر العرب): منصوب على الاختصاص.
(أغراض بلايا): الغرض: ما يرمى من قرطاس وغيره، والبلايا جمع بلية كرسالة ورسائل.
(قد اقتربت): دنا حصولها وهجومها عليهم.
(فاتقوا سكرات النعمة): عن أن تخرجكم إلى الأشر والبطر، فَتُزَالَ عنكم.
(واحذروا بوائق النقمة): البوائق: الدواهي، والنقمة هي: الاسم من الانتقام.
(وتبينوا): خذوا البيان.
(في قتام العشوة): القتام هو: الغبرة، والعشوة هو: ركوب الأمرعلى غير بيان ووضوح.
(واعوجاج الفتنة): لأنها تأتي على غير الاستواء فهي معوجّة.
(عند طلوع جبينها ): حدوث أوائلها.
(وظهور كمينها): ما كان منها كامناً أي مستوراً لايؤبه له، ولا يعلم حاله فيحذر منه.
(وانتصاب قطبها): استواء أمرها.
(ومدار رحاها): انتظام أحوالها كلها.
(تبدأ في مدارج خفية): المدارج هي: المذاهب، وأراد أن أوائلها تكون في أمور خفية دقيقة مسالكها، وقوله: تبدأ من بدأ في الأمر يبدأ على فَعَلَ يَفْعَلُ بالفتح للعين فيهما إذا شرع فيه، وإنما كان كذلك لأن لامه حرف حلق.
(وتؤول إلى فظاعة جلية): وترجع عاقبتها إلى أمر شديد واضح، من قولهم: فظع الأمر إذا اشتدَّ الخطب فيه وعظم، قال لبيد :
وهم السّقاة إذا العشيرة أَفْظَعَتْ ... وهمُ فوارسُها وهم حكَّامُها
(شَبَابُها كَشَباب الغلام): لزيادتها فهي إلى نمو واستعلاء؛ لأن الغلام عند مراهقته للبلوغ يظهرفيه الشباب ظهوراً واضحاً.
(وآثارها): في أهلها وزمانها، يعني الفتنة.
(كأكلام السِّلام): جمع سلمة، وهي: الحجارة من شدة كلمها لهم وتأثيرها فيهم، واحدها سَلِمة بكسر اللام، قال:
يرمي ورائي بِامْسَهمِ وَامْسَلِمه