(وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم): الرسالة: مايرسل به من كلام وشريعة، والمصدر منه هو: الإرسال، والمعنى وأخذ على تبليغ الرسالة إلى الخلق ما ائتمنهم عليه من أنواع التكاليف وسائر ما تعبدوا به أمانتهم الأمانة والأمن والأمنة مصادر كلها بمعنى واحد، وقد تطلق الأمانة على الشيء المؤتمن عليه.
سؤال؛ ما المراد بالأمانة والميثاق اللذين أخذهما الله تعالى على الأنبياء، كما دل عليهما كلامه ها هنا؟
وجوابه؛ هو أن يبلغوا ما أرسلوا به، ولا يغيروا شيئاً بزيادة ولا نقصان ولا تحريف، والمواثيق ثلاثة:
أولها: ما أخذه الله تعالى على الخلق من الإقرار بربوبيته والاعتراف بوحدانيته، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ [ذُرِّيَّاتَهُمْ] }[الأعراف:172].
وثانيها: ما أخذه الله على الأنبياء في تبليغ ما أرسلوا به، حيث قال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ }[الأحزاب:7].
وثالثها: ما أخذه الله على العلماء من بيان ما علموه، حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ }[آل عمران:187].
(لما بدل أكثر الخلق عهد الله [إليهم] ): يريد اصطفاهم حين بدل أكثر الخلق، خالفوا ما عهد إليهم من هذه المواثيق والعقود.
(فجهلوا حقه): وضيعوا ما يليق بأمره من توحيده والإقرار بمعرفته والقيام بعبادته، والقيام بواجباته، فخالفوا ذلك كله فتركوا التوحيد.

(واتخذوا الأنداد [معه] ): وهي الأصنام والأوثان المعبودة، وكل ما يعبد من دون الله من جماد وحيوان، وعبادة الأصنام قديمة، ولهذا فإنها واقعة في أيام نوح، ولم يبلغ إلينا التأريخ إلا من زمانه.
(واحتالتهم الشياطين عن معرفته): الاحتيال بالحاء المهملة افتعال من قولهم: حال عن العهد، إذا حوَّله وغيَّره، وبالخاء المعجمة افتعال من اختاله إذا غره وخدعه، والمعنى هو أن الشياطين ما زالت في المكر والخديعة بهم حتى غرتهم وحولتهم عن معرفة الله تعالى فأزلتهم عن معرفته إلى جحدانه، وعن شكر نعمته إلى كفرانه.
(واقتطعتهم عن عبادته): يريد أن الشياطين لما أزلُّوهم عن تحقق المعرفة وثبوتها، كأنهم اقتطعوهم عن العبادة التي هي ثمرة المعرفة.
(فبعث فيهم رسله): تقريراً لما ذكرناه وتحذيراً من خلافه.
(وواتر إليهم أنبياءه): يعني تابع بينهم نبياً على إثر نبي، إبلاغاً للحجة وقطعاً للمعذرة، والمواترة لاتكون إلا إذا وقعت هناك فترة، كما فعل في حق الأنبياء، فإن الفترات حاصلة على قدر ما علمه من المصلحة، فكان بين موسى وعيسى، قيل: ألف سنة، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، قيل: ألف سنة ، فأما إذا لم تكن هناك فترة لم تكن مواترة، وإنما هي مداركة وبعثتهم على ما ذكرناه من هذه الفترات.
(ليستأدوهم ميثاق فطرته): ليطلبوا منهم ما ألزمهم من الميثاق الذي واثقهم عليه، وهو ما تقضي [به] الفطرة من الإقرار به، ومعرفته وحمدانيته ، واستحقاقه للعبادة، كما قال تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }[الروم:30] يعني الإقرار بالربوبية، وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات:56].

(ويذكروهم منسيَّ نعمته): ويوقظونهم بالتذكير عن الغفلة التي كانت سبباً في نسيان النعمة، والمنسي مفعول وهو الشيء الذي ينسى.
(ويحتجوا عليهم بالتبليغ): يكون غايتهم في تقرير الحجة على الخلق هو: أنا قد أبلغناكم ما أُرْسِلْنَا به، وهو غاية جهدنا: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ }[الجن:28]، فأما الإلجاء بالقسر فلا وجه له لما فيه من بطلان الغرض المقصود بالتكليف.
(ويثيروا لهم دفائن العقول): أثار الشيء إذا أظهره، والدفين: المدفون وهو: ما يخبأ، ومراده عليه السلام بذلك هو أن الرسل صلوات الله عليهم أظهروا ما كان مخبوءاً من الدلائل العقلية، ونبهوا على الاستدلال بها، وكانت عقول الخلق قاصرة عن استثارة هذه الدفائن، وإظهار الأسرار العجيبة.
(ويروهم آيات المقدرة): ليستدلوا بها على معرفة الصانع وتوحيده، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ }[فصلت:53]، فالذي يكون في الآفاق أمور ثلاثة :
(من سقف مرفوع فوقهم ): وهو السماوات كلها.
(ومهاد تحتهم موضوع): وهي الأرضون السبع.
(ومعايش تحييهم): وهي الثمرات وأنواع الفواكه، وأما التي في أنفسهم فهي ثلاثة أيضاً:
(وآجال تفنيهم): فإنها مع طولها وقصرها موعدها الموت.
(وأوصاب تهرمهم): الأوصاب هي : الأمراض، يقال: وَصِبَ الرجل يَوْصَبُ إذا وجع، والهرم هو: ضعف القوى في جميع الحواس.

(وأحداث تتابع عليهم): من الرخاء والشدة، وأنواع المصائب العارضة، فقد أشار عليه السلام بهذه الأمور الستة إلى ما ذكرالله في قوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ[وَفِي أَنْفُسِهِمْ] }[فصلت:53]، بأحسن لفظ وأوجزه، فإن هذه الأشياء [كلها] دالة على وجود الصانع وباهر قدرته، وكل واحد منها دال على أنه لا بد له من فاعل وموجد ومقدر، لما يرى فيها من الاختلاف والتباين، فالأرض تخالف السماء، والماء يخالف الحجر، فلا بد لها من فاعل يخالف بين حقائقها، ولكونها حاصلة على هذه الكيفيات بعد أن لم تكن، وفي ذلك أبهر القدرة على وجود الصانع الحكيم المدبر العليم، والمقدرة هي: القدرة بفتح العين وضمها وكسرها.
فأما القدرة من القدر، فإنما تكون بفتح العين لاغير، ولهذا قيل: المقدرة بضم العين تذهب بالحفيظة لما كانت من القدرة، وكل هذه الآيات قد نبه عليها الأنبياء أعظم تنبيه، وأظهروها غاية الإظهار، فلأجل هذا.

(لم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل): النبي قد يكون مرسلاً وغير مرسل، والتفرقة بينهما ظاهرة، فإن الرسول من الأنبياء هو من جمع إلى المعجز الشريعة المبعوث بها، والنبي هو: الذي يظهر عليه المعجز من غير شريعة، وإنما أمر بالدعاء إلى شريعة من كان قبله من الأنبياء وتجديدها خلافاً لأبي هاشم وغيره من المعتزلة، حيث أحالوا بعثة النبي من غير شريعة جديدة، ولهذا فإن الرسول عليه السلام سئل عن الأنبياء؟ فقال: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ))، وسئل عن الرسل؟ فقال: ((ثلاثمائة وثلاثة عشر ))، وفي هذا دلالة بيَّنة على التفرقة بين الرسول والنبي، فلهذا قال: من نبي مرسل، إشارة إلى التفرقة التي ذكرناها، ولله درُّ كلام أمير المؤمنين فما أكثر فوائده، وأدق عند التفتيش معانيه.
(أو كتاب منزل): مضمن لما يصلحهم من فروض واجبة، وسنن واضحة، وأعلام بينة، والله تعالى يريد أن يهديكم سنن الذين من قبلكم، ومنزل يروى بالتشديد أي أنه نزَّل شيئاً بعد شيء على حسب المصلحة، كقولك: تجرَّع وتجشَّأ، ويروى بالتخفيف على معنى أنه نزل دفعة واحدة من غير تفريق.
(أو حجة لازمة): والحجة هي أكبر البرهان، وإنما وصفها باللزوم؛ لأنها لتحققها وثبوتها كأنها لاصقة بمن أقيمت عليه.
(أو محجة قائمة): المحجَّة بالفتح: جادة الطريق، وهو جار على قياس بابه في الفتح، وإنما وصف المحجة بالقيام لأنها لكونها دالة على الحق، مرشدة إليه لاتعوج أبداً.
(رسل): أي هم رسل، وإنما نكَّره لما في تنكيره من الفخامة، وعظم الموقع في النفوس، كأنه قال: هم رسل وأي رسل، ونظيره قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ }[البقرة:179].

(لا تقصّر بهم قلة عددهم): أراد [أن] قلة عددهم لا تعجزهم عن إبلاغ ما حملوا من أداء الرسالة، من قولهم: قصَّرتُ عن الشيء إذا عجزت عنه، أو أراد أن قلة عددهم لا تخذلهم عن بلوغ أقصى الغاية في تحمل أعباء النبوة وأثقالها، من قولهم: قصر السهم عن الهدف إذا لم يبلغه، وكلاهما جيد لا غبار عليه.
(ولا كثرة المكذبين لهم): معناه ولايعتريهم ريب، ولا يخالجهم شك في صحة ما جاءوا به، وإن بلغ المكذبون بهم كل غاية في الكثرة.
(من سابق): بيان لقوله: رسل وتقسيم لهم، والسابق هو: المتقدم.
(سُمِّي له من بعده، أو غابرعرَّفه من قبله): يريد عليه السلام أن الأنبياء صلوات الله عليهم هم على قسمين:
إما: متقدم، سمى الله له من يأتي بعده من الأنبياء باسمه ولقبه.
وإما: غابر أي ماضي عرفه الله من قبله من الأنبياء.
سؤال؛ لم قال فيمن سبق: سمي، وفيمن غبر: عرَّف، وهلاَّ سوَّى بينهما في التعريف أو التسمية من غير مخالفة بينهما؟
وجوابه؛ هو أن تعريف الشيء بصفته أكثر وأوضح من تعريفه بلقبه، لما يقع في الاسم من اللبس دون الصفة، فمن سبق من الأنبياء لا يمكن تعريفه من يأتي بعده من الأنبياء إلاباللقب والاسم لاغير؛ لأنهم لم يوجدوا بعد فيعرفهم بصفاتهم، وذكر أحوالهم، وأما من ليس متقدماً من الأنبياء فتعريف الله له حال من قبله من الأنبياء إنما هو بالوصف لكونه أدخل لإمكانه في حقهم، فلهذا قال عليه السلام في الأول: سمي، وفي الثاني: عرف، إشارة إلى هذه الدقيقة.

(على ذلك نسلت القرون): ذلك إشارة إلى ما تقدم من الإرسال للرسل وبعثهم لإصلاح أحوال الخلق وإرشادهم، ونسلت القرون أي: توالدوا وكثروا، وقولهم: نسلت الدابة إذا ولدت بكثرة، وعلى متعلقة بنسلت، والقرون هم: الأمم الماضية جمع قرن.
(ومضت الدهور): تقضَّت، وإنما سمي الدهر دهراً؛ لاجتماعه من قولهم: دهورت الشيء إذا جمعته، فلما كان عبارة عن اجتماع الأيام والسنين سمي دهراً. والدهور جمع دهر، قال:
إن دهراً يلفُّ شملي ب‍جُمْلٍ ... لَزَمَانٌ يهمُّ بالإحسانِ
(وسلفت الآباء، وخَلَفَتِ الأبناء): السلف بتحريك العين هم: آباء الرجل المتقدمون ولايسكَّن، والخلف هم: الأبناء المتأخرون، يقال: هذا خلف صدق من أبيه، وخلف سوء من أبيه، بالتحريك والتسكين فيهما جميعاً.
قال الأخفش: هما سواء منهم من يحرّك فيهما جميعاً، ومنهم من يسكِّن فيهما أيضاً، ومنهم من فرَّق فقال: خلف سوء بالتسكين، وفي خلف صدق بالتحريك .
(إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ): أراد أنه غاية للرسل وخاتم الأنبياء، وإلى متعلقه بما مضى قبلها من الأفعال مثل نسلت ومضت أي استمر ذلك إلى أن بعثه.
(لإنجاز عدته): نجاز العدة إتمامها بالإعطاء؛ لأن الله سبحانه قد كان عهد إلى الأنبياء قبله صلوات الله عليهم أنه يبعث نبياً يكون خاتماً للأنبياء، مقرون بالساعة، وعلى إثره القيامة، ولهذا قال عليه السلام: ((وجبت لي النبوة وآدم طينة )) والعدة والموعد والوعد سواء، واللام متعلقة ببعث.
(وإتمام نبوته): لأن البشارة المتقدمة ووجود البعث المتأخر عنها فيه تمام النبوة وإكمالها.
(مأخوذاً): حال من محمد.

(على النبيين ميثاقه): الضمير إما لله بمحمد ، ويكون معناه أن الله أخذ ميثاقه وهو الدعاء إلى توحيده والإقرار بربوبيته، وإما لمحمد ويكون معناه أن الله أخذ ميثاق محمد وهو تصديقه والاعتراف بنبوته .
(مشهورة سماته): ظاهرة علاماته، كما قال الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ }[الأنعام:20].
(كريماً ميلاده): الميلاد: اسم للوقت الذي يولد فيه الرجل، والمولد: اسم المكان الذي يولد[فيه] ، والوقت الذي ولد فيه عليه السلام كان كريماً لما ظهر فيه من الأسرار النبوية، وتجلت بسببه الأنوار الإلهية، وقد قيل: إنه لما ولد انكبت الأصنام على وجهها إيذاناً بمجيء الحق، وزهوق الباطل، وإشعاراً بانكساف نجومه، وتقلص ظله الزائل.
(وأهل الأرض): ومن كان على وجه البسيطة.
(يومئذ): يوم كان مولوداً، ويوم بعثته، لكن تركت هذه الجمل، وكان التنوين عوضاً عنها، ونظيره ساعتئذٍ وحينئذٍ.
(ملل): أي أهل ملل، والملة: الدين والشريعة، وهكذا النحلة وهو: ما ينتحله الإنسان، ويدين به من الأديان كلها حقاً كان أو باطلاً.
وقوله: وأهل الأرض، وملل، جملة ابتدائية في موضع نصب على الحال من بعث، كقولك: جاء زيد والشمس طالعة.
(متفرقة): فمن عابد لوثن أوساجد لصنم أونور أونار إلى غير ذلك من الأديان الضالة والملل المبتدعة.
(وأهواء منتشرة): الهوى: ما تدعو إليه النفس وتنزع إليه، وإنما وصفها بالانتشار، لأنهم حكموا فيها أهواءهم، واتبعوا في الانقياد لها آراءهم، فأوقعتهم في الحيرة، وضِلَّوا بها في كل مستاهة .

(وطرائق متشتتة): الطرائق: جمع طريقة، وهي: المذهب والنحلة، قال تعالى: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا }[الجن:11] أي مللاً مختلفة أهواؤها، والتشتت: عبارة عن التفرق، مأخوذ من الشت وهو التفريق، يقال: كساء مشتوت إذا كانت خيوطه متباعدة، هم.
(بين مُشَبِّهٍ لله بخلقه): البين: يستعمل في الفصل والوصل، وهو من أسماء الأضداد، كالسدفة فإنها تستعمل للضوء والظلام، وقرئ قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }[الأنعام:94] بالرفع أي وصلكم، وبالنصب على حذف الموصول أي ما بينكم، وانتصابه على الظرفية ها هنا، والمشبِّه من قال: إن الله تعالى بصفة الجسم في الحصول في الحيز ، والأعضاء والجوارح، أو بصفة العرض في الحلول، وهذه مقالة لفرق وطوائف.
(أو ملحد في اسمه): ألحد في دين الله إذا عدل عنه، ومنه اللحد لأنه مشتق في غير سمت القبر، وإنما قال عليه السلام: ملحداً في اسمه؛ لأنهم عدلوا باسم الله إلى غيره، فسموا غيره باسمه، فقال للأصنام: آلهة، والإلهية على الحقيقة مختصة به، لا تطلق على غيره.
(أو مشير إلى غيره): الإشارة هاهنا إما بالإلهية، حيث قالوا: هذه الأصنام آلهتنا، كما قال تعالى حاكياً عنهم: {ءآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ }[الزخرف:58]، وإما بالعبادة كما قال: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }[الزمر:3]، وإما بإضافة هذه الآثار والحوادث في عالمنا هذا إلى الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية، فكل هذه الأمور مختصة به، فإذا أضافوها إلى غيره فقد أشاروا بها إلى غيره.
(فهداهم به من الضلالة): الضمير لمحمد صلى الله عليه [وآله وسلم] ، والضلالة مصدر ضل يضل ضلالة.

(وأنقذهم بمكانه من الجهالة): الإنقاذ هو: التخلص، يقال: أنقذه من كذا إذا خلصه منه، والمكان ها هنا مجاز، مثله في قولك: ماكنت لأحسن إليك لولا مكان فلان، والجهالة مصدر يقال: جهل جهلاً وجهالة.
(ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لقاءه): أراد أنه صلى الله عليه وآله [وسلم] لما بلغ الرسالة، واستقام كما أمر، أكرمه الله تعالى بملاقاة ربه، وإنما كان مختاراً لما فيه من الخلاص من بلوى الدنيا وكدرها، وما في ذلك من الفوز برضوان الله وكريم جواره.
(ورضي له ما عنده): من الدرجات العالية والنزل الكريم.
اللَّهُمَّ، أسعدنا برضوان من عندك، وبشارة بالفوز بثوابك.
(وأكرمه عن دار الدنيا): أراد أن نيل الكرامة كلها له ، إنما كان بنقله عن الدنيا وإراحته عن غمومها وأحزانها.
(ورغب به عن مقام البلوى): رغب في الشيء إذا أراد به، ورغب عنه إذا لم يرده ، ورغبت به عن كذا إذا لم ترده على تلك الحال، كما تقول: رغبت بفلان عن السفر، ورغبت بكتابي عن العارة إذا لم ترده على ذلك، والغرض أن الله تعالى رغب بنبيه أي لم يرده للدنيا، وإنما أكرمه بما عنده فنقله إليه، والمقُام: يروى بضم الميم من أقام وبفتحها من قام، والبلوى مصدر كالرجعى والبشرى ، أي مقام البلاء.
(فقبضه إليه كريماً): إما قبض كريماً من الرفق بروحه والسهولة في قبضها، وإما وهو كريم بما أجزل الله له من الثواب على إبلاغ الرسالة على وجهها واحتمال مشاقها.
(وخَلَّف فيكم ما خَلَّفت الأنبياء في أممها): يريد أنه صلى الله عليه ما مات إلا بعد إبلاغ الرسالة، وإيضاح كل مشكل، وبيان كل عمى.

14 / 194
ع
En
A+
A-