(أما والله إن كنت لفي ساقتها): الضمير في ساقتها للصفاة والقناة، والساقة: مؤخر الجيش، وإن هاهنا هي المخففة من الشديدة، واللام جيء بها للفرق بينها وبين النافية، واسمها محذوف وتقديره: إني لفي ساقتها.
(حتى تولت بحذافيرها): أراد حتى استقر الإسلام وتأيد الدين ورسخت أصوله، والحذافير: أطراف الشيء وأعاليه، والمراد بأسرها.
(ما عجزت): العجز: نقيض القدرة.
(ولا جبنت): ذللت عن ملاقاة الأعداء ومنازلة الشجعان من أهل الشرك وعبدة الأوثان.
(وإن مسيري هذا): أراد أن مغاري هذا وحربي لأهل الشام.
(لمثلها): الضمير للساقة التي تقدم ذكرها، وأراد أن قتال هؤلاء معي كقتالي لأولئك مع رسول الله.
سؤال؛ كيف قال: إن قتال هؤلاء معي مثل قتال من كان في زمن الرسول، والمعلوم أن هؤلاء من أهل القبلة، وأقصى ما في ذلك أنهم فسَّاق تأويل فكيف قال: إن قتالهم مثل أولئك؟
وجوابه؛ أنه لما أراد المماثلة في كونه حقاً مقطوعاً بقتالهم وواجب عليه، لا في كونهم كفاراً، فالمعلوم من حاله أنه ما عاملهم معاملة الكفار في السبي وسائر الأحكام الكفرية، وإنما عاملهم معاملة البغاة.
(فلأنقبن الباطل): نقب الشيء إذا خرقه.
(حتى يخرج الحق من جنبه): وهذا منه تمثيل؛ لأن يكون [الحق] مغطى عليه فلا يخرج إلا بالنقب والخرق، والجنب هو الجانب للشيء.
(ما لي ولقريش)!: تعجبٌ منه [من] اعتراضهم له، وتألبهم عليه في نصرة الباطل وإشادته.
(والله لقد قتلتهم كافرين): عابدين للأصنام والأوثان، منكرين للنبوة، وأراد ما كان في أيام الرسول عليه السلام من معارضة قريش له.
(ولأقاتلنَّهم مفتونين): يعني وأنا الآن أقاتلهم على بغيهم وفسقهم، وافتتانهم بالتأويل الذي لا ينفعهم عن حربي وقتالي.
(وإني لصاحبهم): الذي يعرفونه من قبل.
(بالأمس): أيام قتالي مع الرسول للكفار منهم.
(كما أنا اليوم صاحبهم ): كما أنا اليوم أقاتلهم فأقتل الناكثين والمارقين والقاسطين كما قتلت الكافرين.
(34) ومن خطبة له عليه السلام في الاستنفار إلى أهل الشام للجهاد
(أفٍّ لكم): أراد أتضجر من أفعالكم، وأتسخر من شيمتكم، وأستقذر صنيعكم في ترك الجهاد وإهماله، وهو منون دلالة على تنكيره، وفيه لغات ست، حكاها الأخفش: ثلاث مع الحركة، وثلاث مع التنوين .
(لقد سئمت عتابكم): العتاب هو: الاسم من المعاتبة، وهي مصدر عاتبته معاتبة.
قال الخليل بن أحمد : العتاب: مخاطبة الإدلال وذكر الموجدة، وأنشد:
أُعَاتِبُ ذَا الْمَوَدَّةِ مِن صَديْقِ
إذا ذهب العتابُ فليس وِدٌّ ... إذا ما رَابَنِي منه اجتنابُ
ويبقى الوِدُّ ما بَقِيَ العتابُ
ويقال: أصلح بينهم العتاب، والسآمة هي: الملالة، من سئم الشيء إذا ملّه، ومراده لقد كررت العتاب عليكم حتى مللته لكثرته.
(أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً): أراد ترضون بعيشة منقطعة عوضاً عن ثواب دائم في الآخرة.
(وبالذل): بترككم الجهاد وإعراضكم عنه.
(من العز): بجهاد عدوكم.
(خلفاً): يخلفه ويقوم مقامه.
(إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم): إذا ناديتكم وحببتكم إلى قتال هؤلاء البغاة أعدائي وأعدائكم في الدين.
(دارت أعينكم): فشلاً وجزعاً وتحيراً.
(كأنكم من الموت في غمرة): الغمرة هي: شدة الموت وكربه، مثّل حالهم عند الدعاء إلى الجهاد بمنزلة من يغشاه الموت وتغمره شدائده، فلا يكون من جهته إلا دوران العين في وجهك، ولا ينطق بحلوة ولا مرة.
(ومن الذهول في سكرة): ذهل عن الشيء إذاغفل عنه فلم يذكره؛ بمنزلة السكران الذي غلبه السكر وغطى على قلبه.
(يُرتج عليكم حواري): ارتج عليه الكلام إذا ختم على فِيْهِ فلا ينطق، مبنياً لما لم يسم فاعله، وباب مرتج إذا كان مغلقاً، والحوار والمحاورة هي: المجاوبة.
(فتعمهون): العمه: التحير والتردد، يقال: عمه الرجل يعمه فهو عامه أي متحير، ومراده أخاطبكم فتستغلق عليكم مجاوبتي تحيراَ وذهاباً في التردد كل مذهب.
(وكأن قلوبكم مألوسة): الألس: ذهاب العقل واختلاطه، والمألوس: المجنون.
(فأنتم لا تعقلون): ما يراد منكم، مثَّل حالهم في قلة تمييزهم وتحيرهم في مسالكهم بمنزلة من اختلط في عقله فلا عهد له بالتمييز.
(ما أنتم لي بثقة): فأتكل عليكم في جميع أموري بالنصح والمودة.
(سجيس الليالي): أبد الدهر وعمره.
(ما أنتم بركن): ركن الشيء: جانبه الأقوى.
(يمال به): يعتضد به ويستند إليه، وفلان يأوي إلى ركن شديد أي عز ومنعة، وأراد أنكم لستم أهلاً لمن يعتز بكم ويلوذ إلى جانبكم.
(ولا زوافر عِزّ): زفرالبحر [يزفر] إذا اشتد موجه وعلا، والزافرة هي: النار، والزافرة هي: عشيرة الرجل.
(يفتقر إليكم): يحتاج إليكم عند النوائب، وتكونون ملجأ عند وقوعها.
(ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها؛ فكلما جمعت من جانب انتشرت من جانب ): ما مثلكم فيما أدعوكم إليه من أمرالجهاد ومنابذة من خالف الحق في تفرقكم عمَّا أقول، وتشتت آرائكم فيما أريد، إلا كإبل تجتمع مرة وتفترق أخرى، تجتمعون عند سماع كلامي، ثم تتفرقون بعد ذلك عن مخالفة وتخاذل.
(بئس لعمر الله): بئس كلمة ذم، ولعمرالله قسم، وقد قررنا تفسيره من قبل.
(سعر[نار] الحرب أنتم): سعرالنار: لهبها وهيجانها، وسعر الحرب: شدته وحميه، وهو مأخوذ من استعار النار وهو تلهبها: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ }[القمر:47] والسعير هو: اسم من أسماء جهنم، ومراده أنكم بئس قوماً يستنصربهم في الحرب، ويستعان بهم عند شدتها والتهابها.
(تُكَادُوْن): يمكر بكم، وتخدعون في الحرب.
(ولا تكيدون): ولا تفعلون كما يفعل بكم عجزاً منكم ونزولاً في هممكم ، ويحتمل أن يكون مراده تحاربون ولا يكون منكم حرب لغيركم، والمكيدة هي: الحرب. وفي الحديث: ((خرج رسول الله فلم يلق كيداً )) أي لم يصادف حرباً.
(وتنتقص أطرافكم): أراد بنقص الأطراف إما أخذ بعض البلدان، وإما قتل بعضهم، وفي قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا }[الرعد:41] إما بموت العلماء، وإما بخراب أطرافها.
(فلا تمتعضون): بالعين المهملة والضاد بنقطة من أعلاها ، والمعض: الغضب، يقال: معضت من الأمر أمعض معضاً إذا غضبت منه، فأما المغص بالصاد المهملة والغين بنقطة من أعلاها فهو تقطيع في المعاء وهو محتمل ها هنا أيضاً، وسماعنا في الكتاب هو الأول.
(لا يُنَامُ عنكم): أراد [أن] أعدائكم قد أبطأهم السهر في إرصاد الحرب وطلب المكائد لكم.
(وأنتم في غفلة ساهون): غافلون عن مكايدة الحرب ومراصدها.
(غُلب والله المتخاذلون!): لأن مع التخاذل ذهاب الاجتماع والألفة وحصول الفشل، وهذه الأمور كلها مظنة الغلب، ولهذا قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[الأنفال:46].
(وايم الله؛): هي كلمة تستعمل في القسم، وفيها لغات كثيرة ، وهي مرفوعة على الابتداء، وخبرها محذوف تقديره: ايم الله قسمي.
(إني لأظن بكم): ليغلب على ظني، وتصدق فيه فراستي لما أرى من تخاذلكم.
(أن لو خمش الوغى ): الوغى: الحرب، وقوله: خمش بالخاء بنقطة من أعلاها، وشين بثلاث من أعلاها أي توقدت الحرب وتلهبت، من قولهم: أخمشت القدر إذا اتسعت وقودها، فأما حمس بالحاء المهملة وبسين بثلاث من أسفلها، فهو: عبارة عن الشدة في الأمر، لكن الأول هو الأولى، وهو من سماعنا في الكتاب، وأن ها هنا هي المخففة من الشديدة، وهي سادة مسد مفعولي ظننت، ولا بد من اللام في خبرها جواب للو، لكن لفظه قد قامت مقامها في جوابها، وحالها ها هنا مثلها في قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ }[الجن:16].
(قد انفرجتم عن ابن أبي طالب): فرجت الأمر أفرجه فرجاً إذا كشفته، وانفرج إذا انكشف، والفرج بالتحريك هو: الاسم، والمصدر منه فرْجاً بسكون عينه.
(انفراج الرأس): انفراجاً يشبه انفراج الرأس، وأراد انفصالاً لا اتصال بعده أصلاً، إما بانفراج الرأس عن قبل المرأة فإنه لايرجع إلى مكانه أبداً عند الولادة، وإما انفراج الرأس عن العنق بالقطع فإنه لايرجع أيضاً؛ فكله محتمل كما ترى، وأراد أنهم عند افتراقهم عنه لايرجعون إليه كما يفعل الأبطال عند اللقاء.
(والله إن امرأ يمكِّن عدوه من نفسه): بالسكون عنه، والتغافل عن مكافأته.
(يعرق لحمه ): يأخذ اللحم الذي فوقه.
(ويهشم عظمه): يكسره، من قولهم: هشم العظم إذا كسره.
(ويفري جلده): يقدُّه.
(لعظيم عجزه): لقد بلغ في العجز وخساسة النفس وركة الطبيعة مبلغاً لا حد له ولا نهاية وراءه.
(ضعيف ما تضمنت عليه جوانح صدره): من الغيرة على ما فعل به والأنفة، وكل ذلك تأباه الطباع الشريفة، وتكرهه النفوس الأبية، وكل ما ذكره مبالغة في سقوط همة من هذه حاله وسخف طبعه.
(وأنت فكن ذاك): الضمير بقوله: أنت خطاب لبعض من يخاطبه من أصحابه، والإشارة بقوله: ذاك إلى من تقدم ذكره، وهو الموصوف بالعجز، وتمكين نفسه من عدوه.
(إن شئت): المشيئة هي: الإرادة، وأراد إذا شئت أن تكون مثل من وصفت حاله [في] العجز والتمكين فكن، فعاره عليك ونقصه على نفسك.
(فأما أنا فوالله): فهمتي أعلا وأشرف، وتأبى طباعي وتكره خلائقي أن أكون كذلك.
(دون أن أعطي ذلك): دون نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية، والمعنى أنه يحول بين إعطائي لذلك، يريد التواضع للعدو والتصاغر ليقضي فيَّ أغراضه وينفذ فيَّ أحكامه.
(ضربٌ): نكَّره لما فيه من المبالغة، كأنه قال: ضرب وأي ضرب.
(بالمَشْرَفيَّة): وهي السيوف، قال أبو عبيدة:
نسبت إلى مشارف وهي قرى تدنو من الريف للعرب .
(تطير): أي تذهب.
(منه): من أجله وبسببه.
(فراش الهام): عظام رقاق تلي قحف الرأس.
(وتطيح): أي تسقط.
(منه السواعد والأقدام): لشدته وعظم وقعه، فهذا هو الذي تدعو إليه نفسي وتقضي به عزيمتي.
(ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء): من الأقضية والمقادير في الخلق من العز والذل والنصر والخذلان وغير ذلك مما يريد.
(أيها الناس، إن لي عليكم حقاً): لكوني إماماً لكم وخليفة عليكم.
(ولكم عليَّ حق): لكونكم رعية لي، ((وكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته )) .
(فأما حقكم عليّ): وإنما قدم ما لهم على حقه لما في ذلك من الاهتمام بأحوالهم، والمواظبة على ما يكون متعلقاً بهم.
(فالنصيحة لكم): [في] الأمور الدينية والدنيوية فإن رأس الدين هو النصيحة، كما قال صلى الله عليه وآله: ((ألا إن الدين النصيحة )) قالها ثلاثاً.
(وتوفير فيئكم عليكم): الفيء: ما يغنم، ومراده أقسِّمه عليكم من غير خيانة مني فيه، ولا نقص لأحد منكم من نصيبه.
(وتعليمكم كيلا تجهلوا): معالم الإسلام والدين كلها كيلا تجهلوا شيئاً منها.
(وتأديبكم): بتعريف الآداب الحسنة.
(كيما تعملوا ): بها فهذا ما يتوجه من حقكم عليَّ.
(وأما حقي عليكم): ما أوجب الله عليكم، وفرضه من أمري.
(فالبيعة ): فبأن أكون منكم على ثقة فيما أورد وأصدر من أعباء الإمامة وإيالة السياسة.
(والنصيحة في المشهد والمغيب): عند حضوري وغيبتي لا يفترق الحال في ذلك، كما قال عليه السلام حين ذكر ((أن الدين النصيحة)) ثلاثاً، فقالوا: لمن؟ فقال: ((لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين )).
(والإجابة حين أدعوكم): للجهاد وقتال من ينبغي قتاله من مخالفي الحق.
(والطاعة حين آمركم): بشيء من الأوامر الدينية المصلحة لكم في دينكم ودنياكم.
(35) ومن خطبة له عليه السلام بعد التحكيم
اعلم أن ما كان من أمر التحكيم، وما جرى فيه من الفتنة، فأمير المؤمنين معذور فيه لأمرين:
أما أولاً: فلأنه لم يصدر عن رأيه ولا كان منه رضى به بل قد نهى عنه، كما سيأتي في [بعض] كلامه.
وأما ثانياً: فلأنه لو قدَّرنا أمره به فإنما أمر لما فيه من المصلحة من الاحتكام لأمر الله وأمر كتابه، وحصول الخديعة من بعد لا يمنع من حسن أمره به، والسبب في ذلك هو أنه لما استحر القتل في أيام صفين من أصحاب معاوية، وكان النصر لأمير المؤمنين وأصحابه، وهموا باستئصال شأفتهم وقطع الدابر فيهم؛ أعملوا الحيلة مكراً وخديعة في رفع المصاحف والتحكيم، فكان من أمرالحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص ما كان من المكر [والخديعة] والخيانة والخلع لأمير المؤمنين، وتقرير أمر معاوية، فقالت الخوارج: أبعد أن قتلنا معك بشراً كثيراً، وقتل منَّا معك بشر كثير [حكمت] في دين الله، فهل كنت شاكاً في أمرك،؟ قال: (لا)، قالوا: فهلا قاتلت علىالحق، ولم تحكم، قد أخطأت وكفرت فتب إلى الله تعالى؛ فقال لهم:
(أبعد إيماني بالله، وجهادي مع رسوله، أشهد على نفسي بالكفر قد ضللت إذاً، وما أنا من المهتدين)، ثم اختلف في التحكيم، فقالت الخوارج: كان كفراً، وقيل: كان خطأً، ولكن أمير المؤمنين أكره عليه، وقيل: كان صواباً لاختلاف أصحاب أمير المؤمنين فيه، والحق ما قلناه أولاً من أنه كان كارهاً له في أول الأمر ناهياً عنه، ثم لو أمربه فإنما أمر به لما فيه من ظن المصلحة الدينية والانقياد لأمر الله وأمر كتابه ، فلما انقضى أمر التحكيم على ما اشتمل من المكر والخديعة، قال عليه السلام بعد ذلك
(الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب): أعظم الأمور وأشدها.
(الفادح): فدحه [الأمر] إذا بهظه وأثقله، لا تنقل الهمزة فيقال: أفدحه.
(والحدث الجليل): الحدث: الأمر الحادث، الجليل: العظيم حاله، يشير بذلك إلى ما كان من عواقب أمر التحكيم من الخطوب العظيمة والأحداث الجليلة.
(وأشهد أن لا إله إلا الله، ليس معه إله غيره): {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }[المؤمنون:91].
وقوله: ليس معه إله غيره بعد قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) استحضاراً للجملة الأولى وتأكيداً لها، ونظيره قوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }[البقرة:33]، فإنها استحضار لما تقدمها من قوله تعالى:{إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[البقرة:30] وهذا من أسرار علوم البيان، ورموزه الدقيقة.
(وأن محمداً عبده ورسوله): شهادتان أثقل ما وزن، وأفضل ما خزن.
(أما بعد، فإن معصية الناصح): مخالفة الباذل للنصيحة لله تعالى وللرعية.
(الشفيق): المحب، من الشفقة، وهي: المحبة.
(العالم): بما يكون صلاحاً لهم في الدين والدنيا.
(المجرب): للأمور، المحنك بالتجارب.
(تورث الحسرة): الحسرة: أشد التلهف.
(وتعقب الندامة): ويكون عقباها لما فيها من المخالفة له الندم على ما فات من موافقة رأيه.
(وقد كنت أمر تكم في هذه الحكومة): التي كانت سبباً للخدع والمكر.
(أمري): الأمر الذي أرجو أن يكون صلاحاً [لكم] في دينكم.
(ونحلت لكم): أعطيتكم من النحلة وهي: العطية، يقال: نحلته ونحلت له يتعدى ولا يتعدى.
(مخزون رأيي): رأياً كنت خزنته لكم وحررته من أجلكم.