(ومنهم الثابتة في الأرض السفلى أقدامهم): خلق عظيم قد رسخت في الأرض أقدامهم.
(ومرقت ): خرجت.
(من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار): يعني أقطار السماء وهو: جوانبها.
(أركانهم).
(والمناسبة): يريد المساوية.
(لقوائم العرش أكتافهم): إما بالنون وهو: جوانبها؛ لأن الكنف هو الجانب، وإما بالتاء وهو: المنكب، وكلاهما محتمل ها هنا.
(ناكسة دونه أبصارهم): خافضون لأبصارهم هيبة لجلال الله وتعظيماً لسلطانه.
(متلفعون بأجنحتهم): التلفع هو: التغطي بالأجنحة على جهة التذلل.
(تحته ): الضمير للعرش فيكون التحت حقيقة، أو يكون الضمير للرب فيكون التحت مجازاً، أي تحت القهر والسلطان.
(مضروبة): أي مرخاة، من قولهم: ضربت الحجاب إذا أرخيته.
(بينهم وبين من هو دونهم): قوله: من هو دونهم، إما أن يريد به الملائكة غير هؤلاء الذين وصف حالهم، وإما أن يريد [به] من [هو] دونهم من الثقلين الجن والأنس.
(حجب العزة وأستارالقدرة): يحتمل أن تكون هذه الحجب والأستار حقيقة، وقد ضربها الله تعالى بينهم وبين من دونهم لما يعلم من المصلحة وتنبيهاً على علو الدرجة، ويحتمل أن تكون مجازات، ولا حجاب هناك ولا ستر، وإنما الغرض هو بعدهم عمن دونهم وتمييزهم عمن سواهم، لا يعلم حالهم، كأنهم مضروب عليهم بحجب وأستار، فلا يحيط بحقيقة حالهم إلا الله تعالى.
(لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولايجرون عليه صفات المصنوعين): [أي] لا يطلقون عليه شيئاً من صفات الخلق إذ هي غير صادقة عليه.
(ولا يحدونه بالأماكن): أي لايعتقدونه في مكان فيقال: هو هناك.

(ولا يشيرون إليه بالنظائر): أي لا يعتقدون أن له نظيراً ومثلاً، فيقولون: هو مثل هذا، فسبحان القاهر في سلطانه، والعظيم في علو مجده وشأنه.
ثم تكلم في كيفية خلق آدم، بقوله:
(ثم جمع من حزن الأرض وسهلها): أراد أن الله تعالى ألف هذه الصورة وجمعها من أنواع مختلفة وضروب متباينة ليدل بذلك على إظهار قدرته وباهر حكمته، فركبها من حزن الأرض وهو: التراب الحزن الغليظ، والسهل هو: اللين السلس.
(وعذبها وسَبَخِها): العذب: الطيب المنبت، والسَّبَخُ: الفاسد المسترخي، فلا يصلح للإنبات.
(تربة): مجموعة من هذه الأخلاط المختلفة.
(سنَّها بالماء): متَّنها به ورقَّقها، أو حكَّها، من قولهم: سننت الحجر إذا حككته.
(حتى خلصت): من كل كدر.
(ولاطها بالبَّلة): لاط الحوض إذا طيَّنه بالتراب وملسه، والضمير للتربة أي ملسها بالرطوبة.
(حتى لزبت ): أي لزقت بعضها ببعض، وكانت مختلطة، كما قال تعالى: {مِنْ طِينٍ لاَزِبٍ }[الصافات:11] أي لازق.
(وأصلدها): صلَّبها، ومنه حجر صلد إذا كان صلباً.
(حتى صلصلت): أي صار لها صوت ليبسها وصلابتها ورقة تركيبها. والصلصال: الطين اليابس غير المطبوخ، فإذا طبخ فهو الفخار بعينه، ثم جعلها على هذه الهيئة وركَّبها على هذه التَّرْكبة:
(لوقت معدود، وأجل معلوم): اللام في قوله: لوقت معدود متعلقة بقوله: (جمع تربة) يعني أنه جمع هذه التربة على هذه الكيفية، لأجل معلوم وهو ما بين تركيبها ونفخ الروح فيها.
سؤال؛ لِمَ قال: (سنَّها بالماء)، وقال: (لاطها بالبّلة) وكلاهما محتاج إلى ما يضم الأجزاء من الرطوبة؟

وجوابه؛ هو: أن السنَّ يفتقر إلى كثرة الماء؛ لأن الغرض أن يخرج بين الحجرين شيء يسيل منهما، فلهذا قال: (سنَّها بالماء) بخلاف حال التربة إذا لاطها، فإن الغرض هو لونها لتكون مجتمعة فلهذا قال: (لاطها بالبلّة) لما كان لا يفتقر إليها كافتقار السن.
(ثم نفخ فيها من روحه): النفخ يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون المراد بالنفخ هو: الإحياء، ولا نفخ هناك أصلاً ولا منفوخ فيه، وإنما هو صادر على جهة التمثيل، وعبارة عن ما يحصل به الإحياء، وهو خلق الروح في هذه التربة المركبة على هذه الكيفية.
وثانيهما: أن يكون الإحياء حاصلاً عقيب هذا النفخ، ويكون فيه سر ومصلحة استأثر الله بعلمها، ويكون إيجاد هذه الواسطة وهي النفخ كسائر الوسائط التي يفعلها الله تعالى، وقوله: (ثم نفخ [فيه] ) يدل على أن بين تركيب الصورة ونفخ الروح فيها مدة متراخية؛ لأن ثم للمهلة والتراخي.
(فمثلت إنساناً): أي حصلت شخصاً تاماً، وإتيانه بالفاء هاهنا دلالة على عدم التراخي بين النفخ وصيرورتها إنساناً؛ لأن الفاء تدل على عدم المهلة، وإنساناً منصوب على الحال، أي مثلت على هذه الحالة مصورة على شكل الإنسانية .
(ذا أذهان يجيلها): أراد بالأذهان العقل وعلومه، [التي] يجيلها في كل جانب، ولهذا قال عليه السلام: ((قلب ابن آدم أشد تقلباً من الريشة على ظهر الماء )) .
(وفِكَرٍ يتصرف بها): الفِكَر هي: الأنظار والخواطر التي يتصرف بها في النفع ودفع الضرر.
(وجوارح يستخدمها ): كاليد والرجل فإنهما آلتان للكسب، وسائر الجوارح فإنها صارت مطيعة له في كلما استعملها على جهة الانقياد من غير مخالفة.

(وأدوات يقلِّبها): فرَّق عليه السلام بين الجوارح والأدوات، فجعل الجوارح ما تكون سبباً للاكتساب وطريقة له، وجعل الأدوات ما ليس كذلك كالعين، ولهذا قال في الأول: يستخدمها، وفي الثاني: يقلبها، لا غير.
(ومعرفة يفرق بها): أراد بالمعرفة القلب؛ لأنه محل العلم والمعرفة، فلما كان المراد منه هو التمييز.
(بين الحق والباطل): وضع المعرفة مكانه.
(والأذواق والمشام): يعني ويفرق بين ما كان مذوقاً فيدركه بآلة ذوقه، وبين ما كان مشموماً فيدركه بآلة شمه.
(والألوان والأجناس): فالألوان يُدرك التفرقة بينها بحاسة البصر لأنها متضادة، والأجناس ما عدا ذلك من التفرقة بين الإنسان والفرس، والظلمة والنور، والحجر والماء، وغير ذلك من الأجناس المختلفة، التي يعلم اختلافها بالضرورة.
(معجوناً بطينة الأكوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبِلَّة والجمود والمساءة والسرور): مركباً من أمور مختلفة، وانتصابه صفة لإنسان، ومنه العجين لأن المرأة تلويه وتجمعه حتى يكون مركباً من أجزاء، وقد أشار عليه السلام في كيفية تركيب خلقه، إلى أنواع أربعة:
فالنوع الأول: الأكوان المختلفة:
وغرضه بالأكوان المختلفة هي: الأعضاء المفردة، وجملتها عشرة وهي: العظام، والعصب، والأوتار، والعضلات، والعروق، والشحم، والغشاء، والجلد، والشعر، والظفر، فهذه هي الأعضاء المفردة، وكل واحد من هذا مختص بنفع وطبيعة تخالف غيره.
النوع الثاني: الأشباه المؤتلفة:

ويريد بالأشباه المؤتلفة ما كان مركباً من هذه الأعضاء، وجملتها ثمانية عشر: الدماغ، والعينان، واللسان، والأذنان، والقلب، والرئة، والحجاب الحاجز بين الصدر والبطن، والمعدة، والمعاء، والكبد، والمرارة، والطحال، والكليتان، والمثانة، والأنثيان، والذكر، والرحم. وهذه لها لطائف وخصائص ومنافع لايحيط بعجائبها إلا الله عز سلطانه.
النوع الثالث: الأضداد المتعادية.
والمراد بكونها متعادية هو أنها لا تجتمع في محل واحد، وإنما يكون اجتماعها على جهة التركيب بلطف الله ودقيق حكمته، وهذه هي الأمزجة، وجملتها تسعة، أربعة منها مفردة، وهذه هي: الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، وأربعة منها مركبة وهي: الحرارة مع اليبوسة، والحرارة مع الرطوبة، والبرودة مع اليبوسة، والبرودة مع الرطوبة، فهذه ثمانية، والتاسع هو: المزاج المعتدل من هذه.
النوع الرابع: الأخلاط المتباينة
ويعني بكونها متباينة هو: أن طبع كل واحد منها مباين طبع الآخر، وهذه هي أربعة أيضاً: الدم، وهو حار رطب، والصفراء، وهي حارة يابسة، والسوداء، وهي باردة يابسة، والبلغم، وهو بارد رطب، فهذه إشارة إلى ما قاله عليه السلام على جهة الإجمال، ومن أراد الإطلاع على عجائب القدرة في خلقة الإنسان فعليه بكتب التشريح، ومن أبلغها: (الشفاء) لأبي علي بن سينا .

(واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصية إليهم، في الإذعان بالسجود له والجنوح لتكرمته فقال: {اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا })[البقرة:34]: استأدى الشيء إذا طلب أداءه، يريد أن الله تعالى قد كان عهد إلى الملائكة عهداً أودعه عندهم وقرره في نفوسهم، بقوله: {إِنّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ }[الحجر:28]، وأمرهم بالإذعان وهو: الانقياد للسجود عند تسويته، واستقامته بشراً سوياً وشبحاً آدمياً تكرمةً [له] إذ جعله قبلة يسجد لله نحوه، كما فعل القبلة مكاناً يسجد لله نحوه، فقال: {اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا }[البقرة:24] امتثالاً للأمر وانقياداً له.
({إِلاَّ إِبْلِيسَ} وقبيله): هو: استثناء منقطع؛ لأن إبليس لم يكن من الملائكة وإنما هو من الجن، وإذا كان مخلوقاً من نار والملائكة مخلوقون من نور فليس مندرجاً تحتهم فلهذا كان منقطعاً، وأنكر بعض الأصوليين الاستثناء المنقطع، وحمل الآية على أن التقدير فيها فسجد الملائكة ومن أمر بالسجود إلا إبليس، وعلى هذا يكون متصلاً، وهذا تعسف لا وجه له، فإن الانقطاع وارد في اللغة لايمكن دفعه، كقولهم: ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ماضر، وقد ذكرنا ما هو الحق من ذلك في الكتب الأصولية.

(اعترتهم الحمَّية): الضمير له ولقبيله، اعتراه الأمر إذا غشيه، قال تعالى: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ }[هود:54] والحمَّية بالتشديد هو: الاحتماء وهي الأنفة، يقال: حمت عن كذا حمية، إذا أنفت عنه، وفعيل وفعيلة قلَّ ما يردان في المصادر، فإن اسْتُعْمِلَ فَعِيْلُ مصدراً فهو مخصوص بالأهوات كالزبر والوجيف وغيرهما، واستعمال فعيلة مصدراً قليل.
(وغلبت عليهم الشقوة): قهرتهم، وكانت هي المستولية بسلطانها بها عليهم، والشِّقْوَةُ بكسر الفاء هي: للضرب من الفعل كالجِلْسة والْقِعْدة، والشَّقوة بفتح الفاء والشقاوة بمعنى الشقاء.
(وتعززوا بخلقة النار): أضافوا عزتهم إلى ما عليه النار من الحركة الشديدة، والنور الكثير، والتسلط على كل شيء بالإتلاف.
(واستوهنوا خلق الصلصال): واستضعفوا من الوهن وهو: الضعف ما عليه الصلصال من اسوداد جوهره وبشاعة خلقته، وخشانة تأليفه، وضعف قوته يثقب باد في حركة تماسه، والمعنى في هذا هو أن إبليس وقبيله من الأبالسة والشياطين لما غلب عليهم التكبر واستحكم في أفئدتهم الاحتماء والأنفة عن السجود خالفوا أمرالله بالسجود لآدم فاستحقوا غضب الله وسخطه وإنزال العقوبة لأجل المخالفة:
(فأعطاه الله النظرة): يعني التأخر إلىالآخرة، وعلل تأخره بأمور ثلاثة:
(استحقاقاً للسخطة): ليكون مستحقاً للسخط بالمخالفة، ويكشف عنه اللبس فيه.
(واستتماماً للبلية): ولتكون العقوبة تامة بما يزداد من [كفره] المخالفة للأمر في الدنيا بسبب الإمهال.
(وإنجازاً لِلْعِدَةِ): حيث قال تعالى:
({إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ }[الحجر:37]): وهو الصادق فيما قال، والمنجز لما وعد.

(ثم أسكن سبحانه آدم عليه السلام داراً): وصلها بقصة إبليس لما بينهما من التلازم، وهي قصة واحدة، فلما أراد الله تعالى كرامة آدم بخلقه وإسكانه الجنة.
(أرغد فيها عيشته ): أطابه من قولهم: عيش راغد ورغد إذا كان طيباً.
(وآمن فيها محلته): المحلة: المنزلة بفتح العين، والمحل أيضاً بفتحها هو: المكان الذي يحل فيه، وهما واردان على القياس، فأما قوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ }[البقرة:196] فهو خارج عن قياس بابه وخروجه كخروج المسجد والمنسك، وأراد أنه جعله في عيش طيب، وأمن لا يخاف.
(وحذره إبليس وعداوته):
سؤال؛ في أي موضع قد قرر الله عداوة إبليس ومكره لآدم، حتى قال عليه السلام: (وحذره عداوته)؟
وجوابه؛ أنه من وجهين:
أما أولاً: فيحتمل أن يكون الله تعالى قد أبلغه ذلك على لسان جبريل مع غيره من أنواع الحكم.
وأما ثانياً: فلمكان ما وقع منه من المخالفة في الأمر بالسجود لآدم، فإذا كان قد اعتراه الحسد والأنفة في سجدة لايناله بها نفع عاجل إلا الكرامة، فأنف عنها، واستكبر عن تأديتها، فكيف حاله إذا فاز بالنعيم المقيم، والفوز الذي لا فوز وراءه، فعلى هذا يكون مكره أكثر، وعداوته له أعظم وأكبر فلهذا أعمل رأيه وضرب سهامه.
(فاغتره إبليس نفاسة عليه): فأتاه علىغرة، وأنفذ فيه مكره من حيث لا يشعر، كما قال تعالى: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ }[الأعراف:22]، ونفست فلاناً على كذا إذا حسدته إياه، ولم تره أهلاً له، وانتصاب نفاسةً على المفعول له، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال، أي حاسداً له من فاعل اغتره، وهو إبليس حيث رآه ساكناً مستقراً:

(بدار المقام): موضع الإقامة حيث لايظعن الساكن، ولا يرحل المقيم وحيث وجده مطمئناً.
(ومرافقة الأبرار): من الأنبياء والصالحين والشهداء.
(فباع): يعني آدم أي فكان ما تقدم من الاغترار سبباً للبيع.
(اليقين): إما علمه بعداوة الشيطان وخدعه، وإما يقينه بما هو فيه من لذاذة العيش ورغده.
(بشكه): وهو: ظنه أن إبليس ناصح له في قوله: {إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }[القصص:20].
(والعزيمة): وهي الأخذ بالحزم في مخالفة أمر اللعين، ومجانبة خفي مكيدته.
(بوهنه): بما تحققه من بعد من ضعف رأيه في الانقياد لما قاله إبليس.
سؤال؛ لِمَ عدل عن اللام إلى الإضافة في قوله: (فباع اليقين بشكه، والعزيمة بوهنه) وهلا ساوى بينهما باللام بأن يقول: فباع اليقين بالشك، والعزيمة بالوهن؟
وجوابه هو؛ أن اليقين والعزيمة كأنهما من جهة الله بتوفيقه ولطفه فلا اختصاص له بهما، بخلاف الشك والوهن فإنما كانا باغتراره من جهة نفسه، فلهذا أضافهما إلى آدم لما لهما من مزيد الاختصاص به.
(فاستبدل بالجذل): وهو ما كان فيه من السرور واللذة والغبطة.
(وجلاً): وهو مفارقة اللذة، ورغد المعيشة، واستشعار لزوم العقوبة الدائمة لمخالفة الأمر من الله تعالى.
(وبالاغترار): وبما كان من تعويله على الاغترار.
(ندماً): وهو عضُّ الأنامل على ما نزع منه وفاته، ثم تداركه الله تعالى بما كان من لطفه [به] ورحمته إياه.
(ثم بسط الله سبحانه له في توبته): يعني أنه ألهمه للاستغفار بقوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:23].

(ولقَّاه كلمة رحمته): بقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ }[البقرة:37] وقرئ [كلمات] بالنصب على أن آدم هو المتلقي لهن، وقرئ بالرفع على أنهن المتلقيات له بالتدارك والرحمة.
(ووعده المردّ إلى جنته): بقوله: {فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }[البقرة:37] ثم كان بعد الإقدام على مخالفة الأمر بأكل الشجرة.
(أهبطه إلى دار البلية): أهبطه أي أنزله من علو، يكون متعدياً لمكان الهمزة كأخرجه، وهَبَطَ يَهْبِطُ وَهَبَطَهُ يَهْبِطُه،بغير همزة يتعدى تارة ويلزم أخرى، دار البلية هي: الدنيا لما فيها من التكاليف الشديدة، ومقاسات الأمور الصعبة، والأمراض، والغموم، والأحزان الكثيرة.
(وتناسل الذرية): وحيث أذن الله بالتناكح الذي يحصل بسببه النسل والتوالد، وبعد وقوع ذلك وحصوله من جهة الله تعالى كلفهم بما قرره في عقولهم، وعهد إليهم بما ركبه في أفهامهم من معرفة توحيده، وتنزيهه عمَّا لا يليق بذاته.
(فاصطفى سبحانه من ولده أنبياء): الاصطفاء هو: الا ختيار، فاختار الله هؤلاء الأنبياء، واختصهم بالرسالة لما يريده من كرامتهم، وإبلاغ الحجة على الخلق، كما قال تعالى: {لئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }[النساء:165].
(أخذ على الوحي ميثاقهم): أخذ الميثاق هو: تأكيده وتحصيله ، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ }[آل عمران:81]، والميثاق: ما يستوثق به من ذمة ويمين، وقوله: على الوحي أي على حفظ الوحي وإبلاغه من غير خيانة [فيه] بزيادة، ولا تقصير في أدائه.

13 / 194
ع
En
A+
A-