(134) ومن خطبة له عليه السلام في الاستسقاء
(ألا وإن الأرض الت‍ي تحملكم): [تقلكم على ظهرها، كما قال تعالى: {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }] [الإسراء:70].
(والسماء الت‍ي تظلكم): فوق رءوسكم كالظلة.
(مطيعتان لله ربكم): منقادتان لأمر الله تعالى، ومحتكمتان لمراده، كما قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا }[آل عمران:83].
(وما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما): بنموهما وزيادتهما، من جاده إذا أعطاه من نواله.
(توجعاً لكم): توجع له إذا رثى له من وجعه، ونصبه على أنه مفعول له.
(ولا زلفة إليكم): قرباً، وإسراعاً إلى نفعكم.
(ولا ل‍خير ترجوانه منكم): نفع تظنان حصوله من جهتكم.
(ولكن أمرتا بمنافعكم): إصلاح أحوالكم، وقيام أقواتكم، وتحصيل أرزاقكم.
(فأطاعتا): لأمرالله تعالى من أجل ذلك.
(وأقيمتا على حدود مصالحكم): الدنيوية من المنافع.
(فقامتا): من الاستقامة على ذلك.
(إن الله تعالى يبتلي): يختبر.
(عباده عند الأعمال السيئة): المعاصي التي تسوء صاحبها بإسقاط منزلته عند الله.
(بنقص الثمرات): وهو ما يصيبها عند ذلك من المصائب بالإعصار، وإرسال الهوام من الجراد، وسائر الهوام التي تنقصها وتأكلها وتفسدها.
(وحبس البركات): قبض الزيادات من جهة الله تعالى؛ جزاء بما عملوا من ذلك.
(وإغلاق خزائن الخيرات): منها لطفاً من جهة الله، وتمحيصاً وتعريضاً، وبذلاً للألطاف.
(ليتوب تائب): من ذنبه.
(ويقلع مقلع): من معصيته.
(ويتذكر متذكر): ما أصاب من كان قبلهم من الْمُثُلاَتِ ، وحلَّ بهم من العقوبات.

(ويزدجر مزدجر): يتعظ متعظ، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ }[القمر:4] متعظ لمن اتعظ به.
(وقد جعل الله سبحانه الاستغفار): طلب المغفرة بالجؤار إلى الله تعالى، والدعاء إليه بذلك، وذلك يكون على أوجه خمسة:
أولها: الرغبة إلى الله تعالى؛ بأن تجعل باطن كفك إلى السماء.
وثانيهما: الرهبة؛ بأن تجعل ظاهر كفك إلى السماء.
وثالثها: التبتل؛ بأن تجعل يديك على فخذيك، وتحرك جسدك مرة بعد مرة.
ورابعها: التضرع، وهو أن ترفع يديك، وتميلهما يميناً وشمالاً.
وخامسها: الابتهال، وهو لايكون إلا بالخروج، ورفع اليدين ومدُّهما أشد ما يقدر عليه، فهكذا يكون الأدب في الدعاء.
(سبباً للرزق ): إنزاله على الخلق، وإدراراه عليهم.
(ورحمة للخلق ): لطفاً بهم في الإقبال على الطاعة، وإرادة لمنافعهم من ذلك.
(كما قال تعالى): حكاية عن نوح عليه السلام.
({فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا })[نوح:10]: لخطاياكم .
({يُرْسِلِ السَّمَاءَ })[نوح:11]: غيثها ومطرها.
({عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ً})[نوح:11]: متتابعاً بعضه في إثر بعض.
({وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال })[نوح:12]: يوصلها إليكم من جهته، {وَبَنِينَ} .
(فرحم الله امرأً): الرحمة من الله هي اللطف.
(استقبل توبته): جعلها نصب عينيه غير غافل عنها، ولا معرض عن فعلها.
(واستقال خطيئته): طلب من الله الإقالة منها بالمغفرة، والعفو من جهته.
(وبادر منيته!): سابق الموت عن أن يحول بينه وبينها.
(اللَّهُمَّ، إنَّا خرجنا إليك): إلى ها هنا للانتهاء، أي وأنت الغاية لمقصدنا.

(من تحت الأستار والأكنان): من ها هنا لابتداء الغاية، والستر: ما يستر من البيت وما شاكله، والكنُّ: ما وقى من الشمس وغيرها.
(وبعد عجيج البهائم والولدان): عطشاً وفاقة، من ألم القحط والجوع.
(راغبين في رحمتك): حال من الضمير في خرجنا.
(وراجين فضل نعمتك): ومؤمِّلين إفضالك، وكريم نعمتك.
(وخائفين من عذابك ونقمتك): بالقحط وحبس المطر، والرجاء إنما يكون في الأمور المحبوبة، والخوف مخصوص بالأمورة المكروهة.
(اللَّهُمَّ، فاسقنا غيثك): المطر الذي تغيث به خلقك.
(ولا تجعلنا من القانطين): الآيسين من رحمتك.
(ولا تهلكنا بالسنين): المجدبة، فنهلك جوعاً وهزالاً.
(ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا ): الجاهلين بحقك، والغامصين لنعمتك.
(يا أرحم الراحمين): أعظم الراحمين رحمة، وأكثرهم لطفاً، وكيف لا ورحمتهم لما رحموه مأخوذة من رحمتك.
(اللَّهُمَّ، إنا خرجنا ): من البيوت شاخصين عنها.
(نشكو إليك): من أحوالنا:
(ما لا يخفى عليك منها): لإحاطة علمك، واشتماله على كل خفية، فخرجنا:
(حين ألجأتنا المضايق الوعرة): لجأت إليه إذا استندت إليه، والتجأت إذا اضطررت، والمضايق: جمع مضيقة، وهو: القفر، والوعرة: الصعبة.
(وفاجأتنا ):، من قولهم: فاجأه مفاجأة إذا قابله.
(المقاحط المجدبة): جمع مَقْحَط، و الجدب: نقيض الخصب.
(وأعيتنا المطالب المتعسرة): عيَّ بأمره إذا تحيَّرفيه، والمطالب: جمع مطلب، والعسر: نقيض اليسر.
(وتلاحمت علينا الفتن المستصعبة): [تلاحمت] التصقت بنا،، من قولهم: ألحمت الشيء بالشيء إذا ألصقته به [الفتن] : الحروب التي يصعب أمرها، ويعظم خطبها.
(اللَّهُمَّ، إنا نسألك): نوجه المسألة إليك، ونطلب إجابتها من جهتك.

(ألا تردنا خائبين): خاب الرجاء إذا بطل، ولم يكن له ثمرة.
(ولا تقلبنا): عن خروجنا هذا، وعن إقبالنا إليك.
(واجمين): وجم الرجل إذا اشتد حزنه، وعظم أسفه.
(ولا تخاطبنا بذنوبنا): تقررها علينا، وتذكرها لنا توبيخاً وتقريعاً.
(ولا تفايشنا بأعمالنا): تكشف غطاءنا بما عملناه ، وتزيل عنَّا سترك بأفعالنا.
(اللَّهُمَّ، انشر علينا غيثك): ابسطه ليكون شاملاً لبلادنا.
(وبركتك): زيادتك من عطائك الجمِّ ومنّك الذي عمَّ.
(ورزقك): الذي تفضلت به.
(ورحمتك): التي مننت بها.
(واسقنا سقيا نافعة): كثير نفعها في جميع أحوا لها.
(مروية): للسهل والجبل.
(معشبة): محيية لما قد مات، ورادّة لما قد فات.
(تنبت بها ماقد فات): من الزروع، والأشجار والكلأ.
(وتحيي بها ما قد مات): من الحيوانات برد عوضه، وهبة أمثاله من جودك وعطائك.
(نافعة الحيا): الحيا هو: المطر، وأراد مسكنة للعطش.
(كثيرة المجتنى): إما يكون المجتنى بالنون ومعناه كثير جناؤها وثمرها، وإما أن يكون بالباء بنقطة من أسفلها، أي كثير خراجها وعطاؤها ، والأول هو سماعنا.
(تروي بها القيعان): جمع قاع، وهي: الصحاري والأراضي المتسعة.
(وتسيل البُطنان): جمع بطن وهو: أجواف الأودية وعميقها.
(وتستورق بها الأشجار): من ريها وغضارتها.
(وترخص الأسعار): لكثرة الحبوب وسعتها من كثرة المطر.
(إنك على ماتشاء قدير): من ذلك كله.

(135) ومن خطبة له عليه السلام
(بعث الله رسله): إلى الخلق.
(بما خصَّهم به من وحيه): أيدهم به من المعجزات.
(وجعلهم حجة له على خلقه): لما عصمهم به عن القبائح بالألطاف الخفية.
(لئلا تجب ال‍حجة لهم): للخلق على الأنبياء.
(بترك الإعذار إليهم): لولم يرسل الأنبياء.
(فدعاهم): الله.
(بلسان الصدق): وهم الأنبياء؛ لأنهم صادقون فيما قالوه من ذلك.
(إلى سبل ال‍حق): إلى التوحيد والإلهية، والإقرار بالربوبية.
(إلا أن الله قد كشف الخلق كشفة [مكافاةٍ] ): إلا ها هنا للاستثناء المنقطع؛ لا نفصالها عمَّا تقدم، ويجوز أن تكون واردة للتنبيه، كقوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[يونس:62] فالأمران محتملان كما ترى، وكشفة منصوب على المصدرية، نحو: ضربت ضربة، وأراد بذلك أنه بيَّن المطيع من هو والعاصي كذلك.
(لا أنه جهل ما أخفوه): ليس كشفه ذلك؛ لأنه قد خفي عليه الأمر فيما أضمروه.
(من مصون سرائرهم ): صان الثوب يصونه صوناً، إذا لم يلبسه، وهومجاز ها هنا، وأراد أنه لم يعلمها سواه فهي مصونة عن غيره.
(ومكنون ضمائرهم): مستورها.
(ولكن ليبلوهم): من البلوى، وهي: الاختبار.
(أيهم أحسن عملاً): في الإخلاص والمراقبة، والعمل لوجه الله تعالى.
(فيكون الثواب جزاء): على الأعمال الصالحة.

(والعقاب بواءً) أي مساواة، والمعنى أن الحسنة مضاعفة لصاحبها، والعقاب مساو للمعصية من غير زيادة، كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا }[الأنعام:160] وهذا من لطف الله تعالى، وعظيم كرمه؛ لأن الجزء الواحد من الثواب يكون جزاءً، والباقي فضل من الله تعالى وزيادة من إحسانه، والبواء: المساواة، يقال: دم فلان بواء لدم فلان أي سواء، قال:
فإنْ تَكُنِ القتلى بَوَاءً فإنَّكُم ... فتَّى ما قَتَلْتُم آل عَوْفِ بن عَامِرِ
(أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا )؟: استفهام خارج مخرج الإنكار والتقرير، وأراد أنه يستحيل أن تكون أقدامهم راسخة في العلم بالله تعالى، ومعرفة أحكام الشريعة، ونحن لا نعلم ذلك، ويزعمون أنهم أحق منَّا به وأولى.
(كذباً): على أنفسهم في قولهم خلاف الحق.
(وبغياً علينا): حيث ادَّعوا ما ليس لهم، وانتصابهما على المصدرية الواقعة موقع الأحوال، كأنه قال: كاذبين في هذه المقالة، وباغين خلاف الحق في هذه الدعوى.
(أن رفعنا الله ووضعهم): من أجل أن رفعنا الله، أي ماكان كذبهم وبغيهم إلا أن الله رفع مراتبنا عليهم، ووضعهم بحيث لم يبلغوا تلك المراتب ولا وصلوها.
(وأعطانا): من فضله وجوده.
(وحرمهم): ذلك.
(وأدخلنا): في كرامته أو في الولاية على خلقه.
(وأخرجهم): عن ذلك فلا يدخلون فيه.
(بنا يستعطى الهدى): استعطى كذا، إذا طلب أن يعطاه، وأراد أنهم تطلب منهم الهداية، وتؤخذ أحكامها في كل أمر من الأمور الدينية والدنيوية.
(ويستجلى العمى): يطلب جلاؤه، وأراد أن الضلالة لاتُزال إلا بهم وحميد سعايتهم.

(إن الأئمة من قريش): أي في هذه القبيلة من دون سائر القبائل، خلافاً لجميع الخوراج وبعض المعتزلة، وبعض المرجئة ، وبعض الإمامية ، فإن هؤلاء زعموا أنها في سائر الناس، وهو قول إبراهيم النظام من المعتزلة.
(غرسوا في هذا البطن من هاشم): أراد أنها وإن كانت في قريش، فإنها في بني هاشم من قريش.
(لا تصلح على سواهم): لاتكون الإمامة صالحة على غيرهم.
(ولا تصلح الولاة من غيرهم): ولا يكون الأئمة صالحين من غيرهم، وهذا مبالغة، وأراد أن الإمامة والأئمة لا تكون صالحة فيمن سواهم.
ثم قال: (آثروا عاجلاً): أراد الدنيا.
(وأخَّروا آجلاً): أراد الآخرة، فإن الدنيا يقال لها: عاجل لحضورها وتعجلها، والآخرة يقال لها: آجل لتأخرها.
(وتركوا صافياً): لا كدر فيه.
(وشربوا آجناً): متغيراً، وعنى بذلك اشتغالهم بأمور الدنيا، وإعراضهم عن أمور الآخرة، فالدنيا آجن لما يعرض فيها من الكدر، وكثرة المحن والأسواء، والآخرة صاف لما يُحْمَد من عاقبتها.
(كأني أنظر): بقرب ذلك، وسرعته.
(إلى فاسقهم): أراد بذلك الحجاج بن يوسف، أو مروان بن الحكم، أو معاوية.
(وقد صحب المنكر فألفه): صاحبه، وتكررعليه فعله مرات كثيرة حتى صار مألوفاً له.
(وبسئ به ووافقه ): أنس به وصار موافقاً لطباعه، واستمر على ذلك أزمنةً متطاولة .
(حتى شابت عليه مفارقه): من طول فعله له وملابسته إياه.
(وصبغت به خلائقه): امتزجت به امتزاجاً عظيما، حتى لايكاد يبارحه.
(مزبداً كالتيار): أراد الموج، وإزباده: شدة اضطرابه وعظم حركته، وجعل ذلك كناية عن أنه يلابس المنكر بشدة وغلظ.
(لا يبالي ماغرَّق): فيه.
(أو كوقع النار في الهشيم): المتحطم من الزرع.

(لا يحفل ماحرَّق): وأراد بذلك المبالغة في عظم إتيانه المنكرات، وإسراعه إلى فعلها، ولهذا مثّله بالموج في تراكمه وبالنار في سرعة إحراقها لما تحرقه.
(أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى!): في سلوك طريق الدين، وإدراك علوم الآخرة في التوحيد، والعلم بالله والاعتراف بربوبيته.
(والأبصار اللامحة إلى منار التقوى!): المنار هو: علم الطريق، وهذا كله مجاز، وحقيقته هو العلم بالله تعالى وسلوك طريق الجنة.
(أين القلوب الت‍ي وهبت لله!): على ما لم يسم فاعله، وأراد التي وهبها أهلها من أجل ثواب الله، وإحراز رضوانه.
(وعوقدت على طاعة الله!): أي عقدها أهلها على القيام بطاعة الله، أي ألزموها ذلك، شبهها في لزومها للطاعة بمنزلة العقد المحكم الذي لا ينحلّ.
(ازدحموا على الحطام): إخبار عمَّن تقدم ذكرهم بقوله: آثرواعاجلاً، وأراد أنهم تزاحموا على متاع الدنيا ونعيمها، الذي لا بقاء له بمنزلة ما تحطَّم واندقَّ.
(وتشاحُّوا على الحرام): أي بخلت به أنفسهم، مع كونه حراماً لايحل لهم أخذه، ولا يجوز لهم تناوله.
(ورفع لهم علم الجنة والنار): طريقهما، شبههما بالعلم المنصوب للطريق، لما فيهما من الإيضاح، ومباينة أحدهما عن الآخر وانفصاله.
(فصرفوا عن الجنة وجوههم): بالإعراض عن أعمالها، والإقبال على الدنيا، فهم بإعراضهم عنها كمن صرف وجهه عن الشيء المبصر فهو لا يدركه.

(وأقبلوا إلى النار بأعمالهم): القبيحة، فلهذا كانوا بإيثارهم الأعمال القبيحة بمنزلة من أقبل عليها بوجهه، وقوله: (رفع لهم علم الجنة والنار) مع ما بعدها من تفاصيل أحوالهما، من علم البديع يسمى اللف والنشر، ألاتراه كيف ضمَّهما في الذكرأولاً، ثم ألحق كل واحدة منهما بما يليق بها من الأحكام، وله في البلاغة موقع عظيم، يعرفه الجهابذة من أهل صناعة البيان.
(دعاهم ربهم): بما قرر في عقولهم من الأدلة الواضحة على معرفته، ووجوب الطاعة له، وبما عهد إليهم على ألسنة الرسل من تصديق ما جاءوا به.
(فنفروا): [عن] سماعها.
(وولوا): مدبرين عن العمل بها.
(ودعاهم الشيطان): بالوسوسة والإغواء، والتزيين والكذب، والأماني الباطلة.
(فاستجابوا وأقبلوا!): لدعائه، وأقبلوا على فعل ما يدعوهم إليه من ذلك.

(136) ومن خطبة له عليه السلام
(أيها الناس): خطاب عام لكل أحد.
(إنما أنتم في هذ ه الدنيا غرض): الغرض: مايرمى من قرطاس وغيره .
(تنتضل فيكم المنايا): أراد إما ترميكم المنايا،، من قولهم: ناضله إذا رماه، وإما تختاركم بالهلاك،، من قولهم: انتضلت سهماً من كنانتي إذا اخترته ليرمى به.
(مع كل جرعة ): من جرعها .
(شَرَقٌ): شرق بريقه إذا غُصَّ به، وفي الحديث: ((يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى )) أي إلى أن يبقى من الشمس مقدار ما يبقى من حياة من شرق بريقه عند الموت، قال عدي بن زيد :
لَوْ بِغيْرِ الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كُنتُ كَالغَصَّان بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي
(وفي كل أكلة غصص): الأكلة بضم الفاء ما يؤكل، والغصص بالفتح مصدر غصص الرجل بالطعام إذا اعترض في حلقه فلا يدخل ولا يخرج، والغصص بالضم جمع غصة وهي: الشجا.
(لا تنالون منها نعمة): وهو إدراك ما كان من لذاتها ونعيمها، في مستقبل الأعمار وحاضرها.
(إلا بفراق أخرى): أي لاتقيمون وقتاً من أوقات الدنيا إلاوتفارقون مثله، فما كان في الأول من النعمة فقد مضى، والثاني لا يأتي إلا بعد زوال الأول، وانقطاعه من تلك النعمة، بتقضيها وزوالها.
(ولا يعمر معمر منكم يوماً من عمره): أي ما يقيم ساعة في الدنيا.
(إلا بهدم آخر من أجله): لأن الأوقات منقضية، والأزمنة متكررة فلا يمكن حصول الغد إلا بذهاب اليوم، فهو لايصل إلىغد من عمره إلا بعد ذهاب اليوم من عمره، فلهذاصدق قوله: (إلا بهدم آخر من أجله) كما ترى.
(ولا تُجدَّد له زيادة في أكلة): الأَكلة بفتح الفاء هي المرة الواحدة، والأُكلة بالضم ما يؤكل، وسماعنا بالفتح، وأراد أنه لايمكنه الوصول إلى أكلة واحدة.

74 / 194
ع
En
A+
A-