(وعقول ربات الحجال): أي النساء؛ لأن عقولهنَّ ضعيفة جداً، ولهذا يقال: قلَّ ما أرادت امرأة أن تحتج لنفسها إلا كانت حجتها عليها، والحِجال: جمع حَجلة بفتح الحاء بيت يجعل للعروس من النساء، يزين بالثياب، وإشارته إلى ضعف الأحلام والعقول في وصفهم .
(قاتلكم الله!): تعجب من حالهم في كل ما ساقه من أمرهم واستظراف من سوء صنيعهم معه.
(لقد ملأتم قلبي قيحاً): لقد جرحتم صدري بشقاقكم وامتلأ قيحاً، والقيح: عبارة عما يخرج من الجرح عند فساده.
(وشحنتم صدري غيظاً): ملأتموه من الغيظ، وانتصاب الغيظ على التمييز بعد المفعول، كقوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا }[القمر:12].
(وجرعتموني): أسقيتموني.
(نُغَبَ التهمام أنفاساً): النُغبة بضم الفاء وغين معجمة هي: الجرعة، وقد يفتح أيضاً، وجمعها نُغَب، والتهمام مصدر همَّ يهمُّ تهماماً كقولهم: ذكر يذكر تذكاراً، وأنفاساً جمع نفس، وانتصابه على الحال من نُغَب أي متتابعات.
(لوددت): تمنيت، وهذه اللام لتوكيد الجملة وتحقيقها، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا }[الحديد:26]، وقولهم: ولنعم حشو الدرع أنت.
(أني لم أركم): بعيني.
(ولم أعرفكم): بقلبي، عرفتكم.
(معرفة والله): حقيقتها وشأنها وفائدتها أنها.
(جرَّت ندماً): إليَّ منكم، وكان منقطعاً قبل معرفتي لكم.
(وأعقبت سدماً): السدم: الحزن والهم، ومراده أنه كان عاقبة أمري بعد معرفتكم هو الندم والحزن.
(وأفسدتم عليَّ رأيي): وغيرتم ما رأيته صواباً ونتجته فكرتي من المصلحة في أمرالجهاد وإقامة عمود الدين.
(بالعصيان): فيما أمرت.
(والخذلان): بالتقاعد عن نصرتي إذا دعوت.

(حتى قالت قريش:): حتى كان عاقبة الأمر في ذلك أن تحدث أهل الرأي والتجربة من قريش، وأهل الحنكة في الحروب على جهة الانتقاص بحالي.
(إن ابن أبي طالب رجل شجاع): جريء عند المنازلة للأقران، ومبارزة الشجعان.
(ولكن لا علم له بالحرب): بمكائدها وأخذ الفرص فيها، وإحكام أمرها بالرأي الصائب، وربما قيل: الحرب خدعة .
وقال آخر:
الرأيُ قَبْلَ شجاعةِ الشجعان ... هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني
فقد أحرز الشجاعة، ولكنه لا يحسن تدبيرها بزعمهم.
(لله أبوهم!): تعجبٌ مما قالوه من ذلك، وإنكار لما زعموه، مثل قولهم: لله دره.
(وهل أحد منهم): من قريش الذين زعموا أني لا أحسن تدبيرها.
(أشد لها مراساً): المراس والممارسة واحد، وهي: المعالجة والاختبار بحالها مرة بعد مرة.
(وأقدم فيها مقاماً مني): وأسبق فيها قدماً من أحد غيري.
(لقد نهضت فيها): قمت بأعبائها، من قولهم: نهض بالأمر إذا كفي فيه.
(وما بلغت العشرين): من عمري وهو سن البلوغ، وما زلت أمارسها وأعالجها من ذلك اليوم إلى الآن.
(وها أنا الآن قد ذرفت على الستين): ذرف أي زاد، ومن هذه حاله في معالجة الحروب وممارستها من زمن البلوغ إلى وقت الهرم والشيخوخة، كيف يقال: بأنه غير ممارس، فما قلتموه في ذلك غير صحيح.
(ولكن لا رأي لمن لا يطاع): ولكن السبب في ذلك هو أني أشرت فلم يقبل رأيي وخالفوه، فكان سبباً في تغيير الأمر واختلاله، لا ما زعمتموه من عدم ممارستي للحرب، وهذ الكلمة جارية مجرى المثل، ولم يسمع من أحد قبله، وهي من بديع الأمثال، وغرائب الحكم، والمعنى أن كل من لا يطاع في رأيه فكأنه في حكم المعدوم .

(28) ومن خطبة له عليه السلام
(أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت): تولت وانقضى آثارها، لأن ما مضى من الدنيا بالإضافة إلى ما بقي كلا شيء، ولهذا قال الرسول عليه السلام: ((بعثت أنا والساعة كهاتي ن )) يعني الوسطى والمسبحة، وأراد بذلك قرب الساعة وانقطاع الدنيا.
(وآذنت بوداع): الأذان: الإعلام، ومنه قوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ }[البقرة:279]، وأذان الصلاة: الإعلام بها، والوداع: الاسم من التوديع بفتح الفاء، وإنما يكون عند الرحيل، والمراد أنها أعلمت بالارتحال.
(وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع): الإشراف والإقبال: عبارة عن الإسراع في الشيء، وقوله: باطلاع هو افتعال، من قولهم: اطلعت علىالشيء والباء فيه للحال أي مطلعة.
(ألا وإن اليوم المضمار): المضمار: عبارة عن الزمان والمكان الذي يضمر فيهما الخيل، واليوم منصوب بكل حال، فإن خرج عن الظرفية كان اسماً، لأن وما بعده الخبر، وإن بقي على الظرفية فما بعدها يكون اسماً لها منصوباً.
(وغداً السباق): أي المسابقة.
(والسَّبقة الجنة): السَبقة بفتح الفاء هي: الاسم من الاستباق، وقد تكون للمرة الواحدة من الفعل، والسُبقة بالضم هي: اسم لما يقع عليه السباق، وهو الخطر بين المتسابقين ، وكلاهما صالح ها هنا.
(والغاية النار): غاية الشيء: آخره ومنقطعه.
سؤال؛ لِمَ خصَّ السبقة بالجنة، وجعل الغاية للنار، وكل واحد منهما موصول إليه؟

وجوابه؛ أن الاستباق إنما يكون في أمر محبوب، وغرض مطلوب فلهذا خصه بالجنة، وجعل الغاية للنار؛ لأن الغاية هي منقطع الشيء، وقد ينتهي إليها من يسره الانتهاء، ومن لايسره الانتهاء، فلهذا خص الغاية بالنار كالمصير والمآل، فلا جرم خالف بين اللفظين لما يرى من اختلاف المعنيين.
(أفلا تائب من خطيئته): أفلا يوجد مقلع من عمل الخطايا.
(قبل منيته): قبل موته، والمنية: الموت، ومراده قبل حضور وقت موته فتنقطع توبته.
(ألا عامل لنفسه): بالاغتنام من الأعمال الصالحة.
(قبل يوم رمسه): قبل أن يكون مقبوراً، والرمس: القبر.
(ألا وإنكم في أيام أمل): وهو ما تستقبلونه فيما يأتي من أعماركم.
(من ورائها أجل): غايتها ومنقطعها آجال مقدرة بعدها يُنْتَهى إليه.
(فمن عمل في أيام أمله ): فمن عمل في هذه الأيام التي هي مضروبة للإمهال.
(قبل حضور أجله): وهو في سعة من عمره قبل حضورالموت، وإنما قال: قبل حضور أجله؛ لأن ما يكون من التوبة في حال الموت فهي غير مقبولة، لمكان الإلجاء بمشاهدة الملائكة وتحقق أحوال الآخرة، ولهذا سوَّى الله بين من يموت كافراً وبين من يتوب هذه التوبة، حيث قال: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ ....}إلىآخرالآية [النساء:18].
(نفعه عمله): لما يلاقي من ثوابه الذي يكون عليه.
(ولم يضره أجله): لكونه جاء وهو علىالأُهبة وأخذ العُدّة.
(ومن قصَّر في أيام أمله): ومن هوَّن في طلب الأعمال الصالحة وفعلها.
(قبل حضور أجله): وهو في سعة من أمره ولم يحضر موته.
(خسر عمله): أي انتقص حيث لم يعمل خيراً لنفسه.
(وضره أجله): لموافاته له وهو على غير أهبة وعدِّة ، ولا ضرر أعظم من ضرر لا يمكن تلافيه.

(ألا فاعملوا في الرغبة): بجد واجتهاد وتأهب واستعداد.
(كما تعملون في الرهبة): لمثل ذلك.
سؤال؛ لِمَ جعل العمل في الرغبة مُشْبِهاً للعمل في الرهبة، وكلاهما في الوقوع على سواء؛ لأن الواحد منَّا كما يعمل الأعمال فراراً من العقوبة فقد يعملها طلباً للمنافع، فما وجه التفرقة بينهما؟
وجوابه؛ هو أن المراد بالرهبة هو القسر والإلجاء، والمراد بالرغبة هو الاختيار والإرادة، فشبه ما يقع بالاختيار والداعية في تنجيز حصوله وتوفيره بما يقع بالقسر والإلجاء في وجوب حصوله؛ لما كان ما يقع بالإلجاء والقسر لا ينفك عن الحصول لامحالة.
(ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها): أراد المبالغة في طلبها، لأن من بالغ في طلب شيء امتنع منه النوم، فلهذا تعجب ممن يطلبها وهو يحدث نفسه بالنوم، وقوله: كالجنة في موضع المفعول لأرى؛ أي لم أر مثل الجنة لما فيها من قرة الأعين.
(ولا كالنار نام هاربها): لأن من يهرب من شيء مبالغاً في الهرب [منه ] فإنه يمتنع نومه ويشذ لما أعدَّ [الله] فيها من أنواع النكال، أعاذنا الله منها برحمته.
(ألا وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل): أراد من لاينفعه الحق لتركه له والإعراض عنه، فإنه لا محالة يضره الباطل بالانقياد له والدخول تحت أمره.
(ومن لم يستقم به الهدى يَجُرُّ الضلال ): يعني أن كل من لم ينفعه الهدى في استقامة حاله وصواب أمره فإن الضلال يجرُّبه أي يعدل به، من قولهم: جار يجور عن كذا إذا عدل عنه ومال ، قال الله تعالى: {وَمِنْهَا جَائِرٌ }[النحل:9] أي عادل مائل.

(ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن): الآمر هو: الله على ألسنة الرسل بالصدور عن الدنيا والإقبال إلى الآخرة، والظعن: السير، يقال: ظعن يظعن ظعْناً [وظعَناً] بتحريك العين وسكونها.
(ودللتم على الزاد): الدال هو الله تعالى، حيث قال: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }[البقرة:197].
(وإن أخوف ما أخاف عليكم: [اتباع] الهوى، وطول الأمل): وهذا كلام أخذه من رسول الله صلى الله عليه وآله [وسلم] فوضعه في أحسن مواضعه، وأوجز فيه غاية الإيجاز، فإنه قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن شر ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فاتباع الهوى يصدف بقلوبكم عن الحق، وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا، وما بعدهما لأحد خير في دنيا ولا آخرة)) فأخذ مقدار حاجته، وأهمل باقيه، وجعله طرازاً لكلامه وعلامة لكماله وتمامه.
(تزودوا في الدنيا من الدنيا): أراد [أن] موضع الزاد ومكانه هو الدنيا، وأخذ الزاد إنما يكون منها بفعل الأعمال الصالحة وادخارها.
(تحرزون به أنفسكم غداً): عن عذاب الله تعالى وأليم عقابه، وكفى بكلامه هذا في قطع علائق الاغترار والقدح لزيادة الاتعاظ والانزجار، وتحذيراً عن الغفلة، وترغيباً في عمل الآخرة.

(29) ومن خطبة له عليه السلام
(أيها الناس، المجتمعة أبدانهم ): لما يظهر في مرأى العين لاجتماعهم على بعض الحوادث إما لهواً وطرباً، وإما فرقاً وحزناً.
(المختلفة أهواؤهم): لكل واحد منهم غرض، لا يجمعهم جامع الدين في نصرته، ولا تتفق خواطرهم وقلوبهم على رفع مناره، وتشييد معالمه.
(كلامكم): قولكم بألسنتكم.
(يوهي الصم الصلاب): الوهي: الضعف، ومراده أنه يضعف الأحجار الصلبة لما تضمنه من الإبراق والإرعاد والوعيد الشديد لمن خالفكم.
(وفعلكم يُطِمعُ فيكم الأعداء): لما فيه من التخاذل وقلة التناصر بحيث لو رآكم الرائي لطمع في أخذكم وتغنمّكم، وعلامة ذلك وأمارته أنكم.
(تقولون في المجالس: كيت وكيت): وهما عبارتان عن الأحاديث المبهمة، ومراده أنكم في المجالس تذكرون أنكم تفعلون الأفاعيل من الجهاد، ومواقعة الأعداء، والقيام بثأر الدين، وتدمير من يريد مخالفته طعناً بالرماح وضرباً بالسيوف، ورشقاً بالنبال، إلى غير ذلك من الكلامات.
(فإذا جاء القتال): حضر وقته، وصدق حصوله.
(قلتم: حِيدي حَياد): حاد عن الشيء إذا مال عنه، والحيد: الميل، وهذه كلمة تقولها العرب عند اشتداد الأمر وعظم حاله، كقولهم للداهية صمي صمام، وفيحي فياح، وهو اسم للغارة .
(ما عَّزت دعوة من دعاكم): عز الرجل إذا صار عزيزاً، وعز إذا عظم، وعز إذا حق واشتد، والمعنى في هذا ما عظم ولا انتصر ولا صار عزيزاً نداؤه إذا ناداكم لنصرته لتخاذلكم وتفرق آرائكم.
(ولا استراح قلب من قاساكم): قاسيت الأمر إذا كابدت شدائده، ومراده أنه لا يطمئن قلب من كايد بكم الشدائد والحروب، وخاض بكم غمرات الموت لقلة ثقته بكم، وإشفاقه منكم، وحذره على نفسه معكم.

(أعاليل بأضاليل): جمع أُعْلُولة وأُضْلُولة كأُضْحُوكة وأُخْبُولة ، واشتقاقهما من التعلل والضلال، وغرضه أنكم تتعللون بمعاذير فاسدة وأقاويل كاذبة لا يصدق قائلها، ولا يعذر صاحبها.
(دفاع ذي الدَّيْن المطول): دفعته عن حقه إذا منعته وفاءه، ومطلت الحديدة إذا طولتها ومددتها، ومطلته دينه إذا مددت وفاءه إلى مدة، والدفاع: جمع دافع كتاجر وتجار، والمعنى أنكم تمنعون وفاء ذي الدين الذي قد مطل به، وطالت مدته على صاحبه، وإنما قال: ذي الدين المطول؛ مبالغة في ركة أحوالهم حيث منعوا وفاء دين قد تقادمت أزمانه، وطال عهده بالقضاء، فكان من حق ما هذا حاله المعاجلة بقضائه.
(لا يمنع الضيم الذليل): الضيم: الظلم، قال الشاعر:
وإنّي على الْمَوْلى وإن قلَّ نفعُهُ ... دفوعٌ إذا ما ضِيْمَ غير صَبُورِ
لأن ذله يمنعه عن الأنفة، واستحضارالشهامة في الانتصار عن الظلم.
(ولا يدرك الحق إلا بالجد): الجد: نقيض الهزل، ومراده أن الحق في الأمور كلها إنما ينال بالاجتهاد وإتعاب الخاطر لا بالتواني وراحة النفس.
(أي دار بعد داركم تمنعون): أراد أي خطة بعد خطتكم تمنعونها عن الظلم، وأن يغار عليها؛ فإذا كنتم لا تمنعونها فأنتم عن غيرها أعجز وأقصر.
(ومع أي إمام بعدي تقاتلون): لعلمي وبصيرتي ومكاني من رسول الله، وانعقاد الإجماع على صحة إمامتي ووجوب متابعتي.
(المغرور والله من غررتموه): المغرور على الحقيقة من كان سِيْقة لكم وتابعاً لأقوالكم.
(ومن فاز بكم): ومن ظفر بكم.

(فقد ظفر بالسهم الأخيب): خاب سعيه إذا لم ينل مقصوده، واستعار ما ذكره في السهام من سهام الميسر وقداحه لأن بعضها له نصيب وبعضها لا نصيب له ، فأراد ها هنا أن من ظفر بكم فقد ظفر بغير شيء وفاز بغير مطلوب .
(ومن رمى بكم فقد رمى بالأفوق الناصل ): الأفوق من السهام: الذي كسر فوقه، وهو ما يلي وتر القوس، والناصل: الذي خرج نصله، وما هذا حاله فلا نفع فيه لرامي بحال، وأراد المبالغة في بطلان النفع بهم فيما يريده منهم.
(أصبحت والله لا أصدق قولكم): لما عاينته من كذبكم ومحالكم.
(ولا أطمع في نصرتكم ): لما أتحققه من تخاذلكم وتقاعدكم عني.
(ولا أُوعدُ العدو بكم): لما يظهرلي من ضعفكم وهوانكم وركة أحوالكم في جميع أموركم.
(ما بالكم): البال: الحال، ومراده ما الذي عرض لأحوالكم حتى كانت على هذه الصفة.
(ما طِبُّكم): الطِبُّ بكسر الفاء: العادة.
قال الكميت:
فما إن طِبَّنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودَوْلَة آخرينا
وهذا مراده ها هنا، أي ما جزاؤكم على هذه العادة التي تعودتموها، ورجل طَبّ بفتح الفاء إذا كان عالماً ماهراً، والحركات الثلاث في علم الطب.
(ما دواؤكم): أي شيء يكون فيه الشفاء لما أصابكم من هذا الداء.
(القوم رجال أمثالكم): أراد أن الإنسان لا يستوحش من شكله ولا يجبن عمن كان مساوياً له ، فما سبب ذلكم ونكوصكم عنهم؟!
(أقولاً بغير علم ): أراد أنكم تقولون قولاً لا تعرفون حقيقته، فأنتم تصرخون باللقاء لعدوكم، ولا تصدقون في هذه المقالة، ولا تعملون بها أصلاً.
(وغفلة من غير ورع): وتتركون قتالهم وتغفلون عنه ذلاً وجبناً لا ورعاً وتعففاً.

(وطمعاً في غير حق): وتطمعون في القعود، وتركنون إلى الدعة وراحة النفوس، وهو خلاف الحق لما فيه من إسقاط أمر الجهاد وتركه.
قوله عليه السلام: (أي دار بعد داركم....) إلى آخرالخطبة، من أنواع البديع يسمى التجاهل، وهو أن يستفهم عن شيء يجهِّله موهماً أنك لا تعرفه، وأنت مطلع على حقيقة الأمر فيه، كقول زهير :
وما أدري وَسَوْفَ إخالُ أدري
أقومٌ آلُ حصنٍ أم نساء
ومنه قول آخر:
أيا ظبيةَ الْوَعْسَاء بين جُلاَجِلِ
وبين النَّقَاء أنت أم أم سالم
[يجهِّل نفسه حيث لم يفرق بين الظبية والوحشة وبين أم سالم]
ومنه قول آخر:
إذا ما تميميٌّ أتاك مفاخراً
[فقل] عرِّ عن ذا كيفَ أكلُكَ للضبِّ
ويسمى الهزل أيضاً وهو كثير.
ويكسب المعنى بلاغة، ويكسوه ديباجة، ولقد أبلغ في الوعظ لو كان ثمَّ أحلام، وأوقع في الزجر لو كان لهم أفهام، وأسمع في النداء ولكن القوم نيام!

27 / 194
ع
En
A+
A-