(175)ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها المنافقين
(نحمده على ما وفَّق من الطاعة): سهَّلها ويسرَّها، وفعل من الألطاف لها.
(وذاد عنه من المعصية): وحمى بالألطاف عن فعل المعصية، والضمير في عنه راجع إلى الأمر، أي وذاد عن الأمر من المعصية، ومن ها هنا لبيان الجنس أي من الأمر الذي هو المعصية.
(ونسأله لمنته تماماً): ونطلب منه الإتمام لما منَّ به علينا من نعمه.
(وبحبله اعتصاماً): أي ونسأله الاعتصام عن المعاصي بحبله، وهو لطفه، كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً }[آل عمران:103].
سؤال؛ ما وجه المجاز في تعليق الاعتصام بالحبل، وهلا قال: وبحبله استمساكاً؟
وجوابه؛ هو أن العصام هو رباط القربة وسيرها، التي يُشَدَّ بها وتحمل به، قال ابن السكيت: أعصمت القربة إذا جعلت لها عصاماً، وأعصمت فلاناً إذا جعلت له ما يستمسك في الرحل والسرج؛ لئلا يسقط، وأراد ها هنا استعارته مما ذكرناه، لأنهم إذا لم يعتصموا بحبل الله وهو التعلق بالدين، سقطوا وهلكوا، وكان ذلك سبباً لهلاكهم، فلهذا قال: (وبحبله اعتصاماً) يشير إلى ما ذكرناه من هذه الا ستعارة.
(ونشهد أن محمداً عبده ورسوله): مضى تفسيره غير مرة.
(خاض إلى رضوان الله كل غمرة): الغمرة ها هنا هي: ما يغمر من الماء، وجعله ها هنا استعارة إلى تطلّب رضوان الله، باقتحام الشدائد العظيمة.
(وتجرَّع فيه كل غصة): الغصة: واحدة الغصص، وهي: الشجا، وجعله كناية عمَّا وقع فيه الرسول من العسرة باحتمال أعباء النبوة، والاضطلاع بأثقالها.

(وقد تلوَّن له الأدنون): يريد أن أقاربه، فعلوابه الأفاعيل، ودخلوا في الغدر والمكر به كل مدخل، فأهانهم الله تعالى وأنزل بهم نكاله، ولما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِي‍رَتَكَ الأَقْرَبِينَ }[الشعراء:214] صعد الصفا ثم قال: ((يا بني عبد المطلب، يابني هاشم، يابني عبد مناف، إنّي لا أملكُ لكم من الله شيئاً ، ياعباس، ياصفية عمة رسول الله)) ثم قال: ((ياعائشة بنت أبي بكر ، ياحفصة بنت عمر، يا فاطمة بنت محمد، افتدين أنفسكنَّ من النار، فإنّي لا أغني عنكنَّ [من الله] شيئاً)) .
(وتألب عليه الأقصون): تألب القوم إذا اجتمعوا، وكانوا إلباً واحداً، وأعظم ما تألبت عليه العرب قريش وأحلافهم من سائر العرب في يوم الأحزاب فإنهم كانوا يومئذ عشرة الآف، نزلوا بمجتمع الأسيال ، فأيَّده الله بالنصر وفرَّق جموعهم.
(وخلعت إليه العرب أعنتها): يقال: خلع فلان عذاره إذا بالغ فيما هو فيه من الفعل؛ لأن خلع العنان والعذار والرس من الفرس، هو: الغاية في استخلاص ما عنده من الجري، وجعل هذا كناية عن بلوغ جهدهم في العداوة.
(وضربت إلى محاريبه بطون رواحلها): المحاريب هي: المجالس الشريفة، والمساكن العالية الرفيعة، وقِبَلِ المساجد، وسميت محاريب لأنه يحارب دونها ويُذَبّ عنها من رامها، وأراد الوصول إليها، يقال: فلان تُضْربُ إليه آباط الإبل وبطون الرواحل وأكباد الإبل، وكله على اختلاف عباراته كناية عن السرعة والاجتهاد في تحصيل الشيء وإيقاعه.

(حتى أنزلت بساحته عداوتها): حتى هذه متعلقة بكلام محذوف تقديره: فاجتمعوا من كل جانب حتى أنزلوا، والساحة هي: ناحية الدار، والغرض ها هنا بنزول الساحة هو: الإذلال للعدو، والتمكن من استئصال شأفته، كما قال تعالى: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ }[الصافات:177] ولهذا يقال: قلَّما غُزِيَ قومٌ إلى عقر دارهم إلا ذَلُّوا.
(من أبعد الدار): على تباعد أوطانها، وتنائي ديارها.
(وأسحق المزار): أبعد المكان، قال الله تعالى: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }[الحج:31] وأراد أنهم رموه بالعداوة عن قوس واحدة.
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله): فإن حقكم متوجه عليَّ؛ لما وُلِّيته من إصلاحكم وهدايتكم.
(وأُحذِّركم أهل النفاق): الذين يظهرون الإسلام على ألسنتهم، وهم مُسِرُّوْنَ للكفر.
(فإنهم الضَّالُّون): ضلَّ عن الطريق إذا أخطأها، وأراد الضالّون عن الهدى وعن طريق الجنة.
(الْمُضِلُّون): لغيرهم عن الدين، وسلوك طريقه.
(الزالُّون): زلَّت رجله إذا زلقت عن مستقرها، وأراد أنهم مائلون عن الدين ومتنكبون عن طريقه.
(الْمُزِلُّون): لغيرهم عن الهدى، وطريق السلامة.
(يتلونون ألواناً): يدخلون كل مدخل، وأراد أنهم لا يثبتون على حالة واحدة.
(ويفتّنون افتناناً): الفتنة: المحنة، وافتتن الرجل إذا أصابته فتنة فذهب عقله وماله، وأراد أنهم يمتحنون الناس امتحاناً، ويذهبونهم بالمكر والخدع عن أديانهم.
(ويعمدونكم بكل عماد): يريد أنهم يحتالون في الفساد، وإعمال الآراء في الباطل كل حيلة.
(ويرصدو نكم بكل مرصاد): رصده إذا راقبه، وأراد أنهم يراقبون الأحوال يستمكنون من التوثب بالخدائع العظيمة، والأماني الكاذبة.

(قلوبهم دوية): فاسدة متغيرة، إما لمافيها من الكفر، وإما لما اشتملت عليه من الخدائع والمكر، فكل هذا يفسد القلب ويغيِّره.
(وصفاحهم نقية): النقاء هو: النظافة، يقال : فلان نقي الجيب ونقي الراحة، [ويقال: بيت فلان أنقى من الراحة] ، إذا كان لا متاع فيه، وأراد ها هنا أن ظواهرهم نقية، والبواطن منهم خبيثة لا خيرفيها.
(يمشون الخفاء): الخفاء منصوب على المصدرية، وهو في موضع الحال أي متخفين، كما قالوا: أرسلها العراك أي معتركة، وهل يكون قياساً أوسماعاً؟ فيه خلاف بين النحاة، وغرضه أنهم يمشون على جهة التستر لما يريدون من المكر بالخلق، والخديعة لهم.
(ويدبُّون الضراء): الضراء هو: الشجر الملتف المستتر، يقال: فلان يمشي الضراء لصاحبه، ويدبُّ الخَمر إذا بالغ في الخدع والمكر بصاحبه.
(وصفهم دواء، وقولهم شفاء): يريد ما يظهرون من الأوصاف فهو حسن، وما يصدر من أقوالهم فهو شفاء لمن سمعه، لمافيهم من الرقة، وحسن الموعظة.
(وفعلهم الداء العياء): أي وما يفعلون من أعمال الحيل في الاستزلال للخلق، فهو داء يُعْيِّي من عالجه، واجتهد في إصلاحه.
(حسدة الرخاء): جمع حاسد، كالكفرة والفسقة ، وأراد أنهم يحسدون كل نعمة أنعمها الله على عباده.
(مؤكِّدوا البلاء): أي يعظمون المصائب على الخلق ليستدرجوهم عن الثقة به ، والاطمئنان إلى خيره.
(وَمُقْنِطُوا الرجاء): القنوط هو: اليأس، وأراد أنهم يؤيسون الخلق عن رجاء الرحمة من الله تعالى، وتلقي الخير من جهته.
(لهم بكل طريق صريع): صرعت الرجل: إذا أوقعته لجنبه وخده، والصريع بمعنى المصروع كالقتيل [بمعنى المقتول] ، وأراد أن لهم في كل جهة أعمال مكر، وحصول خديعة.

(وإلى كل قلب شفيع): يريد أن إعمالهم الحيل لاتكون على حالة واحدة؛ وإنما تختلف أحوالهم في ذلك، فيأتون لكل أحد من طريق مخالفة لطريق غيره.
(ولكل شجو دموع): الشجا هو: الحزن، وقد شجي الرجل أي حزن.
(يتقارضون الثناء): أي يستعيرونه من جهة بعض لبعض بالألسنة؛ لما يبدو من ظاهر أحوالهم.
(ويتراقبون الجزاء): على الصنائع من بعضهم لبعض، وأراد أن صنائعهم فيما بينهم ليس فيها شيء لله، وإنما هي مصانعات لا خيرفيها.
(إن سألوا): غيرهم مسألة من المسائل.
(ألحفوا): ألحوا في المسألة، وبالغوا فيها.
(وإن عذلوا): الْعَذْلُ بذال منقوطة من أعلاها هو: الملامة، والعَذَلُ بالتحريك هو: الاسم منه، يقال: عَذَلَهُ عذلاً أي لامه ملامة.
(كشفوا): الحال، وأظهروا الفضيحة بصاحبها.
(وإن حكموا): بحكم بين الناس.
(أسرفوا): في الحكم بالحيف والبطلان بزيادة كان أو نقصان.
(قد أعدَّوا): أعددت الشيء إذا هيَّأته، قال الله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[آل عمران:133] أي هُيِّئتْ.
(لكل حق باطلاً): لكل ما يظهر من الحق ما يمحوه من الباطل المخالف له، والمعاكس لأمره.
(ولكل قائم مائلاً): ولكل ما كان مستقيماً على الحق ما يناقضه من المحال.
(ولكل حي قاتلاً): يبطل ما فيه من الحياة ويذهبها.
(ولكل باب مفتاحاً): يستخرجون ما فيه ويذهبونه بباطلهم ومكرهم .
(ولكل ليل مصباحاً): يسيرون فيه إلى قضاء مآربهم، وأراد من هذا كله أنهم دخلوا كل مدخل وأعدُّوا لكل شيء ما يناقضه ويبطل ماهيته، ويفسد حقيقته من أمور الدين والدنيا.
(يتوصلون إلى الطمع باليأس): فيه وجهان:

أحدهما: أن يريد أنهم يتوصلون إلى الأطماع الباردة بالمحالات الباطلة وبما ليس وصلة فيتوصلون إلى الشيء بنقيضه؛ إغراقاً في الباطل، وتهالكاًفي طلب المحال، فوضع قوله: إلى الطمع باليأس موضع ذلك.
وثانيهما: أن يريد أنهم يتوصلون إلى هذه الأطماع بإيئاس الخلق عن النفع من غيرهم، وأنه لا يوجد إلا في أيديهم فَيَطْمَعُون أموالهم بهذا الإيئاس، ولعل هذا مراده، ولهذا قال بعد ذلك وعلله بقوله:
(ليقيموا به أسواقهم): يحيونها وتستقيم صورتها؛ لأنهم إذا أيأسوهم من خير غيرهم جاءوا إليهم في طلب المنافع فاستقوت الأسواق عن الكساد، وظهرت قوتها بذلك.
(وَيُنْفِقُوا به أعلاقهم): العلق: الشيء النفيس، يقال: هذا ثوب علق إذا كان غالياً.
(يقولون فيشبِّهون): في مقالتهم الحق بالباطل،والصواب بالخطأ.
(ويصفون فيموهون): موَّهت الشيء إذا طليته بذهب أو فضة، وتحت ذلك نحاس أو حديد، ومنه التمويه؛ لأنه يظهر فيه شيئاً وباطنه بخلافه، ومراده من هذا هو أنهم يقولون قولاً ليس باطنه مثل ظاهره، ولهذا كان تمويهاً.
(قد هينوا الطريق): فيه روايتان:
أحدهما: بالنون وأراد أنهم جعلوها هينة، وسهَّلوها في الإباحة لكل شيء وإزالة لجام التكليف وتسهيل مشاقه بتركها.
وثانيهما: بالباء بنقطة من أسفلها أي جعلوا عليه شيئاً يهابه من سلكه فيكون مانعاً للسلوك والعبور، وأراد ها هنا طريق الجنة ومسالك السلامة.

(وأضلعوا المضيق): الضلَعُ: الميل والا عوجاج، وأراد المبالغة في منع السلوك في الطرق؛ لأن الضيق في الطريق مانع من سلوكها، فكيف إذا كانت معوَّجة مائلة مع ضيقها، فذلك يكون أبلغ في تعذر سلوكها، ونظيره في المبالغة قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ }[الهمزة:8] أي النار {مُؤصَدَةٌ }[الهمزة:8] أي مطبقة {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ }[الهمزة:9]، جمع عمود أي أنها مطبقة عليهم بإغلاق الأبواب عليهم، ومدَّ العمد على الأبواب وثاقاً بعد وثاق.
(فهم لُمّة الشيطان): اللُّمة هم : الثلاثة إلى العشرة، وأراد أنهم جماعة الشيطان وأعوانه وأحزابه.
(وحمَّة النيران): الْحَمَّة بالتشديد هي: أشد الحر.
({أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }[المجادلة:19]): فانظر إلى هذه الآية ما أحسن موقعها حيث أوقعها، وما أرشق وضعها في موضعها.
وقد ذكر هذه الخطبة في شأن أهل النفاق، بعد ذكره لأهل التقوى وصفاتهم، جرياً على عادته المألوفة في كلامه من الملاءمة، وحسن الطباق، وجودة النظم لألفاظه وبديع الاتساق.

(176) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها أحوال القيامة
(ال‍حمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه): السلطان الوالي، والسلطان: القدرة والولاية، والسلطان: الحجة والبرهان، والمراد ها هنا هو القدرة، وأراد أن الله أظهر من آثار القدرة وبدائعها وعجائبها، ومن ها هنا للتبعيض.
(وجلال كبريائه): الجلال: العظمة، والكبرياء هو: التكبر، وأراد ومن عظيم تكبره:
(ما حيَّر مُقَلَ العقول): الْمُقْلَةُ: عبارة عن تدوير العين وحجمها، وهو الذي يجمع السواد والبياض، وما ها هنا موصولة، وهي في موضع نصب مفعولة لأظهر، وحيَّرها أي أدهشها من الحيرة وهي: دهشة العقل وذهابه.
(من عجائب قدرته): من هذه بيان لقوله: (ما حيَّر) ولهذا يحسن مكانها التمييز، فيقول: ما حيَّر العقول إعجاباً واقتداراً.
(وردع خطرات هماهم النفوس): الردع: الكفُّ، والخطرات: جمع خطرة وهو ما يلم بالقلب من الأمور، والهماهم: ما يتردد في الصدر من الصوت.
(عن عرفان كُنْهِ صفته): عن تحقق غاية صفته.
(وأشهد أن لا إله إلا الله): الشهادة: المعاينة، والشهادة هي: الإخبار عن القطع، وهذا هو مراده ها هنا.
(شهادة إيمان): تصديق بأنه لا إله في الوجود إلا هو.
(وإيقان): أيقن بالشيء إذا قطع به، وأراد وتحقق بذلك.
(وإخلاص): عن الشكوك والشبهات العارضة في ذلك، أو إخلاص عن إشراك غيره في الإلهية.
(وإذعان): وذلة وخضوع، لأن من كانت هذه حالته وهو الانفراد بالوحدانية فيحق له أن يذعن لأمره وينقاد لحكمه.
(وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله): قوله: (أرسله) مع قوله: (رسوله) من باب التجنيس من أنواع البديع، وهو أن تجتمع لفظتان أو أكثر في الاشتقاق من أصل واحد، ومنه قول بعضهم:

لَقَد عَلِمَ الْقَبَائِلُ أنَّ قَومِي ... لَهُم حَدٌّ إِذَا لَبِسُوا الْحَدِيْدَا
(وأعلام الهدى): الشرائع والأحكام وسنن المرسلين.
(دارسة): مطموسة ممحوة.
(ومناهج الدين): طرقه ومسالكه.
(طامسة): إما مطموسة أي ممحوة، وإما ذات طمس وذهاب.
(فصدع بالحق): أظهره، من قولهم: صدع الفجر إذا ظهر.
(ونصح للخلق): بذل النصحية من أجل الخلق فيما دلهم عليه.
(وهدى إلى الرشد): من التوحيد وإزالة الأوثان وكسر الأصنام، وإلى الحكم والآداب الدينية.
(وأمر بالقسط ): العدل في كل شيء.
( صلى الله عليه وآله وسلم، اعلموا عباد الله أنه لم يخلقكم عبثاً): من غير غرض له في خلقكم ولا صلاح لكم في إيجادكم، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً }[ص:27].
(ولم يرسلكم هَمَلاً): يقال: إبل فلان هَمَل إذا كانت بغير راعي ولا حافظ لها، والْهَمَل والعبث مصدران، وانتصابهما إما على الحال، وإما على الصفة لمصدر كأنه خلقاً ذا عبث، وإرسالاً ذا إهمال .
(علم مبلغ نعمه عليكم): قدرها ومنتهاها وغايتها وقصاراها.
(وأحصى إحسانه إليكم): حصره وضبطه فلا يغادر من ذلك شيئاً.
(فاستفتحوه): ما عنده من الخيرات.
(واستنجحوه): مطالبكم كلها، فإنه لا لانجاح لها إلا من جهته.
(واطلبوا إليه): حوائجكم كلها في أمور الدين والدنيا.
(واستمنحوه): استعطوه من فضله من الْمِنْحَة وهي: العطية.
(فما قطعكم عنه حجاب): فما قطع سؤالكم عنه حجاب بينكم وبينه.
(ولا أغلق عنكم دونه باب): فيكون مانعاً عن سؤالكم ونفوذ حوائجكم إليه.

(وإنه لبكل مكان): يريد أمره، وليس على ظاهره لأنه تعالى غير مختص بجهة فضلاً عن أن يقال: إنه في كل الأمكنة والجهات.
(وفي كل حين وأوان): أراد أنه دائم الوجود من حيث كان وجوده لذاته،و ليس الغرض تحديده بوقت من الأوقات، فإنه سابق للأوقات وجوده.
(ومع كل إنس وجان): المراد بهذه المعية هي معية المراقبة والحفظ، فإن الله تعالى حافظ لكل شيء ورقيب عليه، وليس الغرض من ذلك المصاحبة، فإنه تعالى لا يكون في جهة كغيره من هذه المتحيزات، فأراد أنه رقيب على الإنس والجن في أعمالهم وحفيظ عليها.
(لا يثلمه العطاء): الثلم: الكسر، يقال: بسيفه ثلم إذا كسر بعضه، وأراد أنه لا يثلم جوده العطاء أي لا ينقصه عطاؤه على كثرته، والثلم ها هنا استعارة لأنه لا يعقل في حقه نقصان.
(ولا ينقصه الحِبَاء): حباه يحبوه إذا أعطاه شيئاً من نائله وجوده، وأراد أنه لا ينقص ملكه حباؤه للخلق، وإعطاؤهم من فضله.
(ولا يستنفده سائل): يطلب نفاد ما عنده من الخزائن سؤال سائل وإن عظم سؤاله وطلبه.
(ولا يستنقصه نائل): أي ولا يطلب نقصانه وذهاب ما عنده مستعطي، فإن كان النائل هو النول فهو على حذف مضاف، أي ذو نائل.
(ولا يلويه): يكفّه، من لوى الحبل إذا كفَّه وعطفه.
(شخص عن شخص): حاجة شخص عن شخص آخر.
(ولا يلهيه صوت عن صوت): سماع صوت عن سماع صوت آخر، كما يكون ذلك في حق الواحد منَّا، فإنه إذا اشتغل بحاجة اشتغل عن غيرها، وإذاسمع صوتاً شغله ذلك عن استماع آخر مثله.
(ولا تحجزه هبة): تمنعه أن يهب شيئاً من المواهب العظيمة.
(عن سلب): ناس آخرين نعمتهم .
(ولا يشغله غضب): انتقام من قوم قد استحقوا النقمة من عذابه.
(عن رحمة): قوم آخرين قد استحقوها لطاعة فعلوها.

102 / 194
ع
En
A+
A-