(وعوم نبات الأرض في كثبان الرمال): العوم: السباحة، وأراد ها هنا جري نبات الأرض وغوصه في الرمال والكثب منها، وكثبان جمع كثيب.
(ومستقر ذوات الأجنحة): من الطيور.
(بذرا شَنَاخِيْبِ الجبال): ذروة كل شيء أعلاه، وشناخيب الجبال: أعلاها.
(وتغريد ذوات المنطق): وإفصاح ما نطق من الطير بالأصوات المختلفة.
(في دياجيرالأوكار): في ظلام أماكنها ومستقرها.
(وما أودعته الأصداف): وهي أوعية اللؤلؤ وأغلاف الجواهر.
(وحَضَنَتْ عليه أمواج البحار): جعلته في أحضانها، استعارة لذلك، من قولهم: حضنه إذا ضمه إلى صدره، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إليه.
(وما غشيته سُدْفَةُ ليل): ظلام الليل.
(أو ذرَّ عليه شارق نهار): سمى النهار شارقاً لما فيه من الإشراق والنور لطلوع الشمس.
(وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير):فيه وجهان:
أحدهما: أنه يريد بأطباق الدياجير ظلمات الأرضين على ما اشتملت عليه من المخلوقات.
وثانيهما: أن يريد بذلك ما اعتقبت عليه أي اختلفت عليه الليالي المظلمة وإطباقها عليه وهذا أحسن لقوله: واعتقبت.
(وسُبُحَاتُ النور): السابحة: دون الأشعة من الأنوار.
سؤال؛ ما ذكرالله تعالى النور والظلمة في كتابه إلاو جمع الظلمة، وأفرد النور كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ }[الأنعام:1] وغير ذلك، وهكذا في كلام أميرالمؤمنين فإنه جمع الدياجير وأفرد النور، فما وجه ذلك؟
وجوابه؛ هو: أن الظلمة عبارة عن عدم النور كما اخترناه في الكتب العقلية، فلما كان النور جنس واحد وحقيقته واحدة فلا جرم أفرد، وأما الظلمة فهي بحسب الإضافات أمور كثيرة؛ لأنه ما من شيء من الأجرام الجسمية إلا وله ظل، وظله عدم النور عنه، وهو نفس الظلمة فلأجل هذا كانت مجموعة.
(وأثر كل خَطْوَة): إما مقدارها في حجمها، وإما حكمها في ثوابها وعقابها.
(وحسِّ كل حركة): وحال كل متحرك بحركة.
(ورجع كل كلمة): جوابها، ومنه قولهم: أتاني رجع كتابي أي جوابه.
(وتحريك كل شفة): من خفيها وجهرها وفصيحها وأعجمها.
(ومستقر كل نسمة ): أين تكون في جميع الجهات والأمكنة.
(ومثقال كل ذرة): ما يثقلها في الحمل فلا يعزب عن علمه شيء، كما قال تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}[سبأ:3].
(وهماهم كل نفس هامة): الهمهمة: ترديد الصوت في الصدر، وجمعها هماهم، والهامة هي: التي تهم بالفعل وتريده، أو التي تدب على وجه الأرض وتتحرك فيها.
(وما عليها): الضمير للأرض المتقدم ذكرها.
(من ثمرة شجرة ): من أشجارها المثمرة.
(أو ساقط ورقة): كما قال تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا }[الأنعام:59] وساقط ورقة من باب إضافة الصفة إلى فاعلها نحو: حسن وجهه.
(أو قرار نطفة): مستقرها في رحم كل أنثى.
(أو ناشئة خلق): من كل ما ابتدأه واخترعه من جميع المكونات.
(أو نقاعة دم ): أو دم مجتمع [قد أريق] .
(أو سُلالة): وسلالة الشيء: ما استل منه وأخذ، فاستلال آدم من الطين، واستلال أولاده من النطفة.
(لم يلحقه في ذلك): الإشارة إلى جميع ما تقد م من المخلوقات المحكمة.
(كلفة): مشقة في صنعه واختراعه.
(ولا اعترضه في حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة): الاعتراض: ما يمنع من الشيء ويحول دون فعله، والعارضة إما صفة أي حالة عارضة دون فعله للأشياء، وإما مصدر أي ولا عرض له [عروض] يصده عن ذلك.
(ولا اعتورته في تنفيذ الأمور): تداولته، من الاعتوار وهي: التداول في إمضاء الأمور.
(وتدابير المخلوقين): في جميع أحوالهم وأمورهم، وإنما جمع التدبير لاشتماله على الأنواع المختلفة، والضروب المتفاوتة على حسب مصالحهم.
(ملالة): وهو ما يلحق بالنفس من الإعراض والسآمة.
(ولا فتور ): وهو ما يلحق الأعضاء من الضعف والهوان.
(بل): إنما هو إضراب عن ذلك وإثبات لنقيضه.
(نفذهم): من قولهم: نفذ السهم بالصيد إذامرقه، وأراد أنه استولى عليهم.
(علمه، وأحصاهم عدُّه): كما قال تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا }[الجن:28].
(ووسعهم عدله): أي لم يضق فيجاوزهم إلى الجور.
(وغمرهم فضله): من قولهم: غمره الماء إذا كان فائضاً على رأسه.
(مع تقصيرهم عن كُنْهِ ما هو أهله): قصورهم عن غاية ما هو أهله من الشكروالعبادة والقيام بحقه.
ولما فرغ من بيان كمال القدرة وباهر العلم في حقه تعالى أردفه بالجؤار إلى الله تعالى والتوسل إلى كرمه في الرغائب من عنده، بقوله:
(اللَّهُمَّ، أنت أهل الوصف الجميل): الحقيق بالأوصاف الحسنة والأسماء العالية.
(والتعداد الكثير): من أنواع التسبيح والتقديس، أو من النعم على خلقك والإفضال مما لا يمكن عدُّه لكثرته.
(إن تؤمَّل): في الإعطاء والكرم الواسع.
(فخير مأمول): فأعظم من يُعْطِي، وأكرم من يُفْضِلُ.
(وإن تُرجَ): لغفران الخطايا وقبول التوبة عن كل من أذنب.
(فخير مرجّو): لذلك؛ إذ لا يطلب من غيرك، ولا يرجى ذلك من سواك.
(اللَّهُمَّ، وقد بسطت لي): مكنتني من المدائح العظيمة والثناءات الحسنة.
(فيما لا أمدح به غيرك): في الذي لا ينبغي لي أن أمدح به غيرك لقصوره عن ذلك وعدم استحقاقه له.
(ولا أثني به): ولا أوجه الثناء به.
(على أحد سواك): لأنه في غيرك كذب، وفيمن سواك نقص عليَّ.
(ولا أوجهه إلى معادن الخيبة): مواضع الرجاءات الخائبة من الآدميين، وجعلهم معادن؛ لأنهم مظنة ذلك وموضعه الذي يطلب فيه.
(ومواضع الريبة): الشك والارتياب عن أن يكون حاصلاً.
(وعدلت بلساني): صرفتها.
(عن مدائح المخلوقين): لكونهم غير أهل لها، ولا مستحقين لشيء منها.
(والثناء على المربوبين): المملوكين لأن الرب هو المالك، وقوله: المخلوقين والمربوبين تعريض بحالهم؛ لأن من هذه حاله في كونه مخلوقاً مربوباً فحاله متقاصر في كل ما يؤمّل منه.
(اللَّهُمَّ، ولكل مثنٍ على من أثنى عليه): لكل مادح على ممدوحه الذي اختاره لمدحه وخصه به من دون غيره.
(مثوبة من جزاء): إنما سمي الثواب ثواباً لكونه جزاء على الطاعات، فلهذا قال: مثوبة من جزاء أي مثوبة من أجل الجزاء.
(وعارفة من عطاء): العارفة: هي المعروف، وأراد ومعروف من أجل العطاء.
(وقد رجوتك دليلاً): دالاً لي ومعيناً بالألطاف الخفية على الأعمال الصالحة التي تكون عوناً.
(على ذخائر الرحمة): تحصيلها واكتسابها من عندك.
(وكنوز المغفرة): التي ذخرتها وكنزتها للخواص من أوليائك وأهل الكرامة عندك.
(اللَّهُمَّ، وهذا مقام من أفردك بالتوحيد): مدحك بالمدائح الدالة على أنك واحد.
(الذي هو لك): بحيث تكون مختصاً به ولا يستحقه أحد سواك.
(ولم ير مستحقاً لهذه المحامد والممادح): المحامد: جمع محمدة، والمدائح: جمع مديحة، وكلاهما مصدر بمعنى الحمد والمدح.
(غيرك): سواك.
(وبي فاقة إليك): حاجة وفقر.
(لا يَجْبُرُ مسكنتها): ضعفها وهوانها.
(إلا فضلك): كرمك وخيرك.
(ولا يَنْعَشُ من خَلَّتِها): نعشه إذا نهضه من عثاره، والخَلَّةُ بالفتح هي: الحاجة.
(إلا مَنُّكَ وجُودُكَ): تفضلك الذي لم يكن عن استحقاق وعطاؤك.
(فهب لي في هذا المقام): أراد الذي قمت فيه بمدائحك.
(رضاك ): رضوانك وهو أعظم ما يُعْطَى لقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر }[التوبة:72].
(وأغننا): بأن لا تجعل لنا حاجة إلى غيرك.
(عن مدِّ الأيدي إلى سواك): جعل مدَّ الأيدي كناية عن السؤال، وأراد عن سؤال غيرك.
({إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ })[آل عمران:26]: من ذلك كله، وقد ختم هذه الخطبة بهذه الآية فوقعت في أحسن موقع، وكانت أحسن ختام.
ثم إن كلامه عليه السلام مع ما له من التمييز على غيره من الكلامات فهي متميزة عنه بأن صارت قمر هالته، وفَلْكَ غزالته .
(89) و من كلام له عليه السلام لما أريد على البيعة بعد قتل عثمان
(دعوني والتمسوا غيري): اتركوا مراودتكم لي على الإمامة، واطلبوا رجلاً آخر ترضونه.
سؤال؛ أليس هو منصوصاً عليه في الإمامة على مذهبكم، فما باله أمرهم بطلب غيره، ولا وجه للعقد مع النصِّ بالإجماع؟
وجوابه؛ هو أن الأمر كما ذكرته في كل ذلك، ولكنه أراد قد أخطأتم وجه النظر في النص بإثبات إمامة من قبلي، فاجروا على وهمكم هذا في بيان إمامة من يكون مخالفاً لي.
(فإنَّا مستقبلون أمراً): إما أن يكون من الموت، وأهوال القيامة، وإما أن يكون من الفتن المضلة الواقعة.
(له وجوه وألوان): لفزعه وكثرة أهواله.
(لا تقوم له القلوب): لعظمه.
(ولا تثبت عليه العقول): أي أحكام العقول من المدح والذم، والثواب والعقاب، على الطاعة والمعصية، لما يحصل فيه من الإلجاء وبطلان الاختيار ، بمشاهدة الأهوال العظيمة، وهذا يؤيد الاحتمال الأول.
(فإن الآفاق قد أغامت): فلم تظهر شمسها لما حجبها من الغيم.
(والمحجة قد تنكرت): والطريق قد التبست معالمها فلا يهتدى لسلوكها، فاستعار الغيم في الأفق، والتنكر في الطرق، منبهاً به على وقوع اللبس في الدين، وتغطية وجه الصواب.
(واعلموا): أمر لهم بالتحقق لما يقوله لهم.
(أني إن أجبتكم): إلى ما دعوتموني إليه من أمر الإمامة والبيعة.
(ركبت بكم): من قولهم: ركب فلان الأمور العسرة.
(ما أعلم): إما الذي يوجبه اجتهادي وتقتضيه بصيرتي، وإما طلب الآخرة والإعراض عن الدنيا، وكل ذلك مخالف لمقصودكم ومباين لأهواءكم.
(ولم أصغ): أميل، من قولهم: صغا إلى كذا إذا كان مائلاً إليه، كما قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ }[الأنعام:113].
(إلى قول القائل): ما لك فعلت كذا؟ ولِمَ لمْ تفعل كذا؟
(وعتب العاتب): مواجدة الواجد على ما في قلبه، فإني غير ملتفت إلى ذلك ولا مكترث به .
(وإن تركتموني): عن البيعة والقيام بالأمر.
(فأنا كأحدكم): لا سلطان لي عليكم، وما لي من الحق إلا كحق أحدكم على أخيه.
(ولعلي أسمعكم وأطوعكم): وأرجو أن أكون أخوفكم لله في الانقياد والاحتكام.
(لمن وليتموه أمركم): بايعتموه وقام بالأمر فيكم.
(وأنا لكم وزير): معاضد ومعين.
(خير مني لكم أمير !): حاكم عليكم لمكان الإمرة وحكم السلطنة.
سؤال؛ كيف قال: إنه وزير خير من كونه أميراً، والمعلوم خلاف ذلك، فإن الصلاح في إمرته ظاهر لا يمكن دفعه، خاصة على قولكم: إنه منصوص عليه، ثم لو لم يكن ثَمَّ نصٌّ عليه ، فكونه إماماً لا يخفى صلاحه على مسلم؟
وجوابه من وجهين؛
أما أولا:ً فلأنه إنما قال ذلك على جهة الهضم لنفسه والغض لها، كما قال عمر: كلكم أفقه من عمر حتى المخدَّرات في البيوت.
وأما ثانياً: فلأن المراد بقوله خير، أي أسهل؛ لأنه إذا كان وزيراً جازت مخالفته، بخلاف حاله إذا كان أميراً فإن مخالفته حرام.
(90) ومن خطبة له عليه السلام
(أما بعد، أيها الناس، فأنا فقأت عين الفتنة): فقأ عينه إذا أعورها، وأراد أنه الذي هدم منارها ومحا آثارها.
(ولم يكن لأحد غيري أن يجترئ عليها): وغرضه من ذلك هو قتل البغاة، وحرب أهل القبلة معاوية وأهل الشام، وحرب الجمل، فإن من كان قبله من الخلفاء كان حربهم مقصوراً إما على أهل الردة كما كان من أبي بكر، وإما على الروم والفرس وغيرهم كما كان من عمر، فأما أهل البغي فما أُخِذَتْ أحكام حربهم إلا منه، وإنما قال: ما كان لأحد أن يجترئ عليها غيره لما فيه من الخطر العظيم من قتل قائل: لا إله إلا الله، وإنما أقدم على ذلك لما خصه الله به من نفوذ البصيرة وتنويرالقلب وشرحه وتبحره في العلوم الدينية.
(بعد أن ماج غيهبها): اضطرب ظلامها ومنه الموج، وإنماسمي بذلك لكثرة اضطرابه.
(واشتد كَلَبُها): الكَلَبُ هو: الشر [من كل شيء، ومنه كلب النار وكلب الحرب لما فيهما من الشر] وهو بفتح اللام.
(فسلوني ): عن الحكم والآداب الدينية والدنيوية، وعن كل ما يصلحكم من مهمات الدين.
(قبل أن تفقدوني): بانقطاع أثري عن الدنيا بالموت.
(فوالذي نفسي بيده): إقسام [بما] لا يقدر عليه إلا الله، وهو إمساك الأرواح كقولك: لا والذي يعلم الخائنة للأعين.
(لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة): من الحوداث التي بينكم وبين يوم القيامة من الفتن والأهوال والمصائب والآفات، وهذا من العلوم الغيبية التي لا تعلم إلا بإعلام من جهة الله تعالى بواسطة الرسول، فإنه غيرممتنع أن يكون الرسول قد أخبره بذلك كله، وأقره في سمعه، ولهذا صرَّح به في كلامه هذا.
(ولا عن فئة): جماعة، قال الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ }[البقرة:249].
(تهدي مائة): ترشد هذا العدد إلى الخير.
(وتضل مائة): وتدعو هذا العدد إلى الخسارة.
(إلا أنبأتكم): أعلمتكم وأخبرتكم.
(بناعقها): النعق بالعين المهملة هو: ما يكون من الدعاء للبهائم، يقال: نعق للضأن إذا صاح بهن، والنغق بالغين المنقوطة هو: صياح الغراب يقال: نغق الغراب، وحكى ابن كيسان : نعق الغراب بالعين المهملة أيضاً ، وأراد بمن يصيح بها.
(وقائدها وسائقها): وبمن يكون قدّامها وإماماً لها، وبمن يكون خلفها يحثُّها من ورائها.
(ومُنَاخ رِكَابِها): وموضعها الذي تنيخ فيه ركايبها .
(ومحط رحالها): وأماكنها التي تلقي فيه أثقالها من الرحال وغيرها.
(ومن يقتل من أهلها قتلاً): بالسيف.
(ومن يموت من أهلها موتاً): حتف أنفه.
(ولو قد فقدتموني): بالموت والتولي عن الدنيا.
(ونزلت بكم كرائه الأمور): من الخطوب المكروهة والحوادث العظيمة.
(وحوازن الخطوب): حزنه الأمر إذا دهمه وأصابه، وأراد وحوادث الخطوب التي تصيب أهلها بالغم والحزن.
(لأطرق كثير من السائلين): حيرة ودهشاً وذهاباً عن السؤال، والإطراق: السكوت .
(وفشل كثير من المسئولين): أزعجوا وارتعد ت فرائصهم لما يعتريهم من القلق لعظم الأمر وكبره.
(وذلك): إشارة إلى ما ذكره من الإطراق والفشل وتغير الأحوال.
(إذا قلَّصت حربكم): قلص الما ء إذا ارتفع، وأراد ارتفع شرها وعظم أمرها، وقوله: حربكم أي التي أنتم بصددها
(وشمرت عن ساق): شمر في سيره إذا أسرع فيه، والساق: الشدة، قال الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ }[القلم:42] ويقال: شمرت الحرب عن ساق أي شدة وجهد وبلاء.
(وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً): لما يغشاكم من الغمِّ، وذلك لأن الإنسان إذا نزل به أمر وخطب عظيم ضاق عليه الواسع من الأرض، كما حكى الله تعالى عن الثلاثة المخلفين : {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ }[التوبة:118].
(تستطيلون أيام البلاء عليكم): تفسير لقوله: ضاقت عليكم الدنيا؛ لأن الا ستطالة لم تكن إلا من أجل الضيق لأن أيام الدعة تكون قصيرة.
(حتى يفتح الله لبقية الأبرار منكم): أهل الصلاح والتقوى فرجاً من عنده وفتحاً من جهته، وهذا كله إخبار بما هو كائن بعده وصفة لأحوالهم في ذلك الزمن.
(إن الفتن إذا أقبلت شبَّهت): لأن عند إقبالها يشتغل الناس ببليتها والسعي في دفعها وإصلاحها، ويلهون بذلك عن النظر في أسبابها فتشتبه عليهم الحال فيها.
(وإذا أدبرت نبَّهت): لأنها عند إدبارها وتوليها يفزعون للتفكر في أحوالها ويتنبهون لأسبابها ولدفعها والتحرز من ميلها .
(ينكرن مقبلات):لما يحصل عند إقبالهنَّ من الدهشة والقلق فلا يمكن النظر في حالهنَّ.
(ويعرفن مدبرات): لفراغ الخاطر عن بلاءهنَّ فلا جرم أمكن النظر عند إدبارهنَّ، (ومقبلات ومدبرات)، منصوبات على الحال أي في حال إقبالهنَّ وإدبارهنَّ ينكرن ويعرفن.
(يَحُمن حوم الحمام ): وحام الطيرحوماً إذا دار في طيرانه، وأراد أن دأبهنَّ التحويم على أفئدة الخلق بالإضلال لهم عن الحق.
(يصبن بلداً، ويخطئن بلداً): إما على ظاهره، فإنهنَّ إنما يقعن في بلد دون أخرى؛ لأن الفتن لا تعم الدنيا كلها، وإما أن يكون أراد بالبلد قوماًدون آخرين، فإنه قد روي عن الرسول أنه قال: ((سألت الله أن لايلبس أمتي شيعاً فمنعنيها )) وأراد ما بينهم من التفرق والخلاف والفتن في الدين.