فأما النطق وهو: عمل اللسان، فإن فيه من التصريح بالمقصود والإفصاح عنه ما لا يكون في غيره، ومن ثم كان مبدوءاً بالحمد في أول كل منطوق به ومكتوب من سائر أنواع الكلام في الخطب والرسائل، وارتفاعه على الابتداء وخبره الجار والمجرور بغيره، ورفعه أحسن؛ لما يتضمنه من البعد عن التقييد بالأزمنة؛ لأنه إذا كان منصوباً فهو مشعربالفعل المقيد بها، بخلاف حاله إذا كان مرفوعاً فلا أثر للتقييد فيه بحال، ومن ثمًّ قال الجهابذة من أهل صناعة البيان: إن سلام إبراهيم كان أبلغ من سلام الملائكة حيث كان مرفوعاً، فانقطعت عنه آثار الفعلية، بخلاف سلام الملائكة فإنه لما كان منصوباً، كان نصبه مشعراً بالفعل المقيد بالأزمنة.
سؤال؛ لِمَ كانت اللام مختصة بوقوعها خبراً عن الحمد في كل موضع عنه، بخلاف سائر حروف المعاني من الباء وغيرها من حروف الجر؟
وجوابه؛ هو أن اللام معناه الملك والاستحقاق، فلما كان الحمد لا يستحقه أحد ولا يملكه على الحقيقة سوى الله [تعالى] كان موقعها ها هنا أحسن ودخولها أقعد، فلهذا كانت مختصة بالوقوع، بخلاف غيرها من أحرف المعاني فإنها لا تعطي هذا المعنى، واللام فيه دالة على الجنس، وهو مطلق الحقيقة من غير إشارة إلى عموم فيكون مستغرقاً، ولا إشارة إلى خصوص فيكون مُتَعيِّناً، وإنما هو موضوع بإزاء مطلق الحقيقة من غير إشارة إلى قيد من قيودها استغراقاً كان أو تعييناً كما أشرنا إليه، ومثاله قولنا: أكلت الخبز، وشربت الماء، فإن الغرض باللام إنما هو دلالتها على مطلق الحقيقة من غير إشارة [بها] إلى عموم فيكون مستغرقاً، ولا إلى خصوص فيكون متعيناً.
وخبر المبتدأ محذوف والظرف ساد مسده، والتقدير فيه: الحمد ثابت لله أو مستقر له.
(لله): هو اسم من أسماء الله تعالى، وقد وقع فيه اضطراب بين العلماء، فقال قائلون: هو اسم سرياني وليس عربياً والحق أنه عربي، لأن جميع ما في القرآن عربي إلا ما دلت عليه دلالة، وهذه اللفظة من جملة ما تضمنه القرآن، ثم إذا كان عربياً فهل يكون اسماً أو صفة، والحق أنه اسم؛ لأن الصفة إنما تدل على معنى واحد في موصوفها، كالعالم والرحيم، وهذا الاسم عند إطلاقه يدل على معاني كثيرة؛ لأن قولنا: الله، دال على جميع الصفات الإلهية عند إطلاقه ومفهومة منه، فلهذا كان اسماً جارياً مجرى الألقاب، ثم إذا كان اسماً فهل يكون جامداً أو مشتقاً، ومعنى الاشتقاق هو: اجتماع الكلمتين في معنى واحد يشملهما والحق أنه مشتق، وهذا موجود في قولنا: الله، فإن قولهم : أله الرجل، وقولنا: إله يجتمعان في معنى واحد، ثم اختلف مما يكون مشتقاً منه.
فقال بعضهم: من أله إذا تحير؛ لأن العقول متحيرة في معرفة الله تعالى وإدراك كنه حقيقته، وقال بعضهم: اشتقاقه من أله إذا احتجب؛ لأنه تعالى لا تدركه أبصار العيون، ولا تناله بصائر العقول، ثم إذا كان مشتقاً فهل يكون علماً أوغير علم؟ والحق أنه ليس علماً محضاً، وإنما هو جار مجراه فيما فيه من العلمية، [وهو] كونه دالاً على معنى في نفسه على جهة التغيير كزيد وعمرو، وبما فيه من مخالفة أمر العلمية لم يجز تغييره كتغيير الأعلام بالنقل والوضع، ولزوم اللام له؛ لأنه من الأسماء الغالبة كلزوم اللام في النجم للثريا، وتفخيم هذه اللفظة من السنة، هكذا قاله الزجاج ، وإنما التزموا تفخيمه دلالة على عظم حال مسماه وفخامة شأنه.
(الذي لا يبلغ): لما اعتاص عليهم وصف المعارف بالجمل الفعلية والاسمية؛ لما في الجمل من غاية التنكير فوضعوا (الذي) وصلة إلىذلك، وهذا على نحو صنعهم في (ذو)، فإنه لما كان يتعذر عندهم الوصف بالمصدر واسم الجنس لعدم الاشتقاق فيهما، توصلوا إلى الوصف بهما بإدخال ذو، فقالوا: هذا رجل ذو مال وذو علم، وبلغ المكان إذا وصله، قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ }[البقرة:234] فنفى عليه السلام أن يوصل إلى كُنْهِ مدحه.
(مِدْحَتُه القائلون): المِدْحة: الضرب من المدح، كالعِذْرة تكون للضرب من الاعتذار، ويقال: فلان حسن الطِعْمة والرِّكْبة كل ذلك بكسرالفاء دلالة على ما قلناه، والْمَدْحة بالفتح للواحدة من المرات، وغرضه هو أن مدائحه تعالى لايمكن إحصاؤها ولا ضبطها.
(ولا يُحْصِي نعمآءه العادُّون): الإحصاء هو: الحصر والضبط، قال تعالى: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُم ْ}[مريم:94] [{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاه ُ}] [يس:12]، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا }[الجن:28]، النعمة: هي المنافع الواصلة إلى الغير على جهة الإحسان، والنَّعماء يروى بفتح النون وضمها، فإن فتحت مددت وهو سماعنا، وإن ضممتها قصرت، وفي بعض النسخ: (نعمه)، وهي: جمع نعمة كسدرة وسدر، والنعماء مصدر كا لسراء والضراء، وغرضه من ذلك عليه السلام هو أن آلاءه ونعمه لا تحصى بعدٍّ كما لا يوصل إليها بحدِّ.
(ولا يؤدِّي حقه المجتهدون): أدَّى دينه إذا قضاه، والمصدر فيه التأدية، والاسم منه هو الأداء، والحق: واحد الحقوق، والاجتهاد: بذل الوسع في تحصيل المقصود، فنفى عليه السلام في كلامه هذا أن يقضى حق الله تعالى وهو ما يستحقه بجلاله وعظم نعمه، وإن بلغ المؤدي كل غاية في الاجتهاد، وهذا صحيح؛ لأن حقه تعالى إذا كان بغير نهاية في كل أحواله، فما يختص بحال ذاته وما يختص نعمه فمحال تأديته وبلوغ حده.
(الذي لا يدركه بُعْدُ الهِمَمِ): أدرك إذ الحق، قال تعالى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }[الشعراء:61] وأدرك الغلام إذا بَلَغ، والهمم: جمع هِمَّة، يقال: فلان بعيد الهِمَّة، والهِمَّة بكسر الفاء وفتحها: إذا كان ذا عزيمة سامية، كأنه بلغ في النفاسة غاية بعيدة لاتنال، وغرضه عليه السلام هو أنه تعالى لا تبلغه الهمم، وإن بلغت في بُعْدِها وإعراقها، وتجاوزت في ذلك كل حد ونهاية.
(ولا يناله غَوصُ الفطن): ناله إذا أصابه ومسَّه، كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا }[الحج:37]. والغوص هو: النزول تحت الماء، ومعناه أن الفطن التي هي: الأفهام لا تصيبه ولا تقع على معرفته.
سؤال؛ أليس كان القياس في أسلوب هذا الكلام أن يقال فيه: لاتدركه الهمم على بُعْدِهَا، ولا تناله الفطن على غوصها، فَلِمَ عدل إلى هذا الأسلوب؟ ولهذا يقال: العشق هو المحبة المفرطة، ولا يقال فيه: إنه إفراط المحبة؟
وجوابه؛ أن الأمر كما ذكرت، ولكن إسناد الإدراك إلى البعد والنيل إلى الغوص يكون أبلغ وأدخل في المعنى من خلافه، ولهذا فإن قولنا: أعجبني شهامة نفسك وشرف طبعك أرقُّ وأدقُّ من قولنا: أعجبتني نفسك الشهمة، وطبعك الشريف، وهذه التفرقة تُدْرَكَ بالذوق الصافي.
فأما ما ذكره في العشق فإنما وجب ذلك لما كان المقصود هو تعريفه، فلابد فيه من الوفاء بالجنس والفصل [ولن يكون بما ذكر] .
(الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود): الحد: غاية الشيء ومنقطعه، فإذا كانت صفاته تعالى ثابتة في الأزل والأزمنة الأزلية ليس لها حد ولا لها غاية، وجب فيما كان ثابتاً فيها مستمر الثبوت ألاَّ يكون له حدٌّ أيضاً، وهكذا أيضاً أنه لا نعت لها؛ لأن النعت هو: الوصف أيضاً، وهو حاصل بعد أن لم يكن، وما كان هذا حاله فهو متناهي وصفاته بلا نهاية، فيستحيل فيما لا يتناهى أن يكون موصوفاً، فإنما يكون طريقاً إلى معرفة ذاته من الأوصاف المتناهية؛ لأن ما سوى الله لا يثبت في الأذهان إلا بالأوصاف؛ المعرِّفة لذاته، وثبوت الله تعالى إنما هو بالبراهين لا بالصفات.
فلهذا قال عليه السلام: (ولا له نعت موجود) يكون طريقاً إلى معرفة ذاته كما قررناه.
(ولا وقت معدود): يعني أن صفاته تعالى لاتكون مؤقتة بوقت أصلاً؛ لأنها حاصلة في الأزمنة الأزلية، ولا وقت هناك، أو يريد أنها غير متوقفة على الوقت فتكون منتهية بانتهائه.
(ولا أجل ممدود): يريد أنه لا أجل لها، فينقطع بانقطاعه، بل هي دائمة أزلاً وأبداً، وكلامه عليه السلام ها هنا مشعر بأن حقيقة ذاته غير معلومة للبشر، خلافاً للمعتزلة وغيرهم.
وما قاله عليه السلام هو مختارنا، وقد ورد في عدة من كلامه كما سننبه عليه في مواضعه اللائقة، وهذا الأسلوب الذي أورده يسمى: التعديد عند علماء البيان، وهو من البلاغة في أرفع قدر ومكان ، وهو الإتيان بالصفات الحسنى من غير توسط حروف عطف، كما ورد في التنزيل، كقوله تعالى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ }[الحشر:23] إلى آخرها، وقوله: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ }[غافر:3].
(فطرالخلائق بقدرته): فطر الأشياء هو: إبداعها، واختراعها.
قال ابن عباس: ما كنت أدري ما فاطر السماوات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها .
والخلائق: جمع خليقة، وهو: عبارة عن جميع المكونات الحادثة بقدرته، كما تقول: كتبت بالقلم نزلها منزلة الآلة، وليس آلة في الحقيقة؛ لأن الفعل يستحيل وجوده من غير قدرة.
(ونشر الرياح برحمته): بسطها، من قولهم: نشرت المتاع إذا بسطته، أو نشرت الثوب بعد طيِّه، وكلاهما حاصل في حق الريح، فإنه تعالى يبسطها في جهاتها الواسعة، وينشرها بعد أن كانت مطوية أي راكدة.
وقوله: (برحمته) يروى بالباء، من قولهم: أكلت باللحم، أي أنها ملابسة للرحمة مصاحبة لها، ويروى باللام، أي أنه ما نشرها إلا للرحمة فهي الباعثة علىفعلها، والداعية إليها، كما تقول: جئت للسمن.
(ووتد بالصخور مَيَدَانَ أرضه): وتد العود يتده إذا ضربه على الأرض، الصخور جمع صخرة وهي: القطعة العظيمة من الأحجار، وميدان يروى بسكون الياء وهو واحد الميادين، وهي: الأرض الواسعة، وبتحريكها وهو: التحرك والاضطراب، ومقصوده هو أن الله تعالى جعل هذه الجبال الراسخة أوتاد الأرض، كما قال تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً }[النبأ:7] مانعة [لها] عن التحرك، أو أعلاماً منصوبة على مسطح الأرض، لمنافع عظيمة عن المنع من اضطرابها، لا يحيط بعلمها إلا الله تعالى، وقوله: (ووتد بالصخور) من باب بنيت بالحجر، فمن هذه حاله فلابد من أن يكون معروفاً ومعبوداً بدين.
(فأول الدين معرفته): الدين هو: الإسلام، لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ }[آل عمران:19]، والإسلام هو: الإيمان، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ }[آل عمران:85]، والمعلوم قطعاً أنه لو أتى بالإيمان لكان مقبولاً منه، وفي هذا دلالة على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، فإذا تقرر هذا فاعلم أن الإيمان عندنا اسم شرعي، وصار عبارة عن عمل القلب وهي المعرفة، وعن عمل اللسان وهو الإقرار، وعن عمل الجوارح وهو فعل الطاعات، والكف عن القبائح، فصار مقيداً لهذه الأمورالثلاثة عند إطلاقه، وهذا هو مذهبنا وعليه أكثر السلف، وقد خالفنا في ذلك فرق وطوائف، وقد قررنا نصرة ما قلناه، ورددنا على من خالفنا في الكتب العقلية، فإذا تمهدت هذه القاعدة، فإنما قال عليه السلام: إن أول الدين هو المعرفة؛ لأن ماعدا المعرفة مما يقع عليه اسم الدين من الإقرار وعمل الطاعات لاوقع له إلابعد إحراز المعرفة وتحصيلها، فالإقرار لاصحة له إلا بعد المعرفة ليكون خبراً صدقاً، والأفعال الشرعية فالمعرفة تمكين منها؛ لأن الصلاة والزكاة، وسائر العبادات الشرعية لاتفعل إلابعد المعرفة، وأما الواجبات العقلية فالمعرفة لطف فيها، فصار أمر الدين كله لايكون إلا بعد المعرفة وكمالها.
(وكمال معرفته التصديق به): أراد بعد حصول المعرفة فكمالها وإتمامها إنما يكون بالتصديق وهو الإقرارلأنه تلو المعرفة؛ لأن فائدة المعرفة صيانة النفس عن وعيد الآخرة وعقابها، وفائدة الإقرار إنما هو إحراز الرقبة عن السيف والمال عن السحت ، كما قال عليه السلام: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)) .
فلهذا كان الإقرار كمالاً للمعرفة.
(وكمال التصديق به توحيده): يعني أن الإقرارإذا وجب التصريح به لما ذكرناه، فكماله وتمامه إنما يكون بذكرالتوحيد، فلا يكفي أن نقر بوجود الله تعالى ، حتى نقول : إنه موجود، وإنه لا إله إلا هو، وإلا كان التصديق لا فائدة فيه.
(وكمال توحيده الإخلاص له): بعد وجود التوحيد وثبوته وكماله إنما يكون بتوجيه الأعمال كلها إليه، وإخلاصها لوجهه؛ لأن العبد إذا كان يعلم أنه لا إله في الوجود إلا الله، ولايستحق الإلهية سواه فهو المستحق للعبادة حقيقة، فلهذا وجب صرفها إليه وحده، وعرف بما ذكرناه أن الإخلاص من كمال التوحيد من الوجه الذي قررناه.
(وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه): اعلم أن الصفات التي يختص بها القديم تعالى في ذاته، للناس فيها أربعة مذاهب:
[أولها أمور سلبية] كما هو محكي عن جمهور الفلاسفة، وزعموا أنها لو كانت أموراً ثبوتية لكانت ذاته متكثرة بها، والكثرة دلالة الإمكان.
وثانيها: أنها أحكام إضافية، وهذا هو قول الشيخ أبي الحسين من المعتزلة .
وثالثها: أنها صفات حقيقية غير مستقلة بذاتها، وهذا هو قول الشيخ أبي هاشم وأصحابه من المعتزلة.
ورابعها: أنها معاني مستقلة بنفسها كالقدرة والعلم والحياة مغايرة لذاته تعالى، وهؤلاء هم الذين أثبتوا هذه المعاني، وهو قول الكرامية من المجبرة.
فأما الأشعرية المحققون منهم، فأقوالهم فيها على نحو من مذهب أبي الحسين.
فإذا تقررت هذه القاعدة، فاعلم أن أقرب ما يصرف إليه قوله عليه السلام: من أن كمال الإخلاص نفي الصفات عنه، إنما هو المحكي عن الكرامية فإنهم أثبتوها مغايرة لذاته تعالى.
(لشهادة كل صفة): لأن حقيقتها ومفهومها إذا كانت مستقلة بنفسها منفردة بحالها يقضي:
(بأنها غير الموصوف): لأن حقيقة الغيرية حاصلة فيهما جميعاً، أعني الصفة بهذا التفسير والموصوف؛ لأنهما معلومان ليس أحدهما هو الآخر.
(وشهادة كل موصوف): بحقيقته وما هيته.
(بأنه غير الصفة): لأن مع استقلال كل واحد منهما بنفسه، كل واحد منهما مشار إليه بالغيرية لصاحبه، فإذا كان هذا غيراً لذلك فذاك غير لهذا، فعلى ما ذكرنا من استقلال الصفات نفسها وكونها معلومة على انفرادها.
(من وصف الله سبحانه فقد قرنه): جعل له قرناً مساوياً له في الاستقلال بذاته، ومشاركته في الأزلية التي هي أخص صفاته كما تزعمه الكرامية.
(ومن قرنه): أثبت له كفواً مماثلاً له.
(فقد ثنَّاه): لأن حقيقة التثنية حاصلة فيه، وهو إثبات قديم ثاني مشارك لذاته في القدم.
(ومن ثنَّاه): أثبت له مثلاً كما قررناه.
(فقد جزَّأه): لأن الإله عبارة عن الذات المختصة بصفات الكمال، فإذا كانت هذه الصفات التي هي أصل في معنى الإلهية مستقلة بنفسها قديمة صارت الذات عبارة عن مجموع أجزاء، فلهذا كان تعالى على منهاج هذه المقالة متجزئاً.
(ومن جزَّأه): أثبت ذاته قابلة للتجزُّؤ والانقسام.