(في تركيب صورها، ومدد عمرها): أراد أنه جعل الأسماع والأبصار على هذه الكيفية في تركيب صورها العجيبة، وإمدادها بالأعمار الطويلة.
وقوله: في تركيب صورها، جار ومجرور في موضع الحال من الضمير في جعلها، والمعنى جعلها مستوية في صورها.
(بأبدان): الأشلاء موصولة بأبدان.
(قائمة بأرفاقها): الأرفاق هي: المنافع، ومنه قوله تعالى: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا }[الكهف:31]، و{وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }[الكهف:29]، وأراد أنها مستقلة تجلب المنافع إلى أنفسها.
([وقلوب] رائدة لأرزاقها): الرائد هو: الذي يطلب الكَلأَ ، وفي المثل: الرائد لا يكذب أهله، وأراد أنها طالبة لأرزاقهامن الأماكن التي قدرها الله تعالى لها.
(في مجلّلات نعمه): إما بالجيم أي النعم السابغة العظيمة، من قولهم: مطر مجلل إذا طبق الأرض كلها، وإما بالحاء المهملة أي النعم التي أحلتهم في محالهم وأقرتهم في مواضعهم، أخذاً من قولهم: المحللات : القدر، والرحى، والدلو، والشفرة، فمن كانت عنده هذه الأشياء حل حيث شاء، وكلاهما جيد، وروايتنا فيه بالجيم.
(وموجبات مننه): بفتح الجيم أي التي أسقطها في أكفنا تفضلاً منه علينا.
(وحواجز عافيته): الحاجز هو: المانع، وهي جمع حاجزة، وأراد أنا نخوض في العافية التي تحجز عن الألم والفساد.
(وقدّر لكم أعماراً): إما من القدر، وإما من التقدير، والمعنى أنه قضى لكم أياماً تعمّرون فيها وأحكمها.
(سترها عنكم): حجب العلم بانقطاعها عنكم لما في ذلك من اللطف والحكمة التي استأثر بها.
(وخلَّف لكم عبراً): وجعل العبر خالفة بمن كان قبلكم تنظرون إليها، وتتعظون بها.
(من آثار الماضين قبلكم): مما أثر فيه من مضى من الأمم الماضية والقرون الخالية.

(من مستمتع خلاقهم): الخلاق هو: النصيب، قال الله تعالى: {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ }[البقرة:102] أي نصيب، والمستمتع إما مصدر بمعنى الاستمتاع، وإما أن يكون اسماً للمتاع، وإما مو ضع الا ستمتاع ومكانه، فكلها محتملة ها هنا، والمعنى أنه جعل لكم العبر فيمن مضى في أرزاقهم وأماكنهم، وجميع أحوالهم.
(ومستفسح خناقهم): وزمان حياتهم، وعنى بالخناق الموت.
(أرهقتهم المنايا دون الآمال): أرهقه أي أغشاه، قال الله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا [وَكُفْرًا] }[الكهف:80] أي يغشيهما، وأراد أن المنايا غشيتهم وركبتهم فحالت دون الآمال التي أمَّلوها، وقطعتهم عنها.
(وشذَّ بهم عنها تخرم الآجال): الشذوذ هو: البعد، وفي الحديث: ((من شذ شذ في النار )) أي من بعد عن الحق وزال عنه، وأراد أنه بعد بهم عن إحراز مآلهم عروض الآجال القاطعة عن ذلك، والحائلة دونه.
(لم يمهدوا في سلامة الأبدان): المهد هو: الإصلاح والتوطئة، وأراد أنهم لم يجتهدوا في إصلاح أديانهم واغتنام فعل الخيرات في زمان صحة الأبدان عن العوارض.
(ولم يعتبروا في أُنُف الأوان): أَنْفُ كل شيء: أوله، وجمعها أُنُفٌ، وأراد أنهم لم ينقدح لهم الاعتبار في أول زمانهم، وصدور أيامهم فيحصل الاتعاظ والزجر.
(فهل ينتظر أهل بضاضة الشباب): رجل بضٌّ إذا كان ممتلئاً ناعم الجسم، والبضاضة للشباب هي: رونقه وطلاوته، وأراد ما يترقب أهل البضاضة إلا عكسها.
(إلا حواني الهرم): رجل أحنى وامرأة حنواء إذا احدودب ظهرهما من الكبر؛ لأن صعدة الظهر تضعف فيكون سبباً لانعطاف الظهر.
(وأهل غضارة الصحة): الغضارة: طيب العيش، وأراد ما ينتظر أهل المعيشة الطيبة.

(إلا نوازل السقم): نوازل الأمور: شدائدها وعظائمها.
(وأهل مدة البقاء): ومن كان باقياً على وجه الأرض.
(إلا آونة الفناء): وقت الفناء وزمانه، والآونة جمع أوان كزمان وأزمنة، قال أبو زبُيد :
حَمَّال أَثْقَالِ أهلِ الودِّ آونةً
أُعْطِيْهُم الجهدَ مني بَلْه مَا أَسعُ
(مع قرب الزيال): زال عن مكانه يزول زوالاً وزيالاً إذا بَعُدَ عنه.
(وأزوف الانتقال): أزف الأمر إذا قرب ودنا، وأراد سرعة الزوال والنقلة إلى الآخرة.
(وعلز القلق): القلق هو: الفشل والا نزعاج، والعلز: خفة وضيق نفس تصيب الإنسان عند الأمراض والأوصاب، يقال: مات فلان علزاً إذا ضاقت نفسه وذهب نومه.
(وألم المضض): مضَّه الجرح وأمضَّه إذا أوجعه، حكاهما ثعلب.
قال الأصمعي: يقال: أمضني لا غير.
(وغَصص الجرض): الغَصص بفتح الفاء هو: همٌّ وغمٌّ، والجرض: الريق يغص به، يقال: جرض بريقه إذا ازدحم في حلقه ومنعه النفس.
(وتلفت الاستغاثة): أراد الالتفات؛ لأن الإنسان إذا أفزعه أمر ونزلت به فجيعة فإنه يلتفت يميناً وشمالاً لتفريج ما هو فيه وإساغة غصته.
(بنصرة الحفدة): بإغاثة الأعوان والخدم وهم الحفدة، وقيل: هم أولاد الأولاد جمع حافد، وهو قليل في جمع فاعل إذا كان اسماً، وهو كثير في الصفة منه كالكفرة والفجرة.
(والأقرباء): جمع قريب، ويحتمل أن يكون جمع أقرب على غير قياسه، وكأنه محمول على جمع أهوناء في جمع هين.
(والأعزة والقرباء !): الأعزة: جمع عزيز، قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً }[النمل:34] والقرباء: جمع قريب كيسراء في جمع يسير.
(فهل دفعت الأقارب): عنهم هذه النوازل.

(أو نفعت النواحب): الناحبة هي التي ترفع صوتها بالبكاء، وجمعها نواحب، وأراد هل عادت عليهم بواكيهم بشيء من النفع بحال.
(وقد غودر): أي ترك، والمغادرة: الترك.
(في محلة الأموات رهيناً): في منزل الأموات وحطتهم مرتهناً بذنوبه.
(وفي ضيق المضجع): وفي المكان الضيق لمن يضطجع فيه.
(وحيداً): منفرداً عن الأهلين والأولاد.
(قد هتكت الهوام جلدته): الهتك: الخرق، ومنه قولهم: هتك ستره إذا خرقه، والهوام: جمع هامة، وهو ما يخاف أذاه من الحر شات، وأراد قد خرقت الحرشات ما فوق اللحم من الجلدحتى وصلت إليه.
(وأبلت النواهك جِدَّتَهُ): نهكه المرض ونهكته الحمى إذا نقصت جسمه، وفي الحديث: ((انهكوا الأعقاب أو لتنهكنَّها النار )) أي بالغوا في غسلها، وأراد وأخلقت الأمور النواهك البالغة في القطع كل مبلغ ما كان جديداً منه.
(وعفت العواصف آثاره): عفا المنزل يعفو إذا اندرس، يتعدى ولا يتعدى.
قال:
أَهاجكَ رَبْعٌ دَارِسُ الرَّسْمِ باللِّوى
لأَ سْمَاء عَفَّى آَيَهُ الْمَوْرُ والقَطْرُ
والعواصف هي: الريح، وأراد ودرست الرياح ما كان من علاماته.
(ومحا الجديدان ): الليل والنهار.
(معالمه): ما يعلم من معاهده.
(وصارت الأجساد شحبة): أي متغيرة من تطاول عهدها في التراب، قال النمر بن تولب :
وفي جِسْمِ رَاعِيْهَا شُحُوبٌ كأنَّهُ
هُزالٌ وما مِنْ قِلَّةِ الطَّعمِ يُهْزَلُ
(بعد بضتها): رونقها وطلاوتها.
(والعظام نخرة): ضعيفة فاسدة.
(بعد قوتها): صلابتها لما أحييت به من الحياة.
(والأرواح مرتهنة): مجعولة رهائن.
(بثقل أعبائها): العبء: الحمل، وجمعه أعباء، قال زهير:
الحامل العبء الثقيل عن الـ
ـجاني بغير يدٍ ولا شُكْرٍ

وأراد أنها مرتهنة عنده بثقل أحمالها التي تحملته من الذنوب، والآصار في الدنيا.
(موقنة): متحققة بأن باعثها ومنشرها محيط عالم.
(بغيب أنبائها): بأخبارها المغيبة التي لا يعلمها سواه، فهي ميتة.
(لا تستزاد من صالح عملها): لا يطلب منها الزيادة على ما كان أسلفته في الدنيا من الأعمال الصالحة لاستحالة ذلك منها وبطلانه.
(ولا تستعتب): الاستعتاب: طلب الرضى لخالقها.
(من سيء زللها): من زلاتها التي قد أقدمت عليها في الدنيا.
(أو لستم أبناء القوم والآباء ): الا ستفهام ها هنا معناه التقرير، كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }[الشرح:1]، واللام في القوم والآباء هي لام العهد، وأراد ألستم أبناء القوم الذين وصفنا حالهم وآباءهم .
(وإخوانهم والأقرباء؟): وأهل الأخوة لهم، وأصحاب القرابة.
(تحتذون أمثلتهم): تقتدون الأمثلة التي وضعوها، والأمثلة جمع مثال.
(وتركبون قِدتهم): القدة بكسر القاف هي: الطريقة، وأراد تسيرون طرائقهم ، قال الله تعالى: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا }[الجن:11] أي ذوي أهواء مختلفة.
(وتطَؤُون جادتهم): الجادة هي: أوسط الطريق، أراد وتسلكون طريقتهم.
(فالقلوب قاسية): معرضة لصلابتها فهي كالحجارة أو أشد قسوة.
(عن حظها): عن أخذ حظها من المواعظ، والانتفاع بها.
(لا هية عن رشدها): إما ذات لهو، كقولهم: عيشة راضية، وإما أنها مشتغلة باللهو فاعلة له.
(سالكة في غير مضمارها): سائرة في غير طريقها التي أمرت باتباعها وسلوكها.
(كأن المعن‍ي سواها): مشبها حالها في إعراضها وتماديها في الغفلة عمَّا يراد بها بحال من تخاطبه وأنت تريد غيره.

(وكأن الرشد في إحراز دنياها): وكأن الرشد الذي أمرت باتباعه وإحرازه إنما هو في طلب الدنيا وادخارها لكثرة ملا حظتهم لها وإكبابهم على تحصيلها.
(واعلموا أن مجازكم): طريقكم التي تسلكونها.
(على الصراط): الذي هو أدقُ من الشعر، وأحدُّ من السيف.
(مزالق ): لا تثبت عليها الأقدام لملا ستها.
(دحضة): يَزِل عنها [من وطئها] ، من قولهم: دحض المذبوح برجله إذا ركض بها.
(وأهاويل): جمع أهوال، والهول هو: الأمر الشديد الذي يهول من رآه أي يفزعه.
(زلله): عظيمة، لا تستقر لها العقول لفخامتها.
(وتارات هائلة ): التارة: المرة الواحدة من الفجائع، قال : فالويل تاراً والثبور تاراً، من قولهم: عرق تيار إذا كان سريع الجرية بالدم، وأراد أنهم يلاقون فيه الأهوال مرة بعد أخرى.
(فاتقوا الله تقية ذي لب): فراقبوه مراقبة ذي عقل.
(شغل التفكر قلبه): فليس يلتفت إلى غيره، ولا يكون مصغياً إليه.
(وأنصب الخوف بدنه): النصب: التعب والمشقة، وأراد أنه أتعب نفسه بما كلَّفها في الأعمال الشاقة خوفاً من العقاب.
(وأسهر التهجد غرار نومه): التهجد هو: إزالة الهجود، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً }[الإسراء:79] أي جانب به هجودك، وغرار السيف: شفرتاه، وكل شيء له حد فهو غرارة، وأراد وأسهر مجانبة النوم حد نومه وأذهبه.
(وأظمأ الرجاء هواجر يومه): الظمأ هو: العطش، والهاجرة هي: وسط النهار، وأراد أن الرجاء هو الذي أظمأه وهواجر يومه لما قطعها بالصوم والعبادة.
(وظلف الزهد شهواته): ظلف نفسه عن الشيء إذا منعها منه، قال:
لقد أُظْلِفُ النفس عن مَطْعَمٍ ... إذا ما تَهَافَتَ ذِبَّانُه

وهو بظاء بنقطة من أعلاها،وأراد أن الزهد في الدنيا ولذاتها هو الذي منعه من قضاء شهواته.
(وأوجف الذكر بلسانه): الوجيف: ضرب من السير للإبل والخيل، قال الله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ }[الحشر:6] وأراد وأسرع الذكر بلسانه كإسراع السير الوجيف.
(وقدَّم الخوف لأمانه): أراد أنه قدَّم الخوف في الدنيا فسارع في فعل الخيرات من أجل أمانه في الآخرة {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[يونس:62].
(وتنكَّب المخالج عن وضح السبيل): تنكَّبه إذا تجنبه، وخلجه أي جذبه، وأراد أنه تجنب ما يجذبه عن وضح السبيل أي محجته، والمخالج: جمع مخلج، والوضح: الضوء، والوضح: الدرهم، وجميعها دالة على الظهور.
(وسلك أقصد المسالك): قصد إذا عدل، وقصد إذا جار وهو من الأضداد، وأراد ها هنا وسار أعدل الطرق وأقومها.
(إلى النهج المطلوب): النهج والمنهاج كلها بمعنى واحد، وهي: الطريق الواضحة المقصودة، قال العبدي:
ولقد أضاء لك الطريقَ وأنهجت
سبلَ المسالك والهدى يعدي
أي تقوَّى وتعيَّن.
(ولم تفتله فاتلات الغرور): الغرور بالضم هو الاسم، والمصدر منه الاغترار من اغتر به اغتراراً، وأراد ما يغتر به من متاع الدنيا، والمعنى في هذا هو أن المهلكات بالغرور لم تفتله بغررها وهو بالفاء.
(ولم تعم عليه مشتبهات الأمور): أراد ولم تلتبس عليه مصادر دينه وموارده فيكون أعمى لأجل ورود الشبه عليه، وعنى بذلك نفوذ بصيرته وتحققه لما هو بصدده.
(ظافراً بفرجة البشرى): الفَرجة بالفتح هو: التفصي من الهمِّ وإزالة الغمِّ ، قال أمية بن الصلت :
ربما تكرهُ النفوسُ من الأمرِ

له فَرْجَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ
والفُرجة بالضم: فرجة الحائط، والأول هو مراده؛ لأن غرضه أنه قد ظفر بفرجة البشارة، هذا فيمن يرويها بالجيم، وأما من رواها بالحاء المهملة فأراد ظافراً بسرور البشارة بالخير من الله تعالى.
(وراحة النعماء ): ولذة النعيم في الدار الآخرة.
(في أنعم نومه): لأنه لا يخاف فيه تكدير السهر، ولا يلحقه تنغيص به.
(وآمن يومه): إذ لا يخاف فيه فزعاً كغيره من أيام الدنيا.
(قد عبر معبر العاجلة حميداً): قد خرج من الدنيا بالموت وآثاره محمودة بما أحرزه من الأعمال الصالحة.
(وقدّم زاد الآجلة سعيداً): وهيَّأ التقوى، وهي زاد الآخرة فسعد بذلك.
(وبادر من وجل): وعجل بأعماله من أجل خوفه ووجله، إما من العقاب، وإما من الموت عن أن يقطعه عن ذلك.
(وأكمش في مهل): الإكماش هو: الإسراع، وأراد وأسرع، إما في مهل عمره ومدته، وإما في تؤدة وتأن وتبصر وتحقق.
(ورغب في طلب): رغب في الشيء إذا أراده، قال النمر بن تولب:
وإذا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فاصْبِرْ لَهَا
وإلى الذي يُعْطِي الرَّغَائبَ فارغبِ
وأراد أن الرغبة إذا حصلت مع الطلب كان أدعى ما يكون للفعل وأقرب شيء في حصوله ووجوده.
(وذهب عن هرب): الذهاب هو: المرور، وأراد أنه عجل في المرور هارباً؛ لأن الواحد إذا فر هارباً كان أعظم ما يكون للسرعة في الذهاب، وأراد في الأول المبالغة في طلب الجنة، وفي الثاني الفرار من النار.
(وراقب في يومه غده): أراد باليوم الدنيا، وأراد بالغد الآخرة، والمعنى فيه أنه رصد في الدنيا بالإعداد لفعل الخير للآخرة، وأراد بالترقب الخوف، أوأراد بالترقب الانتظاروكله محتمل.

ولله در كلام أمير المؤمنين، فما ألطف معانيه، وأكثر فوائده، وأغزر أسراره.
(ونظر قُدُماً أمامه): مضى قدماً أي لم يعرج على شيء، وقُدُماً بضمتين منصوب على الحالية أي متقدماً، قال الشاعر يصف امرأة فاجرة:
تمضي إذا زُجِرت عن سوءة قُدُماً
كأنَّها هَدَمٌ في الجفْر مِنْقَاضُ
والهدم: جانب البئر المنهدم، وأراد أنه مقبل على عمل الآخرة، غير معرج على غيرها.
(فكفى بالجنة): أراد أنها هي النهاية في الكفاية.
(ثواباً): على الأعمال وجزاء عليها.
(ونوالاً‍‍‍‍‍‍‍!): عطاءً من الله تعالى.
(وكفى بالنار): أي هي النهاية في الكفاية.
(عقاباً): على الأعمال السيئة وجزاء عليها.
(ووبالاً!): ثقلاً ووخامة، من قولهم: وبل المرتع وبلاً ووبالاً إذا كان وخيماً ثقيلاً.
(وكفى بالله): أي هو الكافي.
(منتقماً): لأعدائه أي معاقباً لهم.
(ونصيراً!): لمن كان من أوليائه في الدنيا بالغلبة والقهر، وفي الآخرة بالإثابة بالجنة.
(وكفى بالكتاب): القرآن.
(حجيجاً): قائماً بالحجة.
(وخصيماً!): مخاصماً لمن خالف أحكامه.
(أوصيكم عباد الله): من كان عبداً لله على الحقيقة، عاملاً بطاعته.
(بتقوى الله): باتقائه في جميع الأحوال كلها.
(الذي أعذر): قطع المعذرة فلا عذر لأحد في فعل طاعته، وسلوك طريقها.
(بما أنذر): بما قدم من النذر بالأنبياء والكتب.
(واحتج): وأقام الحجه.
(بما نهج): أوضح من المناهج والأعلام البينة.
(وحذركم عدوّاً): وقدم إليكم التحذير من عدو، وإنما نكَّره لمزيد المبالغة في عداوته، كأنه قال: أحذركم عدوّاً وأي عدو وعظم حاله:

(نفذ في الصدور خفياً ): نفذ إذا جاوز من قولهم: نفذ السهم من الرمية إذا جاوزها، وأراد أنه نفذ حتى بلغ الصدور، وانتصاب خفياً، إما علىالحال أي نفذ خافياً بمكره وخدعه، وإما على أنه صفة للمصدر أي نفذ نفوذاً خفياً.
(وبعث في الآذان نجياً): بعث أي أرسل، كقوله تعالى: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ }[الشعراء:36] وانتصاب نجياً، إما على المفعولية، ويكون نجياً، إما بمعنى النجوى، وإما بمعنى الجماعة، وأراد [أنه] أرسل نجواه بالخدع والمكر، وإما أرسل جماعة بعد جماعة للوسوسة، كما قال تعالى: {خَلَصُوا نَجِيًّاً }[يوسف:80] أي جماعات، ويحتمل أن يكون منصوباً على الحال أي بعث مناجياً ينفث في الصدور بوسواسه.
(فأضل): عن الطريق الواضحة.
(وأردى): من الردى وهو الهلاك لمن اتبعه.
(ووعد): الأكاذيب وزخرفها.
(ومنَّى): الأماني الباطلة.
(وزيَّن سيئات الجرائم): حسَّنها لمن فعلها، وسهَّل الأمر فيها لمن ارتكبها، والسيئات: جمع سيئة، والجرائم: جمع جريمة وهي: الأفعال القبيحة.
(وهوّن موبقات العظائم): وبق يبق وبوقاً، إذا هلك قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا }[الكهف:52] والموبقة: الفعلة المهلكة وجمعها موبقات، وأراد مهلكات الأفعال العظائم.
(حتى إذا استدرج قرينته): الاستدراج هو: الاستدناء باللطف والتقريب، والقرينة هي: النفس، وأضافها إليه لما له فيها من الملابسة بانقيادها له، وإسراعها إلى مراضيه.
(واستغلق رهينته): غلق الرهن غلقاً إذا أخذه المرتهن لا متناع الراهن عن افتكاكه، وفي الحديث: ((لا يغلق الرهن )) قال زهير:
وفارقتك بِرَهْنٍ لا فكاك له
يوم الوداع فأمسى الرهنُ قد غُلِقَا

41 / 194
ع
En
A+
A-