(مع هن وهن ): الهن: جعلوه كناية عن الأشياء القبيحة، ولهذا فإنهم لما استقبحوا التلَفّظ باسم الفرْج جعلوا مكانه الهن.
قال:
أرى ابن نزارٍ قد جفاني وملَّني
على هَنَواتٍ شأنُها مُتَشَاسِعُ
ويقال: كان بينهم هنات أي أشياء قبيحة، ولما أراد حسان مهاجاة قريش أمره الرسول عليه السلام بأن يسأل أبا بكر عن فضائحهم، وقال: ((اسأله، فإنه أعرف بتلك الهنات )) فصبرت على ما أنا فيه من الاستبداد والإيثار عليَّ:
(إلى أن قام ثالث القوم): يعني عثمان، أي واحد من القوم.
(نافجاً بحضنيه ): النافج بالجيم: صاحب الكبر والخيلاء، نفج الرجل إذا تكبر واختال، ومن رواه بالخاء المعجمة فإنما هو تصحيف لا وجه له، والحضن: ما دون الإبط إلى الخاصرة، وانتصابه على الحال من ثالث القوم، أي قام على هذه الحالة.
(بين نثيله ومعتلفه): النثيل: الزبل، والمعتلف: موضع العلف، وفعيل في نثيل بمعنى مفعول، مثل جريح بمعنى مجروح.
سؤال؛ إلى ما يشير بقوله: نافجاً حضنيه ، وقوله: بين نثيله ومعتلفه، فيكاد أن يكون كلاماً أجنبياً غير ملائم؟

وجوابه؛ هو: أنه أشار عليه السلام بقوله: نافجاً حضنيه إلى الكبر والتعاظم، ولهذا كان منه إلى جلة الصحابة وأكابرهم ما كان من ضرب عبد الله بن مسعود، وإحراق سائر المصاحف كلها إلا مصحفه، وأمره بإشخاص ابن مسعود لما طعن فيه وكفَّره، وما كان من ضربه لعمار بن ياسر وكان يكفّره ويطعن عليه، وأخرج أبا ذر إلى الشام إرضاءً لمعاوية، وضربه له، وغير ذلك مما يدل على تكبر وتعاظم على أهل الدين، وأشار عليه السلام بقوله: بين نثيله ومعتلفه إلى ما كان من تساهله في إعطاء أموال الله من ليس أهلاً لها ولا يستاهلها يخضمها ويقضمها من غير استحقاق، حتى روي أنه أعطى أربعة نفر من قريش أربعمائة ألف دينار، كانوا أزواجاً لبناته، إلى غير ذلك مما لو ذكرناه لطال ، فأشار بهذه الإشارة اللطيفة إلى ما ذكرناه.
(وقام معه بنو أبيه): أقاربه من بني مُعَيْط، ولهذا قال له عمر: إذا وليت هذا الأمر فلا تسلط آل معيط على رقاب الناس .
(يخضمون مال الله): الخضم هو: الأكل بجميع الفم.
(خضم الإبل نبتة الربيع): لما فيها من الطيب والرقة، لأن أكلها يعظم فيها، فلهذا شبه حالهم بأكل الإبل لها، ثم أقام على هذه الصفة، ومكث على هذه الحالة.
(إلى أن نكث غزله فقتله ): نكث الغزل إذا نقضه وغزله مرة ثانية.
(وأجهز عليه عمله): أراد أن عمله أسرع إلى قتله، أخذاً من قولهم: أجهز على الجريح إذا أسرع في قتله.
(وكبت به مطيته ): فسقط من ظهرها، فاستعار عليه السلام هذه الأشياء ودل بها على تغير حاله، وتفاقم الأمر عليه من كل جانب، حتى قال عمار بن ياسر: قتلناه كافراً.
وفي بعض النسخ: (كبت به بطنته) والبطنة هي: الإمتلاء، وهو خطأ لا معنى له.

(فما راعني): الروع هو: الفزع، قال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ }[هود:74] أي الفزع، ومعناه فما أفزعني.
(إلا والناس إليَّ كَعُرْف الضبع): إلا والناس يتوجهون إليَّ أرسالاً فريق بعد فريق، وإنما شبههم بعرف الضبع لكثرة شعرها، وترادف بعضه على بعض.
سؤال؛ أين [فاعل ] راعني وما بعده لايصلح أن يكون فاعلاً؟
وجوابه؛ أنه يحتمل أن يكون الفاعل له ما بعد إلا، والتقدير فيه: فما راعني إلا اجتماع الناس إليَّ، وعلى هذا يكون الاستثناء فيه مفرغاً، ويحتمل أن يكون فاعله محذوفاً، أي ما راعني شيء، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً، تقديره لكن الناس إليَّ مجتمعون.
(ينثالون عليَّ): ينصبُّون.
(من كل جانب): من كل جهة لكثرتهم، وتراكم عددهم.
(حتى لقد وطئ الحسنان): من كثرة الناس، وازدحامهم عليه.
(وشق عطافي ): تمزق ردائي لوطئهم له بأخفافهم ينثالون.
(مجتمعين): حال من الواو في ينثالون.
(حولي): من عن يميني، وشمالي، وخلفي، وقدامي محدقين بي.
(كربيضة الغنم): الربيضة: مكان ربوض الغنم، والمعنى أنهم محيطون بي كإحاطة الربيضة بالغنم واجتماعها فيها.
وحكي أن الناس فرحوا ذلك اليوم فرحاً شديداً، وصاروا يتباكون حوله خوفاً أن يعتذرهم عن البيعة، فقال: (أنا أطلع المنبر، فإن قال أحد: لا أرضى لم أدخل)، حتى قال ابن عباس: لقد خشيت أن يقول أحد ممن قتل أباه أو جده: لا أرضى فيتأخر، فلما صعد أمير المؤمنين المنبر خطب الناس، وخيرهم الأمر فيه، فما قال أحد: لا أرضى، إلا دخلوا في بيعته أفواجاً، وقاموا إليه فرادى وأزواجاً ابتهاجاً بما أسعدهم الله بخلافته وأكرمهم بتصرفه ، فرضوا بي، ودخلوا في بيعتي:

(فلما نهضت بالأمر): تحملت أعباء الإمامة، وأثقال الخلافة.
(نكثت طائفة): النكث: نقض العهد يعني طلحة والزبير؛ لأن بيعته قد تقدمت في رقابهما، فعليهما الحجة له في خروجهما من غير بصيرة بعد الدخول.
(ومرقت أخرى): أخذ المروق من قولهم: مرق السهم من الصيد، إذا خرج من الجانب الآخر، يعني بذلك الخوارج، فكان خروجهم من الدين شبيهاً بما قال في المروق.
(وفسق آخرون): أي خرجوا من الدين بعداوته وحربه، يعني بذلك معاوية؛ إعراضاً عن الآخرة والتفاتاً إلى عاجل الدنيا.
(كأنهم لم يسمعوا الله تعالى يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ .........}الآية [القصص:83]): وهؤلاء أرادوا الدنيا والعلو في الأرض والإفساد فيها فلا عاقبة لهم في الآخرة إلا النار لعدم التقوى.
(بلى والله): تكذيباً لهم، ورداً عليهم.
(فقد سمعوها): بآذانهم.
(ووعوها): بقلوبهم.
(ولكن حليت الدنيا في أعينهم): حلاَّها الله تعالى في أعينهم فتنة وامتحاناً وبلية واختباراً كسائر الامتحانات.
(وراقهم زبرجها): وأعجبهم زينتها، والزِبْرِجُ: الزينة، والزِبْرِجُ: الذهب أيضاً.
قال حسان :
ونجا ابنُ خضراء العِجَالِ حويرثٌ
يغلي الدماغ به كغلي الزِّبْرِجِ
سؤال؛ من حق لكن أن تكون واقعة بين كلامين متغايرين، فكيف تقديره وكلامه هذا؟
وجوابه؛ هو: أن التغاير فيها أكثر ما يأتي مقدراً، وتقديره ها هنا والله لقد سمعوها ووعوها، ولكن ما فعلوا ما يقتضيه حكم الوعي والسماع؛ لإكبابهم على الدنيا وزينتها، وإعراضهم عن الآخرة ونعيمها، وفي كلامه هذا دلالة على أن من نكث بيعته ومرق عنه وفسق ما كان إلا طامعاً في عاجل الدنيا وما كان عن بصيرة، ولا ارتياء في فكرة، ولا طلب روية.

(أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة): أما هذه مخففة، وهي للتنبيه، وفلق الحبة: شقها نصفين ، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى }[الأنعام:95].
وبرأ: خلق، ومنه البرية، والنسمة: هي النفس، وخلاف العقلاء في ماهية النفس فيه خبط عظيم، وقد ذكرناه في الكتب العقلية.
(لولا حضور الحاضر): يعني وجود الناصرين، وأراد أن قعوده في أول الأمر ما كان إلا لفقد الأنصار والأعوان، واليوم هم حاضرون فلا عذر لي في التأخر عن نصرة الدين.
(وقيام الحجة بوجود الناصر): وأن حجة الله تعالى قد قامت في إحياء الدين، وإشادة ما اندرس من معالمه وحججه.
(وما أخذ الله على العلماء): عطف على قوله: لولا حضور الحاضر، وما أخذ الله علىالعلماء من الميثاق حيث قال: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ }[آل عمران:187].
(أن لا يقاروا): يصبروا.
(على كظّة ظالم): الكظّة بالكسر: اسم لما يعتري الإنسان من كثرة الأكل، ومن رواه بالفتح فإنما هو المرة الواحدة كالضربة، والكسر فيه أفصح كالبطنة.
(ولا على سغب مظلوم): السغب: الجوع، قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }[البلد:14] أي مجاعة، والمعنى في هذا أي لا يصبروا على إمتلاء الظالم وأكله من الأموال الحرام، وجوع المظلوم بأخذ ماله، وهذا ما يهزُّ الأعطاف ويحرِّكُ الدواعي في حق العلماء وأئمة الدين في الإنكار على الظلمة، بتكدير لذاتهم وتغيير شهواتهم رضآءً لله وتقرباً إليه، كما كان منه عليه السلام في ذلك.
(لألقيت): هذا هو جواب القسم، وما قبله كلام عارض بين القسم وجوابه لفائدة جليلة قد رمزنا إليها.

(حبلها على غاربها): الغارب من الجمل هو: مقدم سنامه، وهو من الفرس المنسج والحارك والكاهل، وهو من الإنسان المنكب.
وقوله: ألقيت حبلها على غاربها، كناية عجيبة عن ترك الأمر وإهماله، ونظيره في الكناية: فلان كثير رماد القدر إذا كان كريماً، وفلان رحب المقلد إذا كان طويلاً، فحقائق هذه الأمور معروفة، ولكنهم وضعوها كناية عما ذكرناه، وقد عدها بعضهم من المجاز كالاستعارة، وهذا فاسد فإنها دالة على معناها الذي وضعت من أجله في الأصل وما هذا حاله، فليس مجازاً أصلاً.
(ولسقيت آخرها بكأس أولها): لفعلت الآن في الترك والإعراض مثل ما كان مني من قبل، ولكن ما وسعني عند الله إلا القيام بأمر الله، وإظهار شعار الدين وحكمه.
(ولألفيتم ): جواب القسم أيضاً، ومعناه لو جدتم.
(دنياكم هذه): عاجلتكم هذه المذمومة.
(عندي): في نفسي وضميري.
(أزهد): أقل وأحقر.
(من عفطة عنز): العفاط للمعزى: اسم لما يخرج من أدبارها، والعفاط في الشاء: اسم لما يخرج من خياشيمها.
وفي بعض النسخ: (عفطة عير): وهو الحمار وهو خطأ، فإن العفاط ليس مفعولاً في حق الحمير.
(فلما انتهى إلى هذا الموضع قام إليه رجل من أهل السواد، فناوله كتاباً فأقبل ينظر فيه، فلما فرغ من قراءته قال له ابن عباس: [يا أمير المؤمنين] ، لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت): اطرد الشيء إذا اتبع بعضه بعضاً، وأفضى فلان سره إذا أظهره. (فقال له عليه السلام: هيهات [يا ابن عباس] ): أي بَعُدَ ما تريد.
وجواب لو في كلام ابن عباس محذوف تقديره: لو اطردت مقالتك لكان حسناً.
(تلك شقشقة): والشقشقة: لحمة كالرئة تخرج من [فم] البعير إذا هاج.
(هدرت): هدر الجمل إذا ردد صوته في حنجرته غيظاً وتضجراً.

(ثم قرّت): سكنت وهمدت.
(قال ابن عباس: فوالله ما أسفت على شيء قط كأسفي على ذلك الكلام ألاَّ يكون أمير المؤمنين بلغ منه حيث أراد).
قال الشريف المؤلف:
فلهذا لقبت هذه الخطبة بالشقشقية لما ذكره عليه السلام، ثم مع اشتمالها على ما فسرناه من المحاسن، فلقد تضمنت من جزل الألفاظ ودقيقها وبلاغة المعاني ورقيقها ما فيه بلال كل غلة، وشفاء كل علة، فإنها دالة على فضل باهر وعلم حاكم قاهر، وقد أوردنا فضائله على جهة التفصيل في كتابنا الملقب ب‍(النهاية ) في علم الدين وغيره من الكتب العقلية، فمن أرادها فليأخذها منه، ولو لم يرد في فضله إلا مارواه أحمد البيهقي مسنداً إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في زهادته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب)) لكان هذا كافياً في فضله على غيره من سائر العالمين لمساواته لهؤلاء الأنبياء في هذه الخصال بخلاف غيره.

(4) ومن خطبة له عليه السلام
(بنا اهتديتم في الظلماء): هذا كلام يخاطب به من خالفه ويشيربه إلى ما منَّ الله به [من] نبوة ابن عمه ونعمة الله برسالته، فلهذا قال: بنا يشير إلى ذلك، يريد أنه هداهم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، وكل ذلك باصطفاء محمد واختياره.
(وتسنمتم العلياء): يعني علوتم على كل مرتبة بما كان من الإسلام والدين .
(وبنا انفجرتم عن السِّرار): انفجر الشيء إذا انفتح ، ومنه انفجارالصبح انفتاحه بالضياء والنور.
وقوله: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا }[القمر:12] أي فتحناها، والسرار هو: الخفاء، ومنه السر لخفائه، وسرار الهلال: يكون في الليلة الآخرة من الشهر، ومراده أن أمرهم كان خافياً مستتراً، حتى جاء الله بالرسول والإسلام.
(وُقِرَ سمع لم يسمع الواعية): الوقر: الصمم، قال الله تعالى: {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ }[فصلت:5] السمع: الذي يدرك الإنسان به الصوت، كا لبصر بالعين، والواعية: الصارخة، وهذا الكلام خارج على جهة الدعاء، والمعنى فيه أصم الله أذن من سمع فضلي بالدلائل الظاهرة، وعلمه بالأخبار المأثورة، من جهة الرسول فكتمه وأنكره.
(كيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة): النبأة: الصوت الخفي، والصيحة هي: الصوت العظيم، ولايدرك الأخفى مع الصوت العظيم، وهذا كلام خارج مخرج التعجب، ولهذا صدّره بكيف، ومراده من ذلك هو أن من لم يكفه في فضلي على غيري ما يعرفه من قرابتي من رسول الله، وما يقرع سمعه من أخباره في فضائلي، وكمال علمي، وبما كان من الرسول [ صلى الله عليه وآله وسلم] في إبانة فضلي في المشاهد المختلفة والمواقف العظيمة فلا يؤثر في حاله شيء آخر غير ذلك.

(ربط جنان لم يفارقه الخفقان): الربط هو: الشد على الشيء، قال الله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ }[الكهف:14]، والجنان هو: القلب، والخفقان: حركة القلب والريح، وهو: اضطرابهما، وهذا الكلام خارج على جهة الدعاء، ومعناه ربط الله كل جنان لا يفارقه الخفقان، وفيه تعريض بأصحابه الذين يخاطبهم في عدم سكوتهم إلى ما يقول، وانشراح صدورهم إلى معرفة حقه، وامتثال أوامره، ولهذا قال لهم عقيب هذا .
(ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر): الغدر هو: ترك الوفاء، ومراده من ذلك ذم أصحابه بأن دوام انتظاره لهم ليس لخير يرجوه منهم أصلاً، وإنما يرتقب الغدر منهم، وترك الوفاء بما يتوجه [من حقه] .
(وأتوسمكم بحلية المغترين): أتفرس في أحوالكم كلها فوجدتكم متحلين بحلية المغترين المخدوعين بالأماني الباطلة والتسويفات الكاذبة.
(سترني): غطاني.
(عنكم جلباب الدين): لباسه، والجلباب هو: الملحفة والرداء، والمعنى في هذا هو أن ديني وخوفي من الله تعالى منعني عن أن أريكم آثار قوتي وسلطاني، أو يكون المعنى منعني تستركم بالدين وإظهاره عن إنزال العقوبة بكم من جهتي.
(وبصرنيكم): عرفني حالكم، وما أنتم عليه من التخاذل، وترك النصرة في.
(صدق النية): صفاء عقيدتي ونور باطني، كما قال عليه السلام: ((اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله )) .
(أقمت لكم): أثبت نفسي، وثبت من أجلكم.
(على سنن الحق): السنن: الطريقة الموصلة إلى الحق.
(في جواد المضلة ): الجواد: جمع جادة، والمضلة بالكسر: موضع الضلال، وغرضه أني ثبت واستقمت على طريقة الحق، حين وقعتم في طريقة الضلال ومسالكها.
(حيث تلتفتون): من كثرة الحيرة يميناً وشمالاً.
(ولا دليل): يدلكم على النجاة.

(وتحتفرون): من حفر الأرض إذا شقها.
(ولا تميهون): تبلغون الماء لضلالكم عن مكانه وموضعه.
(اليوم): أي الزمان الذي أنا موجود فيه.
(أُنْطِقُ لكم العجماء): أظهر لكم الأدلة، وأكشف عنها، التي لم تكن مذكورة قبلي، ولا يكشف عنها أحد مثلي، والعجماء: البهيمة؛ سميت بذلك لأنها لا تتكلم، والحجة: ما لم يتكلم بها أحد ويظهرها فهي عجماء، والأعجمي: الذي لايفصح عن كلامه.
(ذات البيان): صفة للعجماء، يريد أن الحجة بعدما كشفها تصير ذات بيان، لما يظهر فيها من الإفصاح بالعلم بمدلولها.
(عزب رأي امرئ تخلف عني): عزب أي بَعُدَ أمره، وما أدى إليه نظره من لم يوافقني على ما أنا عليه ويبايعني ، وهذا عام أعني إنكاره على من تخلف عنه، سواء كان ذلك عن نكث ومشاقة، كما كان من طلحة والزبير وغيرهما، أو كان عن بصيرة كما كان من عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص؛ لأنه قائم على الحق، وما بعد الحق إلا الضلال.
(ما شككت في الحق مذ رأيته ): يشير أنه عليه السلام كان صافي الذهن، متقد القريحة، منور البصيرة من جهة الله تعالى، فلا يخالجه شك في معرفة الحق وتحققه، ولهذا قال: (علمني رسول الله ألف باب من العلم، فانفتح لي في كل باب ألف باب) .
ومن هذه حاله كيف لايدرك الحق عند رؤيته له.
(لم يوجس موسى خيفة على نفسه): الإيجاس: إضمار الخوف، وأراد أن موسى عليه السلام ما أوجس الخوف وأضمره إشفاقاً على نفسه وإنما أضمره خوفاً على قومه ألا يتبعوه، وهكذا حالي فإني [لم] أضمر الخوف إشفاقاً على نفسي فأنا على بصيرة من أمري، وهداية من ربي، ولكن إشفاقي خوفاً عليكم من الوقوع في الضلال بمخالفتي وعصياني [إنما] .

18 / 194
ع
En
A+
A-