شروح نهج البلاغة
لكتاب نهج البلاغة شروح كثيرة، ذكر الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم عن السيد هبة الله الشهرستاني في كتابه: ما هو نهج البلاغة، أنها تنوف على الخمسين شرحاً ما بين مبسوط ومختصر ، وذكر الأستاذ عبد الله نعمة أن شروح نهج البلاغة أربت على سبعين شرحاً منذ عصر الرضي إلى اليوم، ما بين عربي وفارسي وهندي ومسهب وموجز .
وأذكر هنا بعضاً من شروحه وأسماء مؤلفيها كما يلي:
1) أعلام نهج البلاغة، لعلي بن ناصر الحسيني، من أعلام القرن الخامس الهجري، وهو أول من شرح النهج، إلا أنه شرح مختصر جداً، كان يقتطف من بعض خطب أو كتب أو حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام بعض الكلمات أو العبارات فيشرحها شرحاً مختصراً، وبين يدي نسخة منه مصورة صورت على مخطوط بمكتبة العلامة عبد الرحمن شايم، انتهى من نسخها يوم السبت لثلاث خلون من شهر شعبان سنة 635ه بخط منصور بن مسعود بن عباس بن أبي عمرو. (وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ص573).
2) معارج نهج البلاغة، لعلي بن زيد بن محمد بن الحسين البيهقي، المعروف بابن فندق المتوفى سنة 565ه (ذكره الزركلي في الأعلام4/290، ومحمد حسين الجلالي في كتاب دراسة حول نهج البلاغة ص132).
3) شرح نهج البلاغة، لأحمد بن محمد الوبري، المتوفى سنة 565ه. (ذكره الجلالي أيضاً ص132).
4) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للقطب الراوندي سعيد بن هبة الله، المتوفى سنة 573ه. (ذكره الزركلي في الأعلام 3/104، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1/5، والجلالي ص133).
5) شرح نهج البلاغة، لفخر الدين الرازي محمد بن عمر بن الحسن، المتوفى سنة 606ه. (ذكره أبو الفضل إبراهيم في شرح نهج البلاغة (مقدمة التحقيق) ص10، والجلالي ص136).
6) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي عبد الحميد بن هبة الله المدائني، المتوفى سنة 655ه، وهو شرح مشهور مطبوع ومتداول، وقد طبع عدة طبعات، وهو من أشهر شروح النهج وأفضلها وأكملها، قال العلامة المجتهد الكبير مجد الدين المؤيدي حفظه الله في لوامع الأنوار1/469 في الكلام على شروح نهج البلاغة، قال ما لفظه: وأشهر شروحه -أي النهج- وأبسطها وأجلها وأكملها وأبهجها شرح البحر المتدفق، والحبر المحقق المدقق، العالم النحرير، والحافظ الكبير عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد المدائني، الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي. انتهى.
7) الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي، للإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الحسيني الزيدي، المتوفى سنة 749ه. (وهو هذا الكتاب الذي بين يديك، ويعتبر واحداً من أهم الشروح،وأدقها وأغزرها).
8) شرح نهج البلاغة، لميثم بن علي بن ميثم البحراني، المتوفى سنة679ه، وله عليه ثلاثة شروح: كبير، ومتوسط، وصغير، وقد وقفت على أحدها وهو مطبوع. (وانظر دراسة حول نهج البلاغة للجلالي ص140، ومصادر نهج البلاغة لعبد الله نعمة ص42، والأعلام للزركلي 7/336).
9) شرح نهج البلاغة لعبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العتائقي الحلي، فرغ منه سنة 780ه. (ذكره الجلالي ص144).
10) شرح التحفة العلية في شرح نهج البلاغة الحيدرية، لمحمد بن حبيب الله بن أحمد الحسيني، فرغ منه سنة881ه. (ذكره الجلالي ص147).
11) شرح نهج البلاغة، لقوام الدين يوسف قاضي بغداد المارديني، المتوفى سنة 917ه. (ذكره الجلالي أيضاً ص148).
12) شرح نهج البلاغة باسم: أنوار الفصاحة وأسرار البلاغة، لنظام الدين الكيلاني، المتوفى سنة 1036ه. (ذكره الجلالي أيضاً ص152)، وذكر الأستاذ عبد السلام الوجيه المجلد الثالث منه في كتابه: مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن1/512 في مكتبة العلامة محمد بن عبد العظيم الهادي برقم (398)، وهو بخط المؤلف واسمه: نظام الدين أحمد بن علي الجيلاني.
13) شرح نهج البلاغة، لحسين بن شهاب الدين محمد بن حسين الكركي العاملي الشامي، المتوفى سنة 1076ه. (ذكره الجلالي ص156).
14) شرح نهج البلاغة، للحسن بن المطهر الجرموزي، المتوفى سنة 1101ه. (ذكره الوجيه في أعلام المؤلفين الزيدية ص352، والشوكاني في البدر الطالع1/210).
15) إرشاد المؤمنين إلى معرفة نهج البلاغة المبين، ليحيى بن إبراهيم بن يحيى بن الهدى جحاف المتوفى سنة 1102ه. (ذكره الوجيه في المصدر السابق ص1087، والزركلي في الأعلام8/134، والجلالي ص159)، وقد طبع بتحقيق محمد جواد الحسيني الجلالي، وصدر في ثلاثة مجلدات كبيرة، الطبعة الأولى، من منشورات دليل ما، مطبعة نكارش -إيران- قم، وبين يدي حال كتابة هذه الأسطر نسخة منه مطبوعة بمجلداته الثلاثة هي ملك الأستاذ عبد السلام الوجيه.
16) شرح نهج البلاغة، لصدر الدين بن محمد بن باقر الموسوي الدزفولي، المتوفى سنة 1256ه. (ذكره الجلالي ص163).
17) شرح نهج البلاغة، للميرزا محمد تقي الكاشاني، المتوفى سنة 1297ه. (المصدر السابق ص164).
18) شرح نهج البلاغة، للشيخ محمد عبده بن حسن خير الله، مفتي الديار المصرية، المتوفى سنة 1323ه. (المصدر السابق ص166) وقد طبع عدة طبعات مع النهج.
19) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي، المتوفى سنة1324ه. (المصدر السابق ص166، وذكر فيه أنه قد طبع سنة 1386ه في (21) مجلداً بتحقيق إبراهيم الميانجي).
20) شرح نهج البلاغة، للمرصفي محمد بن حسن نائل المصري، طبع مع النهج بمصر سنة 1328ه. (المصدر السابق ص167، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد مقدمة التحقيق ص10).
هذا وأكتفي بما سبق إيراده من شروح كتاب نهج البلاغة إذ أن متابعة ذلك يطول، ومن أراد معرفة ذلك كاملاً فينظر كتاب دراسة حول نهج البلاغة لمحمد حسين الحسيني الجلالي ص126-175، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت- لبنان - ط(1) 1421ه/2001م.
هذا الكتاب
وهذا الكتاب الذي بين يديك هو أحد تلك الشروح المشار إليها لكتاب نهج البلاغة ألفه الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الحسيني عليه السلام المتوفى سنة 749ه، وأسماه (الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي) (ليكون -كما قال- اسمه موافقاً لمسماه، ولفظه مطابقاً لمعناه، حيث كانت العلوم درراً وهو تاجها، وحللاً وهو ديباجها).
ويعتبر واحداً من شروح النهج المهمة، والمبسوطة الشرح لألفاظ وعبارات كل خطبة وكتاب وحكمة وردت فيه، والمشتملة على الفوائد الجمّة في شتى العلوم والمعارف، والكاشفة عن سعة أفق كتاب (نهج البلاغة) في شموليته واستيعابه لنواحي الحياة العلمية والعملية والفكرية المترامية الأطراف والجوانب.
انتهى المؤلف من تأليفه في شهر ربيع الآخر من شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وأوضح في مقدمة الكتاب دوافع التأليف وهي: (إيضاح ما وقع في كلام أمير المؤمنين من تفسير ألفاظه الغريبة، وإظهار معانيه اللطيفة العجيبة، وبيان أمثاله الدقيقة، ولطائف معانيه الرشيقة وغير ذلك مما يشتمل عليه كلامه عليه السلام، إذ كان كلامه قد رقى إلى غايتي الفصاحة في لفظه والبلاغة في معناه؛ إذ هو منشأ البلاغة ومولدها، ومشرع الفصاحة وموردها، وعليه كان تعويل أربابها وضالة طلابها، فلا وادٍ من أودية الفصاحة إلا وقد ضرب فيه بحظ وافر ونصيب، ولا أسلوب من أساليب البلاغة إلا وله فيه القدح المعلا والتؤم والرقيب) إلى أن قال: (وكان فيه غرضان:
أحدهما: الإبانة عن عظيم قدر أمير المؤمنين حيث كان سابقاً لمن تقدمه، وفائتاً لمن تأخر عنه، فعلى مثاله حذا كل خطيب مصقع، وعلى منواله نسج كل واعظ أروع.
وثانيهما: ما يكون في ذلك من مذخور الأجر من الانتفاع بالزواجر الوعظية، والحكم الأدبية، والحجج القاطعة، والبراهين النافعة، وجواهر اللغة العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، بحيث لا يلقى مجتمعاً في كلام من جميع السلف الأولين، ولا متسقاً في نظام من الخلف الآخرين، خاصة في علوم التوحيد والحكمة وتنزيه الله تعالى عن مشابهة الممكنات، وذكر المعاد الأخروي، بل إنما يؤثر عنهم القليل النادر، والشاذ الشارد، إذ كان كلامه عليه السلام عليه مسحة من الكلام المعجز السماوي، وفيه عبقة من رائحة الكلام النبوي).
حرص المؤلف في المقدمة على ذكر المنهج الذي التزمه وسلكه في كتابه هذا، فقال: (واعلم أني قد سلكت فيه أحد مسلكين:
المسلك الأول: أن أقتطع من كلامه عليه السلام قطعة، ثم أعقد عليها عقداً يكون محيطاً بأسرارها وغرائبها، ويحتوي على جميع معانيها وعجائبها، وهذه هي طريقة جيدة، وفائدتها هو إيضاح معاني الكلام بالعقود اللائقة، والترتيبات الفائقة، وهي طريقة يسلكها كثير من النَّظار فيما يريدونه من إبانة معاني الكلام، ولها آفة وهو الإسهاب في الكلام الذي يورث الملل وسآمة الخواطر.
المسلك الثاني: أن أذكر اللفظة المركبة من كلام أمير المؤمنين ثم أكشف معناها وأوضح مغزاها، من غير التزام عقد لها ولا إشارة إلى ضابط، وهذه طريقة يسلكها الأكثر من النَّظار، فهذان مسلكان يمكن ذكر أحدهما، وكل واحد منهما لا غبار عليه في تحصيل المقصد وتقرير البغية، لكن أرى المسلك الثاني هو أعجب، وإلى الاختصار والتحقيق أقرب لما ذكرناه من حصول التكثير في سلوك الطريقة الأولى، خاصة في مثل هذا الكتاب فإن شجونه كثيرة، ونكته غزيرة، فلا جرم كان التعويل عليها هو الأخلق).
ومن خلال هذا المنهج الذي التزمه المؤلف عليه السلام واستقراء الكتاب من أوله إلى آخره على ضوئه، نجده قد أتى في شرحه لكلام أمير المؤمنين علي عليه السلام الوارد في كتاب نهج البلاغة، بطراز رائع ونموذج جميل، وأداء تميز به عن غيره من شروح نهج البلاغة، فهو لا يقسم كلام أمير المؤمنين إلى فصول بحيث يشتمل كل فصل على قطعة كبيرة من الكلام المزمع شرحه ثم يردف كل فصل بشرحه، كما أنه أيضاً لم يقتصر على تفسير بعض الألفاظ ويترك بعضها، بل على العكس من ذلك يفسر ويشرح مفردات كل خطبة أو كتاب أو حكمة قصيرة من أولها إلى آخرها شرحاً دقيقاً، فهو أولاً يورد عنوان كل خطبة أو كتاب، ثم يورد على إثره النص والشرح، مراعياً في طريقته لتقسيم نصوص كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى فقرات أو عبارات غالباً ما تكون قصيرة أو كلمات مفردة، فيردف كل جزء منها بالشرح، وذلك بشكل منتظم ومتتابع من أول النص إلى آخره، فيبتدئ من أول النص بأن يورد منه قطعة أو لفظة مركبة -كما قال- فيشرحها حتى إذا انتهى من شرحها انتقل إلى التي تليها مباشرة فيوردها ثم يشرحها، وهكذا في جميع مراحل الكتاب من أوله إلى آخره، وكذا بنفس الطريقة في شرح الحكم القصار.
وهو في طريقته في الشرح يذكر ما عنده في ذلك، ملتزماً بمسلكه ومنهجه الذي أوضحه، واعتمد في شرحه على ناحيتين اثنتين هما: الأولى العقلية، والثانية النقلية، فمن الناحية الأولى نجده شأنه في ذلك شأن أئمة أهل البيت" وشيعتهم رضي الله عنهم في كون العقل مناط التكليف وبه يقع التمييز بين حقائق الأشياء وفهم أدلة الأحكام ومقاصدها، وهو العامل الرئيسي في سلامة البحث والنظر والتفكر والاجتهاد وغير ذلك، وتظهر الصبغة العقلية أكثر وضوحاً عند أهل البيت وشيعتهم وبشكل خاص من خلال الاطلاع على مؤلفاتهم الأصولية أو الكلامية أو المباحث النظرية والاحتجاجية والتي شاركهم في ذلك المعتزلة إلا في بعض المسائل خالف المعتزلة فيها، ولذا نجد أن تلك النزعة العقلية التي ورثها من طريقة أسلافه من أهل البيت قد اتخذت طابعاً خاصاً على كتابه هذا في كلامه على المباحث الكلامية والأصولية، إلا أنه يكاد يقترب في منهجه الاستدلالي في بحث ما أو قضية معينة من المعتزلة، فيسلك طريقتهم، والذي يبدو أن المؤلف قد تأثر بهم وبمذهبهم في مسائل معينة فشايعهم في ذلك، لكنه في الأصول المهمة كما حكاه العلامة الكبير مجد الدين المؤيدي في لوامع الأنوار 2/74 على منهاج أهل بيته، كما ذكر فيه أنه قد صرَّح بخلاف ما روي عنه من المخالفة. (انظر المرجع المذكور2/74-82).
أما من الناحية الثانية وهي الناحية النقلية فقد اعتمد المؤلف عليه السلام على ذلك كثيراً في كتابه هذا، فنقل الكثير من مواد العلوم المختلفة في القرآن الكريم والحديث والفقه واللغة والنحو والصرف والبلاغة والسيرة والتأريخ والأحداث والوقائع والطب والفلك والمواعظ والحكايات وأقوال الرجال والملل والنحل وغير ذلك. فهو في تناوله لموضوعات نهج البلاغة قد اعتمد على كتب اللغة ففسر الألفاظ اللغوية موضحاً للغريب منها، مستعيناً بإيراد الشواهد على ذلك من كلام العرب سواء كانت نثراً أم شعراً مبيناً لمعاني كل ذلك يسلك فيه طريقة اللغويين في الاستدلال والتوضيح والاحتجاج بأقوالهم، وفي شرحه للشواهد الشعرية التي تمثل بها أمير المؤمنين عليه السلام، يهتم بتوضيح المعنى والإعراب وموضع الشاهد منه كما يوضح ما عساه يشتبه من الناحية الإعرابية أو التصريفية، ولا يفوته في كثير من مواضيع الكتاب أن يبرز ما اشتمل عليه كلام الإمام علي عليه السلام من الأساليب البلاغية في علمي البيان والمعاني، والبديع، كل ذلك يفعله بمقدرة فائقة تكشف عن غزارة علمه وتبحره في اللغة وعلومها المختلفة.
وأورد في شرحه كثيراً من آيات كتاب الله العزيز والأحاديث النبوية التي تعضد استدلالاً ما، وحكى كثيراً من المواعظ والأمثال والحكم والأبيات الشعرية، وساق في طوايا شرحه عدداً جماً من الروايات في السيرة والتأريخ والأحداث والوقائع ومسائل كلامية وفلسفية، وهو بذلك يحتج ويستدل أو ينقد ويقيم أو يوافق أو يناقض أو يناقش ويحاور إلى جانب ذلك كله يهتم بكشف معاني كلام أمير المؤمنين وإيضاح مقاصدها ومراميها، وتبيين أسرارها وحقائقها.