(إلا مخافة أن يستقبله بمثله): فلهذا يترك النصح من أجل ذلك، وفي هذا دلالة على ركة الحال، ونزول القدر وفساد الأمر، ولهذا ورد في الحديث: ((كلكم طف الصاع )) ، وفي حديث آخر: ((الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة )) ، وفي حديث آخر: ((الناس من عام إلى عام يرذلون )) .
(قد تصافيتم على رفض الآجل): ترك الآخرة وإهمالها.
(وحب العاجل): إرادة الدنيا ومحبتها حتى أنه لا وقع للآخرة ولا خطر لها.
(وصار دين أحدكم لعقة على لسانه): كنى به عن خفة الأمر في الدين فلا يبالي بأي شيء تركه، ولا على أي وجه استعمله ولاخطر له عنده، ولا يزن شيئاً على قلبه، فعملكم هذا وصنيعكم في أمور الديانة، واللعقة بالفتح واحدة اللعقات، وبالضم ما يلعق، وسماعنا فيه بالضم، ويؤيده قوله: على لسانه.
(صنيع من قد فرغ من عمله): بالقبول من الله، ورفعه له كما ترفع الأعمال الصالحة، كما قال تعالى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }[فاطر:10] ويجازي عليه بالثواب العظيم، والدرجات العالية.
(وأحرز رضا سيده): فصار طيب الخاطر، منشرح الصدر بذلك ، وارتفاع صنيع على أنه خبر مبتدأ محذوف، قد دل عليه الكلام تقديره: صنيعكم هذا، من الإعراض عن الآخرة والتهالك في حب الدنيا، صنيع من قد فرغ من عمله.
ولقد بالغ في ذكر أحوال الخلق وصفاتهم، حتى كأنه يشاهدهم عياناً، وأظهر مايضمرونه من أنفسهم، ويكنونه في خواطرهم حتى كأنه يناطقهم لساناً.

(108) ومن خطبة له عليه السلام
(الحمد لله الواصل الحمد بالنعم): أراد الذي جعل الحمد متصلاً بالنعم.
(والنعم بالشكر): أي وجعل النعم متصلة بالشكر لا تنفك عنه.
سؤال؛ ما حقيقة هذا الكلام، وما معنى اتصال الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، وما فائدة ذلك؟
وجوابه؛ هو أن معنى اتصال الحمد بالنعم أنه لا يمكن الحمد إلا بنعمة متجددة؛ لأن معنى الحمد هو الثناء الحسن، وهذا لايمكن إلا بخلق القدرة، وبقاء آلة الكلام وسائر ما يحتاج إليه من ذلك، فلهذا كان الحمد متصلاً بالنعم لايفارقها، ومعنى اتصال النعم بالشكر هو أنه تعالى جعل الشكر من ماهية النعمة، وجزءاً من حقيقتها، وملازماً لها غير منفك عنها، حتى كان ماهية الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم، مع ما يلحق من تعظيم المنعم لأجل إنعامه، فهذه معنى تعلق النعم بالشكر كما أشار إليه.
سؤال آخر؛ فأراه جعل الحمد متصلاً بالنعم، وجعل النعم متصلة بالشكر، من الوجه الذي ذكرته، ولم يجعل الشكر متصلاً بالنعم، مثل الحمد فما وجه التفرقة بينهما؟
وجوابه؛ هو أن الحمد مستحق في مقابلة النعمة وغير النعمة، بخلاف الشكر، فإنه لايكون مستحقاً إلا في مقابلة النعمة، فلا جرم جعل الحمد تابعاً للنعمة، متصلاً بها، والنعمة تابعة للشكر متصلة به إشارة إلى هذه التفرقة.
(نحمده على آلائه): نثني عليه بما هو أهله، من الثناء الحسن مكافأة له على نعمه، والآلآء: هي النعم، وواحدها أَلَّى بفتح الهمزة وكسرها.

(كما نحمده على بلائه): البلاء هو: الاختبار، ويكون في الخير والشر، يقال: أبلاه الله بلاءً حسناً أي اختبره اختباراً يكون مؤدياً إلى صلاحه، وفي الحديث: ((لأضربنَّ عبدي بالبلاء حتى أنقيه من الدرن )) ، وفي حديث آخر: ((لأمتحننَّ عبدي بالبلاء كما يمتحن الذهب بالنار )) .
قال زهير:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم
فأبلاهما خيرَ البلاءِ الذي يبلُو
(ونستعينه على هذه النفوس): ونطلب منه الإعانة عليها، بالألطاف الخفية، والتوفيقات المصلحية.
(البِطاء): المتقاعدة، جمع بطية نحو طريفة وطراف.
(عمَّا أمرت به): من الطاعات.
(السراع): المتعجلة، من قولهم: أسرع في أمره إذا عجل فيه، جمع سريعة أيضاً.
(إلى ما نهيت عنه): من القبائح والمفاسد.
(ونستغفره): ونطلب منه المغفرة.
(مما أحاط به علمه): استغرقه على جهة الاستيلاء عليه، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات [ولا في الأرض] من المعاصي، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }[آل عمران:110].
(وأحصاه كتابه): حصره بالكتابة، كما قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }[يس:12].
(علم غير قاصر): عن الإحاطة بالمعلومات الكلية والجزئية.

(وكتاب غير مغادر): لصغيرة ولا لكبيرة، إلا وضعت فيه، والمغادرة: الترك، كما قال تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِي‍رَةً وَلاَ كَبِي‍رَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا }[الكهف:49] وقوله : (علم غير قاصر، وكتاب غير مغادر) كالاستحضار لماسبق، من قوله: (ما أحاط به علمه، وأحصاه كتابه) وفيه ردٌّ على من أنكر علم الله بالجزيئات المفصلة،كما هو محكي عن جمهور الفلاسفة، فإنهم أحالوا علم الله تعالى بها، وزعموا أنه إنما يعلم الكليات لا غير، وهذا مذهب نكير ، واعتقاد شنيع، وقول إدٍّ ، فأخزاهم الله في هذه المقالة، وأبادهم في ارتكاب هذه الجهالة، ثم إذا كان مستند علمه هو ذاته، فليت شعري أي مخصص للكلي عن الجزئي في الإحاطة بذلك، كلا وحاش عن ذلك.
(ونؤمن به): ونصدِّق به تصديقاً يشبه:
(إيمان من عاين الغيوب): فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون مراده عاين الأمور الغيبية، من جلال الله وعظمته، وَكُنْهِ كبريائه المعلوم للأنبياء والملائكة.
وثانيهما: أن يريد بالغيوب أمور الآخرة وأحوالها، وعظيم أمرها وأهوالها، فإن هذين الأمرين يؤكدان لامحالة المعرفة، ويقويان الإيمان تقوية لا يمكن وصفها.
(ووقف على المعهود): ثبت على العهود المؤكدة، من الإقرار بالتوحيد، ومعرفة الإلهية، واستحقاق العبودية، وتأدية سائر التكاليف.
(إيماناً نفى إخلاصه الشك): إيماناً مصدر مؤكد، نحو ضربت ضرباً، وأراد أن ما فيه من الإخلاص والتحقق للمصدَّق به فيه وقاية وحفظ عن دخول الشك عليه، ويمنعه عن ذلك.
(ويقينه الشرك): و يدفع ما فيه من التيقن والقطع اعتقاد أن يشاركه أحد في إلهيته وعبادته.

(ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له): إقرار بالوحدانية، ونفي المشارك له في إلهيته وعبادته.
(وأن محمداً عبده ورسوله): اصطفاه من بين سائر الخلق، وأرسله إلى الجن والإنس من خلقه.
(شهادتان ): أي هما شهادتان وأي شهادتين، وإنما نكّرهما مبالغة في عظمتهما، وارتفاع خطرهما، والتعريف لا يعطي هذا المعنى.
(تصعدان القول): كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ }[فاطر:10].
(وترفعان العمل): يشير به إلى قوله تعالى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }[فاطر:10]
سؤال؛ ما فائدة قوله: تصعدان القول، وترفعان العمل، وما معناه؟
وجوابه من وجهين؛
أما أولاً: فيحتمل أن يكون مراده من ذلك هو أن كل قول وعمل لا يصاحبانه ولا يكونان معه، فإن الملائكة لا ترفعه إلى الله تعالى، ولا تصعد به الحفظة أبداً، وعلى هذا يكون الرفع والصعود على ظاهرهما.
وأما ثانياً: فيحتمل أن يكون غرضه، هو أن كل قول وعمل يخلوان منهما، فإنه لا يكون له قدرعند الله تعالى، ولايرتفع له خطر، وعلى هذا يكون الرفع والصعود مجازين لما ذكرناه.
(لا يخف ميزان توضعان فيه): وفي الحديث: ((إذا شال الميزان بأعمال صاحبها أتي بقرطاس فيه لاإله إلا الله فرجح )).
(ولا يثقل ميزان ترفعان منه): لأنهما هما الأصل والقاعدة في الإيمان، والإيمان أصل لسائر الطاعات كلها، فلايعقل إيمان من دونهما ولا ثبات له، ولا تعقل طاعة من دون الإيمان بالله، فهو كالقاعدة والأساس لسائر الأعمال الصالحة.
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله): باتقائه والخوف منه، ومراقبته في السر والعلانية.

(فإنها الزاد): المبلِّغ إلى الآخرة، كما قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }[البقرة:197].
(وبها المعاد) : الرجوع إلى الآخرة، أي لا رجوع نافع إلى الآخرة إلا بإحرازها.
(زاد مبلغ): أي هي زاد مبلغ لا زاد مثلها.
(ومعاد منجح): سهل متيسر ، من قولهم: نجحت حاجة فلان إذا كانت سهلة متيسرة.
(دعا إليها أسمع داعٍ): أي دعا إليها أحسن الخلق إسماعاً لهم، وأكثرهم نصيحة، وأوفرهم عقلاً، وهم الأنبياء والأولياء والصالحون، فإن هؤلاء لازيادة على حسن إسماعهم للخلق، وتوخي مصالحهم.
(ووعاها خير واعٍ): أراد أن من وعاها بأذنه، فهو أفضل الخلق وأكملهم عقلاً، لمايحصل فيه من الثواب الدائم، والنعيم السروري.
(فأسمع داعيها): أي صار ذا إسماع ، كما يقال: أكرم الرجل إذا صار ذا كرم.
(وأجاب واعيها ): أي صار ذا إجابة، وهذا الكلام واردٌ مورد المدح والتعجب، كأنه قال: أكرم بسامعها، وأكرم بمن أجابها ، فما أعظم حاله وأشرفه.
(عباد الله): خطاب لمن كان بحضرته ولغيرهم.
(إن تقوى الله حمت أوليائه محارمه): حماه عن الطعام، إذا جنَّبه أكله، وأراد أن خوف الله تعالى ووعيده، هما اللذان جنَّباهم الوقوع فيما حرم الله عليهم فعله، كما يحمى المريض الطعام الذي يضره.
(وألزمت قلوبهم مخافته): فلا ينفك عنها ساعة واحدة، فأسكن الخوف في قلوبهم، وحلَّ في جوانحهم، ولابسهم وخالطهم.
(حتى أسهرت لياليهم): فلا يكتحلون بالنوم خوفاً وفشلاً ، وإشفاقاً على أنفسهم.

(وأظمأت هواجرهم): الهاجرة: منتصف النهار عند اشتداد الحر، وأراد أنها أسهرتهم في الليالي، وأظمأتهم في الهواجر، ولكنه عدَّى الفعل إليهما على جهة المبالغة، كما أسند الفعل إليهما، في قولهم: فلان قائم ليله، وصائم نهاره، على جهة المبالغة والتأكيد.
(فأخذوا الراحة): طيب العيش في الآخرة.
(بالنَّصَب): بما أسلفوه من التعب في الدنيا.
(والرِّيَّ): في الآخرة.
(بالظمإِ): في الدنيا، وأراد أنهم أخذوا لذات الآخرة ونعيمها، بما لا قوه من مكابدة مشاق الدنيا وشدائدها.
(واستقربوا الأجل): أي جعلوه قريباً في أنفسهم.
(فبادروا العمل): فخف عليهم المبادرة في الأعمال من أجل ذلك؛ لأن الإنسان إذا قربت عليه المسافة في السفر وانقطاعه، هان عليه ما يلا قي من شدة السير وتعبه.
(وكذَّبوا الآمال ): أعرضوا عنها، فعل من كذَّبها، فهو غير ملتفت إليها.
(فلاحظوا الأجل): إما جعلوه نصب أعيانهم، وأبصروه بألحاظهم، وإما اعتمدوه وعوَّلوا عليه دون غيره، من قولهم: فلان يلاحظ على هذا الأمر، أي يراقبه ويعتمده.
(ثُمَّ إنَّ الدُّنيا دَارُ فناءٍ وعناءٍ وغِيَرٍ وعِبَرٍ): فهي جامعة لهذه الآفات الأربع، ولقد كانت الواحدة من هذه كافية في ويلها وشؤمها، فكيف حالها إذا كانت مجتمعة.
ثم أخذ في تفصيلها واحدة واحدة بقوله:
(فمن الفناء أن الدهر موتر قوسه): استعارة وتمثيل بمن هذه حاله، وهو مع ذلك:
(لا تخطئ سهامه): من أصابته ومن رمي بها.
(ولا تؤسى جراحه): لا تداوى، من قولهم: أسوت الجرح آسوه إذا داويته.
(ترمي الحي بالموت): بسهام الموت فلا تخطئه.
(والصحيح بالسقم): بمرامي السقم المتلفة.
(والناجي بالعطب): بالهلاك فلا ينجو منه أحد أبداً، فهو في كل أحواله:

(آكل): لجميع الأحياء.
(لا يشبع): فيقلع عن اخترامهم، ويكفُّ عن ذلك.
(وشارب): لدمائهم.
(لا ينقع): أي لا يروى، فهذه حالة الفناء.
(ومن العناء): الهمُّ، وفي الحديث: ((من حسن إسلام المرء تركه لما لايعنيه )) أي يهمُّه.
(أنَّ المرء يجمع ما لا يأكل): من كل مايدخره من أنواع المأكولات، بأن يموت عن ذلك وقد عني بجمعه.
(ويبن‍ي ما لا يسكن): من الأبنية الفاخرة، والقصورالمشيدة.
(ثم يخرج إلى الله): بالموت وقبض روحه.
(لا مالاً حمل): من جميع ما جمعه.
(ولا بناء نقل): من كل ما عمَّره وشيَّده، فهذا هو نهاية العناء يفعل ذلك كله.
(ومن غِيَرِها): الغَيرة، بغين منقوطة من أعلاها، وياء بنقطتين من أسفلها، وفتحها هي: الأنفة، من قولهم: فلان يغار على أهله غِيرة وغيراً [وغاراً] ، كلها مصادر، وجمعها غِيَرٌ، والغِيرة بكسر الغين، وهي اسم من التغير، والجمع غِيَرٌ أيضاً، وهذا هو المراد ها هنا.
(أنك ترى المغبوط مرحوماً، والمرحوم مغبوطاً): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد ومن تغيّرالدنيا وتقلّبها بأهلها، أنك ترى من تغبطه من الناس بكثرة ماله، ونعيمه في الدنيا، مرحوماً في الآخرة، لكثرة تبعاته، وترى من كان مرحوماً بالفقر والمسكنة مغبوطاً في الآخرة، لكثرة ثوابه وحسن مصيره.
وثانيهما: أن يريد بذلك في الدنيا، فكم يرى فيها من يغبطه الناس بكثرة المال والأولاد، إذ صار فقيراً معدماً، لا ولد له، يرحمه من رآه، وكم يرى من يرحمه الناس لفقره ومسكنته، إذ صار ملياً ذا تمكن ويسار، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }[آل عمران:140].

(ليس ذلك إلا نعيماً زلَّ أو بؤساً نزل): يشير إلى ما تقدم ذكره من الغبطة والرحمة، أي بجميع ذلك كله، إنه إما نعيم زلَّ أي أسدى، وفي الحديث: ((من أزلَّت إليه نعمة فليشكرها )) فتحصل الغبطة، أو بؤساً نزل وقع به، فتحصل الرحمة له.
(ومن عِبَرِهَا): العِبرة بالعين المهملة وباء بنقطة من أسفلها، هي : الاسم من الاعتبار، وجمعها عبر.
(أن المرء يشرف على أمله): يقارب حصول ما رجاه وأمَّله في الدنيا.
(فيقتطعه حضور أجله): أي يخترمه الموت من دون ذلك كله.
(فلا أمل يُدْرك): لانقطاعه بالموت.
(ولا مؤمَّل يُترك): أي ولا عمر باقٍ، فيكون متروكاً عن الموت.
(فسبحان الله!): تنزيهاً له تعالى عن أن يتهم في فعل من الأفعال، وتعجباً من حكمة الله تعالى، ومن هذه الأحوال.
(ما أقرب الحي من الميت!): ما أشدَّ قربه منه.
(للحاقه به): أي أن قربه من سرعة لحاقه به على الفور.
(وما أبعد الميت من الحي!): ما أشد بُعْدَه منه.
(لانقطاعه عنه): لبعد مابينهما من الانقطاع والتباين، وإنما قدَّم الحي على الميت في القرب لما يريد من وصفه بسرعة اللحاق، وقدَّم الميت على الحي في الْبُعْدِ، لما يريد من وصفه بكثرة الانقطاع عن الحي.
(فسبحان الله!): تكريراً للتنزيه، والتعجب من ذلك.
(ما أغرَّ سرورها): ماأعظم غروره لمن اغترَّ به.
(وأظمأ رِيَّها): وأكثر عطشها.
(وأضحى فيئها): أي أنه لا ظِلال في فيئها .
(لا جاءٍ يُرَدُّ): أي لا يردُّ ما هو واصل من الأقضية والبلاوي والمحن والمصائب.
(ولا ماضٍ يرتدُّ): من نعيمها وسرائها.
(ولا مؤمَّلٍ يريد): فيه وجهان:
أحدهما: أن المؤمِّل اسم فاعل، ويكون مريداً بالراء، ومعناه ولامؤمِّل يريد بلوغ ما أمّله في الدنيا.

وثانيهما: أن يكون المؤمَّل اسم مفعول، ويكون يزيد بالزاي، ومعناه والمأمول من الدنيا لا يزاد عليه، بل هو إلى نقصان وخسارة، فكله محتمل كما ترى.
(إنه ليس شيء أشر من الشر إلا عقابه): أراد أن الشر هو المعصية، وأشر منها عقابها، فعلى هذا أشر الشر العقاب.
(وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه): لأن الخير هو الطاعة، وخيرمنها ثوابها، فعلى هذا خير الخير هو الثواب.
(وكل شيء من الدنيا): من كل ما يتعلق بها، ويحصل فيها من أحوالها.
(سماعه أعظم من عيانه): تسمع به فيهولك ويعجبك، فإذا رأيته نقص في عينك، وازدريته لهونها وحقارتها.
(وكل شيء من الآخرة): نعيمها وجحيمها.
(عيانه أعظم من سماعه): تسمع به فيهولك ويعجبك، فإذا رأيته وعاينته، كان أعظم هولاً، وأدخل في الإعجاب.
(فليكفكم من العيان السماع): في نزول قَدْرِالدنيا لما كان سماعها أكثر، وارتفاع خطر الآخرة وقدرها لما كان سماعها أحقر.
(ومن الغيب الخبر): وليكف عمَّا غاب من أحوالهما الخبر عنه، فإنه دالٌّ على نفاسة الآخرة، وحقارة الدنيا.

62 / 194
ع
En
A+
A-