وقد أورد في أثناء شرحه وفي مواضع كثيرة من الكتاب عدداً من السؤالات وإجاباتها في مختلف الأغراض، والتي تعطي المزيد من إيضاح المعنى وتكشف بدورها عن إشكالية ما قد ترد حول المعنى، فاستخدم في ذلك صيغة: سؤال، فيذكر السؤال ثم يردفه بقوله: وجوابه أو والجواب، وهذه طريقة نراها في كثير من المؤلفات.
وتعقب المؤلف عليه السلام بالنقد وفي مواضع عدة من الكتاب الشريف علي بن ناصر الحسيني رحمه الله مؤلف (أعلام نهج البلاغة) وهو كتاب شرح فيه مؤلفه كتاب (نهج البلاغة) شرحاً مختصراً جداً، ويعتبر أول (شروح النهج)، فتعقب المؤلف بعض آرائه التي أوردها فيه وناقضه فيها.
ورتَّب شرحه هذا، لكتاب (نهج البلاغة) على ترتيب الشريف الرضي رحمه الله حيث رَتَّبَه على أقطاب ثلاثة، وهي:
1) الخطب والأوامر.
2) الكتب والرسائل.
3) الحكم والمواعظ.

فابتدأه باختيار محاسن خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم محاسن كتبه، ثم محاسن حكمه ومواعظه، وكذا رتب المؤلف شرحه هذا على ذلك الترتيب المشار إليه، فابتدأ بشرح القطب الأول وهو الخطب والدلائل، ثم بشرح القطب الثاني وهو الكتب والرسائل، ثم بشرح القطب الثالث وهو الحكم والمواعظ القصيرة، وأضاف في نهاية الكتاب زيادة لم ترد في كتاب (نهج البلاغة) وأشار عليه السلام إلى ذلك، وقد تضمنت نقوش خواتيم أمير المؤمنين علي عليه السلام وما كتب فيها من الأذكار، وهي أربعة خواتيم: الأول للصلاة، ومكتوب فيه: (لا إله إلا الله، عدة للقاء الله)، والثاني: للحرب، ومكتوب فيه قول الله تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}[الصف:13]، والثالث: للقضاء، ومكتوب فيه: (الله الملك)، والرابع: للختم، ومكتوب فيه: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فذكر تلك الخواتيم ومن أي معدن هي، والأذكار المكتوبة عليها موضحاً في ذلك ما اشتملت عليه من الفوائد.
وكان أسلوبه في جميع مراحل الكتاب بليغاً، ارتفع عن الركة في التعبير والخلل في اللفظ، فجاءت عباراته قوية وبلفظ عربي فصيح وأصيل، متوخياً فيه الجزالة والمتانة والدقة والفصاحة، مراعياً في ذلك التوضيح والسهولة والسلاسة.

مصادر المؤلف
كما سبقت الإشارة إليه من أن المؤلف قد نقل إلى كتابه هذا من العلوم النقلية الشيء الكثير، وشكَّل ذلك أحد أهم موارد الكتاب، إلا أننا نجده في الغالب لا يذكر اسم المصدر المستقى منه مادة شرحه، فقد يقتصر في ذلك على قوله: ويحكى، أو حكي، أو يروى، أو روي، ونحو ذلك، خصوصاً في سرده لروايات تأريخية أو وعظية أو حكمية أو نقل لأقوال في موضوع ما، وفي مواضع نادرة يذكر اسم قائل كلام ما، أو قول أو ما شابه ذلك بدون ذكر للكتاب المذكور فيه ذلك الكلام أو القول، فيقول مثلاً: وحكى قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، ويورد الحكاية بدون ذكر الكتاب الذي وردت فيه، مما يشكل صعوبة في البحث عن ذلك، خاصة عن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد صاحب المؤلفات الكثيرة، فلا يدري الباحث في أي من تلك المؤلفات ذكر ذلك، لكن تبين فيما بعد أن كتاب (المغني) لقاضي القضاة هو الذي اعتمد عليه المؤلف عليه السلام بشكل كبير وخصوصاً في مسائل الإمامة والأحداث الواقعة في أيام الخليفة عثمان بن عفان والتي انتهت بمقتله، وكذلك فيما يتعلق بطلحة والزبير وعائشة وأخبار الجمل، والخوارج، ومعاوية وأهل الشام وغيرهم.
وينقل أيضاً عن سيرة ابن هشام (عبد الملك بن هشام الحميري) وعن الشريف علي بن ناصر مؤلف أعلام نهج البلاغة، وبالنسبة لمصادره اللغوية نجده كما سبق يذكر أقوالاً لغوية منسوبة لقائلها بدون ذكر مصادرها، يقول: قال أبو عبيدة أو قال ابن السكيت، أو حكاه الزجاج، أو قال الفراء، أو الأخفش أو غيرهم، وذلك لا يتنافى مع مقدرة المؤلف الذهنية الفائقة وفهمه وتبحره في مختلف العلوم، وسعة وغزارة اطلاعه على الكثير من المصادر في جميع فنون العلم.

وعلى العموم فالمصادر المذكورة في كتابه هذا محدودة ويسيرة، منها: أعلام نهج البلاغة للشريف علي بن ناصر الحسيني، والشفاء في الطب لابن سينا، بالإضافة إلى المصادر التي ذكرها الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة، وكتاب الفضائل للبيهقي، والكشاف للزمخشري، ولعل من أهم مصادره اللغوية صحاح الجوهري كما تبين لي ذلك من خلال الرجوع إلى كتاب مختار الصحاح في مواضع كثيرة.

ترجمة المؤلف
1- اسمه ونسبه
هو الإمام المؤيد بالله أبو إدريس يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي التقي بن محمد الجواد بن الإمام علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن سيد العابدين علي بن الحسين السبط بن الإمام الوصي " .
وأمه الشريفة الفاضلة الثريا بنت السراجي، أخت الإمام الناصر لدين الله يحيى بن محمد السراجي الحسني .

2- مولده
ولد عليه السلام لثلاث بقين من شهر صفر سنة تسع وستين وستمائة بمدينة صنعاء .

3- دراسته ومشائخه
حفظ عليه السلام القرآن الكريم واشتغل بطلب العلم من صغره، ورحل إلى مدينة حوث، فقرأ فيها في أكثر العلوم كعلم الكلام وغيره، ثم أخذ في كتب الأئمة وشيعتهم وفي كتب غيرهم، ففاق أقرانه، وحقق وصنَّف، فمن مشائخه:
1) الإمام المطهر بن يحيى، المتوفى سنة 697ه‍، أخذ عنه كتاب (أصول الأحكام) للإمام أحمد بن سليمان، ذكر ذلك الإمام يحيى بن حمزة في إجازته لأحمد بن محمد الشغدري .
2) الإمام الواثق محمد بن المطهر بن يحيى، المتوفى سنة 728ه‍ .
3) العلامة محمد بن خليفة بن سالم بن محمد بن يعقوب الهمداني، المتوفى سنة 675ه‍، قرأ عليه في أكثر العلوم كعلم الكلام وغيره بمدينة حوث .
4) العلامة علي بن سليمان البصير، أخذ عنه في كتب الأئمة وشيعتهم وذلك بمدينة حوث أيضاً .
5) العلامة محمد الأصبهاني، ومن جملة ما سمع عليه (أمالي أبي طالب) و(مجموع الإمام زيد بن علي) .
6) القاضي العلامة عفيف الدين سليمان بن أحمد الألهاني، سمع عليه (سنن أبي داود) و(سيرة ابن هشام) و(أمالي السيد أبي طالب) و(نهج البلاغة) .
7) العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد الشاوري، أخذ عنه كتاب (الفائق في الحديث) .
8) العلامة إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري الشافعي المتوفى سنة722ه‍، أجازه في (كتاب البخاري)، و(كتاب الترمذي)، و(كتاب مسلم)، و(كتاب السنن للنسائي)، و(مسند أبي حاتم في الحديث)، و(كتاب النجم والكوكب في الحديث) لأحمد بن معد بن عيسى الإقليسي النجبي المصنف، و(شرح السنة) للبغوي، و(الناسخ والمنسوخ) لمحمد بن موسى الحارثي، و(الوسيط في تفسير القرآن) للواحدي .

9) العلامة محمد بن محمد بن أحمد الطبري، المتوفى سنة 730ه‍، أجاز له الكتب الذي أجازها العلامة إبراهيم بن محمد الطبري .
10) العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الله المعروف بابن الواطن، أجازه في كتاب (شمس العلوم) في اللغة لنشوان الحميري، وكتاب (التهذيب في التفسير) للحاكم الجشمي .
11) الفقيه حمزة بن علي، أجازه في كتاب (المهذب) في الفقه لأبي إسحاق الشيرازي .

3- تلامذته
أخذ على الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام علماء أعلام منهم:
1) العلامة الفقيه الحسن بن محمد النحوي، المتوفى سنة 791ه‍، قرأ على الإمام يحيى بن حمزة مؤلفه (الانتصار) جميعه، ولم يسمعه عليه غيره، وأجازه في جميع مسموعاته ومستجازاته وجميع مؤلفاته .
2) العلامة عبد الله بن يحيى بن حمزة (نجل الإمام) المتوفى سنة 788ه‍، أجازه مؤلفه (الانتصار) .
3) العلامة أحمد بن سليمان الأوزري، المتوفى سنة 810ه‍، أجازه أيضاً مؤلفه (الانتصار) .
4) العلامة إسماعيل بن إبراهيم بن عطية النجراني، المتوفى سنة 794ه‍، أجازه أيضاً مؤلفه (الانتصار) .
5) العلامة علي بن إبراهيم بن عطية النجراني، المتوفى بعد سنة 801ه‍، وهو من أجلِّ تلامذة الإمام، وأخذ عنه في كتب الأئمة وشيعتهم ك‍(مجموع الإمام زيد بن علي) و(أمالي أبي طالب) وغيرها، وأجازه الإمام يحيى بن حمزة في كتابه (الانتصار) .
6) العلامة محمد بن المرتضى بن المفضل، المتوفى سنة 732ه‍، قال في الطبقات في ترجمته: (ثم قرأ على الإمام يحيى فأسمعه المعقولات، وقرأ عليه المنقولات والمعقولات) .
7) العلامة أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي، المتوفى في عشر الخمسين وسبعمائة، سمع على الإمام كتابي البخاري ومسلم .
8) العلامة أحمد بن محمد الشغدري، أجازه الإمام بإجازة ذكر فيها الكتب الحاصلة له سماعاً، وكذا الكتب الحاصلة له بطريق الإجازة، ذكر الإجازة بلفظها في طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث .

4- قيامه ودعوته
قام ودعا إلى الله سبحانه في اليوم الثاني من شهر رجب من سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، وكان ظهوره في بلاد صعدة والظاهر وبلاد الشرف، وقام مناصباً للأعداء فنهض إلى صنعاء فقاتل الإسماعيلية، إلى أن مال الفريقان إلى الصلح، ولم تسعده الأيام إلى كل مرام، فسار إلى حصن هران المطل على ذمار، فاشتغل بالتأليف والتصنيف، وتقريب الشقة بين المسلمين .

5 / 194
ع
En
A+
A-