(وركزت فيكم راية الإيمان): أراد أني أظهرت لكم معالم الدين وبينت أحكام الإيمان، والركز والراية، استعارة رشيقة لبيان ذلك.
(ووقفتكم على حدود الحلال والحرام): أي أطلعتكم على ما يحل لكم أخذه وفعله، ويحرم عليكم فعله وتناوله في جميع أحوالكم كلها، وحدد ته بحدود، وحجزته بحواجز عن الا ختلاط والاشتباه، أخذاً من قولهم: وقفته على أمره إذا أطلعته عليه.
(وألبستكم العافية من عدلي): أراد أني جعلت العدل لباساً لكم تتقلبون فيه كلباس العافية الشاملة.
(وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي): وجعلت الإحسان من جهتي فراشاً لكم ممهداً.
(وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي): أي لم تصادفوني فظاً غليظاً بل كنت لكم على خلاف ذلك من الرقة لكم، والرحمة والرأفة عليكم.
وأقول: إن هذا الكلام قد بلغ في النضارة والحسن حد الإعجاب، فكما هو دال على بذل المعروف بالقول والفعل والنفس، فقد دل على التجنيس العجيب ، واشتمل على المجاز الرشيق ،بذكر اللباس والفراش، كما قال تعالى لنبيه في هذا المعنى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }[الحجر:88] وقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[التوبة:128] فقد بذل من نفسه للأمة ما أمر الله نبيه أن يبذله لأمته، ويسير فيهم به إبلاغاً في الحجة، وقطعاً للمعذرة.
(فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر): أراد فلا تضعوا آراءكم في الأمور المحالة في مخالفتي والاعتراض على سيرتي، فإن هذا مما لا قعر له أي غاية فتكون مبصرة مرئية.
(ولا يتغلغل إليه الفكر): الغلغلة: هي السير الشديد، وعنى بذلك أن الفكر وإن اشتد أمره وعظم دخوله فإنه لا يدركه ولا يصل إليه لعدمه وانتفائه، ثم خرج إلى ذكر بني أمية بقوله:
(حتى يظنَّ الظانُّ): لكثرة ما يرى من انبساط ملكهم وإحاطتهم بالأقاليم الإسلامية، واحتوائهم عليها، حتى قال سليمان بن عبد الملك وقد رأى سحابة: امطري حيث شئت فخراجك إليَّ، كل ذلك إعجاب باستيلائه وملكه.
(أن الدنيا معقولة على بني أمية): عقل ناقته إذا حبسها عن الذهاب، وأراد أنها محبوسة عليهم لا يزال ملكهم فيها ونعيمهم بلذتها.
(تمنحهم درها): تعطيهم خيرها من منحه إذا أعطاه.
(وتوردهم صفوها): الصفو خلاف الكدر، أراد أنها تدلهم على مواردها الصافية ومشاربها العذبة، ثم يقطع الله دابرهم ويستأصل شأفتهم.
(ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها): جورها وحيفها وعنفها بالخلق وإيلامهم بإزالتهم واقتلاع جرثومتهم.
(ولاسيفها): قتلهم للخلق من غير استحقاق ولا تقديم جريمة.
(وكذب الظان لذلك): فإن الله قادر على الانتقام كما فعل بمن كان أشد منهم بسطة وأعظم قوة.
(بل هي مَجَّةُ من قليل العيش): المَجَّةُ بفتح الميم: ما يضعه الإنسان في فِيْه ثم يرمي به، وشبه دولتهم بذلك لا نقطاعها وسرعة زوالها.
(يتطعمونها برهة): يذوقونها مدة يسيرة.
(ثم يلفظونها جملة): ثم تنقطع عنهم كأنها ما كانت في أيديهم، ولا نعموا فيها ساعة واحدة، وهذه من جملة الأخبار الغيبية التي أقرها رسول الله صلى الله عليه وآله في أذنه وأودعها إياه، فكان الأمر كما قاله عليه السلام، فكانت خلافتهم من أولهم إلى آخرهم دون مائة سنة.
(85) ومن خطبة له عليه السلام
(أما بعد، فإن الله لا يقصم جبَّاري دهر إلا بعد تمهيل ورخاء): قصمه إذا قطعه، وأصل جبَّاري جبَّارين جمع جبَّار، لكن طرحت نونه للإضافة، وأراد الإعلام بأن الله تعالى ما قطع دابر قوم بالإهلاك، إلا بتمهيل في الأعمار، كما قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }[الأعراف:183] ورخاء في المعيشة، كما قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ }[الأعراف:182] ليزدادوا إثماً بالإملاء، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا }[آل عمران:178] يزدادوا غفلة بالإرخاء والدعة كما هو عادة أهل الرفاهية والفجور.
(ولم يجبر عظم أحد من الأمم إلا بعد أزل وبلاء): الأزل: الشدة، وأراد أن الله تعالى ما أرخى على قوم عيشهم وخوَّلهم إلا بعد اختبار منه وامتحان بالشدائد وأنواع الضَّيق في المعيشة.
(وفي دون ما استقبلتم من خطب ): أخطار الدنيا، وأهوال الآخرة.
(واستدبرتم من خطأ): ذنوب سالفة ، ومعاصي متقدمة.
(معتبر ): إما أمر يعتبر به ويتعظ، وإما اعتبار وموعظة لكم.
(وما كل ذي قلب بلبيب): اللبُّ: العقل، وأراد وما كل من كان له قلب فهو عاقل.
(ولا كل ذي سمع بسميع): ولا كل من كان له آلة السمع فهو يسمع بها.
(ولا كل ذي ناظر ببصير): ولا كل من كان له عين فهو يبصر بها ؛ لأن هذه الحواس ربما كانت حاصلة لأهلها، وبها آفة ويلحقها فساد، فلهذا لم يكن المقصود بها حاصلاً، وأراد التعريض بحالهم والتهكم بهم حيث كانت هذه الآلات حاصلة لهم وهم لم يستعملوها وينتفعوا بها على حدها اللائق بها.
(فيا عجباً!): أراد إما ياعجبي، وإما ياعجباه على ما قررنا شرحه من قبل.
(وما لي لا أعجب): وأي شيء يعرض لي عن الاستعجاب مع وجود أسبابه.
(من خطأ هذه الفرق): من زيغها وضلالها واتباع أهوائها.
(على اختلاف حججها في دينها): أراد أن الدين واحد، من حيث كان إلههم واحداً، ونبيهم واحداً، وشريعتهم واحدة، وكتابهم واحداً، فليت شعري من أين جاء الاختلاف بينهم، والحال هذه وما بالهم!
(لا يقتصون أثر نبي): قد أرسل إليهم لإصلاحهم.
(ولا يقتدون بعمل وصي): قد خُلِّف والياً عليهم من جهة النبي.
(ولا يؤمنون بغيب): ولا يصدِّقون بالأمور الغائبة التي قد قام البرهان على صحتها وبيانها، وأراد المنكرين للقيامة وأحوال الآخرة من هذه الفرق الضالة.
(ولا يعفون عن عيب): ولا يغتفرون ما يرونه من عيوب بعضهم لبعض، وأراد أنهم في أنفسهم ليسوا بأهل تناصح، بل كل [واحد] منهم يظهر عيب صاحبه لما يظهر بينهم من العداوة والبغضاء.
(يعملون في الشبهات): إما فيما يعتقدونه مما يكون مخالفاً للتوحيد والتنزيه ، وإما فيما يتصرفون فيه من هذه الأموال فإنهم يدخلون فيها مداخل الشبه.
(ويسيرون في الشهوات): أراد وتصرفهم في سيرهم وأعمالهم إنما هو بأعمال الشهوات، والتعويل عليها في جميع أحوالهم كلها.
(المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا): يعنى أنهم قد أعجبوا في أنفسهم بآرائهم كلها، فالمعروف فيهم ليس إلا ما قالوه من جهة أنفسهم، وإن لم يكن موافقاً للبراهين والأدلة، والمنكر ما امتنعوا من فعله وإن لم يكن منهياً عنه بالأدلة.
(وفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم): يعني أنهم إذافزعوا عند أمر شديد فلا يرجعون إلى بصيرة وإنما عمدتهم الأهواء
(وتعويلهم في المبهمات على رأيهم): وما يعوِّلون عند نزول الأمور المبهمة التي تفتقر إلى الأنظار ، وحكِّ القرائح، إلا على ما يكون من جهة أنفسهم لا غير، وهذا كله إنكار منه عليهم في ذلك.
(كأن كل امرئ منهم إمام نفسه): يقتدي بها كما يقتدى بالأئمة ويهتدى بآرائهم.
(قد أخذ منها فيما يرى بعرى موثقات ): قد استوثق منها فيما يزعم ويظن بأسباب وثيقة لا تنتقض.
(وأسباب محكمات): لا يتطرق إليها التغيير، وكلامه عليه السلام في هذا الإنكار يحمل على وجهين:
أحدهما: أن يريد من خالف التوحيد والأدلة العقلية فيما دلت عليه.
وثانيهما: أن يريد من خالف الشارع فيما نصَّ عليه من النصوص القاطعة العلمية، أوخالف الوصي فيما كان مقطوعاً به، فأما ما وراء ذلك فلا وجه للقطع بالخطأ فيه من مسائل الا جتهاد، كما قررناه في غير هذا الموضع.
(86) ومن خطبة له عليه السلام
(أرسله على حين فترة من الرسل): الفترة: المدة التي بين الرسل، وأراد تطاول الزمن ما بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وآله، فإن تلك المدة لتطاولها اندرست فيها الأعلام، وامَّحت فيها الشرائع، فلهذا قال: على حين فترة مشيراً إلى ما قلناه.
(وطول هجعة من الأمم): الهجوع هو: النوم ليلاً، قال قيس بن الأسلت :
قد حصَّت البيضةُ رأسي فما
أَطْعَمُ نوماً غير تَهْجَاعِ
وأراد كثرة هجوعهم على الجهل.
(واعتزام من الفتن): عزم الأمر إذا قطعه برأيه، وأراد واقتطاع من الفتن لأهلها ومن كان والجاً فيها.
(وانتشار من الأمور): إذ لا نظام يجمعها من نبي ولا وصي ولا من يدل على الحق ويرشد إليه.
(وتلظِّ من الحروب): فيما بين العرب؛ لأنهم كانوا قبل البعثة، لهم أيام في الحروب ووقائع عظيمة، كما كان في حرب داحس ، ويوم الفجار وغيرهما، من الأيام.
(والدنيا كاسفة النور): كسفت الشمس إذا ذهب نورها، وأراد أنها مكسفة لعدم من يدعو إلى الخير من الأنبياء والأولياء والصالحين، وانقطاع عهدها من ذلك.
(ظاهرة الغرور): لما يحصل فيها من البدع واتباع الأهواء الداعية إلى الاغترار والجالبة له.
(على حين اصفرار من ورقها): دنو من أجلها، واقتراب من انقضائها، وجعل اصفرار الورق كناية عن ذاك.
(وإياس من ثمرها): أيس مقلوب يئس ، والمصدر منهما واحد، تقول: أيست أاْيس منه يأساً، ويئست آيس منه يأساً، واليأس: هو انقطاع الرجاء عن الشيء.
(واغورار مائها ): إدبارها وذهاب رونقها.
(قد درست فيها أعلام الهدى) : امحت وبطلت بانقطاع الأنبياء.
(وظهرت أعلام الردى): أمارات الجهل والبدعة، وأراد ما كان من أمور الجاهلية وضلالتها وبدعها وجهالاتها.
(فهي متجهمة على أهلها): تجهم عليه إذا كلح في وجهه وعبس، قال:
فلا تَجْهَمينا أم عمرو فإنَّنا
بنا داءُ ظبْيٍ لم تَخُنهُ عَواملُه
وأراد أنه لا داء بنا كما أن الظبي لا داء فيه، فلأجل تغير أحوالها صارت كأنها كالحة عابسة، وقوله: لأهلها، أراد إما من أجل أهلها، فإن تغيرها ما كان إلا من جهتهم وإحداثهم البدع فيها، وإما أراد اختصاص العبوس بأهلها كما تقول: قلت له، وقال لي.
(عابسة في وجه طالبها): العبوس: هو انكساف الوجه وتغيره.
(ثمرها الفتنة): لما بذروا فيها الغفلة والشقاء، أثمرت لهم الفتن والبلايا.
(وطعامها الخيفة ): الطعام: ما يذاق في اللَّها وأراد أنه لما كان ثمرها الفتنة فمذاقها لاشك هو الخيفة والإشفاق والقلق.
(وشعارها الخوف):
سؤال؛ كيف قال: طعامها الخيفة، ثم قال: وشعارها الخوف، فهل بين الخوف والخيفة تفرقة؟ أو يكونان شيئاً واحداً؟
وجوابه؛ هو أن الخوف والخيفة شيء واحد، يقال: خاف خوفاً وخيفة، قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى }[طه:67] وقال: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] }[البقرة:38] ولكنه أراد لكثرة ما علقهم من الخوف، وألمَّ بهم من ألمه وغشيهم، جعله تارة طعاماً لهم ، وتارة جعله لباساً يشملهم، في كلتا الحالتين مبالغة في ذلك.
(ودثارهم السيف): الشعار: ما يلي الجسد، والدثار فوقه.
سؤال؛ أراه جعل الشعار مضافاً إلى الخوف، والدثار مضافاً إلى السيف، وكلاهما حاصل فيهم ومتعلق بهم؟
وجوابه؛ هو أن الخوف لما كان متعلقاً بالقلب وحاصلاً فيه، جعله كالشعار لمخالطته لجلودهم، بخلاف السيف فإنه لا محالة منفصل، فلهذا جعله كالدثار.
(فاعتبروا عباد الله، واذكروا تِيَكَ): وليكن همكم الاعتبار والانزجار وتذكروا متعظين، وأشار بقوله: (تيك) إلى ما كان من الجاهلية في البدع والضلالات، وإنهماكهم في الردى والعمايات.
(التي آباؤكم وإخوانكم بها مرتهنون): أراد خطاياهم الموبقة وكبائرهم المهلكة في عبادة الأوثان والأصنام، واتخاذ الأنداد، وعبادة غير الله، وركوب الفواحش، وقطع الأرحام، وأكل الربا، كما قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ }[الطور:21].
(وعليها محاسبون): لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة إلا بالمحاسبة والمناقشة.
(ولعمري): قسم وخبره محذوف أي لعمري قسمي.
(ما تقادمت بهم ولا بكم العهود): العهد هو: الزمن الماضي، قال:
وما عهدي كعهدك يا أُماماً
(ولا خلت فيما بينكم وبينهم الأحقاب والقرون): [الحقب: ثمانون سنة، وقيل: أكثر من ذلك وجمعه أحقاب] ، قال الله تعالى: {لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا }[النبأ:23] والقرن: هو الأمة وجمعه قرون.
(وما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد): أراد أن من كان من آبائهم وإخوانهم في زمن الجاهلية وأيامها، فإنهم على أثره وعلى القرب من عهده ، ما حالت بينهم وبينه عهود وأعصار فتمحي آثارهم، وتبلي أحاديثهم، وإنما هي غضة طرية.
(والله ما أسمعهم الرسول شيئاً): من القصص والأخبار والسير والأمثال على جهة الاتعاظ والزجر، وعلمهم من الأحكام والسنن على جهة الاستصلاح والشرع.
(إلا وها أنا مسمعكموه): مصرخاً به في آذانكم، ناطقاً به بين أظهركم، لا أترك منه شيئاً ولا أغادره.
(وما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس): أراد أنها مستوية لا تفرقة بينكم وبينهم في الأسماع.
(ولا شقت لهم الأبصار): أراد الأعين؛ لأنها مشقوقة في الوجه أي مفتوحة.
(وجعلت لهم الأفئدة): العقول؛ لأن محلها الأفئدة، فجعل الأفئدة عبارة عنها.
(في ذلك الأوان): الوقت المتقدم.
(إلا وقد أعطيتم مثلها): من غير مخالفة.
(في هذا الزمان): وقتكم هذا الذي أنتم فيه الآن.
(ووالله ما بُصِّرتم بعدهم شيئاً جهلوه): أريتموه بأبصاركم.
(ولا أصفيتم به): خصصتم به.
(وحرموه): منعوه، وأراد بهذا الكلام أمرين:
أحدهما: أن يعلم أن حاله كحال الرسول في الإبلاغ والتعريف، والإنذار والتخويف، والزجر والوعظ.
وثانيهما: أن يعلم أن ما يلقى ممن كان في وقته من النكوص، وترك الانقياد لقوله، والاحتكام لأمره، مشابهاً لما كان الرسول يلاقي من أولئك الذين كانوا في زمنه.
(ولقد نزلت بكم البلية): أراد ولاية بني أمية وظلمها وجورها.
(حائلاً خطامها، رخواً بِطَانُها): الخطام: ما يكون في رأس البعير ، والبِطَان: ما يكون في صدره، وجعل ذلك كناية عن تلاشي الأمر وفساده، وأنه ليس مستوثقاً جارياً على حدوده وقوانينه.
(فلا يغرَّنكم ما أصبح فيه أهل الغرور): من ضحك الدنيا في وجوههم وزهرتها في أعينهم، فإن ذلك كذب وغرور لانقطاعه عنهم وزواله عن أيديهم.
(فإنما هو ظل ممدود): شبهه بالظل لسرعة تقلصه عن مكانه.
(إلى أجل معدود): إلى حيث علم الله من آجالهم المنقطعة وأيامهم الزائلة.
(87) ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد
([الحمد لله ] المعروف من غير رؤية): المتحقق حاله من غير بصر وإدراك، وأراد علمه بالأدلة والبراهين النظرية.
(الخالق من غير روية): المقدر لجميع ما أوجده من الإحكامات العجيبة من غير فكرة ولا نظر.
(الذي لم يزل قائماً دائماً): أراد بالقيام الوجود، وأراد بالدوام الاستمرار، فهو تعالى موجود بلا أول له، ومستمر الوجود لا آخر له.
(إذ لا سماء ذات أبراج): الأبراج: جمع برج، وجملتها اثنا عشربرجاً مشتملة على ثمانية وعشرين منزلة، ينزل فيها القمر في سيره.
(ولا حجب ذات إرتاج ): الرتج: واحد الإرتاج وهي المغالق، ومنه باب مرتج أي مغلق، وأراد حجب العزّ وسرادقات المجد المضروبة، تجوَّزاً واستعارةً، لا أن ثَمَّ حجباً هناك تستره على الحقيقة.
(ولا ليل داج): دجا الليل إذا أظلم.
(ولا بحر ساج): أي ساكن، وقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }[الضحى:2] أي سكن بما فيه.
(ولا جبل ذو فجاج): شعاب وآخاديد وأودية.
(ولا فج ذو اعوجاج): التواء في أطرافه ومسالكه.
(ولا أرض ذات مهاد): مهد الشيء إذا وطَّأه وأحسن تقريره، ووصفت الأرض بالمهاد في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا }[النبأ:6] لما يظهر فيها من منافع الخلق واستقرارهم في تصرفاتهم .
(ولا خلق ذو اعتماد): ولا مخلوق له هذه الصفة، لأن كل مخلوق فهو معتمد على خالقه في إيجاده وتقريره فلهذا قال: ولا خلق تجب له هذه الصفة اللازمة.
(ذلك): إشارة إلى ما تقدم من ذكر صفاته تعالى.
(مبتدع الخلق): موجده من غير سبب يكون له.
(ووارثه): والموجود بعد إهلاكه وفنائه.
(وإله الخلق): المستحق للعبادة من جهتهم لإنعامه عليهم بفضله.