(نازل بشفا جرف هار): الشفا: البقية من الشيء، يقال: ما بقي منه إلا شفا، أي قليل، والجرف: جرف الوادي وجانبه التي جرفته السيول، والهار هو: المتصدع الذي قرب سقوطه وانهدامه، ووزنه محتمل أن يكون فاعلاً، فيقال فيه: هاير، ثم أخرت عينه بعد لامه، على مثل شاكي في شائك، ولابي في لائب ، ويحتمل أن يكون وزنه فَعِلَ على مثل شَكِسَ وشَرِسَ ، وهو تمثيل بالغ في ما كان مبنياً على غير قاعدة محققة في الدين؛ فإنها سريعة الانهدام والتغير كالشفا الجرف في سرعة انهدامه.
(ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع): تمثيل بحال من لا خبرة له بإيراد الأمور وإصدارها، وكنى به عن ذلك، كما كنى بقوله: فلان يقدِّم رجلاً، ويؤِّخر أخرى عن المتحير في أمره، لايدري كيف يصنع.
(لرأي يحدثه بعد رأي): أي من أجل رأيه، أراد أن اضطرابه وفشله بما كان من جهة رأيه واختلافها، وأنه على غير ثبات منها وقطع.
(يريد أن يلصق ما لا يلتصق): من الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة.
(ويتقارب ما لايقارب ): من الأمور البعيدة، والآراء المنقطعة.
(فالله الله): تكرير من أجل التحذير، كقولهم: أخاك أخاك، والصبي الصبي، أي احذروا الله تعالى عن ترك أوامره، والوقوع في مناهيه، وأحذركم أيضاً.
(أن تشكوا إلى من لايُشْكي شجوكم): أشكيته إذا أزلت شكواه، والشجا هو: الحزن، وأراد التحذير عن ذلك فإن ذلك يكون زيادة في المصيبة، وإثارة للأحزان، وجرحاً للصدور.
(ولا ينقض برأيه ما أبرم لكم): أي من أجلكم، وغرضه أنه لا يحدث رأياً من نفسه يكون فيه فرج عما أنتم بصدده، وراحة عن همكم.
(إنه ليس على الإمام): الذي أعطيتموه أكفكم، وقام فيكم بأمر الله.
(إلا ما قد حمَّل من أمر ربه): أخذه الله عليه، وأوجبه وفرضه.
(الإبلاغ في المواعظ ): الوعظ لكم، والتذكيربما يجب من حقوق الله تعالى.
(والاجتهاد في النصيحة): وبذل الجهد والوسع، في بيان ما يكون فيه نجاة لكم، ونفع في الدين.
(والإحياء للسنة): بالإظهار لأحكامها، والإبانة لمعالمها.
(وإقامة الحدود [على مستحقيها ]): على من ارتكبها من أهل الفسق والكفر، وفي كلامه هذا دلالة على أن إقامة الحدود موكولة إلى رأي الأئمة دون غيرهم، كما يقوله أصحابنا والأكثر من الفقهاء.
(وإصدارالسُّهمان على أهلها): من المقاتلة الذين حضروا الوقعة.
(فبادروا العلم): أي خذوه وأسرعوا في طلبه، من قولهم: ابتدرت كذا أي أسرعت في أخذه.
(من قبل تصويح نبته ): صوح النبت إذا يبس، وصوح العود إذا جفت رطوبته، وأراد انقطاع حامليه عن الدنيا بالموت.
(ومن قبل أن تشغلوا بأنفسكم): إما بعوارض الدنيا، وإما بالموت وأشغاله.
(عن مستثارالعلم من عند أهله): المستثار هو: الا ستثارة، وهو إخراجه بعد أن كان كامناً.
(وانهوا عن المنكر): امنعوا فاعله عنه، وألحقوه أحكام ما فعله من ذلك.
(وتناهوا عنه): أي لينه بعضكم بعضاً، ولا تواطئوا على فعله فتهلكوا.
(فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي): أراد أن نهيكم لغيركم عن المنكر إنما يكون فرعاً على تناهيكم عنه، ويصدق ذلك قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ }[البقرة:44].
(100) ومن خطبة له عليه السلام
(الحمد لله الذي شرع الإسلام): أي سنه ، ومنه قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا }[الشورى:13] أو أظهره من قولهم: حيتان شارعات، أي ظاهرات من قعر الماء.
(فسهَّل شرائعه): جمع شريعة وهي: مشرعة الماء أي مورده.
(لمن ورده): أي سهل موارده [لمن أراد أن يرده] ، وهو مجاز في حقه.
(وأعز أركانه على من غالبه): أي جعله عزيزاً يقهر من أراد مخالفته.
(فجعله أمناً لمن علقه): أي تعلق به، من قولهم: علق فلان بالأمر أي تعلق به.
(وسلماً لمن دخله): السلم بفتح السين وكسرها، وهو: الصلح، كما قال تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }[البقرة:208]، وإنما سماه سلماً؛ لما فيه من السلامة في الدارين .
(وبرهاناً لمن تكلم به): دليلاً واضحاً ينطق بالحق فيما يقوله.
(وشاهداً لمن خاصم به): يحجُّ من شهد عليه، ويفحمه فيمايريده من مخالفته.
(ونوراً لمن استضاء به): من ظلمات الجهل، ومهامه الجهالات الكفرية، وطرق الإلحاد العميّة .
(وفهماً لمن عقل): وتفهم من عقل عنه ما يرشده، ويقوده إليه من السلامة.
(ولباً لمن تدبر): أحواله وما فيه من المصالح الدينية الدالة على كل خير.
(وآية لمن توسم): وعلامة دالة على إرادة الخير لمن أراده.
(وتبصرة لمن عزم): هداية لمن عزم على اتباع المصالح، وانتحاء المراشد.
(وعبرة لمن اتَّعظ): وفيه اعتبار لمن كان منزجراً بالمواعظ، معولاًعليها.
(ونجاة لمن صدَّق): نفسه وأرشدها، كما قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ }[محمد:21]، {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا }[النساء:66].
(وثقة لمن توكل): ووثوق واطمئنان وانشراح صدر لمن اتكل عليه، وجعله عمدة له في أحواله .
(وراحة لمن فوض): الأمر إليه؛ لأن تفويض الأمر إلى الله تعالى هو الانقياد لأمره والاحتكام لقضائه، وفي هذا راحة للقلوب والخواطر عن إتعابها بالتفكر في العواقب.
(وجنة لمن صبر): على مشقته، ومراعاة أحواله؛ فإنه يكون له جنة واقية عن جميع العوارض والآفات.
(فهو أبلج المناهج): واضح المسالك، ومنه قولهم: الحق أبلج والباطل لجلج .
(واضح الولائج): الولائج: جمع وليجة، وأراد إما أن بواطنه وخواصه ظاهرة منكشفة لمن أرادها، استعارة من قولهم: وليجة الرجل أي بطانته وخاصته، وإما أن يكون مراده أن مداخله وطرقه ومسالكه متضحة، أخذاً من قولهم: ولجت الدار أي دخلت فيها، ومنه قوله تعالى: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً }[التوبة:16] أي دخيلة تخالف الدين وتضاده، وإما أن يريد أن أحكامه ولوازمه وتوابعه يدخل فيها ويتلبس بها من فعلها، أخذاً لها من الوليجة وهو ستر أو كهف ، وهذه المعاني كلها متقاربة محتملة كما ترى.
(مشرق المنار): أشرقت الشمس وشرقت، إذا ظهر نورها وفشا، وأراد أن أعلامه المنصوبة ظاهرة لمن أمَّها وقصدها.
(مشرف الجواد): عالي المركب، ومنه قولهم: جبل مشرف أي عال، قال ابن دريد يصف فرساً له:
ومُشْرِفُ الأقْطَارِ خَاضَ بِحضنِهِ
حاني القُصَيْرَى جُرْشُعٌ عَرْدُ النَّسا
أراد أنه عالٍ منتصب .
(مضيء المصابيح): أراد أن نجومه لا تخبو ، واستعار ذلك لو ضوح الأحكام والمسالك.
(كريم المضمار): إما أنه يكرم من تلبس به، أخذاً له من مضمار الفرس، وهو إكرامه في مدة المضمار، وهو أربعون يوماً، وإما أن مكانه ومستقره كريم، أخذاً له من مكان الإضمار، وهو موضع السباق للفرسان.
(رفيع الغاية): عال في الرفعة، وهو مجاز كما قال عليه السلام: ((الإسلام يعلو ولا يعلى )) .
(جامع الحلبة): الحلبة: أفراس تجمع للسباق، ولا تكون خارجة في مكان واحد، بل تجمع من جهات شتى للمسابقة، وأراد أنه أصلها وقاعدتها أي أنه جامع لجميع خصال الخير مؤلف بين أشتاتها.
(متنافس السُّبقة): السُّبقة بضم السين هو: الخطر في المسابقة، وأراد أن سُبقته نفيسة عالية، ليست حقيرة دانية، وهي الجنة لأنهاحضراً عليه.
(شريف الفرسان): مكان من تعلق به رفيع وجانبه عزيز، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }[المنافقون:8].
(التصديق منهاجه): الا عتراف بالله ورسوله وجميع أحكام الدين، طريقه الواضحة التي لا يمكن سلوكها إلا به.
(والصالحات): أعمال الخير، وأنواع الطاعة.
(مناره): أعلامه التي يهتدى بها إليه؛ كالمنار للطريق.
(والموت غايته): منقطعه، وغاية انقضائه.
(والدنيا مضماره): والمضمار: عبارة إما عن زمان السباق، وإما عن مكانه، والدنيا صالحة لهما جميعاً، فإنهما زمان فعل الخير ومكانه الذي يستقر لفعله عليها.
(والقيامة حلبته): لأنها هي المكان المجتمع فيه للجزاء على الأعمال، كما أن الحلبة موضع السباق للخيل.
(والجنة سُبْقَتهُ): الجزاء الذي يكون على فعله.
ثم ذكر حال الرسول صلى الله عليه وآله بقوله:
(حتى أورى قبس القابس ): وري الزند إذا خرجت ناره، والقبس: عود في رأسه نار، وأراد أنه أكمل به المقصد، ونيل به الغرض الأعلى.
(وأنار علماً لحابس ): أي وأظهر أعلام الطرق لمن كان محتبساً لضلاله عنها، وانحرافه عن مسالكها، فهو كناية عمَّا أوضح من أعمال الهدى، وأظهر من الحجج النيرة في الدين، وقد تقدم مختار هذه الخطبة فأغنانا عن تكريره.
(اللَّهُمَّ، اقسم له مقسماً من عدلك): من رضاك، وهو أعظم المقاسم وأعلاها قدراً، كما قال: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ }[التوبة:72] أخذاً من قولهم: رجل عدل إذا كان مرضياً في شهادته.
(واجزه مضاعفات الخير من فضلك): واجعل جزاءه مضاعفاً من الخير الذي مننت به عليه، وكرمته به.
(اللَّهُمَّ، أعلِ على بناء البانين بناءه): إما على الداعين إلى توحيدك، والا قرار بربوبيتك من سائر الرسل والأنبياء؛ فإنهم العامرون لأرضك، فاجعل بناءه من أرفع أبنيتهم وأقواها قاعدة، وإما على العاملين بالصالحات من جميع الأولياء والصالحين، فإنه أوفاهم عملاً، وأشكرهم سعياً، فارفع منزلته عليهم، وكله محتمل في حقه.
(وأكرم لديك نزله): النزل: ما يعدُّ للضيف عند نزوله، كما قال تعالى: {نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ }[فصلت:32] وأراد اجعل نزله كريماً عندك.
(وشرف عندك منزلته): بما أعطيته إياه من القرب والزلفة لديك في المقام المحمود الذي وعدته.
(وآته الوسيلة): الدرجة العالية، كما ورد في الحديث: ((الوسيلة درجة في الجنة، لا ينالها إلا نبي ، فاسألوا الله لي الوسيلة)) .
(وأعطه السناء والفضيلة): الرفعة والفضل، الذي ليس لغيره من الأنبياء.
(واحشرنا في زمرته): الزمرة: الجماعة، وأراد في جماعته.
(غير خزايا): الخزي: الذل والهوان، والخزايا جمع خزيان، نحو عطشان وعطاشى وسكران وسكارى.
(ولا نادمين): على فعل، أو ترك مما ليس له فيه رضى.
(ولا ناكبين): تنكب عن الطريق إذا عدل عنها، وغرضه ولا عادلين عن الحق.
(ولا ناكثين): لعهد أخذته علينا، في الإقرار بربوبيتك، والتصديق بوحدانيتك.
(ولا ضالين):عن الطريق المستقيمة.
(ولا مضلين): لأحد من الخلق.
(ولا مفتونين!): ضالين عن الحق.
ثم خاطب أصحابه بقوله:
(قد بلغتم من كرامة الله لكم منزلة): أراد بما أعطاكم من الدين، وبما أعزَّكم به من الإسلام، ومكَّنكم فيه أن أحلَّكم مكاناً، ورفعكم منزلة عظيمة، بلغ من حالها أنه:
(تُكَرمُ بها إماؤُكم): تنالون بها الكرامة، بأن يقال: عبد فلان وخادمه فيلحقه بذلك كرامة لأجل ملكه له، فإذا كان هذا حال الأخدام والأرقاء فكيف حال السادة والملاَّك، فشرفهم لامحالة أكبر وحظهم أكثر وأوفر.
(وَتُوْصَلُ بها جِيرانُكم): من الصلة وهي : العطية، أو من الإكرام والإعظام، بأن يقال: هذا جار فلان.
(ويعظمِّكم من لا فضل لكم عليه): بالإحسان والعطية، التي هي سبب التعظيم من جهة الغير.
(ولا يد لكم عنده): ولا نعمة عليه من جهتكم.
(ويهابكم): لأجل الدين.
(من لا يخاف لكم سطوة): فتكون سبباً للخوف.
(ولا لكم عليه إمرة): سلطنة ودولة، فهذه الأمور كلها حاصلة بما أكرمكم الله به بالدين والإسلام؛ فإنهما هما الأصل في هذه الأشياء كلها وحصولها.
(وقد ترون عهود الله): وهو: ما أخذ على الأنبياء إبلاغه إلى الخلق ، وأخذ على الخلق العمل به، والوقوف عنده من جميع الأوامر والنواهي.
(منقوضة): محلولة عراها بالإهمال لها، والترك لحقوقها.
(فلا تغضبون): أي لا تأنفون من ذلك، وقوله: وقد ترون جملة ابتدائية، أي وأنتم ترون، وهي في موضع نصب على الحال من الضمير في بلغتم، أي بلغتم في حال رؤيتكم.
(وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون): أي أنكم تستنكفون عن أن تكون ذمم آبائكم منقوضة، فكيف لا تستنكفون عن نقض ذمم الله وحل عقوده.
(وكانت أمورالله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع): أحكامه في خلقه، ومصالحه في أرضه بالفتاوى ترد عليكم من جهة الخلق، والأجوبة والأقضية تصدر من جهتكم، والحل والعقد، وأحكام السياسة، وأمور الإيالة راجع إليكم.
سؤال؛ ما وجه تعلق هذا الكلام بما قبله، وكيف الملاءمة بينهما؟
وجوابه؛ هو أنه عليه السلام لما ذكر نعمة الله في الدنيا، بإكرام العبيد والجيران، وشرفهم لأجل شرف من يضافون إليه، أردفه بذكر نعمة الله في الدين عليهم، بما مكن من الحل والعقد في الفتاوى والأقضية، وإصدارالأحكام، والإلزامات التي لاترد تعريفاً لمواقع النعمة وإعظاماً لحالها، وتقريراًلما يريد من الإنكار على مصافاة الظلمة ، والسكون لهم على ظلمهم.
(فمكنتم الظلمة من منزلتكم): وهي الإمرة التي جعلها الله لأهل الدين والعلم منكم، وتخاذلتم حتى اختصوا بها وملكوها عليكم قهراً.
(وألقيتم إليهم أزمتكم):بأن صارواملوكاًعليكم فقادوكم بالاستيلاء والقهر، كما يقاد الجمل بزمامه ويجذب بخطا مه.
(وأسلمتم أمور الله): أحكامه في الخلق الدينية والدنيوية.
(في أيديهم): يتصرفون فيها كيف شاءوا وليسوا أهلاً لإيراد شيءمنها ولا إصداره لبطلان الولاية وعدم الأهلية.
(يعملون بالشبهات): يتوصلون إلى قضاء مآربهم الدنيوية بالشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، الخارجة عن مراد الله ومقصوده.
(ويسيرون في الشهوات): جميع تصرفاتهم وسائر مضطرباتهم، ما هو إلا من أجل قضاء الشهوة وتنفيذ اللذة، لا يخطر لأحد منهم أمر الدين وحال الآخرة ببال، في وقت من الأوقات، وهذا الكلام إنمايشير به إلى بني أمية وسكوت من كان في عصرهم عن الإنكار عليهم، وتذكر حالهم في الظلم وقهرهم للخلق.
(وايم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب): قتلاً في البلاد المتباعدة، والأمكنة المتفاوتة، وتشريداً في الأقاليم.
(لجمعكم الله لشر يوم لهم!): وهو يوم القيامة، وإنما كان أشر الأيام لما يلقون فيه من العقوبة الأبدية، والجزاء الأكبر، وفي الحديث: ((يوم المظلوم على الظالم أشر من يوم الظالم على المظلوم )) لأن غم المظلوم منقطع، وغم الظالم غير منقطع، وليس يخفى على ذي فطنة ما تضمنه هذا الكلام من الحث على البعد عن الظلمة، والركون إليهم، والتقرب إلى الله يإيحار صدورهم غضباً لله ومراعاة لحق الدين في ذلك.
(101) [ومن كلام له عليه السلام في بعض أيام صفين]
(وقد رأيتم جولتكم): تجاول الفرسان في الحرب إذا جال بعضهم على بعض بالكرِّ والفرِّ، قال الشاعر:
وأنا الذي ورد الكلاب مسوِّماً
بالخيل تحت عَجَاجَهَا الْمِنْجَال
(وانحيازكم عن صفوفكم): تأخركم عنها هرباً وتولية للأدبار.
(تحوزكم): تؤخركم عن مقاماتكم في الحرب.
(الجفاة): الذين لا تمييز لهم ولاعلم عندهم.
(الطغام): أوباش الناس وأوغادهم، وأنشد المبرد :
إذا كان اللبيب كذا جهولاً
فما فضل اللبيب على الطَّغَامِ
(وأعراب أهل الشام): أهل الغلظة والجفا.
(وأنتم لهاميم العرب): أهل الرئاسة والجودة.
(ويآفيخ الشرف): جمع يافوخ وهو: وسط الهامة.
(والأنف المقدّم): أنف كل شيء: أوله وأعلاه.
(والسنام الأعظم): سنام الجمل: أعلا ظهره، وسنام الأرض: نجدها، وأراد في هذا كله أنهم رؤساء الناس، وأعلاهم مرتبة وأقدمهم شرفاً.
(ولقد شفى وحاوح صدري): الغصص منه، والوحوحة: صوت معه بحح، يقال: وحوح الرجل إذا نفخ في يده من شدة البرد.
(أن رأيتكم بأخرة): بآخر الأمر، وأن في موضع رفع فاعل لشفا.
(تحوزونهم): حازه إذا ألجأه إلى مكان ضيق.
(كما حازوكم): من قبل.
(وتزيلونهم عن مواقفهم): طرداً لهم عنها وهرباً منهم.
(كما أزالوكم): فإن الحرب سجال مرة عليكم ومرة لكم.
(حساً بالنصال): الحس بالسين المهملة، هو: القطع والاستئصال، قال الله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ }[آل عمران:152] والحش بالشين المعجمة، هو: وقيد النار يقال: حشيت النار أحشيها حشياً، إذا أوقدتها، وكله محتمل ها هنا، والسماع بالشين المعجمة.
(وشَجْراً بالرماح): طعناً بها، وشجره بالرمح أي طعنه.