(ونفثاته): وساوسه التي ينفثها في النفوس، وتصغي لها الآذان، والنفثة هي: فوق النفخة ودون التفلة.
(واقبلوا النصيحة): أشعروا نفوسكم قبولها.
(ممن أهداها إليكم): إما أن يكون ذلك عاماً، وإما أن يشير به إلى نفسه في سماع مواعظه.
(واعقلوها على أنفسكم): من قولهم: عقل بعيره إذا حبسه، وسمي العقل عقلاً؛ لأنه يحبس عن فعل المقبحات.

(115) ومن كلام له عليه السلام
قاله للخوارج بعد خروجه إلى معسكرهم، وهم مقيمون على إنكار الحكومة فقال لهم:
(أكلكم شهد معنا صفين؟)
فقالوا له: منَّا من شهد، ومنَّا من لم يشهد.
فقال لهم: (فامتازوا فرقتين، فليكن من شهد معنا صفين فرقة، ومن لم يشهد فرقة حتى أكلّم كلاً بكلامه) يعني الذي يخصه ويكون قاطعاً لحجته.
ونادى الناس، فقال:
(أمسكوا عن الكلام، وأنصتوا لقولي): أنصت إذا لم ينطق ولا يتكلم، كما قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا }[الأعراف:204]، (لقولي) من أجل سماع قولي.
(وأقبلوا): من قولهم: أقبل عليَّ بالحديث، وأقبل عليه بالاستماع، قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ }[الصافات:27].
(بأفئدتكم إليَّ): بتفريغها عن كل ما يشغل، ليكون ذلك أقرب إلى السماع، وأسرع للتفطن للكلام.
(فمن نشدناه شهادة): نشده إذا قال له: نشدتك بالله، أي سألتك كأنك ذكَّرته الله فنشد أي تذكَّر.
(فليقل بعلمه فيها): ولا يكتم شيئاً يعلمه، ولايقول شيئاً هو كاذب فيه.
ثم كلمهم بكلام طويل، ووبخهم توبيخاً كثيراً، ثم قال مبكتاً لهم ومقرعاً في مخالفتهم وعصيانهم لرأيه:
(ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف): وجعلوها على أسنة الرماح.
(حيلة): من جهة عمرو بن العاص.
(وغيلة): غاله إذا ختله.
(ومكراً): منهم بإظهار ذلك، وغرضهم خلافه.
(وخديعة): والمخادعة: هي أن تري صاحبك شيئاً وغرضك خلافه، والمكر والخديعة متقاربان، ثم قلتم مع هذا.
(إخواننا): أي هؤلاء إخواننا في الدين.
(وأهل دعوتنا): أي والذين نجتمع نحن وهم على دعوة الإسلام، والانحياز إلى كلمة التوحيد.

(استقالوا ): طلبوا منا الإقالة والرجوع عن بغيهم وعنادهم.
(واستروحوا إلى كتاب الله): استروحت إلى كذا، إذا كنت مائلاً إليه.
(فالرأي القبول منهم): ما بذلوه من جهة أنفسهم.
(والتنفيس عنهم؟): ما هم عليه من الضنك بالقتال والمحاربة، فهذا كله حكاية منه لكلامهم.
(فقلت لكم: هذا أمر): أي ما فعلوه من ذلك.
(ظاهره إيمان): لما فيه من الإظهار لانقيادهم للحق، والتحكم لأهله.
(وباطنه عدوان): لاشتماله على المكر والخديعة.
(وأوله رحمة): إما رحمة لهم عن القتل بالسيف، وإما رحمة لهم من أجل ما بذلوه من الرجوع إلى الحق.
(وآخره ندامة): عن إفلات الفرصة بعد إسعافها في قتلهم لما تبين حال مكرهم وخدعهم في ذلك.
(فأقيموا علىشأنكم): في الحرب وقتالهم.
(والزموا طريقتكم): في جهادهم، وقطع دابرهم.
(وعضوا على الجهاد بنواجذكم): جعل هذا كناية عن إحداث الصبر على القتال، والتجلد له، وقد قررنا تفسير الناجذ في كلام غيرهذا متقدم.
(ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق): النعق هو: الصوت الذي لايفهم، وإنما يكون للبهائم، يقال: نعق بغنمه إذا صاح لها.
(إن أجيب ضل ): مجيبه عن الصواب بإجابته لنعيقه، ومجانبته للحق، وانحيازه إلى الباطل.
(وإن ترك ذل ): بترك الإجابة له، لأنه يكون إذ ذاك قليل العدد فلا يكون لنعيقه وقع بحال.
(فلقد كنّا مع رسول الله[صلى الله عليه وآله ]): على الجهاد، وقتال أعداء الدين من أهل الشرك وسائر الكفار.
(وإن القتل ليدور بين الآباء، والأبناء، والإخوان، والقرابات): أي أن الواحد منَّا ربما اضطره القتال إلى ملاقاة أخيه، أو عمه، أو خاله، أو غير ذلك من سائر الأقارب والأرحام.

(فلا نزداد على كل مصيبة وشدة): مما يصيبنا من ذلك ومن غيره من الشدائد.
(إلا إيماناً): تصديقاً بالله وبرسوله.
(ومضياً على الحق): في الجهاد على الدين، وعلى التوحيد لله تعالى، وإخلاص العبادة له دون غيره.
(وتسليماً للأمر): ما قضاه الله تعالى، وقدَّره فينا من القتل وغيره.
(وصبراً على مضض الجراح): ألمه وتعبه.
سؤال؛ أي شيء يريد بهذا الكلام، وما وجه اتصاله بما قبله، حتى أورده على إثره؟
وجوابه؛ هو أنه لما حكى فتنتهم برفع المصاحف، ومخالفتهم لرأيه في قتالهم، ورحمتهم لهم عن القتل عقَّب ذلك بذكر أحوالهم مع الرسول تعريضاً بهم، وإبطالاً لما زعموه من الرحمة، ويذكر أن الواحد منهم في زمن الرسول كان يقتل أباه وابنه، لا رحمة منهم هناك لمن ذكرناه، ويذكرصبرهم على الجهاد، ويؤسيهم بما كان ممن هو أفضل من الصبر والبلوى على أعظم ما هم فيه وأكثر، فليس حالكم اليوم مشبه بحال من سلف.
(ولكنَّا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام): وإنما سماهم إخوة مع كونهم فسَّاقاً بالبغي توسعاً ومجازاً، كما سمَّى الله قوم صالح، وقوم شعيب إخوة له، مع كونهم كفاراً، كما قال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا }[الأعراف:73] {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا }[الأعراف:85].
(على ما دخلوا فيه من الزيغ والاعوجاج): فالزيغ عن الدين، والاعوجاج عن مسلك الحق.
(والشبهة): في أمر التحكيم.
(والتأويل): يريد خطأهم فيه إنما كان من أجل التأويل.
(فإذا طمعنا في خصلة يلمُّ الله بها شعثنا): أي ما تفرق منَّا، يقال: لمّ الله شعثه إذا أصلح أمره.
(ونتدانى بها): أي يقرب بعضنا من بعض بالألفة والمحبة.

(إلى البقية): فنبقي عليهم، ويبقوا علينا،وأراد التصاون عن القتل وإهدار الدماء.
(فيما بيننا): في الأمر الذي نتجاذبه، ويكون سبباً للاختلاف.
(رغبنا فيها وأمسكنا عمَّا سواها!): من المحاربة والقتل وسفك الدماء.
واعلم: أنه في آخر الأمر قد رضي بالتحكيم دون ما كان منه في أوله؛ وذلك لأنه لما كان من الفشل والاختلاف، والتنازع العظيم، والشجار الطويل، فيما بين العسكر عند رفع المصاحف من أهل الشام فعند ذلك لم يخلُ الحالُ من أحد وجهين:
إما ترك التحكيم، والإصرار على المقاتلة، والانصراف من غير تحكيم، فهذا يعظم ضرره في الدين لما يبدو في ظاهره من مخالفة كتاب الله وهم يدعون إليه.
وإما التحكيم وهوأهون ضرراً لما يرجى فيه من عود الأمر إلى الصلاح، فمن أجل هذا رضي أميرالمؤمنين بالتحكيم، وكلامه ها هنا يشير إلى مصلحته وصوابه، لما أشار إليه من كونه لاماً للشَّعَثِ، وفيه تسكين الدهماء وحقن الدماء، وتقرير لقواعد الألفة والمداناة كما صرَّح به ها هنا، فمن أجل ذلك رضي به من الوجه الذي ذكرنا .

(116) ومن كلام له عليه السلام قاله لأصحابه في وقت الحرب
(وأي امرئ منكم أحسَّ من نفسه): علم من حاله، وتحقق من أمره:
(رباطة جأش): شدة قلب يقال: فلان رابط الجأش وربيط الجأش إذا كان شجاعاً شديداً قلبه، وجيش القلب هو: جزعه واضطرابه عند الفزع، ومنه قولهم: جاش الوادي إذا زخر، وكأن الشجاع يربط قلبه ويمنعه عن الفشل والإزعاج به.
(عند اللقاء): وهو الحرب، قال حسان:
ونشوبُها فتتركنا ملوكاً
وأسداً لا يُنَهْنِهُنَا اللقاءُ
(ورأى من أحد من إخوانه): أهل دينه.
(فشلاً): جبناً وخوراً.
(فليذبب عن أخيه): أي يدفع عنه الشر.
(بفضل نجدته): شجاعته وقوته.
(الت‍ي فضِّل بها عليه): فضَّله الله بأن جعلها فيه، وفي الحديث: ((إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل الحية )).
(كما يذبُّ عن نفسه): فكما وجب دفع الضرر عن نفسه عقلاً وشرعاً، فهكذا يجب دفع الضرر عن سائر المسلمين شرعاً على جهة الكفاية والسعة، وليجعل ذلك شكراً لنعمة الله تعالى عليه كما فضّله بما جعل فيه من النجدة والبسالة.
(فلو شاء الله لجعله مثله): فكان مستغنياً عنه، ولكن الله بلطف حكمته عرَّضه للتكليف بالذبِّ عنه.
(إن الموت طالب حثيث): مسرع في طلبه للأحياء في استلاب أرواحهم.
(لايفوته المقيم): يذهب عنه لأجل إقامته.
(ولا يعجزه الهارب): لأجل هربه.
(إن أكرم الموت القتل): يشير إلى أمرين:
أما أولاً: فإنما كان كريماً لما رفع الله من مراتب الشهداء، وعظّم من حالهم وأكرمهم بالقتل في سبيله، وخصهم بمصاحبة الأنبياء، حيث قال تعالى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ }[الزمر:69].

وأما ثانياً: فلما في القتل من السهولة وخفة الحال في خروج النفس؛ وذلك لأن الأرواح طائشة والنفوس فشلة عند الحرب، فلايحس المقتول بخروج نفسه كما يحسها إذا كان على فراشه.
(والذي نفس ابن أبي طالب بيده؛ لألف ضربة بالسيف أهون من ميتة على الفراش[في غير طاعة الله ]): لما في ذلك من شد ة السرعة بإزهاق الروح وخروجها.
سؤال؛ فإذا كان خروج النفس بالقتل أسهل، فما بال هذا الفضل للشهداء، والثواب على قدر المشقة بالتكليف؟
وجوابه؛ هو أن من يموت على فراشه، فإنه إنما يأتيه الموت كرهاً وهو لا يريده، وهؤلاء الشهداء قد تحققوا الموت عياناً، ثم اقتحموا موارده، وأسرعوا إليه إسراعاً، يمشون مشياً سجحاً، وسعياً قد وطنوا نفوسهم عليه، ووضعوا بين أعينهم مصارع جنوبهم؛ فلأجل ذلك علت درجتهم، ولأمر ما يُسوّد من يسود.
(وكأني أنظر إليكم): استئناف خطاب لأصحابه في حضهم على القتال.
(تكشون كشيش الضبِّاب): الكشيش للأفاعي والضباب وسائر الحرشات إنما هو صوت جلودها، وليس ذلك من أفواهها، والضب: حيوان يسكن الخبوت وحيث يكون إعواز الماء وفقده، وأراد بذلك الجبن والتأخر عن القتال جزعاً وفشلاً.
(لاتأخذون حقاً): إما حقاً لله تعالى وهو إعزاز دينه، وإما حقاً قد أخذ لكم فلا تنتصرون على استرجاعه.
(ولا تمنعون ضيماً): إما ظلم من ظلمكم فلاتنتصرون منه، وإما ظلم أحد من الضعفاء فلا تقدرون على الدفع عنه.
(قد خلِّيتم والطريق): الواو ها هنا واو مع، والطريق منصوب بالفعل الأول بوساطتها، كما تقول: خلِّ زيداً ورأيه أي مع رأيه، وأراد أنه لا حائل بينكم وبين سكوكها .
(فالنجاة للمقيم): فالسلامة حاصلة لمن أقام عليها ولم يتنكب عنها.

(والهلكة للمتلِّوم): التلوم هو: الانتظار والمكث، أي والهلاك لمن تأخر ومكث عن سكوكها ، وليفكرالناظر، في قوله: (قد خلّيتم والطريق.....) إلى آخر كلامه مع قصره وتقارب أطرافه، فجرى مجرى الأمثال ، ولقد أوجز فأعجز، واستولى مع بلاغته ورشيق فصاحته على معاني يقصر عنها الحد، ويذهب عنها الحصر والعد، وهذا النوع من أنواع البديع يسمى المبالغة، وهو بلوغ الشاعر أوالمتكلم أقصى المراد، وغاية الإمكان في كلامه، ونظيره من القرآن قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل }[الأنعام:102]، وقوله تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ }[سبأ:3]، وكقول عمرو بن الأهتم :
ونكرمُ جارنَا ما دام فينا
ونتبعُهُ الكرامةَ حيثُ كانا
ثم عرَّفهم مصالح الحرب ، بقوله:
(قدِّموا الدارع): اللابس للدرع إذا كان معه ما يتقي به من السهام والرماح، فهو أحق بالتقدم للقتال.
(وأخرِّوا الحاسر): الذي لا مغفر له ولا درع، فهو أحق بالتأخرمن حيث كان يقاتل، ولا يصيبه شيء لوقاية الدارع له عن ذلك.
(وعضُّوا على الأضراس): [و]العض عليها [هو] : إيقاع بعضها على بعض.
(فإنه أنبى): نبا ينبو إذا كان مرتفعاً.
(للسيوف عن الهام): عن الرؤوس، وإنما قال ذلك؛ لأنه إذا اشتد الضرب بالسيف كان أقرب إلى ارتفاع السيوف عن الهامات، كيلا تعض عليها وتلزمها.
(والتووا في أطراف الرماح): فيه وجهان:
أما أولاً: فأراد انعطفوا فيها، وميَّلوا قدودكم عليها.
وأما ثانياً: فلعله أراد الطعن بها مقبلاً ومدبراً.

(فإنه أمْور للأسنة): الضمير للالتواء، والمور: المجيء والذهاب، وأراد أنه أمضى لشباها وأعظم لدخولها ومجاوزة نصالها.
(وغضوا الأبصار): احفظوها عن تطاولها.
(فإنها أربط للجأش): ربط الجأش هو: الشدة، عن أن يذهب بالفشلْ والإزعاج.
(وأسكن للقلوب): عن الفشل الذي يكون سبباً للفرار.
(وأميتوا الأصوات): أذهبوها عنكم.
(فإنه أصدد للفشل): الضمير للموت، وإنما كان الأمر كما قال لأن مع السكون تحصل المكيدة في الحرب بفكر وتأمل، ومع كثرة الأصوات يذهب أكثر ذلك ويعظم الخجل.
(ورايتكم): الراية هي: العَلَمُ، ولقد كان له عليه السلام رايات كثيرة في صفين، مع كل أمير من أمرائه راية على انفراده.
(فلا تميلوها): من جانب إلى جانب، فإنه أمارة للاضطراب وقلة الثبات ومع ذلك يوشك الانكسار.
(ولا تخلوها): تسلموها وتذهبوا عنها فتكون منفردة، فيطمع فيكم العدو.
(ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم): كثيري الشجاعة المعروفين بها.
(والمانعين للذِّمِار منكم): والذين يمنعون ذمارهم، والذمار: ما وراء الرجل من حريمه وماله مما يحق عليه أن يحميه بنفسه، ليكون ذلك أقرب إلى استقامة الأحوال.
(فإن الصابرين على نزول الحقائق): أراد فإن الذين من عادتهم الاصطبار عند حصول الشدائد، ووقوعها من الأمور.
(هم الذين يحفُون راياتهم ): أي يكونون حولها.
(ويكتنفون حفافيها ): كنفه واكتنفه إذا استولىعليه، والحفافان : الجانبان من عن يمينها وشمالها.
(ووراءها وقدامها ): أي ومن خلفها وأمامها، لا يتركون منها جانباً إلا أحاطوا به وكانوا فيه.
(لا يتأخرون عنها): وتكون متقدمة عليهم.
(فيسلموها): فيكون ذلك إسلاماً لها إلى الأعداء فيأخذونها.

(ولا يتقدمون عليها): وتكون متأخرة عنهم.
(فيفردوها): فتكون منفردة عن المقاتلة والأبطال، فيطمع بها العدو بالأخذ والا ستيلاء، وقوله: (فيسلموها، ويفردوها) منصوبان جواباً للنفي قبله كقولك: ما قمت فأقوم.
(أجزأ امرؤ قِرْنَه): القِرن بالكسر هو: الكفؤ في الشجاعة، وأجزأ أي كفى، وهوخبر في معنى الأمر، وأراد ليجزي كل أحد من كان كفواً له في شجاعته.
(وآسى أخاه بنفسه): المواساة: المعاونة في الأمر، أي وليواسِ أحدكم أخاه بنفسه، وليعاونه في القتال.
(ولم يكل قرنه إلى أخيه): وكلت أمري إلى فلان إذا كنت معتمداً عليه، أراد وليكن مقاوماً لقرنه وشاغلاً له، ولا يعتمد على أخيه في دفع قرن نفسه ويضعف عنه، (فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه): لأنه إذا لم يفعل ذلك وضعف عن قتال قرنه اجتمع على أخيه قرنان قرن نفسه وقرن أخيه، الذي عجز عن مقاومته فيصير لامحالة مغلوباً لاجتماعهما عليه.
سؤال؛ الواجب في الجهاد أن الواحد يقاوم اثنين من الكفار والفساق، كما قال تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ }[الأنفال:66] فكيف قال: أجزأ امرؤ قرنه؟
وجوابه؛ ليس غرضه بيان المقدار الواجب فيلزم ما قلته، وإنما ذكر المناصفة والمواساة في الحرب والمعاونة، وذلك إنما يحصل بما ذكره دون غيره.
(وايم الله): جمع يمين وهي تستعمل في القسم كثيراً، وارتفاعها على الابتداء، وخبره محذوف أي قسمي.
(لئن فررتم من سيف العاجلة): أي من قتل الدنيا بأيدي البغاة لأجل فراركم منه ونكوصكم على أعقابكم من أجلهم.

66 / 194
ع
En
A+
A-