(إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح، ولا علم قائم): الطريق: يذكر ويؤنث، وهو ها هنا عبارة عن الأدلة الواضحة، والعلم هو: المنار في الطريق.
قال جرير :
إذا قطعنَ علماً بدا علمُ
والعلم في الثوب، والعلم هو: الراية؛ لأن المأخوذ على الأنبياء هو المناصحة للأمم كلها، والدعاء به لهم في بذل مايحتاجون له من أمر دينهم، ولا شك أن حاجتهم بعد موت الأنبياء أكثر من حاجتهم مع وجودهم إلى البيان والإيضاح.
(كتاب ربكم): بيان لقوله: ما خلفت الأنبياء، وبدل منه.
(مبيناً): حال من الرسول أي خلف مبيناً له.
(حلاله وحرامه): يعني ما تضمنه من التحليل والتحريم، فالحلال ما أمر به أو ندب إليه ، والحرام ما نهى عنه، أو ورد الوعيد على فعله.
(وفضائله): وهي جمع فضيلة، والفضيلة: إما الأمور التي تضمنها، وكان دالاً عليها من المعاني الدقيقة والأسرار العجيبة، وتضمنه للأخبار الغيبية، وغير ذلك مما هو مرشد إليه من الغرائب والعجائب، التي لا تزال مستنبطة منه غضة طرية على وجه الدهر، وإما أن تكون الفضائل هو أوصافه الممدوح بها، كقوله عليه السلام: ((كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل)) فالفضائل محتملة لما ذكرناه.
(وفرائضه): وهي ما دل على كونه فرضاً لازماً كالصلاة والزكاة وغير ذلك، مما كان فرضه من جهة الكتاب، نحو الفرائض المقدرة في الميراث وغيرها .
(وناسخه ومنسوخه): وهذا نحو آية السيف، فإنها ناسخة لأحكام كثيرة، وهي قوله تعالى: {اقْتُلُوهُمْ} فإنها نسخت قوله تعالى: {مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }[الأنعام:107]، و{حَفِيظٌ} و{مُصَيْطِرٍ} وقوله[تعالى] : {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ }[الشورى:48]، ونحو قوله تعالى في عدة الوفاة ، فإنها ناسخة لقوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ }[البقرة:240].
(ورخصه وعزائمه): الرخصة: ما جاز تركه مع قيام سبب وجوبه، نحو أكل الميتة للمضطر، [فإن سبب التحريم قائم وهو النص، لكنه رخص للمضطر] في أكلها، ونحو رخصة السفر في قصر الصلاة، والإفطار للمسافر وغير ذلك من الرخص الشرعية، فإن الأسباب الموجبة للتحريم والوجوب قائمة، ولكن الله تعالى بسعة رحمته للعباد رخص لهم في ذلك، وأما العزائم فهي: عبارة عن الأمور الواجبة يقال: عزم على هذا الأمر أي قطع على فعله وحتمه، فكل ما كان مقطوعاً بوجوبه علماً أو من جهة الظن فهو عزيمة.
(وخاصه وعامه): العام: ما كان مندرجاً تحته أفراد على جهة الاستغراق، وأكثر عمومات القرآن مخصوصة إلا القليل منها، وهذا كقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[البقرة:29]، وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا }[هود:6].
وأما الخاص فهو: عبارة عن الدليل الذي يخص العموم، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ }[التوبة:6]، فإنها مخصصة بقوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ }[التوبة:5]، لأنه عام فيه لكنه خرج بما ذكرناه.
(وعبره وأمثاله): العبرة هي: الاسم من الاعتبار بكسر الفاء، وبفتحها استكاب الدمع، والعبرة: ما يعتبر به، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى }[النازعات:26]، و{لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }[آل عمران:13]، وجميع ما حكاه الله تعالى من قصص الأولين فهي عبر لمن بعدهم، يعتبرون بها، ويجعلونها نصب أعينهم، والأمثال فهي جمع مثل وهي كثيرة في القرآن، كقوله: {[مَثَلُهُمْ]كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ [نَارًا] }[البقرة:17] و {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ }[الأعراف:176] و {كَمَثَلِ الْحِمَارِ }[الجمعة:5]، وغير ذلك من الأمثال.
(ومرسله ومحدوده): يحتمل أن يكون المراد بالمرسل: ما ليس موقتاً كالحج وغيره من العبادات لا توقَّت بوقت بعينه، وبالمحدود : ما كان موقتاً كالصلاة والصوم وغيرهما؛ لأن الوقت يأتي عليه من جميع أطرافه، ويحتمل أن يكون المراد بالمرسل: ما كان مطلقاً، كقوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ }[النساء:92]، وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ }[النساء:92]، والمحدود: ما كان مقيداً كتقييد الرقبة بالإيمان، والصوم بالتتابع، فهذا كله محتمل في الإرسال والتحديد.
(ومحكمه ومتشابهه): للعلماء في بيان ماهية المحكم والمتشابه أقوال كثيرة، وخبط عظيم، وليس من همنا ذكره، والحق فيه أن المحكم: ما دل على معناه بظاهره، والمتشابه: ما لا يعلم المراد من ظاهره، والسر في مخاطبة الله إيانا بالمتشابه هو أن القرآن لو كان كله محكماً، يفهم المراد من ظاهره، لكان ذلك داعياً إلى إهمال النظر وتعييه مسالكه وتعويلاً على التقليد.
(مفسِّراً): حال من الرسول.
(جمله): أي ما أجمل منه وكان مفتقراً إلى البيان، كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ }[الأنعام:141]، وقوله تعالى: {ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ }[البقرة:228]، وغير ذلك من الأمور المجملة.
(مبيناً): حال ثانية .
(غوامضه): الغامض: الذي لايتضح معناه، ومنه أغمض عينه إذا لم يبصربها، وهذا كثير في كتاب الله تعالى، فإن أسراره لا تحصى، وعجائبه لا يمكن ضبطها، وما زال العلماء وأهل الفطانة من يوم نزوله إلى زماننا هذا مستخرجين لغوامضه، ومستثيرين لدفائنه فما أحصوها ولا حصروها، ولو لم يكن من عجائب إعجازه إلا هذا، لكان كافياً في الإحكام ، وعلى الجملة فإنما هو كتاب إلهي، ومعجز سماوي، ثم إن علومه وأحكامه:
(بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسع على العباد في جهله): يعني أنها منقسمة إلى ما أخذ الله [على] المكلفين إحراز علمه والتحقق له، وهذا نحو العلم بكونه معجزاً ودالاً على صدق من ظهر عليه، وأن جميع ما دل عليه من الأحكام فكلها حق.
فهذا كله يجب إحرازعلمه على كل أحد، وإلى ما لا يتعلق بمصلحة التكليف، فيوسع على الخلق في جهله، وهذا نحو إدراك العلم بفواتح السور، والتحقق لأسرارها، [والمراد بها] ونحو العلم بسير الشمس والقمر وقطعهما للفلك، كما قال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا }[يس:38]، وقوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ }[يس:39]، إلى غير ذلك من النظر في العالم العلوي، فإن هذه الأشياء كلها مما لا يجب علينا علمها، ولا يتوجه فيها تكليف، فلهذا وسع على الخلق في جهلها، كما أشار إليه عليه السلام في كلامه هذا؛ إذ لا مصلحة هناك .
(وَبَيْنَ مُثْبِتٍ فِيْ الْكِتَابِ فَرْضُهُ، مَعْلُوْمٌ فِيْ السُّنَّةِ نَسْخُهُ): وهذه صفة، إشارة إلى جواز نسخ الكتاب بالسنة خلافاً لما قاله الشافعي من منع ذلك، وإلى جواز نسخ السنة بالكتاب خلافاً للشافعي، فإنه منع من ذلك، وهذا فاسد، فإن القرآن والسنة أدلة للشرع كلها، وهي متلقاة من جهة الرسول عليه السلام، فإذا جاز نسخ القرآن بعضه ببعض [والسنة بعضها ببعض] ، جاز ذلك في القرآن والسنة أيضاً من غير فرق، والقرآن قد نسخ ما ثبت بالسنة، فإن استقبال بيت المقدس كان ثابتاً بالسنة ، فنسخ بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }[البقرة:144]، والسنة قد نسخت القرآن، فإن قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ }[النساء:15]، قد نسخ بقوله: ((البكر بالبكر جلد مائة ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة) )) .
(وواجب في السنة أخذه، مرخص في الكتاب[تركه] ): يعني أن وجوبه كان معلوماً بالسنة، لكنه نسخ بالكتاب بأن رخص في تركه، وهذه هي فائدة النسخ ومعناه.
(وبين واجب لوقته، وزائل في مستقبله): إشارة بما ذكره إلى العبادات المؤقتة بأوقاتها، فإن وجوبها مشروط بحضور وقتها، وبعد زوال الوقت يزول الوجوب لا محالة، وهذا كالصلاة والصيام، فإن لهما أوقاتاً محدودة لا يتجاوزها فإن وجدت فيه وإلا زال وجوبها، فإن دل دليل [بعد ذلك] على وجوب القضاء وجب وإلا فلا.
(ومباين بين محارمه): يريد أن ما كان من ذلك محرماً فهو متباين في نفسه، تحريمه.
(من كبير أوعد عليه نيرانه): من ها هنا دالة على التبعيض، أي بعض ذلك من جملة الكبائر الموبقة الكفرية أو الفسقية التي استحق الوعيد على فاعلها بإدخاله النار وخلوده فيها.
(أو صغير أرصد له غفرانه): الإرصاد: الإعداد، وأراد بأرصد أعد، وهيأ لها الغفران، وهذا فيه دلالة على أن الكبيرة لا تكفرها إلا التوبة، وأن الصغيرة يكفرها الثواب، كما قاله المتكلمون، ودال أيضاً على تحقق الوعيد وعلى إيصال العذاب إلى مستحقيه من كافر أو فاسق خلافاً لأهل الإرجاء.
(وبين مقبول في أدناه ، [و] موسع في أقصاه): أراد أن بعض الطاعات أدناه وأحقره مقبول، وهذا نحو الصدقة وقراءة القرآن فإن أدناهما مقبول بكل حال كالتمرة من الصدقة، والحرف الواحد من القرآن، وأعلاه موسع في تركه فإن أقصاه بلا نهاية فلا ينال، فلهذا وسع الله في تركه، وكلمة بين في هذه التقسيمات ظرف مكان، وهو مجاز، وخبر لمبتدأ تقديره: أحكام القرآن وعلومه بين هذه الأقسام، ثم ختمها بإبانة فرض الحج، بقوله:
(فرض عليكم حج بيته): لأنه من فرائض الدين، وأحد شعائر الإسلام.
(الذي جعله قبلة للأنام): إما قبلة يستقبلونه في صلاتهم، كما قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }[البقرة:144]، وإما قبلة يأمونه في إحراز منافعهم، ومثابة يرجعون إليه في قضاء مآربهم.
(يردونه ورود الأنعام): ورد الماء إذا استقاه وأخذه، وإنما قال: ورود الأنعام؛ لأنها أسرع ما يكون سيرها للماء من شدة العطش، كما قال تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ }[الواقعة:55].
(ويألهون إليه ولوه الحمام): الوله: التحيُّر وذهاب العقل، قال الأعشى :
وأقبلت والهاً ثكلى على عجل ... كل دهاها وكل عندها اجتمعا
وفي الحديث: ((لا تُوَّله والدة بولدها ))، وإنما قال: ولوه الحمام؛ لأنها أشد الطيور وَجْداً على أولادها، ومنه ناقة وَلْها، وهي التي يشتد وجدها على ولدها.
(جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته): لما فيه من التواضع بكشف الرأس والكف والتبذل بلبس ما ليس بزينة، وتعفية الشعور، وهجران الطيب وغير ذلك، وكل هذا تواضع لعظمة الله تعالى، وانحطاط لجلاله وتقرباً إليه.
(وإذعانهم لعزته): الإذعان هو: الخضوع والذلة، والغرض أن فعل هذه الأمور كلها من أجل الخضوع والتذلل لعزة الله.
(واختار منهم سمَّاعاً أجابوا إليه دعوته): الضمير في قوله: منهم للأنام، أي اختار من الخلق سمَّاعاً وهم جمع سامع مثل جاهل وجهال، امتثلوا أمره حين أمرهم بالقصد إليه، كما قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }[الحج:29]، وأجابوا دعاءه ونداءه لما دعاهم بقوله: {وَأَذّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً }[الحج:27].
(وصدقوا كلمته): بالتلبية لما ناداهم، وبالانقياد لما أمرهم.
(ووقفوا مواقف أنبيائه): لأن جميع الأنبياء والرسل الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم، وبلغنا عددهم على لسان نبيه قصدوا هذا البيت، وعظموا شعائره.
(وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه): يعني أن طواف المؤمنين بالبيت وإحداقهم حوله تعظيماً له، شبه طواف الملائكة بالعرش تعظيماً له، وناهيك بهذا فضلاً تشبههم بالملائكة.
(يحرزون الأرباح في متجر عبادته): أراد أن من وصف حاله قد أحرز الأرباح، وهي الثوابات العظيمة في مكان العبادة، وهو متجرها الرابح.
(ويتبادرون عند موعد مغفرته): بدر الشيء وابتدره إذا أسرع إليه، وابتدروا بالسلاح أي سارعوا في أخذه، والغرض ها هنا هو المسارعة لمن ذكره موعد الله بالمغفرة، وهو حط الذنوب وتكفيرها عنهم، ثم استأنف وصفه بغير ذلك، بقوله:
(جعله الله للإسلام علماً): العلم: المنار في الطريق، قال:
كأنَّه علمٌ في رأسِهِ نَارُ
فالحج كالعلم في أركان الدين.
(وللعايذين حرماً): إما إنه لايدخل إليه إلا بإحرام لحج أوعمرة، وإما لأنه حرم لايصاد صيده، ولا يعضد شجره، وإما لأنه موضع إحرام المتمتع أو لأهله، فكل ما ذكرناه محتمل فيه، ولهذا خصه بالعايذين إشارة إلى ما ذكرناه.
(فرض حجه): بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }[آل عمران:97].
(وأوجب حقه): بقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }[الحج:29].
(وكتب عليهم وفادته): وفد الرجل يفد إذا جاء رسولاً وفداً ووفوداً، والاسم منه هو الوفادة بكسر الفاء وفتحها، والأكثر كسرها، وقد أوجب الله وروده، بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ }[البقرة:196]، وغير ذلك من الآيات، ثم تلى هذه الآية:
({وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [آل عمران:97]): فحصلت في كلامه واسطة لعقده، وزيادة في رشاقة قدِّه .
(2) ومن خطبة له عليه السلام بعد منصرفه من (صفين)
(أحمده استتماماً لنعمته): مضى تفسير الحمد، واستتماماً منصوب على المفعول له أو حال منه؛ لأن الحمد على النعمة يكون سبباً لتمامها، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }[إبراهيم:7][والزيادة فيها] .
(واستسلاماً لعزته): انقياداً لعظمته.
(واستعصاماً من معصيته): عصمه إذا منعه، ومنه عصام القربة؛ لأنه يمنع الماء من الخروج، وهو الحبل الذي يسد به فوها، وهو مجاز ها هنا؛ لأن الحمد يكون سبباً في الامتناع من المعصية لما فيه من الطاعة لله تعالى، فلهذا كان سبباً ولطفاً في ذلك.
(وأستعينه فاقةً): الفاقة هي: الفقر والحاجة، وأستعينه أطلب إعانته، وقد جاء معدَّى بالباء، كقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }[البقرة:45]، و{اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ }[الأعراف:128]، وبنفسه كقوله ها هنا: وأستعينه، وكلاهما جار فيه، أعني التعدية واللزوم، وأسند فاقتي وحاجتي.
(إلى كفايته): والكفاية مصدر كفاه كفاية، إذا احتمل مؤنته.
(إنه لا يضل): عن طريق الحق ويميل عنها.
(من هداه): بفعل الألطاف الخفية.
(ولا يئل): ولا ينصلح من آل ماله يئله إذا أصلحه، ومن آل إذا نجا أي لا يئل لا يجد ملجأ أصلاً.
(من عاداه): والمعاداة من جهة الله تعالى، إنما هي إرادة إنزال المضار، كما قال تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }[البقرة:98]، أي يريد إنزال المضار بهم والعقوبات، والموالاة لأحبائه هي إرادة إنزال المنافع لهم، كقوله تعالى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا }[الأعراف:155].
(ولا يفتقر): ولا يحتاج.
(من كفاه): من احتمل أمره ومؤونته.
(فإنه): الضمير للحمد.
(أرجح ما وزن): من الأعمال الصالحة في ميزان الخيرات.
(وأفضل ما خزن): خزنت المال إذا جعلته في الخزانة، والمعنى أن أفضل ما خبأه الإنسان ليوم حاجته.
اللَّهُمَّ، اجعلنا من الحامدين في السراء والضراء، والشاكرين على الشدة والرخاء.
(وأشهد أن لا إله إلا الله): شهادة لله بالوحدانية وإقراراً له بالربوبية، كما قال عليه السلام:
((الخطبة بلا شهادة كاليد الجذماء )) .
(شهادة): مصدر مؤكد لقوله: أشهد، كقولك: ضربت ضرباً.
(ممتحناً): امتحنت فلاناً إذا اختبرته ، والاسم منه هو الممتحن، والمصدر هو الامتحان، وممتحناً ها هنا يحتمل أن يكون اسم مفعول، منصوب على أنه صفة لشهادة، أي شهادة امتحن الله:
(إخلاصها): عن كل ما يشوبها من الرياء وغيره، ويحتمل أن يكون اسم فاعل أي [أني] اختبرت إخلاصها من نفسي فوجدته حاصلاً.
(معتقداً): أي رابطاً قلبي، ومنطوياً ضميري على.
(مصاصها): وهو خالصها الذي لا يشوبه شائب، ومعتقداً كما يصح أن يكون اسم فاعل أي أنا معتقد فقد يكون اسم مفعول أيضاً وفاعله، المصاص.
(نتمسك): مسك بالشيء، وأمسك به، واستمسك كلها بمعنى إذا اعتصم به.
(بها): أي بالشهادة.
(أبداً): على الاستمرار لا ينقطع ذلك.
(ما أبقانا): ما ها هنا زمانية مثلها في قولك : انتظرني ما جلس القاضي، أي مدة جلوس القاضي، والمعنى زمان بقائنا وأوقاته.
(وندخرها): دخره يدخره، وادَّخره [يدَّخِره] إذا خبأه وجعله ذخيرة له، وعلى الوجهين جميعاً يحمل قوله: وندَّخرها أي نخبأها .
(لأهاويل): جمع أهوال، وأهوال جمع هول نحو نعم وأنعام وأناعيم، وهو جمع الجمع، وهو يرد كثيراً في أبنية القلة.