(وقد علمتم أن رسول الله [صلى الله عليه وآله] رجم الزاني المحصن ثم صلى عليه ثم ورَّثه أهله ): أراد أن يعلمهم أن الإكفار ، إنما يكون بدلالة قائمة وحجة واضحة، وأن مجرد الخطأ لو قدَّرنا وقوعه لايكون إكفاراً كما توهموه، فإن من جملة جهالاتهم اعتقادهم أن كل معصية كفر، والمعاصي على أوجه ثلاثة: كفرية كالشرك بالله وعبادة الأوثان، وفسقية كالزنا، ومعاصي لا يعلم حالها في كونها كفراً ولا فسقاً، وكل واحد من هذه له أحكام مخصوصة تخالف الآخر، فهذا ماعزٌ رجمه رسول الله لما زنى وكان محصناً، وصلَّى عليه وورثه أهله، ولو كان كافراً كما زعمتم لما كان ذلك ، كما فعل ذلك في سائر الكفار في ترك الصلاة، وعدم الميراث، فكيف تزعمون أن كل معصية تكون كفراً.
(وقطع يد السارق): في قصة المجن لما نزلت آية السرقة .
(وجلدالزاني غير المحصن): لما نزلت آية الجلد .
(ثم قسم عليهما من الفيء): نصيبهما لما كانا من جملة المجاهدين .
(ونكحا المسلمات): يريد أن التناكح كان مشروعاً بين مرتكبي الكبائر، وبين سائر المسلمين.
(فأخذهم رسول الله [صلى الله عليه وآله] بذنوبهم): من غير زيادة على ذلك.
(وأقام حق الله عليهم): وهو إقامة هذه الحدود المشروعة عليهم.
(ولم يمنعهم سهمهم من فيء الإسلام): وهومالم يوجف عليه بخيل ولاركاب فهو فيء، ونصيبهم حاصل فيه كما كان ذلك لغير هم من المسلمين.

(ولم يخرج أسماءهم من بين أهله): يعني أنه لايقال لهم: كفار، ولا يقال: إنهم مشركون، ولا تجري عليهم سائر الألقاب الدالة على الكفر، فهذه الأمور كلها دالة على بطلان مقالتكم، في أن من ارتكب معصية من هذه المعاصي سواء علم كونها فسقاً أولم يعلم أنه يكون كافراً، و يحكم عليه بأحكام الكفار، وتطلق عليه أسماؤهم كما زعموه.
(ثم أنتم شرار الناس): أدخل الناس في الشر، وأعظمهم تلبساً به.
(ومن رمى به الشيطان مراميه): إما صرتم مراميه التي يرمي بها فيصيب لا يخطئ ، وإماصرتم أغراضه التي يسدد إليها سهامه، وأراد المبالغة في استحواذ الشيطان عليهم، واستيلائه على أفئدتهم بالإغواء.
(وضرب به تيهه): أي وأنتم الذين تاه بكم، وضرب بقلوبكم كل جهة ولعب بها كل ملعب في الحيرة والزلل.
(وسيهلك فيّ): في أمري وشأني.
(صنفان): فريقان من الناس، وفي الحديث: ((يهلك فيك ياعلي اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغضٌّ قالٍ )) .
(محبٌّ مفرط): أدَّاه إفراط محبته إلى اعتقاده الربوبية، كما حكي عن بعض الغلاة كما كان ذلك في حق عيسى بن مريم .
(يذهب به الحبُّ إلى غير الحق): من اعتقاد الإلهية.
(ومبغض مفرط): أدَّاه إفراط بغضه إلى الكفربالله ونسبته إليه.
(يذهب به البغض إلى غير الحق): مثل هؤلاء فإنهم أفرطوا في بغضي حتى نسبوني إلى الكفر بالله جهلاً وضلالاً.
(وخير الناس فيّ حالاً): وأعدل الناس في أمري:
(النمط الأوسط): النمط: جماعة الناس الذين أمرهم واحد، وفي الحديث: ((خير هذه الأمة النمط الأوسط، يلحق بهم التال ي، ويرجع إليهم الغالي)) .

(فالزموه): أي خذوا حكمه وكونوا عليه، و[هو] إعطائي ما أستحقه من غير زيادة، فيكون ذلك غلواً، ولا نقصان منه فيكون تقصيراً في حقي.
(والزموا السواد الأعظم): أراد العدد الكثير، وهو: ما أجمعت عليه الأمة، واتفقت عليه الآراء من جهتهم، فإن ذلك يكون فيه السلامة.
(فإن يد الله على الجماعة): رحمته ولطفه واقع عليهم بالهداية والإعانة في أمرهم كله.
(وإياكم والفرقة): تحذير لهم عن التفرق في أمرالدين وافتراق الكلمة فيه ، وإيا منصوب بفعل مضمر، والفرقة عطف عليه، وتقديره احذروا نفوسكم واحذروا الفرقة.
(فإن الشاذ من الناس للشيطان): الخارج عن أمرهم ورأيهم بعد اتفاقهم عليه، يستولي عليه الشيطان ويكون من حزبه.
(كما أن الشاذة من الغنم للذئب): يستولي عليها بالأكل لانفرادها.
(ألا): حرف للتنبيه.
(من دعا إلى هذا الشعار): بكسر الفاء هو: العلامة، وأراد شعارهؤلاء الخوارج الذين اعتقدوا إباحة الدار وحل قتل الخلق.
(فاقتلوه): فذلك يكون حدّه وعقوبته على ما فعله.
(ولو كان تحت عمامت‍ي هذه): يشير بذلك إلى نفسه، كما تقول لمن تذمه: أبعد الله حشو تلك الثياب.
(وإنما حُكِّم الحكمان): لا لغرض من الأغراض.
(إلا ليحييا ما أحيا القرآن): من الأحكام والسنن.
(ويميتا ما أماته القرآن): من البدع والضلالات.
(وإحياؤه الاجتماع عليه): منَّا ومن مخالفنا.
(وإماتته الافتراق عنه): فلا نأتيه ولا يأتوه اتباعاً لأمر الله وامتثالاً لحكمه.
(فإن جرّنا القرآن إليهم اتبعناهم): على ما قالوه وذهبوا إليه.

(وإن جرّهم القرآن إلينا اتبعونا): إلى ما قلناه وذهبنا إليه، وإنماقدَّم أمير المؤمنين ذكر اتباعه لهم على اتباعهم له جرياً على عادته في الملاطفة، واستمراراً على طريقته في المناصفة، مع أن اتباعه أحق، وتقديم ذكره أولى، ولله درُّه ما أسمح خلائقه وأوطئ أكنافه .
(فلم آت لا أباً لكم بُجراً): البُجر بضم الفاء هو: الشر، ويقال: الداهية أيضاً يقال: لا أب لك ولا أباً لك ولا أمر لك أيضاً، وأراد ذمهم ها هنا كأنه قال: لاراحم لكم ولا مشفق لكم كشفقة الأب.
(ولا ختلتكم عن أمركم): الختل: الخدع، أي لم أخدعكم عن أمر يكون لكم فيه صلاح.
(ولا لبسته عليكم): إما مخففاً من لبس الأمر إذا خلطه، ومنه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ }[الأنعام:9] وإما مشدداً مبالغة في ذلك، ومصدرالأول لبساً، ومصدر الثاني تلبيساً، ولا فعلت أمراً ينقمه الله تعالى علي.
(وإنما اجتمع رأي ملئكم): خياركم والرؤساء منكم وأهل الرأي:
(على اختيار رجلين): حكَّمناهما في أمرنا هذا: عمرو، وأبو موسى.
(أخذنا عليهما): من قولهم: أخذت عليه ألا يخونني ، وأراد أنا أخذنا العهود والمواثيق وأمرناهما:
(أن لا يتعديا القرآن): يجاوزان أحكامه، ويعدلان عنه.
(فتاها عنه): أخذا في غير طريقه، وسلكا غير سبيله.
(وتركا الحق): وراء ظهورهما.
(وهما يبصرانه): أي أن عدولهما عنه ما كان عن تعمية ولا لبس جرى عليهما، وإنما كان زيغاً عن الحق، وصدّاً عن السبيل عمداً وقصداً، لا عذر لهما فيه.
(وكان الجور هواهما): عدولهما عن الحق وانصرافهما عنه.

(فمضيا عليه ): من غير تلوَّم ولا مراقبة لله تعالى، ولا خوفاً من وعيده ، وكأنهما لم يسمعا قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[المائدة:44] وإلى قول الرسول عليه السلام: ((ملعون من خان مسلماً أو غرَّه )) فكيف حال إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، ومن يليه من أهل الحق!
(وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة): أراد أنّا قد قلنا لهما: قد حكمناكما فلا تحكما إلا بحكم الله تعالى.
(بالعدل): وهو الإنصاف.
(والصمد للحق): والقصد إليه واتباعه.
(سوء رأيهما، وجور حكمهما): جار عن الطريق إذا عدل عنها، أي أن سوء الرأي وجور الحكم من جهتهما مسبوقان بما ذكرنا من الاستثناء، فلا حكم لهما في ذلك ولايلتفت إليهما مع الاستثناء، فخدعهما بعد ذلك ومكرهما إنما هو على أنفسهما ووباله عليهما ولايلحقنا فيه شيء:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46].

(118) ولما عوتب على التسوية في العطاء قال:
(أتأمرونن‍ي أن أطلب النصر بالجور): قالوا: يا أمير المؤمنين، إن درجات الناس متفاضلة فلا تساوي الناس في العطاء، ولا تجعل من والاك كمن عاداك، ولا من نصرك بمنزلة من خذلك، فقال لهم ذلك، وأراد أني لا أطلب النصر بالمفاضلة كما زعمتم، فيكون ذلك حيفاً مني على من فاضلت عليه، وظلماً له وعدولاً في الحق في التسوية.
(فيمن وليت عليه!): من كانت لي عليه ولاية من المسلمين وأهل الديانة.
(والله ما أطور به): لا أقربه ولا أفعله.
(ما سمرسمير): ما هذه زمانية، مثلها في قولك: انتظرني ما جلس القاضي أي مدة جلوسه، وقوله: (سمرسمير) فيه وجهان:
أما أولاً: فيريد به السامر، وهو الذي يتحدث بالليل.
وأما ثانياً: فيريد به الدهر أي لاأفعله الدهر كله، وابنا سمير هما: الليل والنهار.
(وما أمَّ نجم في السماء نجماً! ): أي تقدم، ومنه الإمام لأنه يتقدم على غيره.
(ألا وإن إعطاء المال في غير حقه): الذي فرضه الله تعالى وقدَّره.
(تبذير وإسراف): وقد ورد النهي عنهما، كماقال تعالى: {وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيراً }[الإسراء:26] [وقال تعالى] : {وَلاَ تُسْرِفُوا }[الأنعام:141] لأنهما كلاهما إنفاق من غيرقصد وزيادة على الحق.
(وهو يرفع صاحبه في الدنيا): الضمير للإعطاء، والرفع في الدنيا هو: ما يظهر له في ألسنة الناس من المدح والثناء.
(ويضعه في الآخرة): لما فيه من ارتكاب النهي فينقص أجره بذلك.
(ويكرمه عند الناس): بتعظيمهم له وتبجيلهم إياه.
(ويهينه عند الله): ينقص أجره، ولايكون له حق عنده.
(ولم يضع امرؤ ماله في غيرحقه): بإنفاقه في المعاصي، والإسراف فيه والتبذير.

(وعند غير أهله): من أهل الفسوق، وأقران السوء، وأخدان الفساد.
(إلا حرمه الله شكرهم): إما بإلقاء العداوة في قلوبهم له فلايشكرونه، وإما بصرف شكرهم إلى غيره.
(وكان لغيره ودُّهم): أي وكانت محبتهم مصروفة إلى غيره.
(فإن زلت به النعل يوماً): أصابته نكبة من نكبات الدهر وسقطة من سقطاته، فجعل زلل النعل كناية عن ذلك لما كان زلل النعل يتلوه السقوط لا محالة.
(فاحتاج إلى معونتهم): بالمواساة وجبران حاله.
(فشر خدين): أي فهو شر صديق، والمخادنة: المصادقة، لتأخره عن نصرته.
(وألأم خليل): اللؤم: الشح، أراد وألأم صاحب.
سؤال؛ كيف يتأتى ما ذكره أميرالمؤمنين من حرمان الشكر وصرف المودة؟
وجوابه؛ هو أنه إذا أنفقه لغير الله وكان إنفاقاً في السرف والمعصية، فربما سهل الله العداوة بينهم وخذلهم حتى حصلت البغضاء، فكان سبباً لبطلان ذلك وانقطاعه ، وكثير ما يشاهد ما ذكره في أحوال جمع من الخلق يوجد ذلك في حقهم.

(119) ومن كلام له عليه السلام يخبر به عن الملاحم بالبصرة
الملاحم: جمع ملحمة، وهي: عبارة عن مواقع الحرب الشديدة، ولهذا قال حيي بن أخطب لما قتل الرسول بني قريظة عن آخرهم: بلاء وملحمة كتبت علي بني إسرائيل .
(يا أحنف): يخاطب الأحنف بن قيس ، وكان من أصحابه، ويضرب به المثل في الحلم.
(كأني به): الضمير لصاحب الزنج ، وحكي أنه كان رجلاً من قرية من قرى الري، يقال لها: ورزنين وكان يزعم أنه من أولاد أمير المؤمنين، شخص إلى البحرين، ودعا قوماً إلى طاعته فاتبعه جماعة، ووقعت بسببه عصبية قتل فيها جماعة، ثم انتقل إلى البادية، وادَّعى عليهم النبوة، فقال يوماً لأصحابه: إني أمرت أن أقصد البصرة فخرج إليها من حيث كان وتبعه أقوام من أهلها، وكان أهل البصرة يشترون الزنوج كثيراً ويستعملونهم في حوائجهم وزراعاتهم، وكان يدسُّ إليهم من يخدعهم ويمنِّيهم الأماني الكاذبة، حتى اجتمع إليه خلق عظيم وبشر كثير من غلمان الزنج فوعدهم أن يملِّكهم الأموال، ويبسط أيديهم فيما تهواه أنفسهم وتريده خواطرهم من أموال الناس، وحرمهم وحلف لهم الأيمان المغلظة، أن يفي لهم بما وعد وألا يغدرهم ولا يخذلهم، وكان كل غلام يتصل به فإنه يأخذ مولاه ويحبسه، فلما تمَّ له اجتماع الغلمان دعا مواليهم، فقال لهم: إني أردت أن أضرب أعناقكم لإساءتكم إلى هؤلاء الغلمان، استضعفتموهم وحمَّلتموهم ما لا يطيقون ، وقد كلمني أصحابي فيكم فرأيت إطلاقكم، فقالوا: إن هؤلاء الغلمان آبقون منَّا وهم يهربون منَّا ومنك فلا يبقون علينا ولا عليك، فخذ منَّا مالاً وأطلقهم علينا فأمرغلمانه وأحضروا عصا، ثم بطح كل غلام مولاه وضربه خمسمائة ضربة، وحلفهم بطلاق نسائهم ألا يعلموا

أحداً بموضعه ولا بعدد أصحابه ثم أطلقهم.
(وقد سار بالجيش): ثم جعل يجمع الناس حتى اجتمعوا إليه، من كل صنف خلق عظيم خاصة من الزنج.
(الذي لا يكون له غبار): يعلوهم لخفة مشيهم على الأرض.
(ولا لجب): أصوات عظيمة لصموتهم.
(ولا قعقعة لُجم): أراد أنه لاخيل معهم، وقعقعة اللجم هو: حركتها وحركة الأسلحة أيضاً، وفي المثل: فلان ممن لايقعقع له بالشنان .
(ولا حمحمة خيل): الحمحمة: أصوات الخيل إذا طلبت العلف، وعند الحرب أيضاً.
(يثيرون الأرض بأقدامهم): يحفرونها بشدة الوطئ منهم.
(كأنها أقدام النعام): في جدتها وسرعة سيرها، ثم إنه ساربعد ذلك لحرب البصرة فأخربها، واستولى على البلاد، وبنى الحصون والقلاع، ونهب الأموال، وسبى النسوان والذراري، وابتلي الناس منه بأشد البلاء وأعظمه، وله قصص طويلة، وحاش لله وكلا أن يكون من هذه حاله في الفسق وتسويس الدين من العترة الزكية، الذين جعل الله فيهم النبوة، ووضع فيهم الإمامة، وجعلهم أئمة للهدى ، وسادة لأهل التقوى، ثم امتد أمره إلى أيام المعتمد بن المتوكل فبعث أخاه أبا أحمد الموفق في جيش عظيم إلى ولايته، فجعل ينقض أطرافه ويأخذ قلاعه، وخرَّب بلاده وحرَّق دياره، ويعطي كل من خالف عليه وخذله الأموال النفيسة حتى قتله، وكان ذلك في المحرم سنة سبعين ومائتين من الهجرة .
(ويل لسكككم العامرة): السكك جمع سكة وهي: الأزقة والشوارع.
(والدورالمزخرفة): المنقوشة.
(الت‍ي بها أجنحة كأجنحة النسور، وخراطيم كخراطيم الفيلة): شبه شُرَفاتها وبروجها في الدقة والطول والرشاقة بأجنحة النسور عند طيرانها، وخراطيم الفيلة.
(من أولئك): أي من خرابهم لها وهدمهم لهذه الدور، وتغيير هذه الزخارف.

(الذين لا يندب قتيلهم ): لضراوتهم بالحرب وشجاعتهم وكثرة الشطارة فيهم.
(ولايفقد غائبهم): لقسوة قلوبهم فلا يذكرون لهم غائباً ويقدرونه كأنه لم يكن.
(أنا كابُّ الدنيا لوجهها): كبَّه على وجهه إذا صرعه فأكبَّ على وجهه.
(وقادرها بقدرها): من الحقارة والانقطاع والتنغيص في لذاتها، والتغير في نعيمها، وقدره لها إعراضه عنها فلا يلتفت إليها بحال.
(وناظرها بعينها!): أي بالعين التي يصلح النظربها إليه من الإزدراء والحقارة، وإنما أضاف العين والقدر إليها تنبيهاً على ماذكرنا؛ لأن لها قدراً تختص به عنده وعيناً ينظر بها إليها فلهذا أضافهما إليها .
سؤال؛ ما وجه اتصال قوله: أنا كابُّ الدنيا بما قبله حتى أورده على أثره، وليس بينهما ملاءمة ولاتقارب؟
وجوابه من وجهين؛
أما أولاً: فلأنه لما ذكر صاحب الزنج وما حدث بسببه من تغير الدنيا، وتقلبها بأهلها وأن ذلك كله من محنها وبلواها، عقَّب ذكرمنزلة الدنيا عنده وقدرها في حقه.
وأما ثانياً: فيمكن أن يكون هذا من الاستطرادات البديعة في كلامه وهو أحسن، وهو أن يذكر كلاماً على إثركلام ليس بين الأول والآخر قرب ولامداناة وهذا منه، وهو نوع من أنواع البديع قد نبهنا عليه في مواضع من كلامه.
ومن بديع ما ورد في الاستطرادات قول السموأل :
ونحن أناسٌ لا نرى القتل سُبَّة
إذا ما رأته عامرٌ وسلولُ
تقرِّب حبَّ الموتَ آجالُنا لنا
وتَكرهه آجالُهم فتطولُ
فالبيت الثاني كالدخيل على الأول، وأعجب منه قول آخر:
خليليَ من كعب أعينا أخاكما
على دهره إن الكريمَ مُعِيْنُ
ولا تبخلا بخل ابن فَرْعَة إنه
مخافة أن تُرجَى يديه حزينُ

68 / 194
ع
En
A+
A-