(ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفتهم بضمائرهم): سلبه: إذا أخذ ما عليه من السلب، والحيرة هو: التحير والتردد أي أن التحير لم يُزِل عقائدهم اللائقة بمثلهم في التحقق واليقين من معرفة الله تعالى وتوحيده، المشتملة عليها أفئدتهم.
( ولم تطمع فيهم الوساوس): جمع وسواس، وهو: ما يقع في الصدور من أحاديث النفس.
(فتفترع بريبها على فِكْرِهِمْ): فتعلو بشكها، من قولهم: فرعت قومي إذا علوتهم بالشرف، والريب هو: الشك، وأراد أن الوساوس لم يعلُ ريبها على ما قد حصل في أفكارهم من العلوم القطعية بمعرفة الله تعالى.
(منهم من هو في خلق الغمام الدُّلَّح): الخلق: المخلوق، كقوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ }[لقمان:11] أي مخلوقه، وأصله أن يكون مصدراً، ولكنه جرى اسماًلما ذكرناه كقوله تعالى : {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ }[المائدة:95] فإنه في الأصل مصدر ثم استعمل فيماذكرناه، الدلح بالحاء المهملة: الثقال، [يقال] : دلح بالماء إذاحمله غير منبسط الخطو لثقله.
(وفي عِظَمِ الجبال الشُّمَّخ): وفي عظم الجبال الشامخة المرتفعة.
(وفي قترة الظلام الأيهم): القترة: الغبرة، قال الله تعالى: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ }[عبس:41] أي غبرة، الأيهم: شديد السواد، فلا تهتد ي فيه لشدة ظلامه، والأيهمان: السيل والنار، وفي الحديث: ((كان الرسول يتعوذ بالله من الأيهمين )).
(ومنهم من قد خرقت أقدامهم تُخُوم الأرض السفلى): التَخْم هو: قعر الأرض البعيدة، وجمعه تخوم، ويقال: تخومه أيضاً.
قال:
فإن أَفْخَرْ بِمَجْدِ بَنِي سُليم
أكُنْ فيها التَّخومة والسَّرارا

(فهن كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء): شبه استقرار أقدامهم في تخوم الأر ض ونفوذها فيها برايات أعلام بيض نافذة في مخارق الهواء.
(وتحتها): الضمير للأقدام.
(ريح هفَّافة): ساكنة طيبة، أخذاً لها من الهفيف وهو: طيب النسيم.
(تحبسها): أي تحبس الأقدام عن النفوذ.
(على حيث انتهت): أراد الريح؛ لأن الأقدام قد انتهت بالريح، لكونها من تحتها فلا وجه لرجوعه إلى الأقدام.
(من الحدود المتناهية): المقادير التي علم الله تعالى حالها، وعلم أن تناهيها كان بنفسها أو بأمر آخر غيرها.
(قد استفرغتهم أشغال عبادته): أراد أنهم فرغوا عن كل شيء من الأشغال، واشتغلوا بالعبادة وأنواع الطاعة.
(ووسَّلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفتهم ): الوسيلة: ما يتقرب به الإنسان إلى غيره، يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة إذا تقرب بعمل صالح، وأرادها هنا أن الأعمال الصالحة من جهتهم هي الوسيلة بينهم وبين معرفته وتحققه.
سؤال؛ كيف تكون الأعمال الصالحة وهي التي عناها بحقائق الإيمان وسيلة إلى معرفة الله تعالى ، وهي متوقفة عليها، ولا تعقل الأعمال الصالحة إلا بتقدم الإيمان لها، وسبقه عليها؟
وجوابه من وجهين؛
أما أولاً: فيحتمل أن يكونوا قد عرفوا الله تعالى بالنظر والاستدلال، لكنهم لما نَصِبُوا في الأعمال الصالحة ودأبوا فيها أفيضت عليهم العلوم الضرورية من جهة الله تعالى، فلهذا كانت وسيلة إلى خلق العلم الضروري.

وأما ثانياً: فبأن يكون علمهم الأول نظري، لكنهم لما شغلوا بالطاعات العظيمة وفعلوها وانشرحت أفئدتهم بفعلها، لا جرم تقوى علمهم النظري وازداد قوة ومكانة بالله تعالى، فتكون هذه الطاعة وسيلة إلى ما حصل من التحقق والتيقن من بعد علمهم النظري، فعلى هذا يحمل كلامه، والأول أولى وأحق، وعليه يدل كلامه في هذا الموضع وفي غيره، كما سنوضحه بمعونة الله تعالى.
(وقطعهم الإيقان به إلى الوله إليه): الوله: شدة الوجد، يقال: امرأة والهة ورجل واله، قال الأعشى:
وأقبلت والهاً ثَكْلَى على عَجَلٍ
كلٌّ دهاها وكلٌّ عندها اجتمعا
وأراد أن القطع بوجوده والإيقان به هو الذي أولههم أي شدد عظيم شوقهم إليه.
(ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره): أراد أن رغباتهم منقطعة عمَّا كان متعلقاًبغيره، وبطل رجائهم له، وصارت متعلقة بما عنده، إما برضوانه فهو أعظم مطلوبهم، وإما بما وعدهم من الزلفة لديه وعظيم الأجر من جهته.
(قد ذاقوا حلاوة معرفته): صاروا لشوقهم إلى معرفة الله تعالى وولوع قلوبهم وميل أفئدتهم إليها بمنزلة من طعم شيئاً حلواً فهو يتهالك في تناوله والاستمرار على أخذه.
(وشربوا بالكأس الروية من محبته): الروية هي: المملؤة التي يروى من شربها، وأراد أن المعرفة والمحبة قد صارا ملتبسين بهما، حتى صار أحدهما مطعومة وهي المعرفة، والأخرى مشروبة وهي المحبة، وهذا من المجازات الرشيقة العجيبة.
(وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته): الوشيجة هي: العروق المشتبكة، وسوداء القلب هي: أعظمه بمنزلة سواد العين، وأراد أن وشائج الخوف الواقعة من جهات مختلفة قد رسخت [في] أفئدتهم رسوخاً عظيماً، وتشبثت به تشبثاً، وخالطته مخالطة كلية.

(فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم): الاعتدال هو: الاستواء، وأراد أنهم حنوا بها بالركوع والسجود تقرباً إلى ربهم وخضوعاً لجلاله.
(ولم ينُفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم): أراد أن انقطاعهم إلى الله بالرغبة في جميع أحوالهم لا يزيل كثرة تضرعهم إليه، بل هم في أشد ما يكون من التضرع مع استطالة الرغبة.
(ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة رِبَق خشوعهم): الربقة: واحدة الربق، وهو: حبل فيه عرا تدخل رقاب صغار المعز في كل واحد منها، يعني أن عظيم خطرهم وارتفاع منازلهم عند الله لم يطلق رقابهم عن تلك الخشية له؛ لأن من كان ذا منزلة رفيعة وخطر عظيم عند بعض الملوك فربما يدعوه ذلك إلى الاستنكاف عن بعض خدمته، وليس هذه حالة الملائكة فإنهم مع عظم زلفتهم قيامهم بخدمته أكثر.
(ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم): التولي من الولاية وهي: الصداقة ضد العداوة، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }[المائدة:51] وأراد أن الإعجاب لم يصادقهم، أو يكون من ولاه يليه إذا قرب منه، أي أن الإعجاب لم يقاربهم ويخالطهم فيستكثروا ويعظم في أعينهم ما سلف منهم من العبادة والخوف والمراقبة.
(ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصيباً في تعظيم حسناتهم): الاستكانة هي: المسكنة وهي: عبارة عن ضعف الحال، وأراد أن الاستكانة في ذاتهم وضعف حالهم بالإ ضافة إلى جلال الله وتواضعهم لكبريائه، لم يدع لهم نصيباً في تعظيم ما عملوا من الحسنات والأعمال الصالحة.

(ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم): دأب في عمله إذا جد فيه دأباً ودؤوباً، ولهذا يقال للنهار والليل: إنهما دائبان وأراد أن الفترات وهي الضعف عن العمل غير جارية في حقهم مع جدهم في الأعمال واجتهادهم في أدائها وتحصيلها.
(ولم تعص رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم): المعصية: خلاف الطاعة، وأراد هاهنا أن رغباتهم وكثرة شوقهم في غاية الطاعة لخالقهم والانقياد لأمره، ولأجل ذلك لم يخالفوا عن طلب ما يرجونه من جهة الله تعالى من الرغائب العظيمة.
(ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم): الأسلة: مستدق طرف اللسان، وجمعها أسلات، وأراد أن مناجاتهم لخالقهم في جميع أحوالهم لا تنفك ولا تزال غضة طرية، وعبر عن انقطاعها بجفاف الألسنة، وهي من المجازات التي لا يهتدي إليها غيره.
(ولا تمكنتهم الأشغال): استغرقتهم الأعمال التي لغير وجهه.
(فتنقطع بهمس الجؤار أصواتهم): الجؤار هو: التضرع بالدعاء، وجأر الثور يجأر إذا صاح، وقرأ بعضهم: {عِجْلاً جَسَدًا لَهُ جُؤَارْ}[الأعراف:148، طه:88] والهمس هو: الصوت الخفي، وأراد أن همسهم بالتضرع إليه غير منقطع؛ إذ لا شغل لهم في غير ذلك.
(ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم): المقام بفتح الفاء: يجمع على مقامات سواء كان للزمان أو المكان أو المصدر وهكذا مقام بضمها أيضاً ، قال الله تعالى: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ [فَارْجِعُوا] }[الأحزاب:13] وقوله تعالى: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا }[الفرقان:76] وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ }[الدخان:51] فأما قوله: مقاوم فيحتمل أمرين:
أما أولاً: فبأن يكون جمعاً لمقام على الأصل أيضاً.

وأما ثانياً: فبأن يكون جمعاً لمقوم كمقبض وهي: الخشبة التي يمسكها الحراث، واستعاره ها هنا، والمنكب من الإنسان مثل المنسج من الفرس، وكلامه هذا يحتمل وجهين:
أما أولاً: فبأن يكون المراد من ذلك هم حملة العرش فإنه محمول على مناكبهم فلا يتزايلون عن حمله باختلاف مناكبهم.
وأما ثانياً: فبأن يكون المراد من ذلك جميع الملائكة، أي أنهم قائمون بالعبادة على وجهها، لاتختلف أحوالهم في ذلك.
(ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم): ثنيت الحبل إذ عطفته، وأراد أنهم لم يأخذهم تقصير في حق الله تعالى فينعطفوا إلى إيثارالراحة ويجنحوا إليها، أو يكون مراده لم ينصرفوا عن طاعة الله إلى سواها من ثنيته عن حاجته إذا صرفته عنها، وإنما علق الراحة بثني الرقبة؛ لأن النوم أعظم لذات الجسم وراحاته، والرقاب تتثنى عنده، فلهذا علق الراحة بها.
(ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات): عدا عليه، فيها وجهان:
أحدهما: أن يكون بالعين المهملة، من قولهم: عدا عليه الأسد إذا وثب عليه.
وثانيهما: أن يكون بالغين المعجمة، من قولهم: غدا عليه إذا سار نحوه بالمضرة، وأراد أن البلادة التي هي نقيض الفطنة لا تغفلهم عمَّا هم بصدده من الاهتمام بأمر الله والقيام بعبادته.
(ولا تنتضل في همهم خدائع الشهوات): ناضله إذا رماه، والخدع هو: المكر، وأراد أن المكر من جهة الشهوات لا يرمي في همَّهم بالتهاون والتقصير.
(قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة): الذخيرة : أنفس ما يجده الإنسان عند حاجته، وأراد أنهم جعلوا الله أعظم الذخائر وأقواها، وإنما خص ذا العرش من بين أسماء الله تعالى لما في العرش من عظم الملك وباهر الخلق، وهو من أعظم المخلوقات.

(ليوم فاقتهم): الفاقة هي: الحاجة، وذلك اليوم هو يوم القيامة.
(ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم): وأراد وقصدوه وانقطعوا إليه في طلب حوائجهم، وقضاء مآربهم وقت انقطاع الخلق إلى بعضهم بعض في قضاء حوائجهم، حيث كان لارغبة لهم عند غيره ولا حاجة لهم في سواه.
(لا يقطعون غاية أمد عبادته ): أراد أنهم قد وضعوا عند نفوسهم لما دلَّهم البرهان العقلي أنه لا نهاية لعبادته، فقد اعتقدوا وعلموا أنهم لا يقطعونها، وكيف يقطعونها وهي بلا نهاية ولاحد لها ولا غاية.
(ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته): الاستهتار: العجب والحمق، يقال: استهتر الرجل فهو مستهتر، إذا كان أحمق متكبراً، وفلان مستهتر بالشراب أي مولع به، وأراد ها هنا الولوع، والمعنى أن الولوع بطاعته لا يرجع بهم إلى العجب والكبر، وإنما يرجع بهم إلى ما أمنَّهم به من تحقيق رجائهم في كرمه، والإجارة مما خوفَّهم منه من عقابه.
(لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينأوا في جدهم): نأى بالحمل إذا أثقله، ونأى به إذا نهض، وهو من الأضداد، قال الله تعالى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ }[القصص:76] أي تثقلهم، وأشفق الرجل إذا صار ذا شفقة وحب، وأشفق إذا صار ذا خوف، والشفقة هاهنا محتملة لهما جميعاً، وأراد أن أسباب الخوف والمحبة غير منقطعة عنهم، فلا جرم لم تثقلهم أعباء هذه التكاليف ونهضوابها، خفيفة عليهم مطمئنة بها أنفسهم.

(ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم): أسره يأسره إذا شدَّه بالإسار، وهو: القدُّ ، ولهذا سمي الأسير أسيراً لأنه يشد بذلك، ووشك الأمر إذا قرب وقته، وأراد أن الملائكة لما كانوا منزهين عن الأطماع مبرءين عن الشهوات، لا يرون قرب سعيهم وسرعته في نيل مطلوب و قضاء شهوة على بذل الوسع في طاعة الله، وطلب مرضاته، بل ذلك غرضهم وغاية مطلبهم.
(ولم يستعظموا ما مضىمن أعمالهم): على كثرتها وعظم موقعها عند الله تعالى في الإخلاص والقربة.
(ولو استعظموها ): استكثروا ذلك في حق الله تعالى.
(لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم): أراد أنه لو كان من جهتهم استعظام واستكثار لما يفعلونه، لأ زال ما يرجونه على تلك الأعمال التي استكثروها من الإثابة والجزاء، حذرهم من الله وخوفهم من عقابه؛ لأن بعض العبيد إذا كان مستكثراً ما يأتي به من خدمة مولاه هوَّن ذلك موقع خوفه من سيده إدلالاً على ما فعل واعتماداً عليه.
(ولم يختلفوا في ربهم): فيثبته بعضهم وينفيه الآخرون، وهكذا القول في سائر الاختلاف في صفاته.
(باستحواذ الشيطان عليهم): بإدخال الشبه عليهم في ذلك، واستزلال أقدامهم بالإقدام على الاعتقادات المخالفة للتوحيد.
(ولم يفرقهم): أي لم يجعلهم فرقاًوأحزاباً.
(سوء التقاطع): التقاطع: الشيء الذي يكون حاصلاً بسبب الحسد والبغضاء، بل قلوبهم مجتمعة على حب الله واعتقاد توحيده.
(ولا تولاهم): استولى عليهم، من قولهم: توليت على كذا إذا استوليت عليه.
(غلُّ التحاسد): الغُل بضم الفاء: ما يكون في الرقبة، والغِل بكسرها: ما يكون في القلب، وهو المراد ها هنا، أي أنه لم يكن مستولياً عليهم إحن الصدور الحاصلة بسبب التحاسد.

(ولا شعَّبتهم ) جعلتهم متفرقين فرقاً.
(مصارف الريب): حوادث الدهر بصروفها ونكباتها.
(ولا اقتسمتهم ): ولا جعلتهم على أقسام مختلفة.
(أخياف الهمم): ليس من الخوف، وإنما هو من قولهم: الناس أخياف أي مختلفون، وأرد أن اختلاف هممهم لم تجعلهم علىأقسام مختلفة بل همهم واحد وهو خوف الله تعالى والتزام طاعته.
(فهم أسرى الإيمان ): الذين أسرهم الإيمان بحبله كالأسير المشدود بالحبل.
(لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول): لم يطلقهم من عراه الوثيقة ميل عنه ولا تعلق بغيره.
(ولا ونى ولافتور): ولا ضعف عن القيام به، ولاتخاذل في القوى.
(وليس في أطباق السماوات موضع إهاب): طبقاتها السبع، الإهاب: الجلد.
(إلا وعليه ملك ساجد): حاني لظهره لا يرفعه.
(أو ساع): بأمر الله إلى حيث أمره.
(حافد): أي مسرع في الامتثال.
(يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً): تحققاً ويقيناً .
(وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظماً): لمايشاهدون من عظم الملكوت وكمال الكبرياء.
ولما فرغ من بيان أحوال العالم العلوي في صفة السماء والملائكة فقرره على ما ذكر، ثم تكلم في عجيب خلق الأرض ودحوها على الماء، بقوله:
(كبس الأرض على مور أمواج): كبس الأرض: أي وضعها على الماء، من قولهم: كبس رأسه إذا وضعه بين أثوابه مغطياً له، والمور: الحركة والاضطراب، والأمواج: جمع موج وهو: ما تراكم من الماء بشدة الريح.
(مستفحلة): عظيمة، ومنه قولهم: استفحل الأمر إذا عظم.
(ولجج بحار): اللجة: معظم البحر.
(زاخرة): مرتفعة، من زخر البحر إذا ارتفع وعلا.
(تلتطم أواذي أمواجها): تضطرب من جانب إلى جانب، والأواذي: جمع آذي وهو أشد الموج وأعظمه.

(وتصطفق [بين] متقاذفات): تصطك، والمتقادفات: المترامية.
(أثباجها): الثبج هو: أعلى السنام، شبهها عند تراميها بالسنامات.
(وترغو زبداً): رغا اللبن رغواً إذا ظهر زبده، وزبداً منصوب على التمييز بعد الفاعل، أي: يرغو زبدها.
(كالفحول عند هيا جها): شبه الموج عند تقاذفه بالزبد بفحول الأبل عند هياجها، وهو ما يكون منها عنداشتداد غلمتها ونزوها على الإناث.
(فخضع جماح الماء المتلاطم): فذل وثوب الماء الذي يصك بعضه بعضاً من شدة اضطرابه.
(لثقل حملها): حمل الماء لها، والمصدر مضاف إلى مفعوله.
(وسكن هيج ارتمائه): شدة حركته واضطرابه.
(إذوطئته بكلكلها): إذ ها هنا زمانية، مثلها في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ، إِذْ رَأَى نَارًا}[طه:9-10] والكلكل: الصدر، وأراد أنها سكنت حركته حين استقرت عليه لما فيها من عظم الثقل.
(وذل مستخذياً): خاضعاً مستكيناً، وانتصابه على الحال على جهة البيان لقوله ذل؛ لأنه مفيد لفائدته، كقوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا[مِنْ قَوْلِهَا] }[النمل:19].
(إذ تمعكت عليه بكواهلها): إذ ها هنا وقتية أيضاً، والتمعك هو: التمريغ بالتراب، والكاهل من الإنسان: مجتمع ما بين الكتفين، وأراد أنها انبسطت منفتلة عليه بجوانبها.
(فأصبح بعد اصطخاب أمواجه): صياحها وزفيرها من شدة الاضطراب.
(ساجياً): ساكناً.
(مقهوراً): مستضعفاً.
(وفي حَكَمَةِ الذل منقاداً أسيراً): الْحَكَمَةُ من اللجام: ما يلي حنك الفرس، وأراد أنه حاصل في الحَكَمَةِ، منقاداً لا يتصعب، وأسيراً لا يفتدى فيتخلَّص.
(وسكنت الأرض مدحوة): وحصلت بعد ذلك ساكنة مبسوطة على وجهه.

49 / 194
ع
En
A+
A-