(حزونة معراجها): الحزن من الأرض: ما صعب مسلكه، والمعراج: ما يعرج فيه، وأراد أنه سهل طرقها للهبوط والصعود من الملائكة.
(وناداها بعد إذ هي دخان): أي قصدها بالأمر، حيث قال: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }[فصلت:11]بعد كينونتها دخاناً، حيث قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ }[فصلت:11] وذلك أن الله خلق الأرض أولاً على شكل الكرة، ثم خلق بعد ذلك السماء، ثم عاد بعد ذلك فبسط الأرض ودحاها.
(فالتحمت عرا أشراجها): فالتصقت العرا أي تداخلت، والأشراج: جمع شِرَج بالفتح في عينه هو عروة العيبة ، وأراد أنها مع سعتها العظيمة متلاصقة مندكة لا فرجة فيها.
(وفتق بعد الارتتاق): الفتق هو: الشق، والارتتاق هو: التلاصق، وأراد أنه شقها بعد أن كانت كلها متلاصقة بمثابة الطبق الواحد.
(صوامت أبوابها): باب مصمت أي مغلق، وأراد أنه جعل لها أبواباً مغلقة.
(وأقام رصداً من الشهب الثواقب): الرصد مصدر رصد يرصده رصداً ورصيداً، ولكونه موضوعاً على المصدرية استوى فيه الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث، وانتصابه ها هنا على المفعولية، وهو صفة في قوله تعالى: {يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا }[الجن:9]، (من الشهب الثواقب)، الشهب: جمع شهاب، وهو: عبارة عن ما يرمى به من النجوم، والثاقب هو: المضيء لنوره ودرَّيته.
(على نقابها): والنقاب هو: الطريق في الجبل، وأراد على طرقها حراسة لها عن استراق السمع من جهة الشياطين والكهنة وأهل السحر.

(وأمسكها من أن تمور في خَرْقِ الهواء): أي وشدها عن أن تمور، والمور هو: التحرك والاضطراب في خرق الهواء، والخَرْقُ بسكون العين هو: الجو الذي لا أجسام فيه، وأراد أنه أمسكها على هذه الحالة.
(رائدة): الرود هو : المجيء والذهاب، وانتصاب رائدة على الحال من الضمير في أمسكها، وهو تفسير لقوله: تمور، والمعنى أنه أمسكها عن أن تمور تتحرك وتضطرب جائية وذاهبة.
(وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره): الأمر ها هنا يحتمل أن يكون من باب القول، فيقول لها: قفي على هذه الصفة، كما قال لها: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا }[فصلت:11] ويحتمل الأمر عبارة عن الداعي والإرادة، وهو أن الله تعالى علم أن المصلحة وقوفها على هذه الصفة، فأراده فكان على وفق إرادته من غير مخالفة، وأراد بالاستسلام الإذعان والانقياد.
(وجعل شمسها آية مبصرة): مضيئة، لها شعاع تُبْصَرُ فيه الأشياء ويُعْرَفُ حالها، ببصر الأعين.
(لنهارها): أي من أجل نهارها ليكون ذلك سبباً للانتفاع وتصرف الخلق في أشغالهم ومنافعهم.
(وقمرها آية ممحوة): أي لا شعاع لها كشعاع الشمس وإنما هي نور.
(من ليلها): أي من أجل ليلها ليكون ذلك سبباً للسكون من الأشغال والاستراحة فيه بالنوم، كما قال تعالى : {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}.
سؤال؛ أراه عدَّى في كلامه هذا مبصرة باللام، وعدَّى ممحوة بمن، فما وجه التفرقة في ذلك؟

وجوابه؛ هو أن الغرض بالنهار إنما هو لأجل الإبصار في النهار والتصرف فيه، فلهذا جاءت اللام مشعرة بذلك، فلهذا عدَّاه باللام إشعاراً بالتعليل، وأما ممحوة فمن فيها لابتداء الغاية، وأراد أنها ممحوة من الليل فصارت قريباً منه في عدم الشعاع والضياء، فلهذا عدَّاها بمن إشارة إلى هذا الغرض من كل واحد من الحرفين وتنبيهاً عليه، ومعنى الآية: العلامة.
(وأجراهما في مناقل مجراهما): أي وسيرهما في مجاري مسيرهما ، [يتنقلان فيها طوراً بعد طور، وحالة بعد حالة]
[(وقدر مسيرهما) ]: المسير هو: السير، وأراد وأحكم مسيرهما على ما فيه من الاختلاف في السير، فإن القمر يقطع فلكه في شهر والشمس لا تقطع فلكها إلا في السنة ، وذلك لبطئها وتثاقل مسيرها.
(في مدارج درجيهما ): في منافذهما ومجاري سيرهما في المنازل، وجملتها ثمانية وعشرون منزلة: النطح، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العوّا، السماك، الغفر، الزبانا، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، مقدم الدلو، المؤخر، الحوت.
ينزل القمر في كل [منزلة] ليلة واحدة من هذه، والشمس في المنزلة الثالثة من نزول القمر من هذه، وتقيم الشمس في المنزلة أياماً، والقمر لسرعة جريه يحل كل ليلة في واحدة منها.
(ليميز بين الليل والنهار بهما): فاليوم هو طلوع الشمس وغروبها، والشهر: عبارة عن مسير القمر في الثمانية والعشرين منزلة، ثم يكون سراره ليلتين أوليلة إذا نقص، والسنة اثناعشر شهراً.

(وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما): فالشهور بالقمر كما ذكرناه، والأيام بالشمس، والحساب في كل شيء من الأوقات الشرعية وغير ذلك من منافع الخلق، ولولا ذلك لما عرف الحساب أصلاً.
(ثم علق في جوها فلكاً ): أراد فلك القمر، لأنه هو الأقرب إلينا وذلك لأن الأفلاك تسعة:
أولها: الفلك الأقصى.
وثانيها: فلك البروج.
وثالثها: فلك زحل.
ورابعها: فلك المشتري.
وخامسها: فلك المريخ.
وسادسها: فلك الشمس.
وسابعها: فلك الزهرة.
وثامنها: فلك عطارد.
وتاسعها: فلك القمر.
فهذه الأمور لا ننكرها إذا كان لها فاعل مختار أحكمها وقدرها، وإنما أنكرناها على الفلاسفة لأمرين:
أما أولاً: فلأنهم قالوا بقدمها وأزليتها، وأنه لم يسبقها عدم، وأنها مع فاعلها فيما لا أول له.
وأما ثانياً: فلأنهم قالوا: إن الحوادث التي في عالمنا هذا السفلي صادر عنها وأثر لها، وأن هذه الاستقصآءات والتركيبات في عالمنا حاصل عن هذه الأفلاك بوسائط هذه العناصر، فهذه مقالتهم في هذه الأفلاك، ثم هي أيضاً آثار عن العقول السماوية، وهذه العقول حاصلة عن ذات الله تعالىعلى جهة الإيجاب على تقدير في التدريج لهم في التأثير، ذكرناه في كتبنا العقلية.
(ناط بها زينتها): علق بها ما يزينها.
(من خفيات دراريها): من هذه النجوم، فمنها ما هو خفي دري متوقد.
(ومصابيح كواكبها): ومنها ماهو مصباح مضيء يستضاء بنوره للسائرين.
(ورمى مسترقي السمع): من الشياطين.
(بثواقب شهبها): ومنها للرمي لمن أراد الاستراق، كما قال تعالى: {فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً }[الجن:9]، كما قال بعضهم:
منها معالمُ للهدى ومصابحُ
تجلو الدُّجى والأخرياتُ رجومُ
(وأجراها): يعني النجوم.

(على أذلال تسخيرها): على تسخير مذلل ينقاد من غير استعصاء ويذهب فيه من غير مخالفة.
(من ثبات ثابتها): والثوابت عند أهل التنجيم من البروج أربعة: الثور، والأسد، والدلو، والعقرب، أي أنها لا تتغير في سيرها ومجراها.
(ومسير سائرها): ما يستقيم في سيره ولا يرجع، وهو أكثر السيارة من البروج، ومنها ما يرجع في سيره وهي خمسة: زحل، والمشتري، والمريخ ، والزهرة، وعطارد، وهذه هي الخنس التي أراد الله بقوله: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ }[التكوير:15] لأنها تخنس في مجراها أي ترجع.
(وهبوطها وصعودها): فمنها ما هو في لوح الفلك يكون مسيره، ومنها ما دون ذلك في جوانب الفلك.
(ونحوسها وسعودها): وما أجرى الله فيها من النحوس والسعود التي قرنها بها وجعلها واقعة بحسبها، وهذا أيضاً مما لاننكره أن يجري الله تعالى العادة بحدوث هذه الحوادث من المرض والصحة والأمطار والغيوم والنحوس والسعود بطلوع هذه الكواكب وغروبها لمصلحة استأثر بعلمها، وإنما أنكرنا أن تكون هذه الآثار مضافة إلى هذه الكواكب بالإيجاب من جهة ذاتها فهذا محال في العقل لدلالة ذكرناها في غير هذا الكتاب، فسبحان من أنافت حكمته على حكمة الحكماء، وحار في دقيق صنعته وأسرار فطرته عقول العقلاء.
ثم تكلم في صفة الملائكة وعجيب حالهم:
(ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته): ثم أبدع وأوجد من خلقه خلقاً اختار أن يكون محلهم لكرامتهم عنده سماواته التي عمرها لهم.

(وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته): أي وليكون خلقهم عمارة، والمصفح من الأشكال: نقيض ما كان منها كري الشكل، وصفحة كل شيء وجهه، وأراد السماوات لأنها مبسوطة فإنها من أعجب ما يكون في الملكوت لما اشتملت عليه من بدائع الحكمة وعجائب الإتقان البالغ، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ }[غافر:57].
(خلقاً بديعاً من ملائكته): إما بديعاً لا يشبه خلق غيره من سائر الحيوانات، وإما محكماً متقناً أبلغ من إحكام غيره من المخلوقات.
(وملأ بهم فروج فجاجها): الفرج هو: الشق، وجمعه فروج، والفجاج: جمع فج، وهي: الطريق الواسعة، وأراد أنه جعلها مملؤة منهم في شقوقها وطرقها الواسعة.
(وحشى بهم فتوق أجوائها): الأجواء: جمع جو وهي: المكان المتسع، والفتق: الشق، وغرضه أنه حشى بهم مواضعها المتسعة المنخفضة.
(وبين فجوات تلك الفروج): التي هي ملأى بهم ومحشوة منهم.
(زجل المسبحين منهم): هينمة أهل التسبيح بأنواع التمجيد ، والزجل: الصوت العظيم، ولهذا يقال: سحاب ذو زجل أي رعد قوي.
(في حضائر القدس): في الأماكن المقدسة والمواضع الشريفة بما يحصل فيها من الذكر والخضوع.
(وسترات الحجب): والحجب المجعولة ساترة.
(وسرادقات المجد): كل بيت مجعولاً من الثياب فهو سرادق، وغرضه في هذا ذكر موضع الملائكة وأماكنهم وذكر ماهم مشغولون به من التقديسات العالية وأنواع التماجيد الرفيعة التي خصَّوا بها وجعلوا أهلاً لها.
(ووراء ذلك الرجيج): الاضطراب والحركة العظيمة.
(الت‍ي تستك منها الأسماع): استك سمعه إذا صم فلم يسمع، وأراد لعظمه يكاد أن يصم الآذان ، وترعد منه الفرائص.

سؤال؛ أراه عبر عن أصوات الملائكة في الأول بالزجل، ثم قال بعد ذلك: ووراء ذلك الرجيج، فما وجهه؟
وجوابه؛ هو أن الرجيج: عبارة عن الحركة مع الصوت، ومنه الحديث: ((من ركب البحر حين يرتج فلا ذمة له )) أي حين يضطرب ويهدر بالموج، ومنه قوله تعالى: {رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا }[الواقعة:4] فذكر الزجل أولاً، لما كان الغرض منه الهينمة وهو صوت التسبيح لا غير، فلما أراد حكاية أفعالهم وحركاتهم بالقيام والقعود في العبادة ورفع الأصوات بأنواع التمجيد عبَّر عنه بالرجيج لما كان شاملاً للأمرين جميعاً.
(سبحات نور): السبحات: عبارة عن الجلال والعظمة والكبرياء، وذكر النور استعارة.
(تردع الأبصار): تكفها من شدة الضياء.
(عن بلوغها): عن الوصول إلى حقائقها وغاياتها.
(فتقف خاسئة): متحيرة عن الذهاب، مطرودة عن الوصول إلى تلك النهاية.
(على حدودها): على ما ينبغي لها أن تقوى على بصره وإدراكه، فأما ما يبهرها من هذه الأنوار العالية فلا سبيل لها إلى إدراكه.
(أنشأهم على صور مختلفات): في الأشكال والهيئات، مع ما خصهم به من القدرة الكاملة، كما روي أن جبريل عليه السلام حمل مدائن قوم لوط وهي سبع على ريشة من جناحه، وكما روي أنه هبط في مبدأ الوحي على الرسول فملأ ما بين الخافقين بجناحيه .
(وأقدار متفاوتات): وفي الحديث: ((إن لله تعالى ملكاً ما بين كتفيه خفقان الطير المسرع خمسمائة عام )) وهم من المخلوقات الباهرة الدالة على سلطان العظمة وبرهان الحكمة.
(أولي أجنحة): يطيرون بنوافذ الأقضية، ويسارعون في امتثال الأوامر، كما قال تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }[فاطر:1].

(تسبح جلال عزته): ينزهون عزة الإلهية وجلالها عما لا يليق بها، ويقدسونها بالتماجيد اللائقة بها، والتسبيح هو: التنزيه والبراءة عما لا يليق.
وعن أعرابية أنها جاءت إلى رجل فقالت له: اكتب: سبحان سهلة عن أينق، ادَّعاها عليها أخوها، أي تبرأت عنها.
(لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه ): انتحل الشيء إذا ادعاه لنفسه، وأراد أنهم لايدعون إضافة شيء من مخلوقات الله إلى أنفسهم التي أظهرها وأوجدها، ولا ينسبون وجودها إليهم.
(ولا يدَّعون أنهم يخلقون شيئاً معه): الخلق عند المعتزلة وأصحابنا هو: التقدير، وعند الأشعرية هو: الإيجاد، وهذا هو الأقرب، بدليل قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }[القمر:49]، وقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }[الفرقان:2]، ولو كان الخلق هو التقدير لكان تكراراً لا فائدة تحته، وأراد أنهم لايقدرون شيئاً من تقديرات الله تعالى.
(مِمَّا انفرد به): مِمَّا هو مختص به ومنسوب إليه.
سؤال؛ أراه قيد نفي الخلق عنهم بما انفرد الله به، وأطلق نفي الانتحال من غير تقييد، والغرض فيهما نفي المشاركة عنهم في ذلك؟
وجوابه؛ هو أن الغرض بالانتحال أن تعلم أن شيئاً لغيرك وتدعيه لنفسك، وأراد أن ما علموه من خلق الله بالبرهان القاطع فإنهم لا يدعونه فلهذا أطلقه، بخلاف الخلق فهو إما عبارة عن التقدير كما قال أصحابنا والمعتزلة، وإما أن يكون عبارة عن الإيجاد كما قاله الأشعرية، ولا شك أنهم موجدون لأفعالهم ومقدرون لها، فلهذا قيد نفي الخلق عنهم بما انفرد الله به من خلقه.

(بل عباد مكرمون): إضراب عما نزههم عنه من ادعاء المشاركة له في خلقه، وإثبات العبودية من جهتهم له، واستحقاقهم الكرامة من جهته.
(لا يسبقونه بالقول): فيجعلون كلامهم فوق كلامه وأمرهم أنفذ من أمره.
(وهم بأمره يعملون): أراد أنه لايصدر من جهتهم عمل إلا بأمر من الله تعالى ، أو أنهم لا يخالفون أمره فيما أمر به ويمتثلونه.
(جعلهم فيما هنالك): هنا إشارة إلى الأمكنة، وأراد في أمكنتهم الرفيعة العالية.
(أهل الأمانة على وحيه): فلا يخونون فيه بزيادة ولا نقصان، ولا تحريف ولا تبديل.
(وحملهم إلى المرسلين): إلى أهل الرسالة من الأنبياء، إذ منهم من يكون نبياً من غير إرسال إلى أحد، ومنهم من يكون رسولاً، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيّ }[الحج:52] ففرق بين الرسول والنبي إشارة إلى ما قلناه.
(ودائع أمره ونهيه): ما استودعهم من الأوامر والنواهي.
(وعصمهم): منعهم بالألطاف الخفية والتوفيقات المصلحية.
(من ريب الشبهات): عن أن يرتابوا في عقائدهم الإلهية بشبهة ترد عليهم في ذلك.
(فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته): مائل عما يكون لله تعالى فيه رضى في جميع أحوالهم.
(وأمدهم بفوائد المعونة): وأعطاهم من الإمداد وهو الإعطاء ألطافاً يستفيدون بها الإعانة.
(وأشعر قلوبهم): إما جعل الخوف شعاراً لهم، وإما أشعر قلوبهم أي أعلمها.
(تواضع إخبات السكينة): التواضع هو: الخشوع، والإخبات هو: ذل النفس مع خشوعها، وأراد أنه جعل الخشوع والتواضع والتذلل لاصقة بقلوبهم لا تفارقها، أو أنه قرره في عقولهم قطعاً وتحقيقاً .

(وفتح لهم أبواباً ذللاً إلى تماجيده): أي ألهمهم إلى أقوال سهّل مواردها لهم دالة على تعظيمه.
(ونصب لهم مناراً واضحةً): أعلاماً بينة، وطرقاً مستنيرة، وأراد بالمنار هاهنا الأعلام، ولهذا أنث صفته .
(على أعلام توحيده): الى أنه واحد لاشريك له يساويه في صفاته .
(لم تثقلهم مُؤصِرَات الآثام): المؤصر: المثقل، وأراد أن فعلهم للذنوب لم يكن فيثقلهم حملها.
(ولم ترتحلهم عُقَبُ الليالي والأيام): الارتحال افتعال من قولهم: رَحَلَ البعير إذا شد َّعلى ظهره الرحل، والعقبة هي: النوبة، من قولهم: هما يتعاقبان البعير أي يركبه أحدهما مرة والآخر مرة أخرى، والمعنى في هذا هو أن من تداولته الليالي والأيام كان مثل البعير المسخر الذي يشد على ظهره الرحل، وتردد في الأسفار من موضع إلى موضع، فهكذا حالنا في الدنيا ننقل من الليل إلى النهار، ومن النهار إلى الليل، فلهذا كانت الأيام والليالي مرتحلة لنا بعقبها ، فإذا لم يكن في السماوات ليل ولا نهار لعدم طلوع الشمس وغروبها كان الملائكة منزهين عن اعتقاب الليل والنهار، وارتحالهم بعقبها.
(ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم): النازع: السهم، والعزيمة هي: القطع على الشيء، وأراد أن الشكوك الحاصلة عن الشبهات لم ترم بأسهمها إلى الأمور المقطوع بصحتها في أديانهم .
(ولم تعترك الظنون): أي تزدحم.
(على معاقد يقينهم): على ما قطعوا عليه باليقين فيكون مظنوناً لهم.
(ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم): الإحنة: العداوة، وجمعها إحن، قال الشاعر:
إذا كان في صدرِ ابن عمكَ إِحْنَةٌ
فلا تَسْتَثِرْهَا سَوف يبدو دَفِيْنُها
وأراد أن المعاداة والضغائن ليست حاصلة بينهم لعدم أسبابها وانقطاع وصلها.

48 / 194
ع
En
A+
A-