صلى الله عليه وآله وسلم، (وكفاه شرفاً) أن الله باهى به ملائكته، (وكفاه شرفاً) أنه نودي من السماء: ((لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي))، (وكفاه شرفاً) أنه قسيم النار والجنة، (وكفاه شرفاً) أنه أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (وكفاه شرفاً) أن من آذاه فقد آذى رسول الله، (وكفاه شرفاً) أن النظر إلى وجهه عبادة، (وكفاه شرفاً) أنه لا يُبْغِضُهُ إلا منافق وأنه لا يحبُّه إلا مؤمن، (وكفاه شرفاً) أن فيه مثلاً من عيسى بن مريم عليه السلام، (وكفاه شرفاً) أنه ولي كل مؤمن ومؤمنة، (وكفاه شرفاً) أنه سيد العرب، (وكفاه شرفاً) أنه سيد المسلمين، (وكفاه شرفاً) أنه يحشر راكباً، (وكفاه شرفاً) أنه يسقي من حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين ويذود المنافقين، (وكفاه شرفاً) أنه لا يجوز أحد الصراط إلا بجواز منه، (وكفاه شرفاً) أنه يكسى حلة خضراء من حلل الجنة، (وكفاه شرفاً) أنه ينادي مناد من تحت العرش: نعم الأخ أخوك عليٌّ، (وكفاه شرفاً) أنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصره ومع ابنته سيدة نساء العالمين، (وكفاه شرفاً) أنه حامل لواء الحمد آدم وَمَنْ ولده يمشون في ظله، (وكفاه شرفاً) أنه يقول أهل المحشر حين يرونه: ما هذا إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، فينادي منادٍ: ليس هذا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولكنه علي بن أبي طالب أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (وكفاه شرفاً) أنه مكتوب اسمه مع اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، محمد رسول الله أيدته بعلي، (وكفاه شرفاً) أنه يقبض روحه كما يقبض روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (وكفاه شرفاً) أنها تشتاق الجنة إليه كما في حديث أنس:
((تشتاق الجنة إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان))، (وكفاه شرفاً) أنه باب مدينة علمه صلى الله عليه وآله وسلم، (وكفاه شرفاً) أنها سُدَّت الأبواب إلا بابه، (وكفاه شرفاً) أنه لم يرمد بعد الدعوة النبوية، ولا أصابه حرٌّ ولا برد، (وكفاه شرفاً) أنه أول من يقرع باب الجنة، (وكفاه شرفاً) أن قصره في الجنة بين قصري خليل الرحمن وسيد ولد آدم عليه السلام، (وكفاه شرفاً) نزول آية الولاية فيه، (وكفاه شرفاً) أن الله سماه مؤمناً في عشر آيات، (وكفاه شرفاً) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتجاه، (وكفاه شرفاً) أكله من الطائر مع رسول الله، (وكفاه شرفاً) بيعة الرضوان، (وكفاه شرفاً) أنه رأس أهل بدر، (وكفاه شرفاً) أنه وصي رسول الله، (وكفاه شرفاً) أنه وزيره، (وكفاه شرفاً) أنه أعلم أمته، (وكفاه شرفاً) أنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تنزيله، (وكفاه شرفاً) أنه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، (وكفاه شرفاً) أنه حامل لوائه صلى الله عليه وآله وسلم في كل معركة، (وكفاه شرفاً) أنه الذي غسَّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتولى دفنه، (وكفاه شرفاً) ما أعطاه الله تعالى من الزهادة والعبادة والبسالة، (وكفاه شرفاً) ما فاز به من الشهادة والزلفى.
هذي المفاخر لا قعبان من لبن
شيبا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا
(وكفاه شرفاً) شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يحب الله ورسوله، (وكفاه شرفاً) شهادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كرّار غير فرّار، (وكفاه شرفاً) تهدده صلى الله عليه وآله وسلم لقريش بأنه يبعثه عليهم، (وكفاه شرفاً) شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بأن الله امتحن قلبه للتقوى، وكفاه شرفاً أنه من أهل الكساء، (وكفاه شرفاً) أن الله سماه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (وكفاه شرفاً) أنه ثان لرسوله في كتابة اسمه في ساق العرش، (وكفاه شرفاً) أنه ثانٍ لرسول الله في سؤاله من الله كلما سأله لنفسه، واستعاذته له من كل ما استعاذ منه لنفسه، كما أخرجه الإمام المحاملي، عن عبيد الله بن الحارث، قال: قلت لعلي بن أبي طالب: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله؟ قال: نعم، بينا أنا نائم عنده وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته، قال: ((يا علي، ما سألت الله عزَّ وجلّ شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا استعذت بالله من شيء إلا استعذت لك مثله))، (وكفاه شرفاً) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدخله في ثوبه يوم توفي واحتضنه إلى أن قُبِضَ، (وكفاه شرفاً) أنه أعلم الناس بالسنة، (وكفاه شرفاً) أنه أكثر الأمة علماً وأعظمهم حلماً، (وكفاه شرفاً) أن الصحابة أحالت السؤالات -لما سئلوا- عليه، (وكفاه شرفاً) أنه لم يكن في الصحابة من يقول: سلوني قبل فقدي غيره، (وكفاه شرفاً) دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ولاه القضاء بأن يُثبِّتَ الله لسانه ويهدي قلبه، (وكفاه شرفاً) قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه أقضى أمته، (وكفاه شرفاً) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قرر قضاؤه وأعجب به، وقال: ((الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت الحكمة))، (وكفاه شرفاً) أنه من سادات أهل الجنة، كما أخرجه ابن السري عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي)).
(وكفاه شرفاً) لعنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أبغضه، كما أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة، عن أنس بن مالك، قال: صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فذكر قولاً كثيراً، ثم قال: ((أين علي بن أبي طالب؟ فوثب إليه، فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فضمّه إلى صدره وقبّله بين عينيه، وقال بأعلى صوته: ((معاشر المسلمين، هذا أخي وابن عمي، وختني، هذا لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، هذا مفرِّج الكرب عني، هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه، على مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء وأنا منه بريء، فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من علي، وليبلّغ الشاهد الغائب، ثم قال: اجلس يا علي، قد عرف الله لك ذلك)).
(وكفاه شرفاً) اشتياق أهل السماوات والأنبياء في الجنة إلى علي عليه السلام، كما أخرجه الملا في سيرته عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما مررت بسماء إلا وأهلها مشتاقون إلى علي بن أبي طالب، وما في الجنة نبيء إلا وهو مشتاق إلى علي بن أبي طالب))، (وكفاه شرفاً) أن الله تعالى باهى به حملة العرش، كما أخرجه أبو القاسم في فضائل العباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفَّ المهاجرين والأنصار، وقال: ((هبط عليّ جبريل عليه السلام، وقال: إن الله عزَّ وجلّ باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السماوات العلا، وباهى بي وبك يا علي وبك يا عباس حملة العرش))، فهذه والله هي الرتب التي لا يبلغها أحد من العجم ولا العرب.
رتبٌ ترجع الأمانيُّ حسرى
دونها ما وراءهنَّ وراءُ
(وكفاه شرفاً) أنه يخصم الناس بسبع، كما أخرجه أبو نعيم في الحلية، من حديث معاذ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ((تخصم الناس بسبع لا يحاجَّك أحد من قريش: أنت أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية)).
(وكفاه شرفاً) أنه ثاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في انشقاق الأرض عنه، وفي وقوفه عند كفة الميزان، كما أخرجه السيوطي في جامعه، قال شاذان: (ثنا) أبو طالب عبد الله بن محمد بن عبد الله الكاتب بعكبرا، (ثنا) أبو القاسم [عبد الله بن محمد بن غياث الخراساني]، أبو جعفر بن غياث الخراساني، (ثنا) أحمد بن عامر بن سليم الطائي (ثنا) علي بن موسى الرضا "، حدثني أبي موسى، حدثني أبي جعفر، حدثني أبي محمد، حدثني أبي علي، حدثني أبي الحسين، حدثني أبي علي بن أبي طالب"، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي، إني سألت ربي عزَّ وجلّ فيك خمس خصال فأعطاني: أما لأولى: فإني سألت ربي أن تنشق عني الأرض وأنفض التراب عن رأسي وأنت معي فأعطاني، وأما الثانية: فسألته أن يوقفني عند كفة الميزان وأنت معي فأعطاني، وأما الثالثة: فسألته أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر تحته المفلحون والفائزون بالجنة فأعطاني، وأما الرابعة: فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني، وأما الخامسة: فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني، فالحمد لله الذي مَنَّ عليَّ بذلك)).
(وكفاه شرفاً) أنه ثانٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أشرف الذكر وأعلاه وأطيبه، وأدومه وأبقاه، وذلك في صلاته وملائكته والخلائق عليه صلى الله عليه وعلى الآل؛ وأمير المؤمنين عليه السلام رأس الآل، وقد علّمهم صلى الله عليه وآله وسلم كيفية الصلاة، كما أخرج الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيع في كتابه علوم الحديث: عدّهن في يدي أبو بكر بن أبي حازم بن دارم الحافظ بالكوفة، وقال: عدَّهن في يدي علي بن أحمد بن الحسين العجلي، قال: عدَّهن في يدي حرب بن الحسن الطحان، وقال لي: عدَّهن في يدي يحيى بن المساور الحناط، وقال لي: عدَّهن في يدي عمرو بن خالد، وقال: عدَّهن في يدي زيد بن علي بن الحسين، وقال: عدَّهن في يدي أبي علي بن الحسين، وقال: عدَّهن في يدي أبي الحسين بن علي، وقال: عدَّهن في يدي علي بن أبي طالب، وقال: عدَّهن في يدي رسول الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((عدَّهن في يدي جبريل، وقال جبريل: هكذا نزلت بهنّ من عند ربِّ العزة:
اللهم، صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد)).
مع كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
من الخصائص التي تميز بها أمير المؤمنين علي عليه السلام القدرة الفائقة على نظم خطبه ومواعظه وكتبه ورسائله وحكمه بأسلوب بلاغي وإنشائي جذاب وبلفظ فصيح وقوي سريع التأثير في النفوس لا يرقى إليه أحد، فتعلم الناس منه علوم البلاغة، قال ابن أبي الحديد رحمه الله في شرح نهج البلاغة1/24 في تعداده لفضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام، ما لفظه: (وأما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق، ومنه تعلم الناس الخطابة، قال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت.
وقال ابن نباته: حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب.
ولما قال مِحْفن بن أبي مِحفن لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس، قال له: ويحك! كيف يكون أعيا الناس! فوالله ما سنَّ الفصاحة لقريش غيره). انتهى.
وقال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الإمام علي ص143ـ144: (وليس الإمام علي أول من كتب الرسائل وألقى العظات، وأطال الخطب على المنابر في الأمة الإسلامية، ولكنه لا ريب أول من عالج هذه الفنون معالجة أديب، وأول من أضفى عليها صبغة الإنشاء الذي يقتدى به في الأساليب؛ لأن الذين سبقوه كانوا يصوغون كلامهم صياغة مبلِّغين لا صياغة منشئين، ويقصدون إلى أداء ما أرادوه، ولا يقصدون إلى فن الأداء وصناعة التعبير، ولكن الإمام عليًّا تعلم الكتابة صغيراً، ودرس الكلام البليغ من روايات الألسن وتدوين الأوراق، وانتظر بالبلاغة حتى خرجت من طور البداهة الأولى إلى طور التفنن والتجويد، فاستقام له أسلوب مطبوع مصنوع، هو فيما نرى أول أساليب الإنشاء الفني في اللغة العربية، وأول أسلوب ظهرت فيه آثار دراسة القرآن والاستفادة من قدرته وسياقه، وتأتَّى له بسليقته الأدبية أن يأخذ من فحولة البداوة ومن تهذيب الحضارة، ومن أنماط التفكير الجديد الذي أبدعته المعرفة الدينية والثقافة الإسلامية، فديوانه الذي سمي (نهج البلاغة) أحق ديوان بهذه التسمية بين كتب العربية). انتهى.
وهكذا نرى أن الإمام علياً عليه السلام استطاع بأسلوبه ذلك أن يصوغ الكلام صياغة بليغة في مختلف المناحي الدينية والفكرية، وفي شتى الميادين العلمية والعملية، وهو في كل ذلك يحافظ على الجمال في التعبير، وسرعة تغلغله في طوايا النفوس وتأثيره، وشمول مدلوله وتركيبه، وهاك على سبيل المثال قوله: (قيمة كل امرئ ما يحسنه)، فهذه الحكمة الجامعة تلقى من علماء البيان أشد الإعجاب وأصدقه، فها هو الجاحظ المعروف بأدبه وعلمه عند الخاص والعام، ينقل عنه الشهيد مرتضى المطهري في كتابه (في رحاب نهج البلاغة) ص23، ينقل عنه ثناءه على هذه الحكمة في كتابه (البيان والتبيين): (فلو لم نقف من كتابنا هذا إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية، وكأن الله عزَّ وجلّ قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله).
هذا بالإضافة إلى المكانة السامية التي تبوأها الإمام علي عليه السلام في حياة المسلمين وتأريخهم منذ بزوغ فجر الدعوة النبوية، وموقعه من نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإيثاره له وإشادته بمناقبه وفضائله وإظهار خصائصه ومزاياه على جموع الملأ من الناس وفي مختلف المحافل، كل تلك العوامل مجتمعة وغيرها كانت دوافعاً قوية لالتفاف الناس حوله وإقبالهم على استماع كلامه ومواعظه والحرص الشديد على حفظها، ليشكل ذلك لهم منهجاً وسلوكاً يسيرون على ضوئه، ويحتذون على مثاله، فأمير المؤمنين علي عليه السلام مع الحق والحق معه، كما قاله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.