واعلم: أنه فيما ذكره ها هنا من الحث على تقوى الله تعالى، وشرف حال الإسلام والإيمان، قد بالغ في ذلك غاية المبالغة، وذكر ذلك على أنحاء متفرقة، وفنون متفاوتة من ذكر المدائح والأوصاف فيهما جميعاً، فبيناه يتكلم في أسلوب من ذكر المدائح، إذ خرج إلى أسلوب آخر، دالاً بذلك على كثرة مدائحهما، وبرهاناً قاطعاً على تبحره في فنون الكلام وأساليب البلاغة.
(ثم إن الله بعث محمداً [صلى الله عليه وآله] بالحق): بالتوحيد وإبطال الشرك بالله، وبما أودعه من هذه الأحكام المنيرة، والشرائع الحسنة.
(حين دنا من الدنيا الانقطاع): قَرُبَ زوالها، وأشرف نفادها.
(وأقبل من الآخرة الاطلاع): قَرُبَ طلوعها، وآن وقوعها.
(وأظلمت بهجتها): ضياؤها ونورها.
(بعد إشراق): بعد أن كانت مشرقة منيرة.
(وقامت بأهلها على ساق): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد بذلك الشدة، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ }[القلم:42].
وثانيهما: أن يكون غرضه استعدادهم للزوال عنها؛ لأن من استعدَّ للمسير، يقال فيه: قام على ساق.
(وخشن منها مهاد): الضمير للآخرة، والمهاد: المستقر.
(وَأَزِفَ منها قِياد): الأزوف هو: الإسراع والعجلة، والقِياد: مصدر من قاده يقوده قياداً وقَوْداً إذا جذبه بزمامه، ومنه قولهم: فلان حسن القِياد إذا كان ليِّن العريكة .
(في انقطاع من مدتها): في تعلق الظرف وجهان:
أما أولاً: فبأن يكون متعلقاً بدنا في قوله: حين دنا من الدنيا الانقطاع.
وأما ثانياً: فبأن يكون متعلقاً بقامت، أي وقامت على الشدة في انقطاع عمرها ومدتها.
(واقتراب من أشراطها): أعلامها وأماراتها الصادقة الدالة على وقوعها.
(وتَصَرُّم من أهلها): بالموت والقتل.

(وانفصام من حلقتها): انكسار، من فصمه إذا كسره، وأراد تغيُّر من حالها.
(وانتشار من سببها): انتشر الأمر إذا تفرَّق وتشتت.
(وعفاء من أعلامها): دروس واضمحلال من آثارها.
(وتكشف من عوراتها): الغرض من ذلك بدؤ المساءات منها بما تظهر من الحوادث والتغيرات العظيمة.
(وقصر من طولها): يشير إلى نقصانها الآن بعد أن كانت تامة من قبل بالتجدد والإقبال.
(جعله الله): يريد حين بعثه إلى الخلق من الجن والإنس.
(بلاغاً لرسالته ): إما مُبَلِّغاً لما أرسل به، كما قال تعالى: {بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }[المائدة:67]، وإما كفاية بها لا يحتاج معه إلى غيره في الهداية إلى الدين والشريعة، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ }[الأنبياء:106].
(وكرامة لأمته): لما خصه من الرأفة والرحمة والحنو عليهم، والتعطف على هدايتهم، كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ }[التوبة:128] والعنت: التعب والمشقة {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[التوبة:128] ويقال: إن الله تعالى ما جمع اسمين من أسماء نفسه إلا هاهنا في حق الرسول ؛ رفعاً لمكانه وإشادة لمنزلته عنده.
(وربيعاً لأهل زمانه): لما فيه من الحياة للقلوب بالعلم، وتزكية النفوس بالتذكير لأمور الآخرة، كما كان الربيع حياة للنفوس بحصول الأقوات والأرزاق والثمرات.
(ورفعة لأعوانه): إعلاءً لمنزلة من أعانه، وإشادة لمنزلته.
(وشرفاً لأنصاره): بالإسلام والمتابعة له، والتمسك بشريعته، ولا شرف أعلا من ذلك.
(ثم أنزل عليه كتاباً ): يريد القرآن.

(نوراً لا تُطْفَأُ مصابيحه): انتصاب نوراً إما على عطف البيان، أوعلى البدل من كتاب قبله ، وأراد أن ما اشتمل عليه من الأحكام والأسرار والدقائق، فلا سبيل إلى تغيرها وزوالها.
(وسراجاً لا يخبو توقده): خبت النار تخبو إذا انطفت، والتوقد: التلهب للنار، وأراد أن نوره لا ينطفي استعارة في ذلك.
(وبحراً لا يدرك قعره): لا ينال منتهاه، ولهذا فإنك تجد جميع العلماء وسائر الفضلاء في كل فن على ممر الأزمنة، وتكرر الدهور من يوم نزوله إلى يومنا هذا لا يزالون يستخرجون منه الأسرار والدقائق والرموز، فهي لا تزال غضة طرية .
(ومنهاجاً لا يضل من نهجه): وطريقاً لا يضل عن الحق من سلكها.
(وشعاعاً لا يظلم ضوؤه): أي لايزول نوره.
(وفرقاناً لا يخمد برهانه): وتفرقة بين الحق والباطل لا يطفئ، من قولهم: خمدت النار إذا انطفت وزال لهبها.
(وبنياناً لا تهدم أركانه): بالتغير والزوال.
(وشفاء لاتخشى أسقامه): أي لا يخاف عليه طرؤ الأسقام والأمراض.
(وعزاً لا تهزم أنصاره): يُغلبون ويُقهرون.
(وحقاً لا تخذل أعوانه): يُغلَبُ الناصرون له، ولا يقهرهم أحد .
(فهو معدن الإيمان): يريد القرآن؛ لأن منه تؤخذ أعلامه وأحكامه.
(وبحبوحته): وسط الشيء وخياره، قال جرير:
قومي تميم هم القوم الذين هم
ينفون تغلب عن بحبوحة الدار
(وينابيع العلم وبحوره): أي أنه صار للعلوم بمنزلة الينبوع الذي لا ينزف، والبحور التي لا تساحل .
(ورياض العدل وغُدرانه): بمنزلة الروضة في راحة النفوس إليه، والغدير المملؤ في نشاط القلوب إلى رؤيته.
(وأثافيُّ الإسلام): جمع أثفية، وهي: أفعولة، وهي: عبارة عن أحد الأحجار التي يستقرعليها الْقِدرُ.
(وبنيانه): الذي تستقر عليه أركانه.

(وأودية الحق): التي فيها يسلك لأخذه.
(وغيطانه): الغايط هو: المكان المطمئن، وجمعه غوط وغيطان.
(وبحر لا ينزفه المستنزفون): يُذْهِبُه ويُزِيْلَه الطالبون لإنزافه.
(وعيون لا ينضبها الماتحون): المستقون له، وقد مر تفسير الماتح.
(ومناهل لايغيضها الواردون): غاض الماء إذا ذهب، وأراد أنه لا يذهبه الواردون له وإن كثروا.
(ومنازل لا يضل نهجها المسافرون): النهج هو: الطريق، وأراد أنه بيِّن واضح لا يخفى على أحد.
(وأعلام لا يعمى عنها السائرون): إليها، والسالكون طريقها.
(وإمام لا يجور عنه القاصدون ): لا يعدل عنه من قصده وأراده.
(جعله الله رياً لعطش العلماء): يرتوون منه عند عطش أكبادهم في العلوم كلها، فيأخذون منه هذه الأسرار، فتروى أكبادهم بأخذها منه.
(وربيعاً لقلوب الفقهاء): يأخذون منه الأحكام الشرعية التي يرتاحون إليها كارتياح الخلق إلى الربيع.
(وفجاج لطرق الصلحاء): يسلكون فيها إلى الجنة.
(ودواء): عن أمراض الذنوب والخطايا.
(ليس بعده داء): لمن استعمله وتداوى به.
(ونوراً ليس معه ظلمة): تخالطه وتلتبس به، وأراد أنه حق لا باطل معه.
(وهدى لمن ائتم به): اقتدى به في جميع أحواله وأموره، وجعله هداية له حيث كان.
(وحبلاً وثيقاً عروته): لا تنقطع بمن استمسك بها، وكان القياس وثيقة عروته، لكن لما كان تأنيث العروة غير حقيقي جاز تذكير وثيقة.
(ومعقلاً منيعاً ذروته): المعاقل: الحصون، والذروة: أعلا الشيء، وأراد أنه حصن من الذنوب ذروته عالية منيعة.
(وعزاً لمن تولاه): تبعه، وانقاد لأمره وحكمه .

(وسلماً لمن دخله): أي سلامة لمن تلبس به عن جميع ما يخشاه، أو على جهة التشبيه؛ لأن السلم هو الصلح، [أي هو الصلح] لمن دخل فيه عن الحرب والقتل وغير ذلك من عواقب الحرب.
(وعذراً لمن انتحله): انتحل فلان كذا إذا ذهب إليه، ومنه النحلة وهي: المذهب، وأراد أنه غاية الحق لمن تلبس به وذهب إليه.
(وبرهاناً لمن تكلم به): أي حجة قاطعة لمن تكلم على وفقه من غير مخالفة له.
(وشاهداً لمن خاصم به): يشهد له بالفَلْجِ، والصحة في الأمر والدعوى.
(وَفَلْجاً لمن حاجَّ به): أي أنه لمكان قوته واستمراره على الحق يَفْلُجُ كل من حاجَّ به وجعله حجة له.
(وحاملاً): على الحق والطريقة المرضية، والحجة الواضحة.
(لمن حمله): اقتدى به، واهتدى بهديه.
(ومطية لمن أعمله): في طريق الحق، والمسيرإليه.
(وآية لمن توسم): للناظر الحاذق المتفرس الماهر، وأراد أنه علامة لمن أراد معرفة سمة الشيء وعلامته عن تحقق واستبصار.
(وجُنَّة لمن استسلم ): إليه في جميع أموره فهو حجاب له وستر عن كل مكروه في دينه ودنياه.
(وعلماً لمن وعى): حفظه لا علم أنفع منه.
(وحديثاً لمن روى): أي لا حديث أحسن منه ولا أعجب، كما قال تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ }[الزمر:23].
(وحكماً لمن قضى): أي يحكم به من أراد إنفاذ الأشياء على وجهها وطريقها.

(180) ومن كلام له عليه السلام يوصي به أصحابه
(تعاهدوا أمر الصلاة): اجعلوها على خواطركم وأذهانكم.
(وحافظوا عليها): إما على أركانها بالتمام، وإما على أوقاتها بالمراقبة.
(واستكثروا منها): من فعلها وأدائها.
(وتقربوا بها): إلى الله تعالى وإلى الفوز برضوانه وثوابه وغفرانه.
(فإنها كانت على المؤمنين كتاباً): مكتوبة مفروضة على من صدّق بالله، وصدّق برسوله، فلا ينكرها إلا مرتد كافر.
(موقوتاً): إما موقتة لها أوقات تخصها، وأزمنة تُؤَدَّى فيها من غير مخالفة، وإما معلومة بأعلام، ومشروطة بشرائط وكيفيات مخصوصة، لا تكون مجزية إلا بتمامها وإكمالها.
(ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ })[المدثر:42]: يعني النار وهي : اسم من أسمائها، ولها أسماء: كالجحيم، وجهنم، وسقر، ولظى، إلى غير ذلك من الألقاب.
({قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ })[المدثر:43]: أراد التنبيه على أن استحقاقهم للنار إنما كان من أجل تركهم للصلاة، ولولا قوله: {وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ }[المدثر:46] لكان فيه دلالة قاطعة، وبرهان واضح على بطلان من زعم من المرجئة أن الفسَّاق بترك الصلاة [لا] يدخلون النار ويعذبون فيها، فالكون في سقر إنما هو في حق من جمع هذه الخصال لا غير، فلهذا لم يكن ذلك حجة عليهم.
(وإنها لتحتُّ الذنوب حتَّ الورق): أراد أنها تسقط ما كان من الذنوب الصغار، وتزيله كما تزول الأوراق اليابسة عن منابتها وتمحوها، فأما العقوبات المستحقة على الكبائر الموبقة فلا سبيل إلى إسقاطها إلا بالتوبة.

(وتطلقها إطلاق الرِّبَقِ): أراد وتزيلها عن الكتب والدواوين التي دونت فيها كإطلاق أولاد المعز عن الربق التي وضعت رءوسها فيه، والرِّبَقة: حبل تُجعل فيه حِلَقٌ تُدْخَل فيه رءوس أولاد الضأن والمعز.
(وشبهها رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم] بالحَمَّة تكون على باب الرجل): الحمة هي: العين الحارة، وقوله: تكون على باب الرجل مبالغة في القرب؛ حتى لا يمشي لها مكاناً بعيداً.
(فهو يغتسل منها كل يوم خمس مرات ): يريد صلاة اليوم والليلة، فإنها خمس صلوات: صلاتان بالليل، وهو: المغرب، والعشاء الآخرة، وثلاث بالنهار: الظهر، والعصر، والفجر.
(فما عسى أن يبقى عليه من الدرن): من عُفونة الذنوب ودرن الخطايا، كما لا تُبْقِي الحمة من الكدر والوخم شيئاً، والحديث من جهة الرسول في ذلك مشهور، فإنه قال: ((مثل هذه الصلوات كمثل نهرٍ جارٍ على باب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن)) .
(وقد عرف حقها من المؤمنين ): المصدِّقين بوجوبها، والقائمين بحقها، والعارفين بفائدتها ومنفعتها.
(الذين لا تشغلهم عنها): عن تأديتها وتحصيلها.
(زينة متاع): من الدنيا ولذاتها وما تزين منها.
(ولا قرة عين): ما يقر العين ويلذها .
(من ولد ولا مال): وهما أعظم ما تقرُّ به النفوس وتطرب إليه، ثم تلا قوله تعالى: ({رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ})[النور:37].
(وكان رسول الله [صلى الله عليه وآله] نَصِباً بالصلاة): النصب: التعب، وأراد أنه كان متعباً لنفسه بالصلاة.

ويروى ((أنه صلى حتى اسمغدت قدماه))، وروي ((حتى انتفخت قدماه))، فقيل له: يارسول الله، أليس قد غفرالله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: ((أولا أكون عبداً شكوراً )) : يريد فهذه نعمة عظيمة فيكون شكرها العبادة لله تعالى، والقيام بحقه.
(بعد التبشير له بالجنة): بعد أن أعطاه الله الجنة وبشَّره بها، حيث قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }[الضحى:5] وغير ذلك من الآيات.
(لقول الله تعالى): تعليل لما حكاه من نَصبِ الرسول بالصلاة.
({وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ })[طه:132]: بالقول والوعظ، والزجر لهم عن تركها.
({وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا })[طه:132]: بالأداء، افتعال من الصبر، فكان الأمر لأهله باتخاذها وأدائها، وأمره بالا صطبار عليها والمداومة لها.
(فكان يأمر أهله ): امتثالاً لأمرالله.
(ويصبر عليها نفسه): بالفعل والإكثار منها.
(ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة): أراد بهذه المعية من حيث أن الله تعالى قرنهما في كتابه الكريم، فما أمربالصلاة إلا وأمر بالزكاة معها في أكثر الآيات، كما قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ }[البقرة:43] وغيرذلك، ومن ثمَّ أردف الفقهاء مسائل الزكاة على مسائل الصلاة في المصنفات الفقهية، مع تباعد أمرهما من حيث كان إحداهما عبادة متعلقة بالأبدان، والأخرى عبادة متعلقة بالأموال، فجعلها الله تعالى:
(قرباناً لأهل الإسلام): القُرْبَان: اسم لما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى من الطاعات، كما قال تعالى: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً }[المائدة:27].
(فمن أعطاها): أهلها، ومستحقيها من أهل المصارف الثمانية التي ذكرها الله في كتابه.

(طيبة بها نفسه ): سخية بها نفسه، من غير إكراه ولا إجبار من أحد له.
(فإنها تُجْعَلُ له كفارة): من خطاياه وذنوبه.
(ومن النار حجازاً ووقاية): الحجاز: ما يكون حائلاً بين الشيئين، والوقاية: اسم لما يقي من حر أو برد أو غير ذلك.
(فلا يتبعها أحد نفسه): يريد أنه إذا أ عطاها فلا ينظرها بعين الاستكثار ولا يمدنَّ عينيه نحوها استعظاماً لأمرها، وقوله: فلا يتبعها أحد نفسه، من غريب الكلام وفصيحه.
(ولا يكثرن عليها لهفه): حزنه وتأسفه.
(وإن من أعطاها): أهلها من إمام أو مستحق لها.
(غير طيب النفس بها ): عن كرهٍ، وشحٍّ وبخلٍ.
(يرجو بها ما هو أفضل منها): يزعمه من كثرة مال، وزيادة فيه ومحمدة الأشرار، وصرفها إلى من ليس من أهلها.
(فهو جاهل بالسنة): حيث صرفها في غير أهلها، وأعطاها من لا يكون مستحقاً لها.
(مغبون الأجر): منقوص الأجر والحظ.
(ضال العمل): لكونه عمل لغير الله فهو خاسر الصفقة.
(طويل الندم): على ذلك لكونه نادماً، ولا ينفعه ندمه لبطلانه وخسران أمره وذهابه.
(ثم أداء الأمانة): ما اؤتمن عليه الإنسان من وديعة أو رسالة، أو غير ذلك من أنواع الأمانات.
(فقد خاب من ليس من أهلها): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد أن من ليس مؤدياً لها وهو خائن فيها، فهو خائن خاسر بالخيانة في أمانته.
وثانيهما: أن يكون غرضه أن من ليس يصلح أن يكون أميناً على وديعة، فقد خاب وخسر سعيه؛ لأن ذلك إنما كان من أجل فسادٍ في ديانته، وركةٍ في حاله.

(إنها عرضت على السماوات المبنية): بناءاً عظيماً، والمحكمة إحكاماً لطيفاً بديعاً، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ] }[الذاريات:47] وقال: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً }[البقرة:22].
(والأرضين المدحوة): المبسوطة، من قولهم: دحاه إذا بسطه، كما قال تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }[النازعات:30].
(والجبال ذات الطول): البالغة في الطول كل غاية.
(المنصوبة): الذاهبة في الجوّ ذهاباً شديداً.
(فلا أطول، ولا أعرض، ولا أعلى، ولا أعظم منها): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد بذلك السماء والأرض والجبال، فإنها مختصة بطول وعرض وعلو وعظم، لا يعلم حاله ووصفه إلا الله تعالى.
وثانيهما: أن يريد بذلك الجبال وحدها؛ لكونه أقرب المذكورين، والأول أولى؛ لأن ذلك هو المقصود.
(ولو امتنع شيء لطول ، أو عرض، أو قوة، أو عز): لا ختصاصهنَّ كلهنَّ بهذه الأشياء.
(لا متنعن): عمَّا يعرض من الأمور، والحوادث العظيمة.
(ولكن أشفقن): خِفْنَ من تحمل الأمانة، والإشفاق هو: الخوف.
(من العقوبة): على التسهيل فيها، والخيانة في تحملها وأدائها.
(وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن): أراد وعَقَلْنَ عاقبة الأمر في ذلك، وهو الذي جهله من هو أشد منهنَّ ضعفاً في كل أموره وأحواله، بحيث لا نسبة لقوته إلى قوة أحدهن .
(وهو الإنسان): فإنه حملها.
({إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً })[الأحزاب:72]: فظلمه لنفسه بالمخالفة والمعصية، وجهله كان من حيث تحمَّل ما لا يقدر عليه، ولا يعلم حاله.
سؤال؛ ماهي الأمانة، وما وجه وصف الإنسان بكونه ظلوماً جهولاً بحملها، وما موقع هذا التمثيل، وحقيقة حاله؟

105 / 194
ع
En
A+
A-