(30) ومن كلام له عليه السلام في قتل عثمان
(لو أمرت [به] لكنت قاتلاً): أراد لو صدر من جهتي أمر بقتله لكنت مشاركاً لمن قتله في حكم القتل، وهو الإثم؛ لأن الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله.
(أو نهيت [عنه] لكنت ناصراً): أو نهيت بالقتال والمجاهدة لقاتليه لكان في ذلك أبلغ النصرة له، لكني أرمز لكم إلى من نصره وخذله حقيقة، وأكني عنه بقول لطيف.
(غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني): وأراد بهذا أن مروان نصره، وطلحة والزبير خذلاه، فليس لمروان أن يقول: أنا خير من طلحة والزبير، وليس لطلحة والزبير، أن يقولا: مروان خير منا.
سؤال؛ أي غرض لأمير المؤمنين في هذه الكناية؟ ولِمَ لم يصرح بالمقصود، ويقول: طلحة والزبير خير من مروان من غير حاجة إلى هذه الرموز؟
وجوابه؛ أن ذلك محتمل لأمرين:
أما أولاً: فيحتمل أن يشير بذلك إلى ضعف في أمر عثمان لما جرى في خلافته من الأحداث المنكرة بخذلان أهل البصائر له كطلحة والزبير، ونصرة من لا بصيرة له مثل مروان.
وأما ثانياً: فيحتمل أن يكون تعريضاً بمروان لركة حاله، ورفعاً لحال طلحة والزبير لما لهما من السابقة، فكنى بهذه الكناية اللطيفة عما ذكرناه، وهو أبلغ من التصريح.
(وأنا جامع لكم أمره): أختصر لكم حاله وحال من أنكر عليه وأضبطه وأقول لكم فيه:

(استأثر فأساء الأثرة): الأثرة بالتحريك هي: الاسم من الاستئثار وهو الاستبداد، ومراده بذلك الإشارة إلى ما كان منه من إيثارأقاربه من بني معيط بالأعمال على الأقاليم، وإعطائهم الأموال النفيسة التي فيها حقوق غيرهم مع عدم استحقاقهم لها، وكان شديد الحمية عليهم والأنفة لهم.
(وجزعتم فأسأتم الجزع): الجزع: نقيض الصبر، وإساءة الجزع، هي الزيادة على مقدار الاستحقاق في التجاوز إلى القتل، والعقوبة تكون على مقدار الجناية من غير زيادة وتجاوز حد.
(ولله حكم واقع): قول فصل وأمر عدل يوم القيامة.
(في المستأثر والجازع): عثمان وقاتليه، وكلامه عليه السلام ها هنا دال على خطأ قاتليه والإنكار عليهم فيما فعلوه من ذلك.
وحكى قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد ، عنه عليه السلام أنه قال:
(اللَّهُمَّ، العن قتلة عثمان في البروالبحر والسهل والجبل) . وهذا هواللائق بمثله لعلوه في الدين وشهامة نفسه في الورع؛ لأن إراقة دم امرئ مسلم حرام فضلاً عن من له مزية الصحبة وحرمة الإسلام.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ((من أعان على قتل مسلم ولو بنصف كلمة، كان حقاً على الله أن يعذبه)) .
وفي حديث آخر: ((لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )) .

(31) ومن كلام له عليه السلام قاله لابن عباس لما أنفذه إل‍ى الزبير ليستفيئه إل‍ى طاعته قبل حرب الجمل
(لا تلقينَّ طلحة): لاتراوده بكلام، ولا تفاتحه في مخاطبته .
(فإنك إن تلقه): تخاطبه وتشافهه.
(تجده كالثور عاقصاً قرنه): العقص هو: اللي، ومنه قولهم: تيس أعقص، إذا التوى قرناه على أذنيه من خلفه، وعقص الشعر: ضفره، وجعله معقوصاً في قفاه.
وفي الحديث: ((نهى رسول الله صلى الله عليه عن عقص الشعر في الصلاة )).
(يركب الصعب ويقول: هو الذلول): يأتى الأمور الصعبة على حد إتيانه للأمور السهلة، وجعل ما ذكره مثالاً بحاله في لجاجه وتكبره وشكاسة طبعه وشرس خليقته.
(ولكن الق الزبير): فاتحه في الكلام وعاتبه.
(فإنه ألين عريكة): يقال: فلان لين العريكة، إذا كان سلساً منقاداً والعريكة هي: الطبيعة.
(فقل له:): أبلغه عني رسالة.
(يقول لك ابن خالك:): لأن الزبير أمه صفية بنت عبد المطلب عمة أمير المؤمنين.
سؤال؛ لِمَ قال ها هنا: يقول لك ابن خالك، ولم يقل: [يقول ]لك أمير المؤمنين فيخاطبه بإمرة المؤمنين، التي هي علامة الإمامة وأمارتها، والشأن في تقريرالإمامة وثبوتها؟
وجوابه؛ هو: أنه وإن كان الأمر كما قلته من إثبات الإمامة، لكن الغرض ها هنا هو تقريبه واستعطاف حاله وفيئه إلى الحق وتعريفه البصيرة، فلهذا كان ذكر الرحم التي بينه وبينه أقرب إلى الإصغاء وأدعى إلى الإقبال والانصراف عمّا هو فيه من البغي والشقاق.
(عرفتني بالحجاز): في المدينة حيث دفعت البيعة، والحال يومئذ حال مسالمة.

(وأنكرتني بالعراق): البصرة وما يليها وهو عراق العرب، وخوارزم ونواحيه وهو عراق العجم، وإنما قال بالعراق يذكره مكان البغي ومواضع المشاقة، لأنها كانت هناك.
(فما عدا مّمَا بدا!): أي ما أبعدك من قولهم: بعاداً عن كذا إذا بعد عنه، أو ما جاوزك من عدا يعدو إذا جاوز مما ظهر منه من أمر البيعة، وما الأولى استفهامية، والثانية موصولة، ومن لابتداء الغاية، وهذه الكلمة لم تسمع من أحد قبل أمير المؤمنين، فهو أبو عذرتها وابن نجدتها، وقد جرت مجرى الأمثال، ولقد بلغت هذه الكلمة في العتاب وحسن الاستعطاف وقطع المعذرة له مبلغاً لا أمد له ولا غاية وراءه.

(32) ومن خطبة له عليه السلام
(أيها الناس، إنا أصبحنا في دهر عنود): أي مائل عن الحق، من قولهم: عَند عن الطريق، إذا مال عنها، والمراد بذلك أهله، وإنما أضافه إليه لأن خلائق الناس وطبائعهم تابعة لأزمانهم التي هم فيها.
(وزمن شديد): لما فيه من مكابدة الشدائد، ومعاناة الفتن.
(يعدُّ فيه المحسن مسيئاً): المسيء كما يكون مسيئاً بفعل الإساءة فقد يكون مسيئاً بترك الإحسان، ومراده هاهنا هو أن يكون المحسن بمنزلة من ترك الإحسان لما يظهر من كفران نعمته.
(ويزداد الظالم فيه عتواً): تمادياً فيما هو فيه من الظلم لعدم من ينكره عليه، يقال: عتا يعتو عتواً وعتياً.
قال محمد بن السري : مصدر عتا يكون بالواو، فنقول فيه: عتواً، وأما عتياً جمع عاتي فقياسه الياء؛ لأن الجمع أثقل من المفرد فلهذا قلبوه إذا كان جمعاً، قال الله تعالى: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًاً }[الفرقان:21].
(لا ننتفع بما علمنا): أي لا نعمل بما علمنا، وذلك هو النفع.
(ولا نسأل عمّا جهلنا): بل نعمل بالجهل ولا نبالي.
(ولا نتخوف قارعة): ولا نتوقى حصول قارعة ولا نحذرها.
(حتى تحل بنا): تكون واقعة بنا، ولا ينفع الحذر بعد ذلك؛ لأن الحذر من الشيء بعد وقوعه وحصوله لا فائدة فيه ولا جدوى له، وعنى بما ذكره أهل زمانه.
(فالناس): بالإضافة إلى إقبالهم إلى الدنيا، وإعراضهم عن الآخرة.
(على أربعة أصناف: فمنهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه): أي لا يمنعه خوف الله وتقواه، وإنما منعه ذل نفسه وحقارتها وهونها.
(وكلالة حده): أي لا شوكة له لقلة الأتباع والعشيرة.
(ونضيض وفره): مال نضيض إذا كان قليلاً، وهو بالنون والضاد المعجمة، والوفر: المال؛ لأنه يفر ويجتمع.

(ومنهم المصلت لسيفه): صلت سيفه إذا جرده عن غمده.
(والمعلن بشره): علن الشيء علانية إذا ظهر، وأراد المظهربشره.
(والمجلب بخيله ورَجْله): والمجلب هو: الجالب، والخيل هم: الخيالة، والرجل هم: الرجالة.
(قد أشرط نفسه): أشرط نفسه بكذا إذا علمها بعلامة، ومنه أشراط الساعة أي علاماتها، وأصله الشرط، وهو: العلامة للشيء.
(وأوبق دينه): أي أهلكه، والإيباق: الإهلاك.
(بحطام ): أشرط نفسه وأوبقها من أجل حطام، وهو عرض الدنيا.
(ينتهزه): أي يستعجله ويغتنمه، ومنه الحديث: ((من فتح الله له باب خير فلينتهزه ؛ فإنه لا يدري متى يغلق عنه)).
(أو مِقْنِب يقوده): المقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل.
(أو منبر يقرعه ): من قولهم: قرعته بالعصا؛ لأن العادة ممن يعلو المنبر أن يتوكأ على سيف أو قوس يقرعه بها، ومن هذه حاله فهو خاسر الصفقة.
(ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً): اللام هذه في لبئس هي المحققة للجملة بعدها، والمعنى ولبئس التجارة أن تكون الدنيا مع انقطاعها وحقارة عيشها ثمناً لأنفس الأشياء عندك وهي نفسك.
(وممَّا لك عند الله عوضاً!): وأن ترى الدنيا عوضاً عمَّا أعد الله لك من الثواب الجزيل.
(ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة): فتظهر من نفسك النسك وتستعمل أنواع الزهاده توصلاً إلى زينة الدنيا وحطامها.
(ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا): وليس كدحه في طلب الدنيا من أجل صلة الأرحام واصطناع المعروف، وإنما يريد بذلك الفخر والرياء وطلب المحمدة من اللئام، فصار جامعاً بين محذورين: طلب الدنيا بعمل الآخرة فيصير مرائياً، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا فيصير مخادعاً لنفسه.

(قد طامن [من] شخصه): أي سكَّن نفسه عمل الأبرار وأهل الصلاح.
(وقارب من خطوه): عمل أهل السكينة والوقار.
(وشمَّر من ثوبه): تقشفاً وزهادة.
(وزخرف من نفسه): زين قوله بالوعظ والمواظبة علىالذكر.
(للأمانة): من أجل أن يؤتمن على الأمانات فيخون فيها.
(واتخذ ستر الله): جعل ما كان من إسلامه وزهده الساترين لما في ضميره .
(ذريعة): وسيلة يتوصل [بها] .
(إلى المعصية): كا لخيانة في الودائع والشهادة الكاذبة.
اللَّهُمَّ، إنَّا نعوذ بك من الاغترار بسترك، والإقدام على معصيتك لمكان حلمك.
(ومنهم من أقعده عن طلب الملك): الأمر والنهي والحل والعقد والتسلط على رقاب الناس وغير ذلك لايمنعه إلا.
(ضئولة نفسه): حقارتها وصغرها، من قولهم: ضأل جسمه إذا ضعف.
(وانقطاع سببه): من الأموال والتكثر بالعشائر وأنواع القوة.
(فقصر به الحال): الحال يذكر ويؤنث، وأراد قصره التقدير والقضاء وما سبق في علم الله له.
(على حاله): التي هو عليها من غير زيادة ولا نقصان فلما عجز عن ذلك أظهر حالة أخرى.
(فتحلى): أي اتصف، من قولهم: حليت الرجل إذا وصفته.
(باسم القناعة): أي صار متصفاً بها، وإنما قال باسمها تنبيهاً على أنه ليس له من القناعة إلا الاسم والعبارة دون الحقيقة والمعنى، والقناعة: هي الرضى بالدون من الأشياء.
(وتزيَّن): تفعل من الزينة.
(بلباس أهل الزهادة): ليقال: هو منهم ومندرج في غمارهم.
(وليس من ذلك): الإشارة إلى ما تقدم ذكره من الزهد والقناعة.
(في مراح ولا مغدى): المراح والمغدى كما يحتمل أن يكونا مصدرين، كما يقال : ليس من الأمر في ورد ولا صدر، فهما أيضاً يحتملان الموضع، والغرض من ذلك هو أنه لا نصيب له في شيء من ذلك.

(وبقي رجال): غير من تقدم ذكره.
(غض أبصارهم): خفضها، من قولهم: غض طرفه إذا خفضه.
(ذكر المرجع): ما يتذكرونه من الرجوع إلى الله، وكان قياس المرجع الفتح، ولكنه خرج عن قياس بابه كا لمصير.
(وأراق دموعهم): صبها من أرقت الماء إذا صببته.
(خوف المحشر): الورود إلى الله تعالى والوقوف بين يديه.
(فهم بين شريد): مطرود.
(ناد): الناد هو: النافر.
(وخائف): مشفق.
(مقموع): ذليل.
(وساكت): صامت.
(مكعوم): مشدود على فِيْه عن أن ينطق.
(وداع): إلى الله متضرع إليه.
(مخلص): لا يرجو غيره، ولا يخاف سواه.
(وثكلان): فاقد لولده، من الثكل وهو: فقد الولد.
(موجع): لما أصابه من ألم الثكل.
(قد أخملتهم): أسقطت ذكرهم، ومنه فلان خامل الذكر إذا كان ساقطاً.
(التّقيّة): وهي التقوى وخوف الله تعالى في كل الأحوال.
(وشملهم ): عمهم.
(الذلة): الهوان لأنفسهم.
(فهم في بحر أجاج): الأجاج هو: المالح الزعاق، الذي لا يستطاع شربه، وأراد أنهم في أمر هائل وخطب عظيم، كمن يكون في البحر المالح لا يستطيع أن يشرب منه فهو في قلق وإشفاق.
(أفواههم): من شدة الخوف والقلق.
(ضامرة ): جافَّة، لأن الإنسان إذا اشتدَّ خوفه وإشفاقه، جفَّت الرطوبة من فِيْهِ وتقلصت عنه.
(وقلوبهم): من ذكر الجنة والنار.
(قرحة): مجروحة، والقرح: هو الجرح.
(قد وعظوا): كررت على آذانهم الموعظة فوقعت في قلوبهم.
(حتى ملَّوا): من ذكرها في قلوبهم، وجعلها نصب أعينهم.
(وقهروا): فما لأحد منهم أمر ولا سطوة في شيء.
(حتى ذلوا): اعتراهم الذل وسلط عليهم.
(وقتلوا): على إقامة حدود الله، وإعزاز كلمته وإظهار دينه.
(حتى قلَّوا): فلا يوجد منهم إلا النادر القليل.

(فلتكن الدنيا أصغر في أعينكم): أذل وأحقر وأهون في مرائي بصائركم:
(من حثالة القرظ ): الحثالة من كل شيء هو: أردؤه وأهونه، والقرظ: شجر يدبغ به، وحثالته: ما بقي منه بعد الدبغ به.
(وقراضة الجلم): وهو ما ينحت عند القطع بالجلم وله شفرتان.
(واتعظوا بمن كان قبلكم): انظروا في أحوالهم وسيرهم، فالسعيد من وعظ بغيره.
(قبل أن يتعظ بكم من بعدكم): أراد قبل أن تموتوا فتصيروا موعظة لمن يأتي خلفكم.
(وارفضوها): اتركوها من قولهم: رفضه إذا تركه.
(ذميمة): مذمومة لنفادها، وانقطاع لذتها، وكثرة ما يكون من تبعتها .
(فقد رفضت): تركت.
(من كان أشغف منكم بها): ناس بلغ حبها شغاف قلوبهم، والشغاف: حجاب القلب.
وهذه الخطبة لم تترك لزاهد علة إلا شفتها، ولا حاجة لعابد إلا كفتها، وقد نسبها من لا علم له بالبلاغة، ولا عهد له بأساليب الفصاحة إلى معاوية، ولقد نقصَّها فيما قال وظلمها، وأزال عنها برهانها وعَلَمَها، وهيهات ثم هيهات! أين الإبريز عن الأرزيز! وشتان ما بين الدر المنضد والخشب المعقد! وقد دل على ذلك أستاذ البلاغة وسفيرها وحاكمها وأميرها عمرو بن بحر الجاحظ ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب (البيان)، وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم قال:
إنها بكلام أمير المؤمنين أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وتقسيمهم إلى ما هم عليه أحق وأليق، ثم أقول: ليت شعري متى وجدنا معاوية يرد هذه الموارد الصافية، ويقرع القلوب بهذه المواعظ الشافية، وأين عهدناه يحث على وظائف العبادة، ويحض على مسالك الزهادة.

(33) ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بـ (ذي قار) وهو يخصف نعله، فقال لي:
(ما قيمة هذه النعل)، فقلت: لا قيمة لها.
فقال عليه السلام: (والله لهي أحب إلي من إمرتكم هذه ، إلا أن أقيم حقاً، أو أدفع باطلاً).
ثم خرج عليه السلام فخطب الناس، فقال:
(إن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وآله): اصطفاه واختاره.
(وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدعي نبوة): أراد ذكر عظم موقع النعمة على الخلق ببعثة الرسول، حيث كانوا قبل مبعثه في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، لا كتاب بين أظهرهم يرشدهم إلى الخير، ولا رسول فيهم يدعوهم إلى الدين.
(فساق الناس): أراد أنه كان لهم بمنزلة السائق من ورائهم.
(حتى بوّأهم محلتهم): مكنهم في أماكنهم، وأنزلهم منازلهم، والمِحلة بالكسر في فائها: موضع الحلول، كما أن المنزلة موضع النزول.
(وبلّغهم منجاتهم): أوصلهم، من قولهم: أبلغته مأمنه أي أوصلته، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ }[التوبة:6] والمنجاة : مصدر من نجا ينجو منجاة كالمسعاة والمرضاة.
(فاستقامت قناتهم): بحميد سعيه، واستعاره من استقامة الرمح، وهو أن لا يكون فيه اعوجاج.
(واطمأنت صَفَاتُهم): أي استقرت ورسخت، والصفاة: صخرة ملساء واستعاره منها، [وفي المثل: فلان لا تبدى صفاته إذا كان بخيلاً، وإنما استعاره منها] لما فيها من الرسوخ والاستقرار في مقرِّها.

28 / 194
ع
En
A+
A-