(فلم تسمعوا): فلم تكن منكم حقيقة السماع بالخروج والامتثال.
(ودعوتكم سراً وجهراً): على جميع الأحوال في الدعاء.
(فلم تستجيبوا): لما دعوتكم إليه من أمرالجهاد.
(ونصحت لكم): وأتيت بالنصيحة من أجلكم.
(فلم تقبلوا): إعراضاً منكم عن ذلك.
(أشهودٌ كغَّياب؟): أراد أنكم شهود بأشباحكم كغياب بقلوبكم، أو شهود في حكم من هو غائب في عدم الانتفاع والاستماع.
(وعبيد كأرباب؟): لأن من حق العبد الطاعة لسيده، وأنتم عبيد الله ولكن لا تطيعونه.
(أتلو عليكم الحِكَمَ فتنفرون عنها ): نفار من لا رغبة له فيها ولا أثر لها على قلبه.
(وأعظكم بالموعظة البالغة فتفرقون عنها): لا تجتمعون على معناها، ولا تحتفلون بها وتثنون قلوبكم عنها كأنكم ماسمعتموها.
(وأحثكم على جهاد أهل البغي): معاوية وأهل الشام وكل من نازعني [أمري] ، أو أراد مخالفتي، فهو مستحق لأن يكون باغياً عليَّ.
(فلا آتي على آخر قولي): موعظتي وكلامي لكم.
(حتى أراكم متفرقين): متشتتة آراؤكم.
(أيادي سبأ): أيدي سبأ وأيادي سبأ مثل يضرب في التفرق ، وهما اسمان جعلا اسماً واحداً في موضع نصب على الحال، حيث وقع، يقال: ذهبوا أيدي سبأ، أي متفرقين، وهو سبأ بن يشجب ؛ لأن أولاده تفرقوا في البلاد فضرب بهم المثل، وفيه مذهبان:
أحدهما: أن يكون مصروفاً وهو الأكثر، إما على أن الاسم الأول مضاف إلى الثاني وإعرابه النصب، وإنما سكنت ياؤه على جهة التخفيف، وإما على أن الاسم الأول مبني مع الثاني بمنزلة الجيم من جعفر فهذا كله شايع فيه.
وثانيهما: أن يكون غير مصروف؛ لأنه في التركيب والعلمية بمنزلة معدي كرب، وهذا قليل.
(ترجعون إلى مجالسكم): مطمئنين للوقوف والمحادثة من غير اكتراث .

(وتتخادعون عن مواعظكم ): المخادعة هي: المخاتلة، وهي أن توهم صاحبك خلاف ما تريده من المكر به، وأراد أنهم يفهمون الاتعاظ وما هم منه بطريق.
(كظهر الحنية): الخشبة المعوجة التي يريد صاحبها تقويم أَوَدِهَا .
(عجز المقوِّم): من أجل ضعفه عن إقامتها.
(وأعضل ال‍مُقوَّم): أعضل الأمر إذا اشتد فلا يهتدى لوجهه.
(أيها [القوم] الشاهدة أبدانهم): أراد الفرقة والجماعة الحاضرة أشباحهم في الأعيان.
(الغائبة عنهم قلوبهم ): فلا يفهمون ما يقال له ، وإنما قال: عنهم، تنبيهاً على مجاوزتها لهم وأنها غير حاضرة معهم.
(المختلف أهواؤهم): فلا يجتمعون على أمر واحد.
سؤال؛ أراه أنَّث الشاهدة والغائبة، وذكَّر المختلف مع أن فاعل الصفة جمع في كلها؟
وجوابه؛ هو أن هذه التاء إنما أتى بها دلالة على الحدوث، فإذا قلت: هذه امرأة حائض، فالغرض أنها ممن تحيض، فإذا قلت: هذه امرأة حائضة دل على تجدد حيضها الآن، فأراد أن الشهادة والغيبة متجددان، فأما الاختلاف في الأهواء فكأنها لهم صفة ثابتة لا ينفكون عنها ولا يزايلونها، فلهذا أسقط التاء منبهاً على ذلك.
(المبتلى بهم أمراؤهم): المجعولين بلوى لمن كان رئيساً عليهم.
(صاحبكم): أراد نفسه.
(يطيع الله): بالقيام فيكم بأمره وحكمه.
(وأنتم تعصونه): بالمخالفة له في جميع ما أمربه.
(وصاحب أهل الشام): أراد معاوية.
(يعصي الله): فيما أتى به من البغي والشقاق عليَّ.
(وهم يطيعونه): بامتثال أوامره .
(لوددت والله): اللام هذه المؤكدة للجملة، مثلها في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا}[الحديد:26].
(أن معاوية صارفن‍ي بكم صرف الدينار بالدرهم): إن ها هنا جواب للقسم.

(فأخذ من‍ي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم!): بيان لكيفية المصارفة، وهذا هو الغاية في ركة هممهم واسترذال أحوالهم.
(يا أهل الكوفة): استعمل نداء البعيد لغفلتهم عما يريد وتركهم التفطن لكلامه.
(منيت منكم بثلاث واثنتين): أي بليت بهذه الخصال، وإنما لم يقل بخمس خصال لأن الثنتين لا يطابقان الثلاث من وجهين:
أما أولاً: فلأنهما نفي، والثلاث إثبات.
وأما ثانياً: فلأن الثلاث راجعة إلى ما تختص الحواس، بخلاف الثنتين فإنهما لايرجعان إليها فلا جرم فرق بينهن.
(صم): عن سماع ما أقوله والعمل به.
(ذووأسماع): ولهم أسماع.
(وبكم): لاينطقون بالحق.
(ذوو كلام): وهم يتكلمون بما لاينفع ولا يجدي .
(وعمي): عن الحق فلا يتبعونه.
(ذوو أبصار): ولهم أعين غير نافعة لهم.
(لا أحرار صدق عند اللقاء): أي لا يصدقون عند الحرب في الاستقامة والصبر عند المكافحة والقتال، كما يصدق الأحرارالصابرون على القتل.
(ولا إخوان ثقة عند البلاء): ولا يوثق بهم عند حصول البلايا كما يفعله الأخوان المتحابون في الله، وقوله:(صم ذووأسماع، وبكم ذوو كلام ... إلى آخره) من أنواع البديع يسمى الطباق، وهو ذكر النقيضين معاً، ونظيره قوله تعالى: {لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا }[الأعراف:179] وقد طابق أبو تمام بأسماء الإشارة إذا كان أحدهما للحاضر والآخر للغائب عن الحضرة كقوله:
مها الوحش الا أن هاتا أوانسٌ ... قنا الخَط إلا أنَّ تِلْكَ ذَوابِلُ
وقد جاء الطباق بالنفي كقول البحتري :
تقيَّض لي من حيثُ لا أعلمُ النَّوى ... ويسري إليَّ الشوقُ من حيثُ أعلمُ
فقوله: لا أعلم، في موضع أجهل فلهذا كان طباقاً.

(تربت أيديكم!): دعاء عليهم، إما أماتهم الله حتى لصقوا بالتراب، وإما أفقرهم حتى لصقوا بالتراب.
(يا أشباه الإبل ضل عنها رعاتها): شبههم بالإبل لما فيهم من الجفاء والغلط عند فقد من يرعاها؛ لأنها أكثر المواشي شروداً إذا لم تكفُّ وتقبض.
(كلما جمعت من جانب تفرقت من جانب): لشدة تجميعها واعتياص ضمها.
(والله لكأني بكم فيما إخال): فيما أظن وأحدس، وإخال بكسر الهمزة هو الأفصح، وبنو أسد يفتحونها على القياس.
(لو حمس الوغى): اشتد الحرب، وحمس بشين منقوطة بثلاث من أسفلها وحاء مهملة.
(وحمي الضراب ): اشتد حره.
(قد انفرجتم عن ابن أبي طالب): انكشفتم عنه وأسلمتموه لعدوه.
(انفراج المرأة عن قُبُلِها): القُبُلُ بضمتين: نقيض الدُّبُرُ، وهما اسمان لما بين يدي الإنسان وما خلفه من العورة وكذلك المرأة، وأراد انفصال المرأة عما تلده فإنه انفصال لا يعود أصلاً، وإنما شبه انفراجهم عنه بفرج المرأة وما يخرج منه تنبيهاً على افتضاحهم بقبيح انهزامهم عنه وانخزالهم عن الثبوت معه.
(إني لعلى بينة من ربي): أدلة واضحة وبرهان بين.
(ومنهاج من نيت‍ي ): وطريق مرضية فيما أنويه وأتقرب به إلى الله.
(وإني لعلى الطريق الواضح): في كل مادعوتكم إليه من الحرب والقتال.
(ألقطه لقطاً): آخذه عن الرسول وعن الله عن تحقق وبصيرة، وغرضه بهذا الكلام إنكار عليهم وتعريض بأحوالهم، واستركاك لبصائرهم، في التفرق عنه والمخالفة له وهو على هذه الحالة.
(انظروا أهل بيت نبيكم): أراد نفسه وأولاده، إذلم يكن ذلك الوقت أهل البيت إلا هو وأولاده .
(فالزموا سمتهم): [طريقهم] من غير مخالفة.
(واتبعوا أثرهم): في الأقوال والأفعال كلها.

(فلن يخرجوكم من هدى): أنتم عليه الآن.
(ولن يعيدوكم في ردى): قد خرجتم عنه.
(فإن لَبَدوا فالبدُوا): لبد بالمكان إذا أقام فيه.
(وإن نهضوا فانهضوا): نهض من المكان إذا تحول عنه.
(ولا تسبقوهم): لأن في السبق لهم العمل على غير قولهم وترك المتابعة لهم.
(فتضلوا ): عن الحق بالسبق لهم.
(ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا): لأن في التأخر ترك المتابعة وهي سبب الهلاك، وقوله: فتهلكوا وتضلوا منصوبان لأنهما جواب للنهي، كقوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[الأنفال:46] وهذا محمول على أحد وجهين:
إما على المخالفة لهم في الأدلة القاطعة، وإما على المخالفة فيما أجمعوا عليه؛ لأن إجماعهم عندنا حجة قاطعة يجب متابعتها ويحرم مخالفتها.
(لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله): شاهدتهم بعيني.
(فما أرى أحداً يشبههم منكم ): في خوف الله والقيام بحقه وتعظيم حاله.
(لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً): الشعث يكون في الشعر يقال: خيل شعث إذا كان في شعورها كدر، والغبرة في الجلد، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ }[عبس:40].
(وقد باتوا سجداً وقياماً): يحيون ليلهم بالركوع والسجود.
(يراوحون بين جباههم وخدودهم): المراوحة بين العملين هو أن تعمل هذا مرة وهذا أخرى، يقال: راوح بين رجليه إذا قام على أحدهما مرة وعلى الأخرى مرة أخرى، وأراد أنهم يضعون جباههم على الأرض مرة وخدودهم مرة أخرى.
(ويقفون على مثل الجمر): قلقلة وزلزلة.
(من ذكر معادهم): خوفاً للقيامة وأهوالها.
(كأن بين أعينهم رُكَبَ المعزى): أراد أن جباههم قد تصلبت واشتدت حتى صارت مثل ركب المعز.
(من طول سجودهم): من دوام وضعها على الأرض.

(إذا ذكروا الله هملت أعينهم): صبوا دموعهم خوفاً منه وإشفاقاً من عذابه.
(حتى تبل جيوبهم): تنحدر على صدورهم من غزارتها.
(ومادوا): اضطربوا.
(كما تميد الشجر في اليوم العاصف ): شديد الريح؛ لنحولهم ورقة أجسامهم.
(خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب): لأنهما أعظم ما يرجى ويخاف.

(93) [ومن كلام له عليه السلام]
(والله لا يزالون): أراد بني أمية فإن عادتهم وهجيراهم التهتك.
(حتى لا يدعون محرماً إلا استحلوه): أراد فعلوه وارتكبوه، كما يفعل ما هو ضلال، وليس الغرض أنهم اعتقدوا حله فإن الأول يكون فسقاً، وهذا كفر، ولم يكونوا كفاراً ولا عاملهم معاملة الكفار.
(ولا عقداً إلا حلوه): من العقود المؤكدة، وكل هذا تنبيه على ركوبهم لهذه القبائح الفسقية.
(وحتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم): يعني لاستيلائهم على الخلق بالظلم والجور، فلا يبقىأحد من البدو والقرار إلا ناله حقه من ذلك.
(ونبا به سوء رعيهم ): نبا من أرضه إذا خرج منها، وأراد أنه أظهره من وطنه سوء رعايتهم وميلها عن الحق.
(وحتى يقوم الباكيان يبكيان ): الناس كلهم يقومون رجلين رجلين.
(باكٍ يبكي لدينه): من أجل بطلان دينه وفساده، لما يظهر في الأرض من المنكرات العظيمة، ويبدو من الفساد في البر والبحر من غيرمراقبة لله تعالى في ذلك.
(وباكٍ يبكي لدنياه): من أجل فوات دنياه بالظلم والجور، وأخذ الأموال على غير وجهها.
(وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده): أراد أنهم يحتكمون عليكم احتكام السادة على العبيد، وتكون نصرتكم منهم مثل نصرة العبيد.
(إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه): أراد أن العبد حالته هذه، فهكذا تكونون إذا حضروا خدمتموهم بالجد منكم، والجهد خوفاً منهم، وإذاغابوا عن أعينكم كان غايتكم الغيبة لهم، وذكر مساوئهم سراً.
(وحتى يكون أعظمكم فيها غناءً): الغناء: النفع، والضمير للفتنة.

(أحسنكم بالله ظناً): أراد أن أعظم الناس دفعاً للفتنة وأكثرهم اجتهاداً في إزالتها، لا يكون من جهته إلا الدعاء إلى الله تعالى بإزالتها ودفعها عن الخلق لا غير ، وهو غاية جهده.
(فإن أتاكم الله بعافية فاقبلوا): منه نعمته بتسهيل من يقتلع جرثومتهم ويزيل نعمتهم بالقتل وقطع الدابر.
(وإن ابتليتم فاصبروا): على هذه البلوى، فإن فيها عظيم الأجر لمن صبر.
(ف‍ {إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ })[هود:49]: أراد أنه لاعقبى أحسن من تقوى الله تعالى، فإن عقباها الصيرورة إلى رضوان الله والجنة، وهذه الآية في آخر كلامه من كتاب الله يلوح على وجهها أثر الإعجاز، فصارت في أثنائه كالعلامة في الثوب والطراز.
وذكر بني أمية عقيب ذكر أحوال الصحابة رضي الله عنهم من باب الاستطراد، إذ لا ملاءمة بينهما، وهو من علم البديع في المكان الرفيع.

(94) ومن خطبة له عليه السلام
(نحمده على ما كان): من النعم السابقة والبلايا المتقدمة.
(ونستعينه من أمرنا على ما يكون): أراد أنا نطلب منه التوفيقات والألطاف الخفية، على ما نستقبله من الإتيان بهذه الطاعات والكف عن المحرمات.
(ونسأله المعافاة في الأديان): عما يشوبها من ارتكاب البدع، وإحباط الأعمال بالمعاصي.
(كما نسأله المعافاة في الأبدان): من العلل والأمراض، وإنما شبهه بذلك لأن فزع الإنسان بالجؤار إلى الله تعالى برفع الألم أعظم من فزعه إلى ذلك، وما ذاك إلا لشدة وقعه وعظم تأثيره في النفوس، فكم ترى من شخص يفزع إلى الله تعالى في عافية جسمه كل ساعة وحين، ولا يخطر له على بال فزعه إلى الله في غفران ذنوبه.
(أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا): تركها والإعراض عنها.
(التاركة لكم): بزوالها ونفادها.
(وإن لم تحبوا تركها): شغفاً بها وركوناً إليها واستناداً إليها.
(والمبلية لأجسامكم): بالهرم والشيخوخة والترب .
(وإن كنتم تحبون تجديدها): بقاءها لكم واستمرارها عليكم.
(فإنما مثلها ومثلكم): في محبتكم لها وانقطاعها عنكم.
(كسَفْر سلكوا سبيلاً): طريقاً من الطرق، وإنما نكره لما فيه من الفخامة.
(وكأنهم قد قطعوه): بالسير إليه.
(وأمَّوا علماً): علم الطريق: شيء يوضع يكون هداية إليها.
(وكأنهم قد بلغوه): لأن غاية السير هو بلوغ الغاية لامحالة، وفي كلامه هذا تشبيه شيئين بشيئين، فشبه حالنا مع الدنيا كحال السفر مع الطريق، وهذا كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ... }[الجمعة:5]إلى آخر الآية فشبه حال اليهود مع حمل التوراة وإهمالهم العمل بها بحال الحمار يحمل كتباً، ومنه قول امرئ القيس:

كأنَّ قلوبَ الطير رطباً ويابساً
لَدى وَكْرِها العُنَّابُ وال‍حَشَفُ البالي
فشبه الرطب واليابس من أفئدة الطيور وأكبادها وهما أمران، بالعناب والحشف من التمر وهما أمران.
(وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها !): كم هذه الخبرية ومميزها محذوف، أي كم مرة وكم يوم، والْمُجري بضم الميم وفتحها هو: المصدر، وأن خبر عسى، وأرادكم من طالب لغاية يسعى إليها فهو يدركها لابد من ذلك.
(وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لايعدوه): أي وكل من كان له أجل مقدور محدود في علم الله تعالى وحكمه فإنه لا يبقى بعده أبداً.
(وطالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها): ومن له طالب حثيث يسوقه في الدنيا وهو الموت؛ فإنه يفارقها بلا شك ولا مرية.
(فلا تنافسوا في عز الدنيا وفخرها): فلا ترغبوا في العز فيها بالتمكن من الأموال والفخر فيها بالأحساب وعلو المراتب.
(ولا تعجبوا بنعيمها وزينتها): ولا يأخذكم العجب بما يظهر من زينتها بالأموال والأولاد، وبما يحصل من نعيمها باللذات وأكل الطيبات.
(ولا تجزعوا من ضرّائها وبؤسها): ولا يقل صبركم ويعزب عمَّا يعتريكم من فقرها وحاجتها.
(فإن عزها وفخرها إلى انقطاع): بالتغير والزوال.
(وزينتها ونعيمها إلى زوال): بطلان وامحاق.
(وضراءها وبؤسها إلى نفاد): فناء وتغير.
(وكل مدة فيها إلى انتهاء): بالموت وإن طالت وكثرت.
(وكل حي فيها إلى فناء): إما إلى موت وتفرق، كما يقوله من لا يرى بالإعدام من حُذَّاق المتكلمين، وهو المختار عندنا وقد لخصناه في الكتب العقلية، وإما إلى إعدام ، كما يقوله أكثر المعتزلة.
(أوليس لكم في آثار الأولين): من الأمم الماضية والقرون الخالية.

53 / 194
ع
En
A+
A-