(اليمين والشمال مضلة، والطريق الوسطى هي الجادة): يريد أن طريق النجاة هي الوسطى، ومن حاد عنها يميناً فهو هالك أوشمالاً فهو هالك أيضاً، وكل واحد منهما أعني اليمين والشمال مضلة، والمضلة بكسرالفاء هي: موضع الضلال، وبفتحها هي: المصدر أي ذات ضلال، والجادة: معظم الطريق، وفي المثل: من سلك الجواد أمن من العثار.
(عليها باقي الكتاب): الضمير للجادة، وهي: عبارة عن الاعتراف بالإلهية والإقرار لله بالوحدانية، والباقي هو: المستمر الثابت، والكتاب يحتمل أن يكون عاماً لجميع ما أنزل الله من السماء فإنها مستمرة ثابتة على التصريح بالتوحيد والإلهية، ويحتمل أن يكون خاصاً للقرآن فإنه مملوء من الأدلة على وجود الصانع وإثبات توحيده.
(وآثار النبوة): الآثار: جمع أثر بالتحريك، وهو: عبارة عما يبقى من رسم الشيء، وسير الرسول: آثاره، وغرضه من ذلك هو أن آثار النبوة حاصلة للجادة ، ويحتمل العموم في النبوة إذ لا نبوة حاصلة لأحد من الأنبياء إلا وهي متضمنة لتوحيد الله وإلهيته، ويحتمل أن تكون خاصة في نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فإنها متضمنة لما ذكرناه.
(ومنها): يعني الجادة.
(منفذ السنة): نفذ أمره إذا كان ماضياً، ونفذ السهم من الرمية، ومراده من ذلك هو: أن مضي السنة واستمرارها على ما ذكرناه من الحكم بالتوحيد والقضاء به.
(وإليها): يعني الجادة.
(المصير): مصدر من صار يصير وهو خارج عن قياس بابه وقياسه المصار ، وهكذا المرجع فإن قياس بابه بالفتح، ولكنهما خرجا عن القياس كما ترى، وهما مستعملان جميعاً في كتاب الله تعالى مع خروجهما عن قياس بابهما.

(مصير العاقبة): والعاقبة من كل شيء: آخره، وفي الحديث: ((أنا العاقب )) أي أنا آخر الأنبياء، وغرضه من ذلك هو أن إليها ترجع عاقبة كل أمر على الحقيقة، فإن كل أحد لا عذر له عن معرفة الله تعالى والعلم بإلهيته وحكمته.
(هلك من ادعى): خلاف ما تقضي به العقول من الاعتراف بوجود الله وإثبات وحدانيته، أو هلك من ادَّعى ما ليس حقاً له ؛ لأن ذلك يكون ظلماً منه بادعائه له.
(وخاب من افترى): خاب الرجل خيبة إذا لم ينل ما طلب، وفي المثل: الهيبة خيبة، وافترى الكذب إذا اختلقه وأوجده، وافترى علىالله كذباً، ومراده من ذلك هو أن من افترى فقد خاب ظنه، ولم ينل ما طلبه في كل شيء.
(من أبدى): بدا الشيء إذا ظهر، وبدأ خلقه أي ابتدأه.
(صفحته للحق): صفحة كل شيء: جانبه.
(هلك عند جهلة الناس ): فسد وبطل، ومراده من هذا هو أن من أبدى جانبه لمدافعة الحق وإنكاره ضل سعيه وبطل أمره.
(كفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدر نفسه ): يريد أن معرفة الإنسان بأحوال نفسه سابقة على معرفته بحال غيرها، فإذا كان لايعرف قدر نفسه من جميع الوجوه فهذا هو نهاية الجهل وقصاراه وغايته، أو يريد أن معرفة الإنسان نفسه هو من جملة العلوم الضرورية بل هو أقواها وأوضحها، فإذا كان لايعرف حال نفسه مع وضوحه وقوته فكيف يرجى فلاحه في غيرها.

(لا يهلك على التقوى سِنْخ أصل): السنخ: أصل الشيء، وسنخ السن: أصله، والتقوى هو مصدر كالاتقاء، ومراده من هذا هو أن من كان ملازماً على تقوى الله تعالى، وخوفه ومراقبته في كل أحواله فإنه لا يضعف أمره، ولا يفسد شيء من أحواله، والغرض بالأصل ها هنا هو الشيء أي لا يهلك على ملازمة التقوى أصل شيء أصلاً، بل يكون مع التقوى إلى نمو وزيادة.
(ولا يظمأ عليه زرع قوم): الضمير في قوله: عليه، للتقوى؛ لأنها بمعنى الاتقاء، وهذا من الاستعارات العجيبة، ومراده أن من كان همه ملازمة التقوى لله تعالى والخوف منه فإن زرعه لا يتغير بالظمأ، وإن أصله لايتطرق إليه الهلاك، وكيف لا والتقوى جوهر نفيس، وقد ورد القرآن بالثناء على أهل التقوى في غير آية:
أما أولاً: فالمصاحبة بالإعانة، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا }[النحل:128].
وأما ثانياً: فتيسير المخرج من كل همِّ، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }[الطلاق:2].
وأما ثالثاً: فتكفير السيئات، كقوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ }[الأنفال:29].
وأما رابعاً: فالتذكر والإبصار، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف:201].
وأما خامساً: فالصدق، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة:119]، وغير ذلك من الخصال الشريفة التي تحصل بملازمة التقوى ودوامها.

(فاستتروا ببيوتكم): الستر: ما يستر به، وأراد اجعلوها غطاء لجميع عوراتكم، أما في الدين فلو ارتكب الإنسان محظوراً في بيته وتستر به ستره الله، كما ورد في الحديث: ((من تضمخ بشيء من هذه القاذورات فليستتر بسترالله تعالى)) .
وأما في الدنيا فلأنه لو كان فقيراً أو عرياناً ففي البيت [ستره] ، ستره عن إظهار هذه الأشياء وانكشافها.
(وأصلحوا ذات بينكم): خصها عليه [السلام] بالإصلاح، كما خصها الله تعالى في قوله: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ }[الأنفال:1]، والمراد حال ذات بينكم، أي الأحوال التي بينكم، حتى تكون أحوال إلفة ومحبة واتفاق على ذلك، ولما كانت تلك الأحوال خافية ملابسة لهم، قيل لها: ذات البين، كما قيل: ذات الصدور، أي بالأحوال التي بالصدور.
(والتوبة من ورائكم): وراء يستعمل بمعنى خلف، ويستعمل بمعنى قدام، [قال الله تعالى] : {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ }[الكهف:79] أي قدامهم، وهو من الأضداد، وكلامه ها هنا محتمل للأمرين جميعاً، فيحتمل أن تكون التوبة قدامهم لتكون خاتمة لأعمالهم وتكملة لها، ويحتمل أن تكون التوبة من خلفهم لتكون حاثَّة لهم على فعلها وعلى التلبس بها.
(ولا يَحْمَدُ حامدٌ إلا ربه): يريد انحصار الحمد في حق الله تعالى فلا يُحْمد سواه؛ لأنه [هو] المبتدئ بالنعم أوائلها وأواخرها وأصولها وفروعها، فكما أنه لا نعمة إلا منه فهكذا لا يحمد أحد إلا هو.
(ولا يلم لائم إلا نفسه): إذ لا يحصل عليه شر إلا من جهة نفسه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }[النساء:79].

وكلامه عليه السلام في هذه الخطبة قد اشتمل على أنواع من الاستطراد، وهو من علم البديع بمكان محوط رفيع، وهو خروج من كلام إلى كلام آخر، لا مناسبة بين الأول والثاني، فبينا هو يتكلم في الجنة والنار إذ خرج إلى وصف الطريق الجادة، وبينا هو يتكلم في الطريق [إذ] خرج إلى وصف التقوى وإصلاح ذات البين، وبينا هو يتكلم في ذلك إذ خرج إلى الحمد لله والملامة للنفس، وهذا من بديع البلاغة وغريبها، وغرضنا من ذلك هو التنبيه على إحاطته بفنون البلاغة.

(17) ومن كلام له عليه السلام في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس أهلاً لذلك
(إن أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان): البغض من جهة الله تعالى إنما يكون حقيقته إنزال المضار بالمبغوض لاغير،كما أن المحبة من جهته إنما هي إرادة إنزال المنافع بالمحبوب، والمحبة له هي إرادة الطاعات لوجهه وإخلاصها له، والبغض له يكون هو ملابسة المعاصي وإتيان المحظورات التي نهى عنها، فإذا قيل: فلان يبغض الله، فالغرض به إتيان معاصيه التي حظرها ونهى عنها.
(رجل وكله الله إلى نفسه): أي أحوجه إليها، وتركه عن الإعانة بالألطاف وسائر الاستصلاحات من جهته، من قولهم: فلان وَكَلة أي يكل أمره على غيره، ومن كانت هذه حاله.
(فهو جائر): بالجيم أي مائل.
(عن قصد السبيل): القصد: العدل، ومعناه عن الطريقة العدلة.
(مشغوف): الشغاف: علاق القلب، يقال: شغفه الحب، أي بلغ شغافه، ومنه قوله تعالى: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا }[يوسف:30] أي دخل حبه تحت شغافها.
(بكلام بدعة): البدعة: ما ابتدع، وهو ما كان مناقضاً للسنة، وهو الضلالة بعينها، فإن جعلنا الكلام مضافاً إلى البدعة فمعناه بكلام صاحب بدعة أي ضلالة، وإن جعلناه منوناً فمعناه بكلام ذي بدعة، أي ذي ضلالة يضل لأجله من سمعه.
(ودعاء ضلالة): أي وهو مشغوف بدعاء ضلالة، إما بأن يكون داعياً إليها وإما أن يكون مدعواً، وإذا كان على الحال التي وصفها.
(فهو فتنة): محنة، وبلوى.
(لمن افتتن به): لمن أراد الزيغ والضلال عن الحق بسببه ومن أجله.
(ضال): من قولهم: ضل عن الطريق إذا مال عنها، ولم يصبها، ومنه قوله تعالى: {وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ }[المائدة:77].

(عن هدي من كان قبله): منحرف عن هدي الأنبياء والأئمة والصالحين من العلماء.
(مضل لمن اقتدى به): من أضلَّه يُضِلُّه إذا أزاله عن الطريق لمن كان متابعاً له.
(في حياته): بقوله وأفعاله التي يشاهدها من كان مقتدياً به.
(وبعد وفاته): بأخباره التي تؤثر عنه، كما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) .
(حمَّال خطايا غيره): بما كان من إضلاله وإغوائه له، كما قال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ }[النحل:25]، ولا يحمل إلا على ذلك ليطابق: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }[الأنعام:164].
(رهن بخطيئته ): أي بما كسبت نفسه من الخطايا، فحاصل كلامه فيما قاله أن من وصف حاله مغرور بكلام البدعة، مشغوف بالدعاء إلى الضلالة، وهذا كثير ما يعرض لأقوام، فإذا وجد واحد منهم كلاماً وحشياً أو تهويلاً في عبارة عول عليه واعتمده واستند إليه، وهذا كم يغتر بما يقرع سمعه من وحشي كلام الفلاسفة وتهويلاتهم كإضافة هذه الآثار إلى الحركات الفلكية بعناية العقول السماوية، وبما يظهر من التفاعل في المواد العنصرية بالوسائط الفلكية، وغير ذلك من التهويلات، ونحو تعبيرهم عن الخالق بالمتحرك وعن الشريعة بالناموس، وعن النبوة بالقوة القدسية، وما شاكله مما ليس وراءه طائل، ولا ثمرة له ولا حاصل، فنعوذ بالله من غلبة الجهل واستحكام الضلالة.
(ورجل قَمَشَ جهلاً): قمش الشيء إذا جمعه من جهات متفرقة.
(مُوضِعٌ): أي مسرع، من قولهم: أوضع الجمل في سيره إذا أسرع فيه.

(في جهّال الأمة): أي أنه أسرع فيهم بالدعاء إلى الضلالة وأنواع كل جهالة، ويحتمل أن يكون موضّع بتشديد الضاد، من قولهم: رجل موضع إذا كان غير كامل الخلق، ومعناه ناقص في خلقه دعاءه في جهال الأمة.
(غارٍ): إما بمعنى غرُّ أي جاهل ليس له خبرة بالأمور ما يأتي منها وما يذر، وإما غار لغيره مدلس عليه.
(في أغباش الفتنة): الأغباش: جمع غبش، وهو ما يكون من الظلام آخر الليل، ومراده أنه غر وغار لغيره، ومع ذلك فإنه حاصل في ظلام الفتنة ودجائها.
(عَمٍ): من قولهم: رجل عم إذا كان غير مبصر، والمراد ها هنا إما عمى القلب فلا بصيرة له، وإما عمى العين فلا يبصر بعينه ما هو المعول عليه في الأمور كلها.
(بما في عَقْدِ الهدنة): الهدنة: الاسم من المهادنة، وهي السكون والدعة، ومنه قولهم: هدنة على دجن أي سكون على غل، والمهادنة: المصالحة، ومراده من ذلك هو أن مَنْ هذه حاله فإنه في غطاء عما يوجب الهدنة والمصالحة، وعما يوجب خلافها.
(قد سماه أشباه الناس).: لقبه من لا يشابه الناس إلا في الشبح والصورة الإنسانية، فأما المعاني المحمودة والصفات العالية فلا حظ لهم فيها.
(عالماً): سموه عالماً بزعمهم وجهلاً منهم.
(وليس به): أي ليس بالعالم؛ لأن مَن كانت هذه حاله فليس معدوداً من العلماء ولا محسوباً منهم.
(بكَّر): كل من بادر إلى تحصيل الشيء بسرعة وعجلة، يقال له: بكر، وأبكر، واستبكر.
(فاستكثر): فطلب التكثير.
(من جمع ما لو قلَّ منه خير مما كثر): وهذا صحيح؛ لأن كل ما جمعه فهو جهالات وضلالات، والزيادة من الجهل زيادة من العمى، فلهذا كان نقصانه خيراً من الزيادة فيه.

(حتى إذا ارتوى من آجن): حتى ها هنا حرف ابتداء، مثلها في قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ }[المؤمنون:64]، والإرتواء هو: الشرب الكامل، والآجن هو: المتغير الريح والطعم من الأمواه، واستعاره ها هنا للإكثار من الجهل.
(وأكثر من غير طائلٍ): ازداد من شيء ليس فيه فائدة، ولا له ثمرة، يقال : هذا أمر لا طائل فيه، إذا لم يكن فيه غنى ولا فائدة تعود على صاحبه، ولا يستعمل إلا في النفي كما قاله عليه السلام ها هنا.
(جلس): تمكن في مجلسه.
(بين الناس): والناس من ورائه، ومن خلفه وأمامه محدقون به، يطلبون مثل ما يطلب من العلماء.
(قاضياً): يقضي الخصومات والمسائل المعظلة بزعمه.
(ضامناً): متكفلاً.
(لتخليص): لإبانة الغامض من غيره وإزالة المشتبه.
(ما التبس على غيره): على من هو أوثق منه بحثاً، وأصلب ديانة، وأشد ممارسة للعلوم، وهذا منه تهكم واستهجان لمن وصفنا حاله.
(فإن نزلت به): حدثت وحصلت، من قولهم: نزلت به المنية، ونزلت به الحادثة، وقوله: به أي لاصقته وخالطت قلبه.
(إحدى المبهمات): واحدة من المسائل التي لا يعرف لها باب، أخذاً من قولهم: باب مبهم، إذا كان مغلقاً.
وفي نسخة أخرى: (المهمات) أي الشدائد، من قولهم: أمر مهم إذا كان شديداً صعباً.
(هيَّأ لها): أعد وأصلح من أجلها ومن سببها.
(حشواً من رأيه ): والحشو: أضعف الشيء، استعارة له من ضعاف الماشية، فإنها تسمى حشواً لضعفها، استمده من رأيه، وعول عليه، وصار إماماً له.
(رثَّاً): والرثُّ هو: الشيء البالي، والرثة: ما يسقط من متاع البيت من الأخلاق ، استقواه زعماً منه أنه على بصيرة.

(ثم قطع به): فعل الأكياس والأفاضل من أهل البصائر من العلماء.
(فهو من لَبْسِ الشبهات): من ها هنا لابتداء الغاية، والمعنى فهو من اختلاط الأشياء المشتبهة، وارتباكها عليه.
(في مثل نسج العنكبوت): في ضعف أمره، وهو أن رأيه وحكمه مشبه نسج هذه الناسجة، فإنه لا ضعف مثل ضعفه، فإنه ينقطع بتحريك الهواء فضلاً عما وراء ذلك من الأمورالشديدة، فجعل ما ينسجه مثالاً في الضعف لما يحصل من فكرة هذا الجاهل، فمن هذه صفته في عدم البصيرة.
(لا يدري أصاب أم أخطأ): لأن التمييز بين الخطأ والصواب إنما يكون لمن يعرف الصواب فيأتيه، ويعرف الخطأ فيجتنبه، فأما من لا يميز بينهما فهذا الذي وصفنا حاله، فإنه لا يمكنه معرفة واحد منهما بحال، فهو في لبس من أمره.
(إن أصاب): إن قدر الإصابة فيما هو فيه .
(خاف أن يكون قد أخطأ): فهو على إشفاق من أن يكون مخطئاً.
(وإن أخطأ): قدرالخطأ فيما فعل.
(رجا أن يكون قد أصاب): جوز أن تكون الإصابة حاصلة في فعله.
سؤال؛ لِمَ جعل متعلق الخوف الخطأ، وجعل متعلق الرجاء هو الإصابة، وهو في كل واحد منهما على غير قطع ويقين؟
وجوابه؛ هو أن الخوف إنما يكون في الأمور المكروهة، والخطأ من جملتها، والرجاء إنما يكون في الأمور المحبوبة، والصواب من جملتها، ولهذا يقال: أخاف الأسد، وأرجو الفرج، ولا ينعكس الأمر لما قررناه.
(جاهل): قد صارمن جملة الجهّال.
(خبّاط جهالات): قد تميز منهم بأن زاد عليهم حتى خبط في كل وادٍ من أودية الجهالة .
(عاش): العاشي هو: الذي لا يبصر في الليل لضعف في بصره، واستعاره ها هنا لمن يقدم على الأشياء بغير بصيرة.

22 / 194
ع
En
A+
A-