(لا تسلموا من سيف الآخرة): عقوبة الآخرة، وإنما جعل عقوبة الآخرة بالسيف توسعاً ومقابلة لما كان في الدنيا، كما قال تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }[البقرة:194] فسمى الجزاء عدواناً لما كان مقابلاً له، وهو حسن لأنه يكون انتصافاً، والجزاء من لا تسلموا لأنه جواب الشرط، وكان الأفصح إثبات النون؛ لأن اللام في قوله: لئن فررتم، هي الموطئة للقسم والممهدة لأمره، وصارفة للجواب إليه، كما قال تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ}[الحشر:12] فانظر إلى هذه الأشياء الثلاثة جعل الجواب للقسم دون الشرط، فهذا هو الأفصح وخلافه جائز، كما قاله أمير المؤمنين في كلامه.
(أنتم لهاميم العرب): أجواد الناس وأفاضلهم وساداتهم.
(والسنام الأعظم): السنام من كل شيء أعلاه وأرفعه.
(إن في الفرار موجدة الله): وجد فلان على صاحبه في قلبه موجدة ووجداناً، إذا غضب عليه قال:
كِلانا ردَّ صاحبَهُ بِغَيْظٍ
على حَنَقٍ ووجدانٍ شَدِيْدِ
وأراد ها هنا غضب الله تعالى وسخطه الشديدان، وفي الحديث أنه عليه السلام كان يقول إذا تأخرعنه بعض أصحابه: (( فلان يَجِدُ في قلبه مَوْجِدة علينا ، قوموا بنا إليه)) .
(والذل اللازم): لصاحبه في الدنيا بالعار وفي الآخرة بالنار.
(والعار الباقي): عليه وعلى عقبه، والعار: السُّبة والعيب، والمعاير: المعايب.
(وإن الفار لغير مزيد في عمره): يريد أن الآجال مقدرة، فمن يفرُّ وقد حضر أجله لا ينفعه فراره.

(ولا محجوز بينه وبين يومه): ولا ممنوع من يومه الذي قدره الله له وقضاه عليه.
(مَن رائحُ إلى الله): سمى جهاد هؤلاء البغاة رواحاً إلى الله تعالى أي إلى جنته ورضوانه.
(كالظمآن يرد الماء!؟): وجه التشبيه حاصل لأمرين:
أما أولاً: فلمكان ما يحصل من انشراح الصدر، والطمأنينة بالجهاد، ويرد اليقين كما يحصل لمن يشرب الماء على ظمأ وعطش.
وأما ثانياً: فلأجل ما يحصل للمجاهد من الراحة بالفوز بالجنة، كما يحصل لشارب الماء على ظمأ من الراحة، وهذا من التشبيهات الرائقة، وكيف ما كان التشبيه أغرب فالبلاغة به أتم وأعجب.
ومن بديع التشبيه قوله:
والشمسُ مُعْرِضَةٌ تَمورُ كأنَّها
ترْسٌ يُقلّبُهُ كميٌّ رامحُ
وقول آخر:
إذا ما الثريَّا في السماء كأنَّها
جمان وَهَى من سلكه فتبددا
(الجنة تحت أطراف العوالي): استعارة بديعة، والعوالي هي: الرماح، وأراد أن الجهاد موصل إلى الجنة، ومؤدٍّ إليها، فأدَّى هذا المعنى بهذه العبارة الحسنة، فلو قال: الجنة تجب لمن جاهد بالرماح، فقد عدل عن الاستعارة، وعزل البلاغة عن سلطانها، وعفى رسمها، وأزال معظم شأنها، وقد جاء مثل هذا عن الرسول صلى الله عليه وآله حيث قال: ((الجنة تحت ظلال السيوف ))) و((الجنة تحت أقدام الأمهات )) يشير به إلى ما ذكرناه من الاستعارة.
(اليوم تُبلى الأخبار): أي يمتحن أهل الأخبار، والأخبار: جمع خُبر بضم الفاء وهي الاسم من الاختبار ، يقال: لأخبرنَّ خبرك أي لأعلمنَّ علمك، ويقال أيضاً: صدق الْخُبْرُ الْخَبَرَ أي أصدق الكلام الفعل.
([والله لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم] اللَّهُمَّ، فإن ردوا الحق): الطاعة لله تعالى وامتثال أمري، وترك البغي عليَّ.

(فافضض جماعتهم): فرِّقهم، ومنه فضَّ القرطاس، وافتضاض البكر لأنه تفرق عذرتها، وكان عليه السلام كثيراً ما يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء بالانتصاف منهم، واللجأ إليه في هدايتهم، وهكذا يفعل المحق ومن كان على بصيرة من أمره وهداية من ربه، بخلاف حال معاوية فإنه مصرٌّ على بغيه لا يخطر بباله شيء من ذلك، وهيهات أين الذهب عن الرغام! وشتان ما بين الخف وذروة السنام،! ومتى رأينا معاوية مواظباً على خصال الدين،! ومريداً لجمع شأن كلمة المسلمين.!
(وشتت كلمتهم): فلا يجتمعون على رأي يكون فيه جمع لشملهم، أو تشتت كلمتهم فيحصل الفشل بكثرة التنازع.
(وأبسلهم بخطاياهم): الإبسال هو: الإسلام للهلكة، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا }[الأنعام:70].
قال الأحوص :
وإِبْسَالي بنيَّ بغيرِ جُرمٍ ... لغوناهُ ولا بِدَمٍ مُرَاق
أي وأسلمهم للنار بما اجترحوه من الذنوب والخطايا.
(إنهم لن يزولوا عن مواقفهم): إما عن أماكنهم في الحرب بغياً وعناداً، وإما عمَّا قد غلبوا عليه من البلاد وتمكنوا فيه، بأمر من الأمور التي يرجى إزالتهم بها.
(دون طعن دراك): إلا بطعن متدارك يتبع بعضه بعضاً، أو ذي دراك أي تتابع.
(يخرج منه النسيم): وهو روح الحياة الجاري في الحلق، لسعة الطعنة وانفتاحها ، ويروى النسم، وهو جمع نسمة وهي النفس.
(وضرب يفلق الهام): جمع هامة وهي: تدويرالرأس.
(ويطيح السواعد والأقدام ): أي يسقطها من شدة وقعه.

(حتى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر): المنسر بالنون هو: القطعة من الخيل، وحتى ها هنا متعلقة بشيء محذوف، تقديره فلا يزال فعلكم بهم هذا الفعل من الطعن والضرب، حتى يرموا بالمناسر بالخيول تتبعها الخيول.
(ويرجموا بالكتائب): وهي: جماعة الخيل.
(تقفوها الحلائب): قفاه إذا تبعه أي تتبعها الجيوش.
(حتى يُجَرَّ ببلادهم الخميس): يمتد في بلادهم الجيش.
(يتلوه الخميس): أي يتبعه جيش آخر، وحتى هذه متعلقة بمحذوف تقديره أي لايزالون يفعلون بهم هذه الأفعال من الرمي بالمناسر، والرجم بالكتائب حتى تجر الجيوش في بلادهم استصغاراً، واستحقاراً بهم.
(وحتى تَدْعقَ الخيول في نواحر أرضهم): الدعق: الرمي بحوافر الخيل، والنواحر هي: المتقابلات من الأراضي، يقال: منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل، والنواحر بالحاء المهملة.
(وبأعنان مساربهم): المسارب بالسين المهملة: المراعي، وبالشين بثلاث من أعلاها: العلالي، والأعنان جمع عنن وهو ما ظهر منها وكله صالح هاهنا، وسماعنا بالسين المهملة.
(ومسارحهم): التي يسرِّحون إليها أنعامهم.

(117) ومن كلام له [عليه السلام] يذكرفيه أمرالتحكيم وحاله
وقد تكرر ذكره في كلامه، وما ذاك إلا لأجل ما وقع فيه من الشبهة على أهل العراق من أصحابه، واتفق بسببه من الخدع والمكر من أهل الشام.
(إنَّا لم ن‍حكِّم الرجال): خطاب لمن عاب عليه التحكيم، وأشد الناس غلواً فيه أقوام يقال لهم: أصحاب البرانس، حتى قال بعضهم: قد كفرت وكفرنا، وفارقوه من أجل ذلك، فقال معتذراً: (إنَّا لم نحكِّم الرجال) يشير إلى أن انخداع أبي موسى الأشعري، ومكر عمرو بن العاص به لايضرنا في الدين.
(وإنما حكَّمنا القرآن): حيث قالوا: بيننا وبينكم كتاب الله.
(وهذا القرآن): الذي حكَّمناه نحن وهم.
(إنما هو خط مسطور بين الدفتين): حروف وكلمات.
(لا ينطق بلسان): فيعبِّرعن نفسه، ولا يفتقر إلى غيره من الخلق كما ينطق من كان فصيحاً.
(ولابد له من تَرْجُمان): مفسِّر ومعبِّر، وتَرجمان فيه لغتان فتح الفاء وضمها للاتباع، قال الراجز:
وهنَّ تلفظن به ألفاظاً
كالتُّرْجُمان لُقِّيَ الأنباطا
ويقال: ترجم حديثه، إذا فسَّره بلسان آخر وهو عربي.
(وإنما ينطق عنه الرجال): العلماء به، المظهرون لأحكامه.
سؤال؛ كيف قال في أول كلامه: (إنَّا لم نحكِّم الرجال)، ثم قال بعد ذلك: (وإنما ينطق عنه الرجال) وهذا تحكيم الرجال، فقد ناقض كلامه؟
وجوابه؛ هو أن غرضه أنَّا لم نحكِّم الرجال الذي يحكمون من جهة أنفسهم، وإنما حكمنا الرجال الذين حكموا بما أنزل الله في كتابه، فالحكم في الحقيقة إنما هو بكتاب الله خلا أنهم نطقوا به، وعلى هذا يرتفع التناقض من كلامه.
(ولما دعانا القوم): بحمل المصاحف على رءوس الرماح يهتفون بتحكيم القرآن، ويقولون: هلموا:

(إلى أن يحكم بيننا القرآن): بأن نجعله حاكماً ونحتكم لما ورد فيه عن الله تعالى فأجبناهم إلى ما قالوا .
(ولم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله): فيكون اللوم علينا بالتولي عن حكم الله، ونكون كمن نبذه وراء ظهره وأعرض عن حكمه وأمره، وقد ندب الله إلى قبوله وأوجبه بقوله :
({فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ })[النساء:59]: مما شجر بينكم من أمر الدين.
({فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ })[النساء:59]: يفصلان أمره ويظهران الحكم فيه بما يكون فيه صلاح لأمركم وإرشاد لكم.
(فردُّه إلى الله أن نحكم بكتابه): لأن كلما كان في الكتاب فهو حكم الله علينا وأمره فينا.
(وردُّه إلى الرسول أن نأخذ بسنته): لأن كلما كان في السنة فهو حكم الرسول علينا، وهو في الحقيقة صادر عن أمر الله، لأنه عليه السلام لا ينطق عن الهوى، خلا أن الله تعالى علم أن المصلحة في الأحكام الجارية علينا، والمشروعة في حقنا، بعضها يكون متعلقه الكتاب، وبعضها يكون متعلقه السنة.
(فإذا حُكِمَ بالصدق في كتاب الله): ولم يتجاوز عنه إلى غيره، ولا غيِّرت أحكامه.
(فنحن أحق الناس به): باتباعه واقتفاء آثاره والعمل بها.
(وإن حُكِمَ بسنة رسول الله [صلى الله عليه وآله] ): ولم يكن هناك لها مخالفة ولا خديعة ولا مكر.
(فنحن أولاهم بها ): بالعمل بها، والاحتكام لأحكامها، فإذا كان الأمر هكذا فلأي وجه نقمتم عليَّ التحكيم والحال هذه، ومن تحقق كلامي هذا عذرني وصوَّب رأيي، مما أتيته من أمر التحكيم، فقد بطل ما قلتموه من إنكاره من أصله.
(وأما قولكم:لِمَ جعلتُ بينكم وبينهم أجلاً؟): وذلك لأنهم أنكروا عليه الأجل، فقال مبطلاً لشبهتهم هذه بقوله:

(فإنما فعلت ذلك): الإشارة إلى جعل الأجل في التحكيم ليكون فيها تأني وتنفس.
(ليتبين الجاهل): ما خفي عليه من الأمر.
(ويتثبت العالم): فيما يعلمه من مصلحة ذلك.
(ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة): التي وقع الكف فيها عن القتال منا ومنهم، والهدنة: الصلح؛ لأنه انعقد الحديث على ذلك أعني ترك القتال بهذه المدة المضروبة للتحكيم.
(أمر هذه الأمة): بالفيء والرجوع إلى الحق، وأرجو أن يجعل الله في ذلك بركة كما كان من الأمر في صلح الحديبية، فإنه لم يكن أعظم بركة على المسلمين منه لما كان فيه من النصر والظفر.
(ولا تؤخذ بأكظامها): مخارج أنفسها، وهو كناية عن ضيق النفس والانزعاج، أي وتكون في فسحة من أمرها.
(فتعجل عن تبين الحق): فتزل عنه بالإعجال.
(وتنقاد لأول الغي): تسابق الضلال والزلل عن الحق، والانقياد لأول الضلال إنما يكون سببه العجلة وترك التأني في الأمور كلها، فلهذ انقدحت المصلحة في ضرب الأجل في التحكيم، فقد بطل ماقلتموه من إنكار ذلك عليَّ وعيبه، فانظر إلى لطف هذه المخاطبة من جهته لهم، وإلى رفق هذه الملاطفة في مكالمتهم، كل ذلك يفعله تقريراً للحجة عليهم وإبطال ما عرض من الشبهة لهم.
(إنَّ أفضل الناس عند الله): أعلاهم عنده درجة، وأقربهم منه منزلة.
(من كان العمل بالحق أحب إليه): يريده ويهواه.
(وإن نقصه): في كل أحواله وأدخل عليه نقصاً.
(وكربه ): غمَّه غمّاً شديداً.
(من الباطل): أي هو أحب إليه من الباطل.
(وإن جر إليه فائدة): أوصلها إليه من مال أوغيره.
(وزاده): زيادة ظاهرة.
سؤال؛ ما وجه تعلق هذا الكلام بما قبله؟

وجوابه؛ هو أنه لما مهَّد عذره إليهم في أصل التحكيم وفي ضرب المدة فيه، وأجاب عن شبهتهم في ذلك، وحسم شغبهم بما قاله، أراد أن يقررعندهم موقع الحق فإنه يجب اتباعه وإن تعلقت به المكاره، وإن الباطل يجب اجتنابه وإن كان فيه أعظم المنافع، تحذيراً لهم عن مخالفته، حيث اعتزلوا معسكره وحثا لهم على وجوب اتباعه وامتثال أوامره .
(فأين يتاه بكم!): من أين وقعت الحيرة لكم في أمركم، مع ظهورالأمر فيما قلته وإقامة الحجة عليه .
(ومن أين أتُيتم!): في مخالفتي وترك متابعتي ، فهذا تمهيد عذره عند من أنكر عليه هذا التحكيم من أصحاب البرانس.
(فاستعدوا): يخاطب أصحابه غير هؤلاء.
(المسير إلىقوم): يشير إلى قلَّتهم وحقارة أمرهم.
(حيارىعن الحق): قد لبس الشيطان عليهم أمرهم، فلايدرون أي طريق يسلكون فهم عمي.
(لايبصرونه): فيتبعوه.
(وموزعين بالجور): أوزعته بالشيء إذا أغريته به، قال النابغة:
فهاب ضمران منه حيثُ يُوْزِعُه
طعنُ المعارك عند الْمُحْجِرِ النّجِد
وأراد أنهم مغرون بالجور.
(لا يعدلون عنه ): لكثرة ولوعهم به، وغلبته عليهم.
(جفاة عن الكتاب): مرتفعة قلوبهم عن إتقان أحكامه، وحفظ علومه، أخذاً له من قولهم: جفا السرج على ظهرالفرس إذا كان مرتفعاً عنه.
(نُكُبٌ عن الطريق): جمع أنكب، وهو: الذي يعدل عن الطريق، وأراد بذلك مخالفتهم للدين.
(ما أنتم بوثيقة يعلق بها): الوثيقة: ما يمسك به من حبل أوغيره، ويقال: فلان أخذ بالوثيقة من أمره أي بالثقة، أي ما أنتم أهل لأن يعتمد عليكم، ولا أن تكونوا متمسكاً لمن يستمسك بكم في أموره.

(ولا زوافر يعتصم إليها): زافرة الرجل: أنصاره وعشيرته، وإنما عدى الاعتصام بإلى لما كان على معنى الالتجاء، وقياسه التعدية بالباء، كما قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ }[آل عمران:103] {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ}[آل عمران:101] وكثيراً ما يقع التعويل على المعاني، قال الشاعر:
إذا تغنَّى الحمامُ الوَرْقُ هَيَّجَني
ولو يعزين عنها أمَّ عمَّار
فلما كان هيجني في معنى ذكَّرني نصب به أم عمار.
(لبئس حُشاش نار الحرب أنتم): الحش: الإيقاد، يقال: حششت النار أحشها حشاً إذا أوقدتها، ويقال: نعم محش الكتيبة أنت، وفي الحديث: ((ويلمِّه محش حرب لو كان معه رجال )) في قصة أبي بصير لما أسلمه إلى قريش، ورده إليهم ، واللام في لبئس هي المحققة لما بعدها، وسماعنا فيه بضم الحاء، وأراد بئسما ما تسعَّر به نيران الحرب أنتم، استعارة لجبنهم وخورهم.
(أفٍّ لكم!): اسم من أسماء الأفعال يفيد التسخر من الشيء، وفيه لغات كثيرة، قال الله تعالى: {أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }[الأنبياء:67] موضوع للخبر أي أتسخر من ذلك، يقال : أفٍّ بالفتح والكسر والضم فهذه ثلاث، ويلحقه التنوين بالحركات الثلاث فهذه ست، وأفَّة وتُفَّة، وأفَّا بالألف، وتُفَّا.
(لقد لقيت منكم برحاً ): أي شدة، ويقال: لقيت منه برحاً بارحاً أي شدة عظيمة.
(نُوَّماً أناديكم): بمنزلة من يكون نائماً فأوقظه عن نومه .
(وَنُوَّماً أناجيكم): بمنزلة من لا لُبَّ له فأفهِّمه، وأراد أنه غير مقصِّر في علاجهم بالقرب والبعد، والسر والجهر، والليل والنهار.

(فلا أحرار صدق عند النداء): فتجيبون النداء وترتاحون عنده، كما يفعله الأحرار أهل الأنفة والحمية .
(ولا إخوان ثقة عند اللقاء! ): أي ولايوثق بهم عند الحرب، وملاقاة الأبطال، وأراد بهذا الكلام إما أصحاب البرانس من الخوارج، وإما أهل الشام من أصحاب معاوية، فكل واحد من هذين الفريقين قد وضع السيف فيه.
ثم التفت إلى تقريع الخوارج وتوبيخهم على فعلهم بقوله:
(فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت): اعلم أنهم لما افتتنوا بسبب الحكم ونكصوا على أعقابهم، أبلغ أمير المؤمنين الإعذار إليهم ولاطفهم في الخطاب نهاية الملاطفة، وأمر إليهم ابن عباس بالنصيحة، والارعواء عما هم فيه، وكالمهم مرة بعد مرة لئلا يهريق دماءهم إلابعد الإبلاغ فقال ها هنا: فإن كرهتم متابعتي والانقياد لأمري، وقلتم: إني قد أخطأت الحق في التحكيم، وضللت عن الطريق الواضحة فجرم ذلك عليّ وأنا المأخوذ به.
(فَلِمَ تضللون عامة أمة محمد صلى الله عليه وآله بضلالي): {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا }[الأنعام:164].
(وتأخذونهم بخطئي): {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }[الأنعام:164].
(وتكفرونهم بذنوبي): حيث قالوا: قد كفرت وكفرنا.
(وسيوفكم على عواتقكم): تعتر ضون الناس بالسيف، ولا تكفون عن ذلك.
(تضعونها في البراة والسقم): أراد في ذي البراة وذي السقم، ولكنه بالغ في كلامه حتى جعله نفس ذلك الشيء، كماقالوا: رجل لوم ورجل رضى، جرياً على عادتهم في أساليب البلاغة وفنونها.
(وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب): حيث قتلوا الأ طفال فضلاًعن البالغين، وأباحوا دار الإسلام.

67 / 194
ع
En
A+
A-